أحمد عمر
كان لرحلة مستر "بن" المصري، إلى ثغور برلين، ثمار وطنية وغلال اقتصادية وفيرة، أهمّها أنها أخرجت برلين من حداد الحرب العالمية الثانية إلى حدائق الحرب الكوميدية الثالثة، ولله الحمد والمنة.. فمصر الآن تصدر الكوميديا الخام إلى العالم. "سحيح"، من لم يمت بكلِم السيسي مات بكلماته.
اقرأ هذا الاستثمار الكوميدي الألماني، للكاتب الألماني كارل ستروم، في تغريدة عبر حسابه على شبكة تويتر، مع صورة للرئيس السيسي التقطت له وهو يحيي أنصاره من شرفة مقر إقامته في ألمانيا، مشنوقاً من بطنه بحزام البنطلون، وقوفه القيصري في الشرفة، وتلويحه للجماهير بحد ذاته مشهد كوميدي، حيث قال ساخراً: "السيسي في ألمانيا.. البنطلون يبدو أكثر ارتفاعاً مقارنة بكل شهر من الشهور التي قضاها الرجل في منصبه".
مصرياً؛ تحولت الرحلة إلى عرض مسرحي ضاحك، جعلت نيوب الليث عكاشة، سيف الانقلاب المسلول، ذات نفسه، بارزةً، فتهكم عليها.
وقد ترافقت الرحلة مع قاموس من الأسماء والتعابير مثل: فتاة برلين- عطفاً على رواية جرجي زيدان الشهيرة فتاة غسان- و"غزوة برلين"، و"ليلة خاصة في برلين"، و"السيسي وتهاني ميركل في قصة حب لا تنتهي" و"شات يور ماوس يا أنجيلا"، إلى أن نصل إلى التغزل برشاقة السيسي، وهو ينزل مدرج الطائرة على أنها انتصار وتحطيم لجدار برلين الثاني، الذي أقامه الإخوان بين مصر والألمان.
وأكبر عدد من "الإيفهات" السمعية والبصرية، نبدأ ببعض التأثيرات البصرية: السيسي مشغول بترتيب حركة شفتيه ضماً أو فتحاً تحضراً لقبلة سينمائية مشتهاة، فهو يعتمد في الترويج لسياسته "الدب لوماسية" على "خطاب الجيوكندا": وفلسفتها وهي الإصرار على مواجهة الجماهير بابتسامته الجان، التي "تلقف ما يأفكون"، فهو رجل علاقات عامة من الطراز الأول، ومندوب مبيعات ممتاز، ما أن تقع عين المستهلك عليه، حتى يشتري مياه البحر في غربال.
منظر الحليوة مع ابتسامته وترتيب شفتيه- حسب الفراهيدي- على بحر المتقارب: يجعل النساء يقطّعن أيديهن، ويقلن "حاش لله، ما هذا بشرا"..هذا حمار قبرصي.
أما الإيفهات السمعية، فهي، كلها حسب الفراهيدي، على البحر الميت: " ما بيجمعش" ويمكن جمعها في ديوان شعر حديث، وصارت أمثالاً لها عجلات ودواليب، مثل أمثال قصير بن سعيد في معجم الأمثال: "أنا طبيب .." طبعاً هو حكيم عيون يا سهام في العين ..
وهو محترف فن "التهابر" في رواية اسمها " لا أنام" على "الوسادة الخالية" من أجل أن تقف مصر على رجليها.. سيدفع المصريون والعرب ثمن حب الرئيس لفلم "ردّ قلبي" غالياً جداً.
سمعنا أيضاً أحد المخبرين المرافقين السنيدة يهتف بدلاً من منى البحيري في فتاة غسان: "شات يور ماوس".. إنها رحلة ابن فضلان إلى بلاد " أرب جد تالنت .."
خيّبت أنجيلا ميركل، كريمة الديمقراطية الألمانية، أملنا وقبلت خطبة الواد سيسي الشغال، سابي قلوب العذارى والأيامى والذكور شيباً وشباباً، القاتل التسلسلي في رابعة على الهواء مباشرة، استقبال الرؤوساء المحترمين، هو والفتوات الذين معه، فالمشير العسكري، أبو سمرة، بطل سور فلسطين العظيم، ومدمّر طور سيناء في الوادي المقدس طوى، وباني العازل، سد يأجوج ومأجوج، سد تواضرس والطيب، بين شعبين شقيقين، هما المصري والمصري، وآخرين هما المصري و الفلسطيني،.. يا عوازل فلفلوا ..
هكذا سيفعل جميع حكام الغرب المنتخبين ديمقراطياً.. وسنتباهى بمقالة صحيفة منصفة أو بتقرير من لجنة حقوقية غربية تبرهن على ديمقراطية الغرب المقدسة. التقارير المنصفة ستتهم من قبل حواة الصوت والصورة المصرية، بأنها موالية للتنظيم الدولي للإخوان، وقد نسمع يوماً أن افيجادور ليبرمان هو المرشد العام، كما نسمعهم يتهمون يومياً الإخوان بأنهم ماسونيون و ألمان!.
لعل انجيلا الجبالي لم تخيّب الأمل والرجاء. والمصافحة التي تمت بين السيسي وميركل هي تهنئة على سريان الصفقة الطويلة بين الغرب والشرق. ثمت فوارق طفيفة بين حكومات الدول الأوربية-وليس شعوبها- على احتكار الصندوق الانتخابي، ومنعه عن المسلمين، فالصناديق الانتخابية الغربية السياسية والجمالية والمالية هي التي تتفرد بانتخاب الزعماء الساسة، وملكات الجمال، وأفاضل الشخصيات المؤثرة في العالم غربية، إنها هي التي تصنع العالم، وأبطاله، ونجومه، وأوثانه.
سوريا التي يحبها الغرب مقاومة وممانعة من طرف واحد، في خصام عذري مع إسرائيل. تونس التي يحبها الغرب هي تونس في التسعين من العمر، والجزائر التي يهواها الغرب تمشي على مقعد ذوي الحاجات الخاصة، ومصر التي يفضلها الغرب هي مصر المضحكة، لا مصر الكنانة. لم يكن في الطائرة نقيب للفلاحين، أو نقيب للعمال، أو بائع سريح .. أما الأزهر فيبدو أنه لا يريد سوى عيش الآخرة، وجوائز دبي الفاخرة، فالحياة الدنيا لهو ولعب و..انقلاب يا حبّاب.
ولم يكن في الرحلة شيوخ للأزهر، حتى لو كان من أمثال الشيخ الضِرار مظهر شاهين أو أحمد الطيب جداً جداً. فضّل الغرب "البرئ من العنصرية" السيسي الأسمر على الأبيض مرسي! وهذا دليل آخر على سماحة الغرب تجاه الأعراق، اللون غير مهم .. المهم العقيدة يا آبلتي انجيلا. اصطحب السيسي معه ما تصور أنهم يمثلون مصر..وهم يمثلون على مصر، وراحوا كي يمثلوا على ألمانيا فلم "البيضة والحجر".
القرع يستوي في برلين، وصندوق الانتخابات حلّ محله شباك التذاكر من جديد بعد سنة أولى ديمقراطية في عهد مرسي. وثمت تحليلات تبرر استقبال تهاني ميركل للسيسي على أنها خضوع لصفقة شركة سيمنز، من أجل الرز الخليجي. أظنّ أن الغرب لن يسمح للتيار الإسلامي أن يصعد سواء كان من أجل عيون شركة سيمنز و أنما من أجل الأموال الخام، والعقول الخام، والكوميديا الخام التي تتدفق على الغرب المحتكر لصندوق الانتخاب، ومنعه عن المسلمين، من أجل العزِّ والرز.
ما يفعله السيسي أنه يصغر يومياً، ومعها مصر التي تقف على رأسها، ورقبتها باتت كالسمسمة، وأن مرسي هو الذي يكبر.
إذا جرى لمستر "بن" سوء، ومات في حادث بسكليتات، أو في حادث ضم شفتي الجوكندا، أو بلع ريق، أو في أكلة كفتة بدون رز، لا سمح الله، سنرى وجه السيسي على القمر، وكتائب بلاك بلوك مقنعة تحمل راية سوداء مكتوب عليها:
لبيك يا سيسي..
هزّل عنا ما استطعت يا سيسي..
والله لو قطعت بنا هذا الكاتو لقطعناه معك..
معظم العدل في الأرض مؤجل إلى يوم الحساب، بعضه يأتي على شكل غريب يجعلنا نقول إنّ لله جنداً من مهرجين....
"أَلَيْسَ اللَّهُ بِأحْكَمِ الحاكِمينَ".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق