الجمعة، 3 يوليو 2015

"الصندوق الأسود" سيناء.. من يزرع الشوك؟


سيناء.. من يزرع الشوك؟





تدخل سيناء، الخاصرة الشرقية لجمهورية مصر العربية، في ضنك لا لتخرج منه، بل لتتعمق أكثر في ضنك أبعد.

هكذا يعيش السيناويون، دون أن يشترط التضييق عليهم أو حتى فقدهم حياتهم أن يكونوا ضمن جماعات جهادية مطلوبة من إسرائيل أو مطلوبة من النظام المصري.

الفيلم الاستقصائي "سيناء.. من يزرع الشوك؟" قدم صورة عامة لسيناء التي يقول اللواء السابق في الجيش المصري عبد الرافع درويش، إن كل خير وشر لمصر كان يأتي منها، وصورة دقيقة للفصول الدامية التي تتوالى: فصل يكتبه الاحتلال الإسرائيلي منذ 1967 وفصل يكتبه الحل الأمني للنظام المصري.

مجرد منطقة عازلة

في الثلث الأخير من الفيلم نكون أمام مشهد واضح المعالم عنوانه "تنظيم ولاية سيناء" الذي يتبع تنظيم الدولة الإسلامية، ولكن قبل ذلك مقدمات قد يغفل عنها من يختصر المشهد، بدأت منذ توقيع اتفاقية كامب ديفد عام 1979، والتي أصبحت فيها سيناء مجرد منطقة عازلة بين إسرائيل ومصر، وضحية ابتلائها الجغرافي والسياسي.

انتعش الفكر الجهادي بعد اتفاقية كامب ديفد التي اعتبرها القيادي في الجماعة الإسلامية في مصر طارق الزمر صورة صارخة لضرب الوطنية المصرية والتسليم للمشروع الإمبراطوري الإسرائيلي في المنطقة.

في أواخر التسعينيات نشأ تنظيم "التوحيد والجهاد". وبحسب هاني السباعي من مركز المقريزي للدراسات الإسلامية والتاريخية في لندن، فإن تنظيم التوحيد كان البداية الحقيقية للجهاد بقيادة خالد مساعد.

التوحيد والجهاد

لم يكن الجيش المصري مكفَّرا لدى الجهاديين، فقد كان تنظيم "التوحيد والجهاد" يضع إسرائيل في عين المواجهة. وكان مساء الخميس السادس من أكتوبر/تشرين الأول 2004 -في الذكرى الحادية والثلاثين لحرب أكتوبر- الموعد الذي نفذ فيه التنظيم أولى عملياته في طابا، فقتل أكثر من ثلاثين بينهم 13 إسرائيليا.

ويصف رئيس لجنة فض المنازعات في سيناء حسام فوزي السنوات من 2004 حتى 2006 بالكارثية والأشد ظلما على أبنائها، الذين مورست ضدهم أشكال من التعذيب لم يعرفوها حتى تحت احتلال الصهاينة.

لكن مجيء الانقلاب جر السيناويين إلى منحدر أكثر بطشا. فقد تراجع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عما تعهد به يوم كان وزير دفاع، من أن الجيش لم ولن يتدخل في سيناء لأن مهمته أمن الوطن.

ويقول البرلماني السابق عن محافظة سيناء يحيى عقيل إن الانقلاب مثل عودة إلى حكم أمن الدولة والاعتقال العشوائي والسياسي والتهميش، وخروج الشباب إلى الجبل وحمل السلاح.

ويعلق يحيى عقيل أن أهل سيناء عرفوا أن الانقلاب "سيسوق نفسه خارجيا عن طريق حربه على الإسلاميين الجهاديين"، الذين أصبح اسمهم "أنصار بيت المقدس".

تكفير الجيش

ويوضح الصحفي والباحث الميداني إسماعيل الإسكندراني أن "أنصار بيت المقدس" لم يستهدفوا الجيش قبل أن يستهدفهم بمذبحة يوم 8 يوليو/تموز 2013 على يد الحرس الجمهوري، أما تخوين الجيش وتكفيره فوقع عقب مذبحة رابعة.

المختص الإسرائيلي بشؤون الجماعات الجهادية في سيناء زاك غولد، يبين كيف عملت إسرائيل ومصر ضد عدو مشترك، إذ نفذت إسرائيل غارة جوية في 9 أغسطس/آب 2013 فقتلت عددا من كوادر أنصار بيت المقدس.

ولم يمض إلا وقت قليل حتى غرقت سيناء في تعتيم إعلامي منذ سبتمبر/أيلول 2013، تخلله -بحسب أحمد مفرح من المرصد المصري للحقوق والحريات- تسجيل 549 حالة قتل خارج القانون، و7065 اعتقالا عشوائيا، و493 حالة تهجير وهدم بيوت، و314 إخفاء قسريا، ثبت أن الكثير منها كان مصيره الموت وإلقاء الجثث في العراء وفي الآبار.

يصل الفيلم في استقصائه إلى الروابط التي بدأت تتشكل مع تنظيم الدولة الإسلامية والتناقض بين جناحين في "أنصار بيت المقدس"، بين من يريد مبايعة أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم الدولة وبين من يرى أن ذلك قد يحولهم إلى حالة دخيلة على المجتمع السيناوي.

البيعة لتنظيم الدولة

لكن الباحث في شؤون الجماعات الجهادية في العالم ديفد روس، قال إن التنظيم تعرض لعملية استنزاف، والبيعة للبغدادي أتت بعد عمليات أمنية مصرية قتل واعتقل فيها عدد كبير، وبدا هذا فرصة لسيطرة المؤيدين لتنظيم الدولة. أما هاني السباعي فقال إن الجناح الذي لم يقبل البيعة لم يفصح عنها علنا، لأن ذلك -بحسبهم- لن يصب إلا في مصلحة السيسي.

أصبحت سيناء في جانب من الصورة "ولاية سيناء"، وهو الأمر الذي يقول طارق الزمر إنه وضع المنطقة في بؤرة التحالف الدولي، وأعطى ورقة للسيسي يستخدمها في محاربة "الإرهاب".

سيناء (61 ألف كيلومتر مربع) التي تمثل ضعفي مساحة وادي النيل، وثلاثة أضعاف إسرائيل، ومئتي ضعف لمساحة غزة، تضيق على أهلها المكلومين الـ380 ألفا.

فكم يحتاج الجرح السيناوي من زمن كي يبرأ، ومن في سيناء يقتلع الزيتون ليزرع الشوك؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق