الخميس، 25 ديسمبر 2025

حين يكون المتهم بالإرهاب هو من يكتب تعريفه!

 حين يكون المتهم بالإرهاب هو من يكتب تعريفه!


سيلين ساري


حين يتحدث سياسي غربي عن "الإرهاب"، يجب أن نتحسّس عقولنا ونتفقد أبناءنا، ونُحصي أسماء مدننا على الخريطة.. لأن التجربة علمتنا أن القنابل تُلقى ودماؤنا تسيل دائما بعد الخطب الأخلاقية. وحين يُضاف إلى كلمة الإرهاب وصفٌ ديني وتُربط الجريمة بالإسلام وحده، فاعلم أن القاتل لا يبحث عن عدالة، بل عن تبرير مسبق للجريمة التي سيرتكبها وأن الضحية قد جرى اختيارها سلفا.

تصريح دونالد ترامب عن "الإرهاب الإسلامي المتطرف يجب ان تتحد الدول لمواجهته" لم تكن زلة لسان، بل كان امتدادا لسردية قديمة، سردية تحتاجها الإمبراطوريات لكي تواصل القتل دون أن تنظر في المرآة، ودون أن ترى وجوه الأطفال الذين سقطوا باسم "العالم الحر". فالقاتل، قبل أن يضغط على الزناد، يحتاج أولا أن يجرّد الضحية من إنسانيتها، وأن يجعل من دينها جريمة تستحق العقاب.

الأندلس: بداية الارهاب والذبح على الهوية

تصريح دونالد ترامب عن "الإرهاب الإسلامي المتطرف يجب ان تتحد الدول لمواجهته" لم تكن زلة لسان، بل كان امتدادا لسردية قديمة، سردية تحتاجها الإمبراطوريات لكي تواصل القتل دون أن تنظر في المرآة، ودون أن ترى وجوه الأطفال الذين سقطوا باسم "العالم الحر"


في الأندلس قبل أن تُخترع كلمة الإرهاب كان المسلم يُقتل لأنه وجوده زائد، فالإسلام وقتها كان ذنبا يولد مع الطفل. لم يُقتل الناس هناك لأنهم حملوا سلاحا بل لأنهم حملوا أسماء عربية مسلمة. كان الطفل يُنتزع من حضن أمه، ليسأله الجلاد: هل تصلّي سرا؟ هل تتوضأ؟ هل تحفظ العربية؟

كانت الهوية وحدها كافية للموت. حُرقت الكتب لأن فيها قرآنا، وحُرقت الأجساد لأن فيها إسلاما، وحرقت اللغة والذاكرة، وأُجبر الناس على التخلّي عن اسلامهم.. أو الموت. في محاكم التفتيش، كان الشك جريمة، والهوية تهمة، والنار حلا إداريا. لم يُسمَّ هذا إرهابا حتى يومنا هذا؛ لأن السكين حملت صليبا، ولأن المنتصر لا يُدان.

الحملات الصليبية.. الدم باسم الرب

دخل الصليبيون القدس، وغاصت الخيول في دم الأبرياء، حتى قيل إن الدم بلغ رُكَب الخيل. لم يُسأل أحد عن الأطفال، ولا عن النساء، ولا عن المدنيين. كان القتل طقسا، وكان الرب شاهدا صامتا، وكان المسلم تفصيلا لا يُحسب.

الاحتلال الأوروبي.. الإرهاب بحرفية

في الجزائر.. مارس الاحتلال الفرنسي التعذيب، وأعدم المدنيين، ومسح قرى كاملة، ثم قال إنه جاء "لتمدين البرابرة".

وفي آسيا وأفريقيا، كان الاحتلال يقتل، ويُسكت الشعب، ليعلّم معنى النظام والخضوع. كان الإرهاب هنا مؤسسيا ومدروسا بلغة فرنسية أنيقة.

البوسنة: حين يكون الدين ذريعة للقتل

في البوسنة والهرسك.. في قلب أوروبا المعاصرة، رأى العالم كيف يُقتل المسلم لأنه مسلم، وكيف تُحاصر المدن، وتُغتصب النساء ويُقتلع السكان من منازلهم، وتُشنق الذاكرة كلها تحت شعار "السلام الأوروبي"، وتُسمّى المذبحة نزاعا طائفيا. هنا، ظهر العداء الغربي للإسلام بوضوح؛ المسلم أصبح رمزا للتهديد، حتى لو كان طفلا، امرأة، أو مسنا.

القرن العشرون: القتل كعلم ودولة

في فيتنام.. ذابت أجساد الأطفال تحت النابالم.

في كمبوديا.. مهد القصف الغربي لانفجار إبادة داخلية.

هيروشيما وناجازاكي.. في هيروشيما لم يكن هناك مقاتلون، كان هناك أطفال يذهبون إلى المدرسة. وفي ناجازاكي لم يكن هناك إرهابيون، كان هناك بشر تبخروا في ثانية. أكثر من مئتي ألف إنسان احترقوا دفعة واحدة. لو كان الفاعل مسلما لصارت الجريمة أسطورة سوداء، لكن الفاعل دولة عظمى، فصار الموت "ضرورة تاريخية".

العراق: الكذبة التي دفنت أمة

في العراق لم تكن هناك أسلحة دمار شامل، لكن كان هناك دمار شامل للبشر. مليون قتيل، مدن تدمرت، أطفال وُلدوا بلا أطراف، أمهات ينتظرن أبناء لن يعودوا، نساء ورجال تم اغتصابهم. الضحايا ماتوا وأصوات أطفالهم لم تُسمع، ولغتهم وذاكرتهم بقيت مطرودة.

الإرهاب هنا لم يكن سيارة مفخخة، بل جيش كامل دخل باسم القانون، وخرج تاركا بلدا مكسورا، ولم يسمّ ذلك أيضا إرهابا، بل مجرد خطأ استوجب اعتذارا باهتا.

فلسطين: الجريمة المباشرة التي لا تُسمّى

في غزة.. يُقتل الأطفال أمام الكاميرا، وتُمسح العائلات من السجلات، ويُحاصر شعب كامل، ثم يُسأل الضحايا: "لماذا لا تدينون الإرهاب؟".

وفي الضفة، يحرق المستوطنون القرى، ويقتلون على الهوية، وتحميهم الدولة والسلاح والقانون.
أما لو كان الفاعل مسلما، لضجّ العالم، لكن الفاعل حليف، فالقتل يصبح حقا في الدفاع عن النفس وعلى الضحية أن تثبت إنسانيتها أولا.. وعلى العدالة أن تبكي بصمت في الزاوية.

حين يكون المسلم ضحية يتغير القاموس..

في الصين.. تُمحى هوية الإيغور في معسكرات اعتقال ثقافي.

في ميانمار.. أُبيد الروهينغا، واغتُصبت النساء، وطُرد الشعب من قراهم.

في الهند.. يُقتل المسلم على الهوية، وتغتصب النساء وتنتزع الممتلكات وتهدم المساجد..

حين يتحدث ترامب عن "قوى الشر"، هو لا يرى هيروشيما، ولا بغداد، ولا غزة، ولا البوسنة، ولا الأطفال الذين لم يسمع أحد صراخهم؛ يرى فقط ما يخدم أسطورته ويحمي تاريخه من الحساب


ولا تُسمّى تلك الجرائم إرهابا بل "احتقانا اجتماعيا". القاعدة التي يتم التوصيف على أساسها هي.. حين يكون المسلم ضحية يُخفّف الوصف، وحين يكون متهما تُعمم الجريمة. العالم الغربي منذ قرون يربط بين الإسلام والخطر، ويحوّل الدين إلى سبب كافٍ للكره والإبادة.

هنا تظهر اسئلة تحتاج لإجابة:

- من الإرهابي؟ الإرهاب ليس لحية، ولا لغة، ولا صلاة؛ الإرهاب هو أن تقتل بلا حساب، وأن تملك القوة لتسمية القتل ضرورة، وأن تملك الإعلام ليُصدّقك العالم. فمن يملك الطائرات والقنابل النووية، والفيتو والمنصات الإعلامية، يملك أيضا اللغة ليقرر من هو شرير ومن بريء.

- لماذا يكره الغرب الإسلام؟ لأن الإسلام يرفض أن يكون تابعا، لأنه يملك ذاكرة، ولأنه لا ينصهر بالكامل في مشروع الهيمنة. لهذا كلما قُتل مسلم قيل: سياق معقد، وكلما أخطأ مسلم قيل: هذا هو الإرهاب.

صرخة ضمير..

حين يتحدث ترامب عن "قوى الشر"، هو لا يرى هيروشيما، ولا بغداد، ولا غزة، ولا البوسنة، ولا الأطفال الذين لم يسمع أحد صراخهم؛ يرى فقط ما يخدم أسطورته ويحمي تاريخه من الحساب.

لكن الحقيقة مهما أخفيت واضحة وقاسية.. الشر ليس إسلاميا، الشر هو أن تقتل، ثم تُنصب نفسك قاضيا تحاكم الضحية، وجلادا ينفذ فيها العقوبة، ثم تستمر في تكرار الجريمة بلا محاسبة.

حين يُعرَّف الإرهاب بصدق، سيُكتب اسمه الحقيقي يجب ان يكون هكذا.. إرهاب الغرب لا الشرق، إرهاب الدول.. قبل الجماعات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق