الثلاثاء، 23 ديسمبر 2025

ائتلاف المآذن

  ائتلاف المآذن

د. أسامة الأشقر

مؤرخ وروائي فلسطيني



1- هناك وحشةٌ في النزوح لا يدركها إلا الواقع فيها، فكل شيء بين الخيام والأنقاض أو بين البيوت المؤقتة يدفع المرء إلى الكآبة، وكل فراغ كان المرءُ يجد فيه السعةَ يغصّ بالقاطنين اللاجئين، فلا يجدُ المرءُ المَكْدود ما يختلي به لينفّس عن ألمه، فهو مشغول الحواسّ دائماً بصياح الصغار، ومطارق الأدوات المكوّمة على بعضها، ولا توجدُ خيمةٌ تكتمُ الكلام داخلَها، فكل كلمة فيها مسموعة في الخيام التي تحيط بها.

2- وبعد أن تهدّمت مئات المساجد، وخرّت سقوفها وجدرانها، وانتقَضت المآذنُ المرتفعة، وهالت القباب المستديرة، أصبحتَ تسير ساعات طويلة بين هذا الوجع الممتدّ فلا تكاد موضعاً تصلي فيه جماعةً، أو تجلس فيه لسماع موعظة، أو تختلي فيه لتناجي ربّك، وتدعوه.

3- وأحسب أن من أهم مشروعات الدعم النفسي اليوم أن نؤسس المصلّيات بين البيوت، وأن نخصص مواضع نعيد فيها رفع المآذن، يأوي إليها العابدون الباحثون عن السكينة وراحة البال ونقاش الأحوال، وتعزيز الشراكات الميدانية بين المانحين والمحتاجين؛ فهلّا ابتدَر القائمون على أمر النزوح والطوارئ، والمبادرون في الإيواء إلى إصلاح بال الناس بخصيص مواضع للمساجد الصغيرة والمصلّيات المؤقتة ذات الكلفة المحدودة حتى تَعْمُر القلوب، وتستعيد حريّتها وإرادتها واستقلالها!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق