لماذا زار 1000 قس إنجيلي أمريكي «إسرائيل»؟
محمد جمال عرفة
بين 3 و7 ديسمبر 2025م، سافر أكثر من ألف قس إنجيلي أمريكي إلى «إسرائيل»، بدعوة ممولة بالكامل بدعم من وزارة خارجية الاحتلال، للمشاركة في قمة «سفراء أصدقاء صهيون»، ضمن محاولات الاحتلال للدعاية والاستقواء بقاعدة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب المسيحية الإنجيلية «ماغا» بعد حرب غزة، بحسب مجلة «ذا أمريكان كونسيرفاتيف»، في 14 ديسمبر 2025م.
الجولة، بكل محطاتها الدينية والسياسية عكست محاولة منسقة لاستغلال الصهاينة لقاعدة ترمب الدينية (الإنجيليين) في الضغط عليه كي يلبي مطالب «إسرائيل» بعدما بدأ يعارض بعضها مثل ضم الضفة الغربية، وينتقد خرق الاحتلال اتفاق وقف النار في غزة.
كانت أشبه بمحاولة لإيصال رسالة مباشرة إلى الإدارة الأمريكية بأن أي ضغط على «إسرائيل» سيكون ثمنه سياسيًا داخل قاعدة ترمب الإنجيلية، ولدمج الخطاب الإنجيلي الأمريكي بالمشروع الاستيطاني في الضفة، وتشجيع إدارة ترمب على الاعتراف بالضم «الإسرائيلي» لها.
مؤسس متحف «أصدقاء صهيون» مايك إيفانز لخص الهدف من استقدام الدعم الإنجيلي لـ«إسرائيل» بقوله: إن «إسرائيل» لا يمكنها تحقيق الانتصار من دون دعم الإنجيليين.
ويعتقد كثير من المسيحيين الإنجيليين أن الله وعد الأرض المقدسة لليهود، وأن عودتهم إليها (فلسطين) من جميع أنحاء الأرض، وتجمعهم هناك سيُعجل بحرب نهاية العالم «هرمجدون»، وبالمجيء الثاني للمسيح؛ لذا فهم يدعمون الاحتلال كشأن ديني، ويؤمنون بالتوراة والإنجيل معًا.
وتزامن هذا الدعم الإنجيلي مع حديث صحف أمريكية عن تصاعد الانتقادات من جانب ترمب وإداراته لنتنياهو بسبب عرقلة اتفاقية غزة، ومحاولة «تل أبيب» التملص من الشق الثاني من الاتفاق، وأنباء عن شتم ترمب وإدارته لنتنياهو بعد اغتيال القيادي في «القسام» رائد سعد خشية انهيار وقف إطلاق النار في غزة وبعد تهديد «حماس» بالرد، وفق صحيفة «أكسيوس» الأمريكية، في 15 ديسمبر 2025م.
قصة الزيارة
عقب اندلاع حرب غزة وتصاعد الإبادة الصهيونية، وتدهور صورة الاحتلال في العالم وخروج مظاهرات ضد «إسرائيل» حتى في أمريكا، قررت وزارة خارجية الاحتلال القيام بعملية دعاية ضخمة لإعادة تلميع صورة «تل أبيب»، وكان التركيز على المجموعات المسيحية الإنجيلية والقساوسة خصوصًا باعتبار أنهم من يؤثرون على الرعايا المسيحيين.
ولأن هدف «الهاسبارا»؛ أي الآلة الدعائية «الإسرائيلية» الموجهة إلى الخارج، وهي منظومة علاقات عامة وبروباغندا إعلامية تعمل على تبرير سياسات وجرائم الاحتلال، خصوصًا تجاه الفلسطينيين، فقد تم استضافة وفد أمريكي يضم 1000 شخصية من رجال دين إنجيليين ومؤثرين في قطاعات «الميديا» الأمريكية في «تل أبيب».
وذلك للمشاركة في جهود هندسة الوعي والرأي العام، والترويج للسرديات الدعائية التي يشرعن فيها الاحتلال جرائمه التي يرتكبها بحق شعوب المنطقة، وذلك بهدف أن ينقل القساوسة والمؤثرون الألف الدعم الذي طلبته «إسرائيل» منهم إلى جماهيرهم التي تعد بالملايين في الولايات الأمريكية المختلفة.
كان الهدف الرئيس من زيارة هذا الوفد الضخم الحفاظ على دعم الأمريكيين للاحتلال بعدما ظهرت مؤشرات على تبدّد الدعم وتراجعه حتى في أوساط الجمهور الإنجيلي البروتستانتي، الذي يُشكل إحدى القواعد الانتخابية الراسخة للحزب الجمهوري، وفق صحيفة «يسرائيل هيوم».
لذا، قامت وزارة الخارجية «الإسرائيلية» مع مؤسسة «أصدقاء صهيون»، وبالتعاون مع مؤسسه مايك إيفانز، المستشار السابق لترمب، بدعوة هؤلاء القساوسة، لزيارة مواقع تاريخية يهودية ومقابر جنود الاحتلال القتلى في غزة لجلب تعاطفهم، والاستثمار في المظلومية التي تحترفها «إسرائيل» كي تظهر ضحية لا معتدية.
«إسرائيل» لن تنتصر دون الإنجيليين
وقد حاول قساوسة وحاخامات منهم مؤسس متحف أصدقاء صهيون مايك إيفانز الزعم أن «إسرائيل» تدير حرباً أيديولوجية (دينية ضد المسلمين) ولا يمكن تحقيق الانتصار فيها من دون دعم الإنجيليين، وقال: إن «الإسرائيليين» يمثلون 0.12% فقط من عدد السكان عالمياً، فيما يمثل الإنجيليون ما نسبته 9.7% من السكان حول العالم؛ لذا مطلوب من الإنجيليين نصرة «إسرائيل».
تمرير رسالة لترمب
ويقول المحلل «الإسرائيلي» جودي ملتس، في صحيفة «هاآرتس»، في 11 ديسمبر 2025م: إن تجميع هؤلاء الـ1000 قس إنجيلي أمريكي غرضه استغلاله في تمرير رسائل للرئيس الأمريكي ترمب بأن أنصاره المسيحيين يدعمون «إسرائيل» وعليه أن يستجيب لما يريدون لصالح «تل أبيب».
وأضاف: إن هدف حكومة نتنياهو أن ينقل هؤلاء القساوسة رسالة إلى البيت الأبيض، مفادها بأن أي ضغط على «إسرائيل» للتنازل عن مطالبها في احتلال الضفة وضمها لـ«إسرائيل» سيُعتبر خيانة ثقة، في نظر القاعدة الانتخابية الإنجيلية لترمب!
وأفضل طريقة لنقل هذه الرسالة بعثة تضامُن لرجال دين إنجيليين يزورون قلب أرض الكتاب المقدس، كما قال.
وكان نائب ترمب جي دي فانس أغضب كثيرين من الإنجيليين (فضلاً عن المستوطنين) خلال زيارته لـ«إسرائيل»، في أكتوبر 2025م، عندما أعلن أن الإدارة في واشنطن تعارض ضم الضفة الغربية إلى «إسرائيل»، وهو ما كرره ترمب.
وللضغط على ترمب ونائبه وقف قساوسة وأعلنوا خلال استضافتهم في «إسرائيل» أن حركة «MAGA» مبنية على هذا الكتاب «رفعوا التوراة والإنجيل»، وعلى إله هذا الكتاب، إله «إسرائيل».
ودعا القساوسة إلى الوقوف إذا كانوا يتفقون مع كلامه، قائلاً: أريد أن تُظهروا حماسة لم تظهروا مثلها من ذي قبل، لأنني أريد أن يرى الرئيس ونائب الرئيس ذلك، فلم يبقَ أي قسّ جالساً.
وقد دعا مؤسس «متحف أصدقاء صهيون» مايك إيفانز القساوسة إلى الوقوف وأداء الصلاة من أجل أن يوافق ترمب ونائبه على ضم الضفة لـ«إسرائيل» قائلًا: أيها السادة، أرجو أن تساعدونا مع ممثليكم في واشنطن على فرض القانون «الإسرائيلي» هنا فهو عدالة إلهية!
واعتبر إيفانز أن القساوسة مطالبون بإثبات أن قاعدة الدعم الإنجيلي لا تقبل أي سياسة أمريكية تعارض السيادة «الإسرائيلية» على الضفة، ولوح بكتاب التوراة مخاطبًا فانس: هذه ليست سياستك ولا سياستي، هذه كلمة الرب، يهودا والسامرة هي أرض الكتاب المقدس، فلا تضغط على «إسرائيل» لتقديمها لأعداء اليهود!
وهذه ليست أول مرة يستخدم فيها إيفانز المجتمع الإنجيلي لممارسة ضغط على ترمب في القضايا المتعلقة بـ«إسرائيل»، ففي مايو 2017م، خلال زيارة ترمب الأولى حرص إيفانز على ملء لوحات الإعلانات في القدس بعبارات تذكّره باثنين من وعوده الانتخابية الأساسية؛ الاعتراف بالقدس عاصمة لـ«إسرائيل»، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس.
وبعد أشهر، نفذ ترمب الوعدين، على الرغم من أنه من غير الواضح إلى أي مدى ساهمت تلك الإعلانات في تغيير السياسة الأمريكية الطويلة الأمد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق