الأربعاء، 17 ديسمبر 2025

أميركا في حالة حرب

 أميركا في حالة حرب

كاتبة وصحفية أميركية ومؤلفة كتاب "المنفى: رفض أميركا واكتشاف العالم".

يوم الأربعاء 10 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، اختطفت الولايات المتحدة ناقلة نفط قبالة ساحل فنزويلا، في خطوة جديدة ضمن العدوان المستمر على الدولة الواقعة في أميركا الجنوبية من قبل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وخلال الأشهر الأخيرة، دأبت الولايات المتحدة على تفجير قوارب صغيرة في البحر الكاريبي مع ركابها، والذين استنتج ترامب عبر "قدراته التخاطرية" أنهم مهربو مخدرات.

أعلن ترامب يوم الأربعاء أن السفينة المحتجزة كانت "ناقلة ضخمة، ضخمة جدا، في الواقع أكبر ناقلة تم احتجازها على الإطلاق".

الحرب الأميركية على فنزويلا تسبق بكثير موجة الإعدامات خارج القانون، وترويع الصيادين المحليين التي شهدها هذا العام

وعندما سُئل في مؤتمر صحفي عن وجهة السفينة التي جرى تغييرها، نصح ترامب الصحفيين بأن "يحصلوا على مروحية ويتابعوا الناقلة"، رغم أن الناس قد يكون لديهم سبب وجيه للحذر من التحليق فوق فنزويلا، نظرا لقرار ترامب الأحادي في نوفمبر/تشرين الثاني الذي أعلن فيه أن المجال الجوي للبلاد "مغلق بالكامل".

ومع ذلك، لم ينجح إغلاق المجال الجوي في منع رحلات الترحيل الأميركية المستمرة إلى فنزويلا.

وفيما يتعلق بمصير محتويات الناقلة القيمة، قال ترامب: "أفترض أننا سنحتفظ بالنفط".

ولا يفعل هذا التعليق الكثير لدعم الادعاء الأميركي بأنها لا تسعى إطلاقا وراء الاحتياطيات النفطية الهائلة لفنزويلا، بل تحاول فقط حماية نصف الكرة الأرضية من إرهابيي المخدرات الفنزويليين الأشرار الذين يسعون لإغراق الوطن بالفنتانيل ومنتجات فتاكة أخرى.

وبحسب خيال ترامب، فإن زعيم عملية الإرهاب المرتبط بالمخدرات ليس سوى الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو نفسه.

لا يهم أن فنزويلا لا علاقة لها تقريبا بالمخدرات التي تدخل الولايات المتحدة، ولا تنتج الفنتانيل أصلا.

وفي مثل هذه الأوقات، لا يسع المرء إلا أن يتذكر سلوك الولايات المتحدة تجاه دولة أخرى غنية بالنفط في مطلع القرن، عندما أشرف الرئيس جورج دبليو بوش على حملة قتل جماعي في العراق استنادا إلى ادعاءات مختلقة حول أسلحة دمار شامل.

ولكن في ثنايا الحديث عن احتمال نشوب حرب أميركية ضد فنزويلا- وهو ما ظل ترامب يهدد به منذ أشهر- فإن الحقيقة هي أن الولايات المتحدة تشن بالفعل حربا على البلاد.

وقد اعترف وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث، الذي أُعيدت تسميته مؤخرا "وزير الحرب"، بذلك حين عزا جرائم الحرب الأميركية ضد البحارة في منطقة الكاريبي إلى "ضباب الحرب".

لكن في الواقع، فإن الحرب الأميركية على فنزويلا تسبق بكثير موجة الإعدامات خارج القانون، وترويع الصيادين المحليين التي شهدها هذا العام.

فبعد دعمها انقلابا فاشلا عام 2002 ضد سلف مادورو، هوغو شافيز -الأيقونة الاشتراكية والشوكة في خاصرة الإمبراطورية- فرضت الولايات المتحدة عقوبات قاسية على فنزويلا في عام 2005.

وبحسب مركز البحوث الاقتصادية والسياسية في واشنطن العاصمة، فإن هذه العقوبات تسببت بأكثر من 40 ألف وفاة في البلاد في عامي 2017-2018 وحدهما.

وأي شخص يشك في القتل المتعمد الذي تنطوي عليه التدابير الاقتصادية القسرية، يكفيه أن يتذكر رد السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة حينها، مادلين أولبرايت، عام 1996 عندما سُئلت عن تقدير يفيد بأن نصف مليون طفل عراقي قضوا حتى ذلك الحين نتيجة نظام العقوبات الأميركي: "نعتقد أن الثمن يستحق ذلك".

وقد شُددت العقوبات على فنزويلا بشكل كبير من قبل ترامب في عام 2019، بنية مساعدة خوان غوايدو- تلك الشخصية اليمينية المجهولة نسبيا التي نصبت نفسها فجأة رئيسا مؤقتا لفنزويلا- في جهوده للإطاحة بمادورو.

لم تنجح تلك الجهود، وانتهى الأمر بغوايدو في ميامي، لكن العقوبات واصلت إلحاق دمار هائل. ففي مارس/آذار 2019، تفاخر وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو أمام الصحافة ببلاغة حول فاعلية الحرب الاقتصادية: "الدائرة تشتد. والأزمة الإنسانية تتفاقم كل ساعة… بإمكانكم رؤية الألم والمعاناة المتزايدين اللذين يعاني منهما الشعب الفنزويلي".

وبالفعل، بينما تقول الرواية الرسمية إن العقوبات تستهدف أصحاب السلطة، فإن الشعب هو الذي يدفع الثمن. ففي السنوات التي أعقبت فشل غوايدو في انتخاب نفسه، أصبح "الألم الذي يعاني منه الشعب الفنزويلي" أكثر وضوحا.

وبحلول عام 2020، قدر المقرر الأممي السابق ألفريد دي زاياس أن 100 ألف فنزويلي قد ماتوا بسبب العقوبات.

في عام 2021، أفادت خبيرة الأمم المتحدة ألينا دوهان بأن الحصار الاقتصادي جعل أكثر من 2.5 مليون فنزويلي يعانون من انعدام حاد في الأمن الغذائي. وهذا دون التطرق إلى تفشي أمراض كانت تحت السيطرة سابقا، وتوقف نمو الأطفال، ونقص المياه والكهرباء.

وفي سياق يمكن تصنيفه بسهولة ضمن فئة "لا يمكنك اختلاق مثل هذا الهراء"، فإن ترامب، في اللحظة نفسها التي يلاحق فيها مزعومين بتجارة المخدرات في فنزويلا، اختار أن يمنح العفو لخوان أورلاندو هيرنانديز، الرئيس اليميني السابق لهندوراس والمتهم نفسه بالتجارة بالمخدرات، والذي أدين العام الماضي في محكمة فدرالية أميركية.

وفي أكتوبر/تشرين الأول، فوض ترامب وكالة المخابرات المركزية (CIA) لتنفيذ عمليات سرية داخل فنزويلا، وهي الوكالة نفسها، للتذكير، المتورطة حتى أذنيها في تجارة المخدرات منذ الأزل. والآن، مع عملية اختطاف الناقلة، أكدت الإدارة احتقارها الشديد أي شيء يشبه الدبلوماسية المتحضرة.

قبل أيام تحدثتُ مع شاب فنزويلي التقيته في أدغال دارين عام 2023 وهو في طريقه إلى الولايات المتحدة- أحد ملايين الفنزويليين الذين أُجبروا على مغادرة منازلهم؛ بحثا عن حياة اقتصادية قابلة للاستمرار.

بعد أن كاد يغرق في النهر أثناء عبوره من المكسيك إلى الولايات المتحدة، تم اعتقاله لمدة شهر، ثم أُفرج عنه مؤقتا داخل البلاد. وبعد عامين، ألقي القبض عليه مجددا من قبل عناصر ICE في كاليفورنيا، واحتجز عدة أشهر أخرى، ثم رُحل إلى كاراكاس.

وعندما سألته عن رأيه في تحركات ترامب الحالية في فنزويلا، قال ببساطة: "لا أملك كلمات".

ومع اندفاع الولايات المتحدة نحو حرب سريالية جديدة مسلحة بأكاذيب فاضحة، تصبح الكلمات بالفعل عصية على البوح.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق