الأربعاء، 24 يوليو 2013

هل وقع مرسي في خطأ نواز شريف؟

هل وقع مرسي في خطأ نواز شريف؟

 شريف عبد العزيز

في غزوة الخندق في العام الخامس من الهجرة ، وفي أتون الحصار الذي فرضه الأحزاب على دولة الإسلام الوليدة ، استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه في أن يقوم بالتفاوض مع غطفان وهي أحد أقوى أجنحة الأحزاب على أن يفكوا ارتباطهم مع مشركي قريش ويهود المدينة ويعودوا من حيث أتوا ، وذلك نظير ثلث ثمار المدينة ، ولكن أصحابه الكرام رفضوا الفكرة تماما ، وأصروا على الصمود والمقاومة .
ما قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قاعدة من أهم قواعد التفاوض السياسي وقت الأزمات ، وهي قاعدة تفكيك جبهة الخصوم ، ومنع اجتماع الأعداء جميعا في كيان واحد يجعل من مواجهتهم مغامرة غير محسوبة العواقب وباهظة التكلفة . هذه القاعدة إذا غابت عن ذهن القيادة السياسية التي تواجه خصوما كثيرة فإنها عادة ما تلقى متاعب جمة ومتتابعة وغالبا ما تنتهي بالسقوط وهو ما جرى للرئيس المصري محمد مرسي ، ورئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف من قبل ، وكلاهما راح ضحية انقلاب عسكري قام به وزير الدفاع في كلا البلدين . والتشابه الحادث بين انقلاب العسكر المصري في 2013 ، والعسكر الباكستاني في 1999 ، قد حدا بالبعض للقول بتشابه أخطاء الرئيس مرسي مع نواز شريف لذلك استحق نفس مصيره الانقلابي . فهل فعلا وقع مرسي في نفس أخطاء شريف حتى يستحق نفس مصيره ؟  
نواز شريف تولى رئاسة وزراء باكستان عدة مرات خلال حقبة التسعينيات والتي شهدت لعبة كراسي موسيقية بينه وبين ألد خصومه السياسيين ـ بني نظير بوتو ـ حتى حسم شريف الصراع السياسي لصالحه في سنة 1997 ، وبعدها حقق شريف نقلة ضخمة في باكستان بدخول نادي الدول النووية سنة 1998 ، لتكون باكستان أول دولة مسلمة نووية ، وهذا الأمر لم يكن ليسكت عليه أعداء العالم الإسلامي وهم كثر ، فبدأ التوتر يدب في العلاقة بين شريف والجيش الباكستاني صاحب الكلمة العليا في الشأن الباكستاني منذ قيام الدولة سنة 1947 ، وجاءت الضربة الأولى إقالة نواز شريف لرئيس أركان الجيش الباكستاني " جهانكن كرامت" ، وتولى "مشرف " في خطوة لم يسبق لها مثيل في باكستان، وإن كان "كرامت " نفسه قد التزم الصمت بسبب ما أشيع عن تقاضيه لمبالغ ضخمة من نواز شريف ، وبدا للعيان أن كفة نواز ممثل الحكم المدني سترجح على كفة النفوذ العسكري الراسخ ، وهو الأمر الذى أغرى شريف بتكرار المحاولة مع قيادات الجيش الأخرى ، بغرض تعزيز سلطاته فقام بعدها بقليل بإقالة رئيس أركان حرب البحرية،كما سعى إلى الفصل بين الجيش والمخابرات ، ولكن الجيش كان لنواز شريف بالمرصاد حيث اجتمع قادة المجلس العسكري برئاسة " مشرف " من أجل التصديق على الحدود التى يتعين على شريف عدم تجاوزها ، فحاول شريف التخلص من الجنرال مشرف بعزله عن منصبه ، فكان ذلك بمثابة المسمار الأخير الذى دق فى نعش نظام حكمه المدنى .
العجيب أن الشعب الباكستاني أو على الأقل العديد من شرائحه قد استقبل قرار الانقلاب العسكري بارتياح كبير ، حتى أن سكان مدينة كراتشي قاموا بتوزيع الحلوى في الشوارع ، وأعرب الكثير من الباكستانيين عن رفضهم للحكم العسكري ولكنهم رأوا أنه أخف ضررا من مفاسد الحكم المدني ، والواقع أن هذا الترحيب بالانقلاب قد كشف عن عمق الأزمة والخلل فى المجتمع الباكستاني ، وهذا الخلل يجد نفسه فى الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التى سادت فى الفترة السابقة على وقوع الانقلاب، فعلى المستوى السياسي فقد حاول نواز شريف منذ تولية الرئاسة للاستفادة من أخطاء ولايته السابقة ( 1990 ـ 1993 ) ، فعمل على توسيع سلطاته ، فأدى ذلك إلى بدءا اصطدامه برئيس الدولة "فاروق ليجارى" ، ورئيس قضاة المحكمة العليا " سجاد على شاه " مستغلا فى ذلك الأغلبية البرلمانية التى يتمتع بها حزبه، وقد أدى هذا الصراع لإعلان الرئيس فاروق ليجارى استقالته فى ديسمبر 1998 واصفا نواز شريف ومن قبله بنظير بوتو بأنهما كانا يريدان سلطة مطلقة بدون رقابة، كما تم إقالة رئيس القضاة من جانب قضاة المحكمة العليا، كما قام نواز أيضا بمحاولة فرض المقربين إليه على الأقاليم الباكستانية مثل محاولته التى لم تحظ بالتأييد الشعبي  بتعيين "عوض على شاه " كحاكم لإقليم السند الجنوبي . أما على المستوى الاقتصادي فقد عجزت حكومة نواز شريف فى معالجة الأزمة الاقتصادية كما وعدت فى برنامجها الانتخابي ، بل أن الأوضاع شهدت مزيدا من التدهور، حيث وصل الاحتياطي من النقد الأجنبي لدى البنك المركزي الباكستاني نحو 14 مليار دولار فقط ، كما انخفضت الاستثمارات الأجنبية المتدفقة على باكستان فى عهده إلى 376 مليون دولار بعد أن كانت 600 مليون دولار سنويا ، ووقفت باكستان على حافة الانهيار الاقتصادي . أما على المستوى الاجتماعي فقد شهدت باكستان أحداث شغب طائفي بين الشيعة والسنة راح ضحيتها العشرات وألقي باللائمة فيها على نواز شريف نفسه بسبب مذهبه السني أولا ، وبسبب إفراجه عن أحد القيادات السنية ـ عزام طارق ـ والذي اتهمه الشيعة بأنه المسئول الأول عن حوادث العنف ضد الشيعة ، ونتيجة لذلك طالبت عدة أحزاب شيعية جعفرية مثل حزب " طريق الجعفري " الجنرال مشرف بالتدخل لإنقاذ الشيعة .
وعلى هذا الأساس فقد تفاعلت الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية فى تهيئة التربة المناسبة لنجاح الانقلاب العسكري الباكستاني الذي قاده مشرف على شريف . والجدير بالذكر أن الجنرال مشرف قام بعد ذلك بفترة بحل البرلمان وأعلن نفسه رئيسا لباكستان ، وفتح بلاده على مصراعيها للأمريكان في حربها على أفغانستان ، مما جر عليه سخط شعبي أخذ في التزايد حتى أطيح به هو الآخر بعد ذلك بعدة سنوات .
قد يبدو للوهلة الأولى أن تفاصيل الانقلاب العسكري الباكستاني شديدة التشابه مع نظيره المصري ، وأن الرئيس مرسي قد كرر نفس أخطاء نواز شريف ، ولكن الإنصاف يقتضي منا القول أن الرئيس مرسي قد وقع فعلا في العديد من الأخطاء ، ولكنها ليست الأخطاء التي جمّعت ووحدت خصومه السياسيين في جبهة واحدة مثلما حدث مع نواز شريف ، فنواز شريف بصداماته مع القضاء والجيش والأحزاب السياسية والطوائف الأقلية كان يبحث عن السلطة المطلقة والنفوذ الكامل وإقصاء تام لخصومه السياسيين ، في حين أن الرئيس مرسي كان يبحث عن مطلق السلطة وأصلها ، حيث كان يعاني من منازعة شديدة ومقاومة عنيفة من النظام البائد والدولة العميقة التي رفضت التعاون معه وعملت على إفشاله منذ اليوم الأول لولايته ، وحاولت مرة بعد مرة إسقاطه وإغراقه بشتى الوسائل ومن ثم كان على مرسي أن يأخذ إجراءات استثنائية مبكرة يجهض بها كل هذه المؤامرات التي لم تعد خافية لأي مصري ، وهنا كان خطأ مرسي الأكبر ، والحذر الأسطوري لجماعة الإخوان ، والتباطؤ في التعامل مع البيروقراطية العتيدة في مصر ، ولما أن أراد أن يأخذ هذه القرارات الثورية أو الاستثنائية كان الوقت قد تأخر والجبهات كانت توحدت ، والخطط قد استحكمت ، ولم يعد هناك وقت للتراجع ، ومن ثم كان الانقلاب 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق