الأربعاء، 31 يوليو 2013

مصر بين أنياب العلمانية المتوحشة


مصر بين أنياب العلمانية المتوحشة

 شريف عبد العزيز
في اجتماع عقد في صبيحة اليوم التالي للمجزرة الدامية عند منصة النصب التذكاري يوم السبت الموافق 18 رمضان، تداول عدة رموز من غلاة العلمانية في مصر مثل تهاني الجبالي وحلمي النمنم وفريد زهران وغيرهم مستقبل مصر الثقافي والسياسي والدستوري في مرحلة ما بعد الإطاحة عسكريًّا بالرئيس المنتخب محمد مرسي، وسواء أكان المجتمعون يعلمون بأن اللقاء مذاع على الهواء مباشرة عبر قناة الأون تي في المعروفة بأجندتها شديدة العداء للإسلام، أم غير مذاع، فإن أخطر ما جاء في الحوار بين المجتمعين وهم يحتسون المشروبات الباردة في نهار يوم شديد الحرارة من أيام رمضان؛ ما قاله الكاتب الناصري "حلمي النمنم" حيث قال: "من قال: إن مصر متدينة! مصر علمانية وستظل علمانية، وعلينا أن نستغل الفرصة التي قد لا يأتي مثلها، من أجل القضاء تمامًا على الإسلام السياسي، وهذا الأمر سيكلفنا دماء كثيرة، ولكن لا يهم في سبيل الدولة المدنية العلمانية" ثم أخذ يشن هجومًا شائنًا وقبيحًا على حزب النور السلفي رغم مواقف الحزب المؤيدة لما جرى يوم 30 يونيه.
فهل مصر فعلًا علمانية وليست متدينة أو إسلامية كما يقول هذا النمنم؟ أم أن مصر تمر الآن بفصل جديد من فصل الصراع الخالد بين الإسلام والعلمانية؟ ولكن بعد أن أصبحت للعلمانية شوكة وظهر سياسي وظهير عسكري، بحيث أصبحت علمانية وحشية على الطراز الكلاسيكي الأتاتوركي؟.
الواقع الذي لا يستطيع أحد أن ينكره أن مصر اليوم تشهد فصلًا جديدًا من فصول الصراع على الهوية والخصوصية، بين من يريد الحفاظ على النسخة الأصلية للهوية المصرية بمكوناتها الأصلية من الإسلام والعروبة والتاريخ والحضارة، وبين من يريد تسويق هوية جديدة وبديلة ومستوردة وهي الهوية العلمانية اعتمادًا على أن الدولة المصرية كانت عبر سنوات طويلة ذات توجهات علمانية واضحة، ولكنها لم تكن يومًا علمانية بمثل هذا القبح والضراوة كما حدث خلال الأيام القليلة التي مضت منذ الانقلاب العسكري على الرئيس المنتخب.
قضية الهوية قضية محورية، شغلت بال كل الناس على اختلاف ألسنتهم وعقائدهم؛ إذ إن كل جماعة أو أمة تعوزها الهوية المتميزة ليمكنها المعيشة والمحافظة على وجودها؛ فالهوية هي التي تحفظ سياج الشخصية، وبدونها تتحول المجتمعات إلى كيانات تافهة فارغة غافلة تابعة مقلدة مطموسة الشخصية؛ لأن للهوية علاقة أساسية بمعتقدات الأمم ومسلماتها الفكرية، وبالتالي تحديد سمات شخصيتها، فالأمم لا تحيا بدون هُوية؛ إذ الهُويَّة بالنسبة للأمة بمثابة البصمة التي تُميزها عن غيرها، وهي أيضًا: الثوابت التي تتجدَّد، ولكنَّها لا تتغيَّر، ولا يمكن لأمة تريد لنفسها البقاء والتميُّز أن تتخلَّى عن هُويتها، فإذا حدث ذلك فمعناه: أن الأمة فقدت استقلالها وتميُّزها، وأصبحتْ بدون محتوى فكري، أو رصيدٍ حضاري، ومن ثَمَّ تَتَفَكَّك أواصرُ الولاء بين أفرادها، وتتلاشى شبكة العلاقات الاجتماعية فيها. والنتيجة المحتَّمَة هي السقوط الحضاري المدوِّي؛ بل وتداعي الأمم عليها كما تداعى الأكَلة إلى قصعتها، فتأكل خيرها، وتغزو فكرها، وتطمس معالم وجودها، وتمحو أثرها من ذاكرة التاريخ.
والهوية المجتمعية معناها: تعريف المجتمع نفسه فكرًا وثقافة وأسلوب حياة، أو هي مجموعة الأوصاف والسلوكيات التي تميز المجتمع عن غيره، وهوية المجتمع هي مجموعة العقائد والمبادئ والخصائص التي تجعل المجتمع أو الأمة تشعر بالمغايرة عن الأمم والمجتمعات الأخرى، فهناك مجتمع إسلامي، ومجتمع علماني، وهناك نصراني، وأيضًا الشيوعي والرأسمالي، ولكل منها مميزاتها وقيمها ومبادئها، فإذا توافقت هوية الفرد مع هوية مجتمعه كان الأمن والراحة والإحساس بالانتماء، وإذا تصادمت الهويات كانت الأزمة والاغتراب.ومن هنا نفهم معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "بَدَأَ الإِسْلاَمُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا؛ فَطُوبىَ لِلْغُرَبَاءِ".
ومن هنا نقول: إنه مهما تسلطت النخب الثقافية والسياسية والإعلامية على عقول المصريين فإنها لن تستطيع أن تفرض عليهم نهجًا ونمطًا للحياة مغايرًا لما يعتقده المصريون ودرجوا عليه عبر مئات السنين، وأن المكاسب الوقتية التي حققتها العلمانية في العالم الإسلامي هي في حقيقتها جاءت عبر القهر والاستبداد وامتلاك أدوات القوة في فرض السيطرة وإملاء الأفكار وقسر الناس عليها قسرًا، فعلى الرغم من أن حكومات المنطقة العربية والإسلامية ظلت لعشرات السنين حكومات علمانية موالية للمنهج الغربي إلا إن المجتمعات والشعوب ظلت طوال هذه الفترات محتفظة بهويتها الإسلامية والعربية وصامدة بقوة أمام تيارات التغريب، لذلك كانت كلمات النمنم التي تقطر حقدًا من ضرورة سفك المزيد من الدماء من أجل فرض هذه الهوية العلمانية تحت مسمى الديمقراطية والدولة المدنية، كأن الديمقراطية وخيارات الشعوب ومكتسباتها السياسية لم تدهس تحت دبابات العسكر!
العلمانية في مصر الآن تريد أن تسرع من وتيرة فرض أجندتها على المصريين بالإقصاء الشامل والدموي للفكرة الإسلامية وأنصارها والمنادين بتطبيقها، استغلالًا للظرف الاجتماعي والسياسي القائم، وباستخدام كل أدوات القوة المتاحة من غطاء عسكري، وسعادة غربية، وحكومة تم تشكيلها من غلاة العلمانيين الذين يتصادمون مع الدين نفسه وليس مع أفكار الداعين لتطبيقه، وباستخدام آلة إعلامية جهنمية استطاعت أن تؤثر فعلًا على عقول كثير من المصريين عبر أدوات الإقناع والإبهار وترويج الأكاذيب والشائعات والشبهات حول الفكرة الإسلامية والهوية والمرجعية الإسلامية. ومن يتابع البرامج الإعلامية المذاعة في مصر هذه الأيام يكتشف حجم الدجل والتزييف المقدم باسم الإسلام والذي وصل لدرجة لا تكاد تصدق من التحريف لدين الإسلام. والأخطر من ذلك ما تقوم به هذه الوسائل الإعلامية من حملات تحريض عنيفة ضد أنصار التيار الإسلامي وصل لدرجة استهداف المتدينين على الهوية مثلما يحدث في أعتم فترات الاضطهاد الديني في أوروبا، فجرى استهداف الملتحين والمنتقبات بالإيذاء اللفظي والبدني، والذي وصل للقتل بدم بارد وبمنتهى الوحشية في معظم أنحاء البلاد، وانتهكت الجوامع وأحرقت المساجد.. في مشاهد لم تعرفها البشرية المعاصرة إلا في الدول الشيوعية مثل الاتحاد السوفيتي والصين والصرب. وذلك كله من نتاج وآثار مخططات ومؤامرات العلمانية المتوحشة التي يراد لها أن تحل بديلًا عن الهوية الإسلامية الأصلية للمصريين.
والذي قد لا يدركه القائمون على مشروع تسويق العلمانية المتوحشة في مصر الآن أن كل مؤامراتهم وخططهم الشيطانية ستذهب أدراج الرياح، وذلك لأن ثمة تيار إسلامي جديد يجري تشكيله وبلورته عبر ميادين مصر عمومًا وميداني رابعة والنهضة خصوصًا، تيار إسلامي يتجاوز الأطر الضيقة للأحزاب السياسية والجماعات الدعوية التنظيمية، يأخذ أفضل ما عندها ويترك ما فيها من محظورات وموازنات ومواءمات ومداهنات سياسية وحركية، تيار إسلامي وطني خالص لا يخضع للضغوط مهما كانت قوتها وبشاعتها، تيار إسلامي وطني يريد فعلًا إنقاذ البلاد دون أن يكون له أجندات سياسية أو مكاسب فئوية معينة، فقط خدمة الدين والوطن وإقامة سوق العدل والحق، وهذا التيار الذي يجري الآن تشكيله ومخاضه أصبح ماثلًا للعيان سيمثل بمشيئة الله عز وجل جيل التمكين الذي سيستبدل الله عز وجل به كل ما نراه من قيادات ورموز وجماعات وأحزاب أضرت بالمشروع الإسلامي أضعاف أضعاف ما نفعته.
يا سادة الفرز والتمحيص يجري اليوم في مصر على قدم وساق، فرز للمناهج والقيادات والرموز والأفكار والرؤى والجماعات والحركات، وسينتج في النهاية أفضل جيل عرفه العالم الإسلامي في العصر الحديث.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق