الجيش المصري بين ثورتين
الأزمة الحقيقية في مصر ترتبط في جزء مهم منها بموقف القوات المسلحة في ثورة يناير. فمع قيام ثورة جديدة أصبحت القوات المسلحة تخشى نهاية ثورة 23 يوليو/تموز 1952، وبداية عهد جديد يغير طبيعة الدولة المصرية، طبقا لخيارات عامة الناس، مما يغير أيضا من وضع القوات المسلحة، كما يغير عقيدتها العسكرية تبعا لخيارات الرأي العام.
ففي ثورة 25 يناير، سقط رأس النظام بعد ثمانية عشر يوما، ولم يكن هذا السقوط السريع إلا بسبب قلق قيادة القوات المسلحة على كيان الدولة. فالقوات المسلحة حمت الثورة، ووقفت على الحياد بين الثورة والنظام السابق، ولم تكن جزءا من الثورة، ولم تكن بالتالي جزءا من أهداف الثورة. ومنذ البداية، كانت قيادة القوات المسلحة تحاول الحفاظ على الدولة القائمة. وكانت الدولة القائمة تعني بالنسبة لقيادة القوات المسلحة طبيعة الدولة وسياساتها الرئيسية وسياساتها الخارجية، وأيضا النظام السياسي الذي كان قائما قبل الثورة.
ومنذ البداية اختارت قيادة القوات المسلحة طريق التحول الديمقراطي، وكان الاعتقاد السائد أن التحول الديمقراطي يمكن أن ينتج نظاما سياسيا يمثل امتدادا للنظام السابق، ولكن بصورة ديمقراطية. فأصبح تركيز قيادة القوات المسلحة على إحداث تغيير في الطبيعة الاستبدادية الفاسدة للنظام السابق، دون تغيير سياسات وطبيعة النظام نفسه.
لهذا عملت قيادة القوات المسلحة على إبقاء شبكات النظام السابق والدولة العميقة، حتى يبقى النظام السابق، كقوة فاعلة في المجال السياسي، ليس فقط كشبكات مصالح قوية وفاعلة ومؤثرة، بل أيضا كدولة عميقة مسيطرة على الدولة، وتتحكم عمليا في السلطة الفعلية على أرض الواقع. لتصبح الدولة العميقة جزءا مهما من مفردات العملية السياسية، وتحد من سلطة المنتخب لحساب سلطة أجهزة الدولة، خاصة المؤسسات المركزية للدولة، أي الجيش والقضاء والشرطة. وإبقاء الدولة العميقة فاعلة ومتحكمة يبقي شبكة الفساد عمليا، لأنهما كيان واحد.
ولهذا حاولت قيادة القوات المسلحة السيطرة على مسار الثورة، حتى تبقي الثورة، ولكن بعد أن تسيطر على النتائج التي تخرج عنها.
ففي ثورة 25 يناير، سقط رأس النظام بعد ثمانية عشر يوما، ولم يكن هذا السقوط السريع إلا بسبب قلق قيادة القوات المسلحة على كيان الدولة. فالقوات المسلحة حمت الثورة، ووقفت على الحياد بين الثورة والنظام السابق، ولم تكن جزءا من الثورة، ولم تكن بالتالي جزءا من أهداف الثورة. ومنذ البداية، كانت قيادة القوات المسلحة تحاول الحفاظ على الدولة القائمة. وكانت الدولة القائمة تعني بالنسبة لقيادة القوات المسلحة طبيعة الدولة وسياساتها الرئيسية وسياساتها الخارجية، وأيضا النظام السياسي الذي كان قائما قبل الثورة.
ومنذ البداية اختارت قيادة القوات المسلحة طريق التحول الديمقراطي، وكان الاعتقاد السائد أن التحول الديمقراطي يمكن أن ينتج نظاما سياسيا يمثل امتدادا للنظام السابق، ولكن بصورة ديمقراطية. فأصبح تركيز قيادة القوات المسلحة على إحداث تغيير في الطبيعة الاستبدادية الفاسدة للنظام السابق، دون تغيير سياسات وطبيعة النظام نفسه.
لهذا عملت قيادة القوات المسلحة على إبقاء شبكات النظام السابق والدولة العميقة، حتى يبقى النظام السابق، كقوة فاعلة في المجال السياسي، ليس فقط كشبكات مصالح قوية وفاعلة ومؤثرة، بل أيضا كدولة عميقة مسيطرة على الدولة، وتتحكم عمليا في السلطة الفعلية على أرض الواقع. لتصبح الدولة العميقة جزءا مهما من مفردات العملية السياسية، وتحد من سلطة المنتخب لحساب سلطة أجهزة الدولة، خاصة المؤسسات المركزية للدولة، أي الجيش والقضاء والشرطة. وإبقاء الدولة العميقة فاعلة ومتحكمة يبقي شبكة الفساد عمليا، لأنهما كيان واحد.
ولهذا حاولت قيادة القوات المسلحة السيطرة على مسار الثورة، حتى تبقي الثورة، ولكن بعد أن تسيطر على النتائج التي تخرج عنها.
عندما خرج الدستور الجديد ووافق عليه الشعب بالأغلبية، انطلق مسار الثورة في الطريق الذي يختاره الشعب بإرادة حرة، وأفشلت كل محاولات إعادة إنتاج النظام القديم عمليا، ولكن بقيت الدولة العميقة مسيطرة |
كما فشلت محاولات السيطرة على عملية وضع الدستور، حيث قامت قيادات القوات المسلحة بإصدار إعلان دستوري في مارس/آذار 2011، بدلا من إعادة دستور 1971 معدلا، حسب نتيجة الاستفتاء على التعديلات الدستورية، حتى يتاح لها مساحة من الحركة للسيطرة على عملية وضع الدستور.
ثم حاولت قيادة القوات المسلحة فرض إعلان مبادئ فوق دستورية ولم تنجح. ثم بدأت عملية السيطرة على اللجنة التأسيسية لوضع الدستور، حيث حلت اللجنة الأولى بقرار قضائي، ثم شكلت اللجنة الثانية تحت ضغوط القيادة العسكرية، ولكن التشكيل الجديد لم يكن كافيا لتمرير ما تريده القيادة العسكرية، الذي وضع في وثيقة المبادئ فوق الدستورية، والمعروفة باسم وثيقة السلمي. فجاء الإعلان الدستوري المكمل، في يونيو/حزيران 2012، ليعطي الحق لقيادة القوات المسلحة في تعيين لجنة لوضع الدستور، وهو ما فشل أيضا، بسبب إلغاء الرئيس محمد مرسي لهذا الإعلان.
وعندما خرج الدستور الجديد ووافق عليه الشعب بالأغلبية، انطلق مسار الثورة في الطريق الذي يختاره الشعب بإرادة حرة، وأفشلت كل محاولات إعادة إنتاج النظام القديم عمليا، ولكن بقيت الدولة العميقة مسيطرة، وبقيت السلطة الفعلية على أرض الواقع في يد المؤسسات المركزية في الدولة، خاصة الجيش والشرطة والقضاء.
ولما فشلت المحاولات الناعمة للانقلاب على ثورة يناير وتحويل مسارها لإعادة بناء النظام السابق من جديد، بدأت المحاولة الخشنة للانقلاب على الثورة، من خلال انقلاب عسكري.
فلما فشلت محاولات السيطرة على مسار ثورة يناير، بدأت عملية تصنيع ثورة جديدة تلغي ثورة يناير بالكامل، ثورة تقوم بها الدولة العميقة أساسا، وتخطط لها أجهزة مخابرات، وتديرها شبكات النظام السابق، ثم تحسمها القوات المسلحة بانقلاب عسكري ضد ثورة يناير، يرفع شعار ثورة جديدة، وهو واقعيا ليس إلا عودة للنظام السابق، بطبيعته وسياساته وحتى رموزه.
ثورة يونيو المصنعة لم تكن إلا محاولة لإعادة دولة يوليو ونظام يوليو وإجهاض ثورة يناير، وأيضا إجهاض أي محاولة لبناء دولة يناير، وإلغاء ثورة 25 يناير في الذاكرة الجمعية |
كما عملت القوات المسلحة، ومعها الدول الغربية الحليفة، خاصة أميركا، على تأسيس تحالف علماني موال للنظام السابق، حتى يكون قوة سياسية تعمل لصالح مخططات الحفاظ على النظام السياسي السابق، الذي كان علمانيا أيضا. وهو ما يمكن شبكات النظام السابق من التحرك تحت غطاء سياسي توفره لها القوى العلمانية.
والهدف المركزي للانقلاب العسكري، أي جوهر خطته، هو تقنين نظام سياسي، يقوم أساسا على نموذج الدولة القومية العلمانية، والتي تمثل حجر زاوية في مفهوم الأمن القومي لدى القوات المسلحة، وبهذا يتم الحفاظ على طبيعة الدولة كما كانت قبل ثورة يناير، رغم أن طبيعة الدولة القائمة قبل الثورة لم تكن خيارا شعبيا. وحتى يتحقق ذلك، تتم عسكرة وعلمنة الدولة في الدستور، وهو أمر لا يمكن تحقيقه من خلال أي لجنة منتخبة شعبية، لذا قام الانقلاب العسكري بتعيين لجنة لتعديل الدستور المستفتى عليه، حتى تحقق له مطالب الانقلاب المعدة سلفا أساسا، وكشفت عنها وثيقة المبادئ فوق الدستورية، أيا كانت أي تعديلات في التفاصيل.
وهنا يتضح أهم ما حاولت قيادة القوات المسلحة تحقيقه، فالثورة الشعبية تأتي بسلطة منتخبة شعبية، وتضع دستورا شعبيا. ولكن قيادة القوات المسلحة حاولت وضع دستور يمثل النخبة الحاكمة، وتفرضه تلك النخبة على الشعب. ولما فشلت قيادة القوات المسلحة في تحقيق ذلك، من خلال مسار ديمقراطي، بدأت في تحقيقه من خلال الانقلاب العسكري، لتفرض دستورا على المجتمع، يحافظ على دولة النظام السابق، وفي تعبير أدق يحافظ على دولة يوليو، التي قامت على أكتاف القوات المسلحة، عقب حركة الجيش في العام 1952.
وحتى يحقق الانقلاب أهدافه النهائية، استخدم أدوات القمع البوليسي منذ اليوم الأول للانقلاب، وهو أمر متوقع، لأن الانقلاب نفسه عمل قمعي، وهو خروج على إرادة عامة الناس |
ولكن ثورة يونيو المصنعة لم تكن إلا محاولة لإعادة دولة يوليو ونظام يوليو وإجهاض ثورة يناير، وأيضا إجهاض أي محاولة لبناء دولة يناير، وإلغاء ثورة 25 يناير في الذاكرة الجمعية. ولأن دولة يوليو قامت أساسا على نموذج الدولة القومية العلمانية، ولأن سياسات كل أنظمة يوليو أكدت هذا التوجه السياسي، لذا يحاول الانقلاب العسكري إعادة دولة يوليو مرة أخرى، بالانقلاب على ثورة يناير بثورة مضادة مصنعة سميت ثورة يونيو، وهي إعادة إنتاج لثورة يوليو/تموز 1952، التي قام بها الجيش.
ومعنى هذا أن الانقلاب يهدف لعسكرة وعلمنة الدستور، وإعطاء دور سياسي للقوات المسلحة، وتعميق سيطرة الدولة العميقة على أجهزة الدولة، وإعادة النظام السابق كقوة سياسية فاعلة، تستند إلى الدولة العميقة المسيطرة بقيادة عسكرية، وأيضا تعضيد دور تحالف سياسي علماني مرتبط بقوى النظام السابق، والقيادة العسكرية للدولة العميقة، حتى يكون ذراعا سياسيا إضافيا، مؤيدا من القوى الغربية، خاصة الإدارة الأميركية.
وحتى يحقق الانقلاب أهدافه النهائية، استخدم أدوات القمع البوليسي منذ اليوم الأول للانقلاب، وهو أمر متوقع، لأن الانقلاب نفسه عمل قمعي، وهو خروج على إرادة عامة الناس، وأيضا خروج على قواعد العملية السياسية الديمقراطية. ومن خلال افتعال أحداث عنف، يرفع الانقلاب العسكري شعار الحرب على الإرهاب، المفضل أميركيا، ليقوم بعملية إقصاء دموي لفصائل التيار الإسلامي، التي تمثل حجر عثرة أمام إعادة نظام يوليو وإجهاض ثورة يناير، وتفريغ العملية الديمقراطية من معناها.
المصدر:الجزيرة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق