الأربعاء، 31 يوليو 2013

الأكباد المحترقة ولوعة الفراق أحمد منصور

الأكباد المحترقة ولوعة الفراق

 أحمد منصور
ما من لوعة تؤلم النفس مثل لوعة الفراق، لاسيما إذا كانت لولد بار أو والد حنون أو أم رءوم، أو زوج عطوف، أو أخ معطاء خدوم، وما يزيد اللوعة أن يكون الفراق قتلا، وما يحول اللوعة إلى صدع في الكبد ونيران في القلب أن تكون ممن وكل إليه حماية الناس وتوفير الأمن لهم.
منذ أربعة أسابيع ومواكب الشهداء والشهيدات تملأ جنبات مصر، حضرها وباديتها، مدنها وقراها، نجوعها وكفورها، هؤلاء الشهداء الذين يقتلون كل يوم في المسيرات والتظاهرات وحتى الجنازات التي تملأ جنبات مصر منذ وقوع الانقلاب العسكري في الثلاثين من يونيو الماضي، شباب في عمر الزهور وفتيات وأمهات، ومهندسون وأطباء من كل أطياف المجتمع ومستوياته، خرجوا ليس من أجل محمد مرسي ولا من أجل الإخوان المسلمين الذين يختلف كثيرون منهم معهم، ولكن من أجل ثورة 25 يناير وأهم إنجازاتها وهي الدستور ومباشرة الحقوق السياسية وحماية الحريات، ومن أهمها اختيار من يحكمهم ومن يمثلهم في المجالس التشريعية وغيرها.
أصبح الناس في يوم وليلة فوجدوا أنفسهم قد خسروا كل شيء فخرجوا بصدور عارية وسلمية يشاهدها العالم أجمع ففوجئوا بالرصاص يوجه إلى رءوسهم وصدورهم، فوقفوا أمامه شامخين غير خائفين لأن الحياة دون حرية أو كرامة لا قيمة لها، لكنهم تركوا خلفهم من أصيب بلوعة فراقهم لاسيما الأمهات والزوجات.
زرت أحد الجرحى في المستشفى فوجدت أمه بجواره وقد فقدت أخاه في نفس المذبحة التي أصيب هو فيها، وأخوه كان الأصغر وكان الأحب إلى والديه مثل كل صغير، تحدثت الأم المكلومة معي بثبات وصبر عجيب وقالت: والله لم أتوقع على الإطلاق السكينة التي أصابتني، عندما أبلغت بخبر استشهاد ابني كنت أعتقد أني سأفقد عقلي لو فقدته، لكني احتسبته شهيدا عند الله، لا أنكر أن قلبي يلتاع لفراقه وكبدي يحترق لبعده عني، غير أني أدعو الله أن يصبرني وأن يحرق كبد من حرق كبدي على ولدي، ثم أخذت المرأة تدعو قبيل الإفطار على من قتلوا ولدها، لقيت بعدها زوجة ترملت بعد استشهاد زوجها ولديها أربعة أطفال،كانت المرأة متماسكة رغم أن زوجها وُوري الثرى قبل يوم واحد، ورغم لوعة الفراق لم تكفّ عن الدعاء على من رمّلها ويتّم أطفالها.
إن حرق أكباد الأمهات، وقلوب الزوجات، والانتقام من الأهالي لم يقف عند حد قتل الولد أو الزوج أو الأخ أو الأخت، إن مسيرات جنازات الشهداء التي وصلت إلى معظم قرى مصر خلال الأيام الماضية قد زادت من اللوعة وحرقة الأكباد لدى كثير من عموم الشعب، كما أشعلت الدعوات من الأمهات والزوجات على من قتلوا أبناءهم وأزواجهم ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق