أفعال نبوية (1/3)
الأصل في ما صدر عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- من الأقوال والأفعال فيما هو من عوارض أحوال الأمة ان يكون صادراً على سبيل التشريع ما لم تقم قرينة على خلافه.
وقد أجمع العلماء على الأخذ بخبر سعد بن أبي وقاص بأن لا يوصي بعد وفاته بأكثر من الثلث، وجعلوا الوصية بما زاد عن الثلث مردودة إلا أن يجيزها الورثة، مع وجود الإشارة إلى خصوصية سعد بقوله:
(إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ).
وقد أمر الله بالتأسِّي بنبيه -صلى الله عليه وسلم- والاقتداء وهذا هو الأصل، وقد يكون الاقتداء بفعل عين الشيء كما فعله -صلى الله عليه وسلم- كما في العبادات، وقد يكون بمراعاة المقصود ولو كان الفعل ذاته لا يتأتى كما في الإرشادات والآداب العامة، فحين تقرأ أنه كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تأخذ من هذا الفعل الشفقة على الصغار ورعايتهم وأن ظهور ذلك للناس مما لا يخدش في الهيبة ونحو ذلك.
وقد تكلم في الأفعال النبوية علماء السنة وعلماء الأصول، وأفرد لها جماعة منهم مصنفات ككتاب د. محمد العروسي، وكتاب د. عمر الأشقر
ويمكن تقسيمها إلى:
1- ما فعله بمقتضى التبليغ؛ كالعبادات.
2- ما فعله بياناً للقرآن؛ كمناسك الحج وصفة الوضوء والصلاة، والتشريع يشمل أن يكون الفعل ركناً أو واجباً أو مستحباً، ويشمل بيان الجواز والإباحة؛ كالركوب في الحج، والالتفات في الصلاة للحاجة، والاغتسال للصائم ..
والإباحة هنا تشريع ولكنها مؤكدة لأصل الجواز وليست مؤسسة لحكم جديد، وقد تكون نافية لما يظن من المنع والتحريم.
وقد يكون البيان تخصيصاً للعموم.
3- ما فعله بمقتضى الإمامة والسلطة ، وحمل عليه بعضهم قوله -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً فَلَهُ سَلَبُهُ». متفق عليه، وقوله: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهْىَ لَهُ»، وفيهما نظر.
4- ما فعله بمقتضى الإفتاء، كما قال لهند حين شكت له بخل زوجها «خُذِى مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ».
5- ما فعله بمقتضى الحكم والقضاء، بناء على البينات والشهود والأيمان، ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم-: "وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ.."
6- ما فعله بمقتضى الجبلة البشرية؛ كتصرفات الأعضاء وحركات الجسد من القيام والقعود، وهذا لا يتعلق به في أصله أمر ولا نهي.
وقد كان عبد الله بن عمر يتتبع أفعال الرسول -صلى الله عليه وسلم- وحركاته من هذا القبيل بدافع الحب وكمال التأسِّي.
وكان يلبس النعال السبتية ويصبغ بالصفرة؛ لأنه رأي النبي -صلى الله عليه وسلم- يفعل ذلك.
وكان إذا حجّ يجر بخطام ناقته حتى يبرّكها حيث بركت ناقة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
ومثله أن أنساً كان يتتبع الدُّبَّاء في الطعام؛ لأنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- يفعل ذلك.
وغاية ما يدل عليه فعل ابن عمر هو جواز مثل هذا، وقد يؤجر على النية والحب الذي حمله على الفعل وليس على الفعل ذاته.
كما إن الفعل الجبلي قد يصدر منه -عليه السلام- على هيئة خاصة يداوم عليها، فتشرع هذه الهيئة، إذا كان يتقصد فعلها دون سواها، كطريقة الجلوس للأكل أو الشرب باليمين، أو الشرب ثلاثاً، أو عدم التنفس في الإناء ..
ومن الفعل الجبلي المتكرر ما لا يدل على التشريع بذاته ولكنه يحمل معنى جميلاً في التوجيه والإرشاد لقيم الحياة والعلاقة بالآخرين، وخصوصاً الأقربين؛ كما في قول عائشة رضي الله عنها: (كُنْتُ أَشْرَبُ وَأَنَا حَائِضٌ ثُمَّ أُنَاوِلُهُ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِىَّ فَيَشْرَبُ وَأَتَعَرَّقُ الْعَرْقَ وَأَنَا حَائِضٌ ثُمَّ أُنَاوِلُهُ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِىَّ).
ومثله في وضوئه واغتساله معها في إناء واحد يباشرها وتباشره: فتقول: دَعْ لِى، ويقول: «دَعِى لِى».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق