عندما يحكم العسكر.. /1
د. أحمد نوفل
منذ الأربعينيات بدأت الانقلابات في سوريا. بدأت بحسني الزعيم، ثم استمرت بمعدل كل ستة أشهر انقلاب. وفي مذكرات مايلز كوبلاند قال إن أمريكا هي التي رتبت انقلاب حسني الزعيم.
وهذا لا يحتاج إلى ذكاء لمعرفته، فالانقلابات برمتها من ترتيب أمريكا. واستمرت الانقلابات في سوريا حتى جاء آل الأسد منذ 70 ومنذ ذلك التاريخ إلى الآن توقفت الانقلابات لأنهم لا يجدون أفضل من آل الأسد لتنفيذ مخططات أمريكا ومشروعات أمريكا الصهيونية، تحت غطاء ممتاز من الممانعة والمقاومة والوطنية والعروبة والقومية والبعث العربي الاشتراكي الذي يخفي الوجه الطائفي البشع البغيض.
وفي العراق بدأت الانقلابات بعبد الكريم قاسم سنة 58. وفي كل من سوريا والعراق سيم الناس الخسف وتراجعت مساحة الحريات وحقوق الإنسان وكرامة المواطن في ظل حكم العسكر.
وفي مصر بدأ انقلاب العسكر على الحكم الملكي حكم فاروق المرتبط بالإنجليز سنة 52 وهو الانقلاب الذي قاده محمد نجيب ثم اختطفه منه جمال عبد الناصر بنفس دعاوى السيسي.
وحتى الآن لم يحسم أمر انقلاب ناصر سنة 52 (باعتباره أنه هو الذي ورثه في نهاية المطاف).
أقول: حتى الآن لم يحسم أمر الانقلاب أهو إحلال أمريكا محل بريطانيا وبالتالي فهو من تدبير وتخطيط أمريكا وتنفيذ الضباط؟ أم هو من تدبيرهم وتنفيذهم ثم دخلت أمريكا على الخط وبدأت تتلاعب بالانقلابيين وبالبلد؟
وإني أميل إلى الرأي الأول. وقد يجادل البعض أن عبد الناصر وطني. ولو سلمنا فإن الأمور أكبر منه، والقوى التي تواجهه ليس له معها أدنى حضور.
والعجيب أن عبد الناصر الذي عاش على شعارات معاداة أمريكا، لم يقطع صلته بها ومن قرأ كتاب مايلز كوبلاند «لعبة الأمم»، رأى صلة المخابرات الأمريكية به وبالضباط وبحسن التهامي (عراب كل الشرور وعراب كامب ديفيد) بل إن كوبلاند يقول إنهم هم الذين وضعوا له الخطة الإعلامية التي تصنع الزعيم والزعامات والأبطال والبطولات. وأعجب من هذا أنه عندما حضرته الوفاة (وقيل إنه مات مسموماً وإن الذي وضع السم له هو أنور السادات وضعه في عصير الجوافة الذي يحبه ناصر أو في فنجان قهوته)
أقول: العجيب أنه جعل أنور السادات نائبه، والسادات معروف أنه رجل أمريكا في مجلس الثورة، فلما مات ناصر حل السادات الأمريكي الصريح محله. فبدأ بتهويد مصر وأمركتها وإلحاقها بالركب، وقد دمر السادات في مصر الشيء الكثير، لكن الذي فاق الجميع حسني مبارك، فحكم بقدر ما حكم الرؤساء السابقون مجتمعين (زمناً) بل فاقهم، وفاقهم في تكميم الأفواه وأعداد المساجين من المسلمين وفي الحملات الإعلامية الممنهجة، ربما تكون أنعم قليلاً لكنها أفتك سماً. ونهب البلد وتركها «خرابة» على حد تعبيره هو.
فلما ثار الشعب على حجم الخراب والفساد والنهب والتدمير، انحنى العسكر وأظهروا نعومة وانحيازاً للشعب، بمعنى أنهم ضحوا بواحد، وورثوا الثورة، واستطاعوا بالتنسيق مع أجهزة المخابرات والأمن أن يشلوا حركة مرسي وحركة الإصلاح، وكل خطواته، بل كانوا يقولون لمن يعذبونهم: «خلي مرسي ينفعك» تحدياً واستهزاء واستخفافاً..
إلى أن أعلن السيسي عن أن الجيش منذ البداية هو المسيطر وأن الانتخابات ولعبة الصناديق كله كلام فارغ.
وعندما أعلن عن إنذار للقوى المختلفة أي مؤسسة الرئاسة، والثوار(برادعي كومباني) الذين هم والجيش في خندق واحد والفلول ورجال البزنس ودول البترودولار وأمريكا وإسرائيل..
أقول عندما أعلن عن إنذاره الشهير ومهلته ذات ال48 ساعة كان يتكلم وكأنه فوق الرئيس وأنه المهيمن على البلد.
ثم كشف القناع بحبس الرئيس وإلغاء الشعب المصري الذي انتخب الرئيس فصار مرسي رئيس من انتخبه ورئيس من لم ينتخبه، ألغى السيس كل ذلك. ولما أعلن طلب التفويض من الجماهير التي ستنزل بأمره إلى الشارع تصرف وكأنه هو رئيس الدولة ورئيس الوزراء بل فرعون مصر الجديد الذي يقول: «ذروني أقتل موسى..»
هذا ملخص المشهد العربي وما بنا حاجة لاستعراض ثورة اليمن التي آلت إلى علي عبد الله صالح وعائلته. فصارت الجمهوريات ملكيات وراثية في كل من سوريا ومصر واليمن.. هذه نهاية الثورات التي تمت بالرعاية الأمريكية وظلت منسقة مع الولايات إياها..
ولن نعرج على ثورة الحقيد العقيد الفقيد معمر المجنون القذافي.. وكيف أنها أي الثورة حولته إلى إمبراطور مثل «بوكاسا» هذا غير رز أبو كاس). وجعلت ليبيا مزرعة له ولأولاده وعائشة وزوجته.. ولقد أرجع ليبيا إلى العصر الحجري.
باختصار حكم العسكر ما أتى بخير في كل العالم العربي. ولعل أسوأ المآلات ما آل إليه حال السيسي من مصادرة للحريات وإغلاق القنوات وإسكات كل الأصوات إلا صوته وفرقته في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.
وحجم الكراهية الذي بثه في البلد لا يكاد يتصور، وحجم الضخ الإعلامي الذي يريد عزل مصر عن محيطها العربي فوق ما تتصورون..
وفي حلقة قادمة سأستعرض معكم عينة من هذا الضخ وما الذي يمكن أن يؤول إليه ويؤدي إليه..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق