من أول غمزة
وائل قنديل
لقد تمكنوا من مضاعفة محصول الكذب القومى، وقتل خلايا الإحساس فى الجلود السميكة التى لم يعد يهزها منظر جثث الشهداء المرصوصة بالعشرات، غير أن الأخطر أنهم نجحوا فى عسكرة النخب السياسية، ليطغى حديث البيادة على صوت الضمير والعقل، فإذا سألت أحدهم ما قولك فى هذه الدماء التى تجرى، تجده يهرف بكلام ساقط عن أن محمد مرسى فشل فى الاقتصاد والسياسة، أو يجيبك بكل خفة أن مصر أكبر من أن يحكمها فصيل واحد!
هى نخب استحوذت على توكيل شهادة الزور فصارت كل وظيفتها فى الحياة تبرير الجنون وتسويغ جرائم الذين سرقوا السلطة فى أكبر عملية قرصنة سياسية فى التاريخ.
وعلى ذلك لا تعدم مثقفا أو سياسيا يأخذك إلى تهويمات وضلالات هربا من مشاهد القتل والإبادة الجماعية التى نفذها نظام مغتصب للسلطة فى مدينة نصر، ولم يعد مدهشا هذا الصمت البذىء من قبل من اعتبر يوما ضميرا ثوريا على جرائم مكتملة الأركان، وهو الذى لم يترك مناسبة يسقط فيها ضحايا إلا ويصيح بأن النظام سقطت شرعيته.
لقد صاروا عسكريين أكثر من العسكر، ولم لا وقد تحقق مرادهم بالوصول إلى مقاعد السلطة الوثيرة محمولين فوق عربات عسكرية، وعلى ذلك لابد من سداد فواتير التسلط، فيخرج أحدهم متقمصا دور الخبير الاستراتيحى ليعلن آن السيسى هو أفضل قائد عسكرى بعد إيزنهاور، آو تعلن آخرى استعدادها للعيش فى حرملك السيسى، زوجة أو جارية، لافرق، وتقول له يكفى أن تغمز بعينك فقط ليأتونك ملبين طائعين.
و هكذا لم يكذب خبرا، ومن أول غمزة تحرك « الشرفاء» لتفويضه بالقتل، ليسقط عشرات الشهداء. فى ليلة واحدة.
إن ما جرى فى مدينة نصر فجر أمس هو جريمة كاملة، وستبقى عارا يلاحق مرتكبيها ومن فوضهم والمحرضين عليها، لكنها ستبقى يوما مشهودا سيؤرخ له بأنه اليوم الذى اندهست فيه الضمائر الثورية بنعال البيادات، فلم تعد قادرة على أن تغضب أو تتألم لمنظر الجثث والدماء.
لقد جاءت مجزرة النظام المفوض بالقتل لتشحن بطاريات الغضب مجددا، وتوخز الضمائر التى تبلدت وتكلست، فتمنحها فرصة استفاقة، ربما تتيح لها قراءة خدعة 30 يونيو بعد زوال الغشاوة عن القلوب الميتة والعقول الصدئة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق