ليس انقلابًا عسكريًا.. بل ثورة الكوميديا
وائل قنديل
من حيث المصنعية، نسىء كثيرا لمفهوم الانقلابات العسكرية، رغم الإدانة الكاملة لها، إذا اعتبرنا «حادثة ٣٠ يونيو» انقلابا عسكريا، ذلك أن كمية التخبط والعشوائية والارتجال وعدم القدرة على صياغة وحبك المبررات الكاذبة، تجعلنا بصدد الآتى: مجموعة من المغامرين قرروا أن يستولوا على سيارة حديثة جدا وينطلقوا بها، غير أنهم بعد التخلص من صاحبها وركابها، اكتشفوا أنهم لا يجيدون القيادة فمكثوا يتخبطون بها فى الخلاء.إننا أمام انقلاب كوميدى فى حقيقة الأمر، تبدأ وقائعه قبل الثلاثين من يونيو بكثير، عندما اصطحبوا مجموعة من الممثلات والممثلين الكوميديين ومثلها من الإعلاميات والإعلاميين الفكاهيين للاطلاع على أحد المشروعات التدريبية للقوات المسلحة، وبالمرة التقاط الصور التذكارية مع الدبابات والمدرعات، كما يحدث فى رحلات الطلبة إلى المتاحف وحديقة الحيوان والقناطر الخيرية..
وبعدها انطلقت عروض عبثية تجوب مصر كلها تتحدث عن وطن كان جيشا فقط ثم نبتت له دولة، بما يعنى أن مصر هبة القوات المسلحة.
وقبل تنفيذ الانقلاب بأسبوع كامل كانت صحف ــ بالتأكيد هى لا تخترع أو تجتهد ــ تنشر أن قادة الجيش حسموا أمرهم وقرروا الانقلاب فيما عرف بـ«هيكلة» النظام بعد عزل مرسى، الأمر الذى ينفى تماما أن قرار وزير الدفاع فى الثالث من يوليو كان نتيجة ما جرى قبل ذلك بثلاثة أيام وأعنى مظاهرات ٣٠ يونيو الفاخرة الممنهجة المهيكلة.
أما عن كوميديا ما بعد الانقلاب فحدث ولا حرج، ويكفى أن تتابع حركة أرجوحة التسريبات وأخبار جس النبض خلال الثمانى والأربعين ساعة الماضية فقط: تمرد تعلن أن الرئيس المعزول بخير ويقيم فى فيللا عسكرية وكل طلباته مجابة.. ولا أدرى إذا كانت «تمرد» لحظة إعلان هذا الخبر على موقعها الرسمى، لم تزل حركة شبابية، أم أنها صارت الذراع الإخبارية للقوات المسلحة، أو أدمجت فى إدارة الشئون المعنوية مثلا حتى يصبح من سلطتها وصلاحيتها التحدث باسم منفذى الانقلاب؟
ثم تصعد الكوميديا إلى ذروتها محلقة فى فضاء الخيال العلمى بأن تنشر «الأهرام» الحكومية نبأ حبس الرئيس محمد مرسى ١٥ يوما بتهمة التخابر عن طريق استعمال الهاتف المحمول لوزير الدفاع، ثم تنفرد وتنثنى وتنفرد مرة أخرى بكل رشاقة بنشر محتوى مكالمات التخابر الأربع، بما أدى إلى سماع أصوات نحيب فى مقبرة ألفريد هيتشكوك رائد سينما التشويق والكوميديا الراحل، بعد أن تفوقت عليه الأهرام والقائمون على تغذيتها بهذا النوع من التسريبات، فى فنون الإثارة والتشويق.
وفور نشر هذه القنبلة اللطيفة يفاجئك النائب العام الجديد بأنه لم يصدر قرارا بحبس الرئيس ولم يتم اتهامه ولا يعرف مكان احتجاز الرئيس أصلا (دولة مؤسسات فعلا) ثم يخرج المتحدث العسكرى بتصريحات ينفى فيها ما نشرته «الأهرام» جملة وتفصيلا، غير أن رئيس تحريرها يصر على تقمص شخصية «الرجل الذى يعرف أكثر من اللازم» ويكذب المتحدث العسكرى، لتكتمل الملهاة بخروج منسق تمرد بتصريحات ينفى فيها ما ورد على موقع تمرد الرسمى بشأن ظروف احتجاز الرئيس.
ومن الواضح تماما أن نظام السيارة المخطوفة معقد إلى حد أصاب مجموعة المغامرين بكل هذا الارتباك والتلعثم والتخبط، ما يدعم التوصيف الذى وضعته مجلة «تايم» لحالة الرئيس مرسى بأنه «سجين ضمير» أو بتعبير الدكتور شريف بسيونى، أستاذ القانون بجامعة «ديبول» الأمريكية، والمحقق السابق بالأمم المتحدة فى مجال حقوق الإنسان: «لا شك فى أن احتجاز مرسى خرق لمعاهدة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ولذلك يتم الآن البحث عن جريمة لاتهامه بها، ولا شك فى أنه سجين ضمير».
إن التهمة التى ينبغى أن يحاكم بها مرسى هى المثالية والطيبة والإفراط فى حسن الظن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق