الأربعاء، 31 يوليو 2013

هل كان مناما أم حلما أم رؤيا؟

هل كان مناما أم حلما أم رؤيا؟
‎المفكر الإسلامي الدكتور محمد عباس‎
الدكتور محمد عباس‎


روعت فزعت فصحوت من نومي ووجيب قلبي كدقات طبل ..

فقد رأيت في المنام زحاما شديدا والناس يتصارعون على الدخول من أبواب ضيقة فعبرت لأرى الجانب الآخر من الأبواب الضيقة فوجدت من يتزاحمون ويتصارعون ويتسابقون على المرور من هذه الأبواب معلقة أجسادهم على المشانق!!
لم أعرف من الذي شنقهم..
لم أعرف كيف لم يفطنوا.. لكن قيل لي أن هناك من حذرهم كثيرا لكنهم أبوا..
كنت أعرف بعضهم
كانت أجسادهم المعلقة على المشانق تهتز
وكانت رائحتها لا تطاق..
كان الدود ينهش لحمهم....
العجيب أن اهتزازات أجسادهم بدت كما لو كانت الأجساد ترقص..
وذكرني هذا الرقص برقص العسكر مع الغواني في ميدان التحرير والاتحادية.. بدلا من صلاة القيام في رمضان..
وليت فرارا وملئت رعبا ..
لم أستجب للنداء الذي حاول غوايتي:
انتظر قليلا حتى تحضر الآن الداعية فيفي عبده والفقيهة إلهام شاهين..
انتظر
.. فلعلك تستمتع وتشاركنا في الرقص
اعتذرت بأنني ذاهب لصلاة القيام فأمعنوا في غوايتي بأن الرقص أشهى.. وأنهم سيحاولون تعديل حركات الرقص كي تضاهي صلاتي
لكنني أمعنت في الهروب قبل أن تلحقني الديدان لتنهش لحمي..

صحوت.. تعوذت.. فنمت..

هل كان مناما أم حلما أم رؤيا؟

رأيت أناسا من أسافل القوم.. كنت أعرف سفالة بعضهم لكني لم أكن قد اكتشفت بعد سفالة الآخرين..
كانت الأوسمة ترصع صدور بعضهم وأكتافهم .. وكان بعضهم جامدا كالأصنام.. ووجوههم كتماثيل الشمع وكان معظمهم مشوها.. رأيت أجهزة غريبة ترفعهم إلى عنان السماء..
كانوا ينظرون إلينا في فرح وفخر ونشوة وازدراء تزداد كلما رفعتهم الأجهزة الغريبة أكثر..
وكان أتباعهم من السفلة على الأرض يصطخبون فرحا حتى الجنون على أمل أن يأتي الدور عليهم فيرتفعون كما ارتفع أصحابهم.... ووقفت في ركن من الميدان مستترا بالظلام أكفكف دمعي مندهشا كيف يرتفع اللئام ويختطف الكرام.. لكنني تنبهت فجأة.. كانت الأجهزة الغريبة الضخمة التي ترفعهم إلى عنان السماء تضع كل واحد منهم على خازوق..
لم ير السفلة على الأرض ما رأيت.. لذلك ما يزالون يحتفلون في صخب ثمل في انتظار هبوط الآلات الغريبة لترفعهم هم أيضا إلى عنان السماء..

صحوت.. تعوذت.. فنمت..

رأيت زوجا غيورا غيورا غيورا.. لم يجد من يستأمنه على زوجته إلا عشيقها..
في الواقع لم يكن عشيقا كما أدركت وحدي..
كان يغتصبها..
وكانت مغلوبة على أمرها بعد أن أخرسها الفزع فعجزت عن أي تمرد..
تركهما..
وحدهما..
وكانت رائحة الفضيحة تنتشر كرائحة الجيف.
شمها الناس جميعا إلا هو.
ورأيت فتقززت وصحوت

صحوت.. تعوذت.. فنمت..

هل كان مناما أم حلما أم رؤيا؟

طاردني العشيق عندما علم أنني كشفت حقيقة الأمر..
حاول إقناعي بأنه يملك عقد زواج رسمي..
وكنت أعرف أنه مزور وأن جميع الشهود عليه شهود زور..
راح يلح أنه صادق وأن من وقعوا على عقد الزواج ملايين..
هربت منه..
أمعنت في الهروب..
لبست قناعا حتى لا يعرفني وحتى أتمكن من متابعة أخباره وكشف أسراره..
رأيته في حمام سباحة ضخم جدا يمارس رياضته المحببة في شغف شديد.. السباحة..
رأيته..
أحببته ذات يوم مثلما أحببت ابني..
كنت أعرف عمه..
لكنني اكتشفت أنه ليس عمه..
ملأني الذعر من أن يكون بلا أم ولا أب..كإبليس..
فكيف إذن ولماذا وثقت فيه....
رحت أرقبه يسبح ..
لكن ما افزعني ان حمام السباحة الذي يعوم فيه كان مملوءا بالدم..
صرخت فيه:
هذا دم لا ماء فاحذر..
فنظر إلى ساخرا ومد يده في الهواء فالتقط من حيث لا أدري كاسا ملأها بالدم وراح يشرب حتى ثمل..
صرخت فيه:
- أذن الفجر فلا تفطر..
فأجابني في استهتار:
لدي فتوى أن الدم لا يفطر..
صرخت فيه : لا تصدقهم
فأجاب:
حصلت على فتوى وقع عليها الشيخ المعتكف مع الحاخام وكذلك أنصار الشيخ وأحباب الشيخ.. ثم أن الحاخام أيد فتوى الشيخ..
ثم خفض صوته ليقول هامسا حتى لا يسمعه أحد:
إن الشيخ نفسه شارك في إعداد كئوس الدم.. أما الحاخام فقد صمم كل شيئ ورسمه وخطط.. فالحمد له.. وله المنة..
ثم أردف في حزن:
لكن الغريب أنني مهما شربت لا أرتوي..

صحوت.. تعوذت.. فنمت..

هل كان مناما أم حلما أم رؤيا؟

لدهشتي استمر نفس الحلم.. وبدا لي في البداية أن حمام السباحة الممتلئ بالدم يمتلئ أيضا بأنواع مختلفة من السمك.. وكان الرجل يمد يده إلى الأسماك فيلتهمها ويلوكها فصرخت فيه:
- ألا تطهوها..
وتنبهت في نفس اللحظة أنها ليست أسماكا وإنما أشلاء وأكباد وقلوب .. فاستعذت وبسملت وحوقلت..
كنت أسأل نفسي في اشمئزاز ورعب:
كيف استأمنته؟ كيف أحببته

صحوت.. تعوذت.. فنمت..

هل كان مناما أم حلما أم رؤيا؟

كان الرجل ما يزال يسبح في الدم ويشرب الكئوس ويلوك الأكباد..
فاجأني عندما ضبطني أنظر إليه في احتقار وكراهية ..
اصطك الشك بالغضب في عينيه فانطلق الشرر فسألني:
هل أنت أنت أم أنت هو؟
ولم أجرؤ على الجواب .. فواصل السؤال:
هل تبحث عني لتتبعني أم لتكشف يا خسيس مكان المخطوف..
فتمتمت خلاياي دون أن يتحرك لساني:
بل أنت الخسيس..
وراح رجع الصدى المفترض يكرر: خسيس.. سيس.. سيس ..سيس
تراجعت..
فدعاني..
أبيت مذعورا..
واعتذرت بالذهاب للصلاة....
دعاني للصلاة معه..
صفق بيديه فانطلق من التصفيق صوت كالرصاص..
وجاء من يفرش سجادة صلاة على سطح الدم..
روعني أنها من جلد بشري سلخ لتوه..
كان الدم ما يزال يقطر..
وخيل لي أنني أرى بعض الجلد يرتجف..
لم يراع..ولم يرع..
وراح يصلي..

صحوت.. تعوذت.. فنمت..

هل كان مناما أم حلما أم رؤيا؟

من حيث لا أحتسب جاءت عاصفة من النار أحرقت كل شيء
شملت الرجل ..
والدم..
والأشلاء..
وتصاعدت السنة اللهب إلى عنان السماء..
رفعت بصري للسماء..
أدركت ألسنة اللهب المعلقين على الخوازيق
كانوا يصرخون ويتلاومون..
وانسحبت من المشهد مستعيذا مبسملا محوقلا..
وكنت أتمتم في حزن:
- ما حملكم على هذا؟
صحوت..
فغادرت الفراش مهرولا..
كي لا تعود الأحلام مرة أخرى..

لكن..

هل كانت أحلاما..أم منامات..أم رؤى؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق