الأحد، 21 يوليو 2013

خوف على الحاضر والمستقبل


خوف على الحاضر والمستقبل

فهمي هويدي
في الأسبوع الماضي تناقلت وسائل الإعلام الغربية محتويات تقريرين منفصلين صدرا عن مذبحة الحرس الجمهوري الأخيرة. التقريران أحدهما أصدرته في 17/7 منظمة هيومان رايتس ووتش الأمريكية، والثاني نشرته صحيفة الجارديان البريطانية في 18/7.
وما يلفت النظر فيهما أنهما سجلا وقائع ما جرى بالساعة والدقيقة، كما أنهما تابعا التفاصيل وتحققا منها من خلال تسجيل أقوال الشهود والأطباء والضحايا، ومن خلال الأشرطة والصور التي التقطها البعض لما جرى.
 ورغم المعلومات الموثقة والخطيرة التي تضمنها التقريران فإن الصحف المصرية تجاهلتهما، باستثناء موقع «الشروق» الذي نشر تلخيصا وافيا لتقرير منظمة هيومان رايتش ووتش.
الخلاصات التي توصل إليها التقريران غاية في الأهمية، لأنهما اتفقا على تكذيب الرواية الرسمية المصرية التي تحدثت عن أن سبب الاشتباك راجع إلى قيام مجموعة إرهابية مسلحة بمحاولة اقتحام مقر الحرس الجمهوري.
وأكدا أن قصة المحاولة لا أساس لها من الصحة، وأن الصحيح غير ذلك تماما، لأن المعتصمين أمام مقر الحرس الجمهوري كانوا يؤدون صلاة الفجر، وان 12 مدرعة، وأعدادا كبيرة من جنود الأمن المركزي حاصرت المكان وأطلقت النيران على المصلين، الأمر الذي أدى إلى قتل 51 شخصا، وجرح عدة مئات منهم. وقد اعتبرت هيومان رايتس ووتش ان ذلك الحادث يعد الأكثر دموية منذ عصر مبارك.
مما اتفق عليه التقريران أيضا ان التحقيقات التي أعلن رسميا عن إجرائها في ملابسات الحادث لا يطمئن إلى مسارها، لأنها تجرى بواسطة السلطات التي استبقت وقدمت رواية لم تثبت صحتها لما جرى، فضلا عن ان القضية إذا نظرت فستكون بين أيدي القضاء العسكري الذي سيتحرك في نفس الحدود، الأمر الذي يعني أن المذبحة ستطمس معالمها ولن يمكن الرأي العام المصري من التعرف على الحقيقة فيها.
يقشعر بدن المرء وهو يطالع التفاصيل المنشورة، ولا يفارقه الخوف بعد ان ينتهي من قراءتها. وإذا سألتني كيف ولماذا، فردي كالتالي:
- إن الحادث بحد ذاته يبعث على الخوف الشديد، حتى أزعم أنه سيشكل صفحة سوداء في سجل القائمين على الأمر في البلاد يتعذر محوها أو نسيانها. ذلك ان ما حدث أمام مقر الحرس الجمهوري أكثر جسامة وأسوأ بكثير من أحداث شارع محمد محمود أو مقتلة ماسبيرو، في الحالتين كان المتظاهرون يتبادلون الاشتباك مع الشرطة والجيش، ثم ان ضحايا أحداث محمد محمود التي استمرت ستة أيام نحو خمسين قتيلا أما مقتلة ماسبيرو فإن ضحاياها كانوا أكثر من عشرين شخصا. أما في مذبحة الحرس الجمهوري فإنها لم تكن نتيجة اشتباك بين المتظاهرين والحرس كما ذكر التقريران اللذان سبقت الإشارة إليهما، وإنما كان ضحاياها من المتظاهرين السلميين والعزل المعتصمين أمام مقر الحرس، وقتلاهم الذين بلغ عددهم 51 شخصا سقطوا خلال ثلاث أو أربع ساعات فقط.
- تخيفنا أيضا ردود أفعال النخبة المصرية الليبرالية، بما في ذلك منظمات حقوق الإنسان التي كان غاية ما ذهب إليها بعضها أنها انتقدت «الاستخدام المفرط للقوة»، دون أن تتبنى إدانة واضحة للجريمة البشعة.
 وسواء كان ذلك راجعا إلى النقص في المعلومات وعدم بذل الجهد الكافي للتحقق من الوقائع، أو كان راجعا إلى الشماتة والكراهية التي دفعت البعض إلى اعتبار ما جرى جهدا إيجابيا يحقق للإقصاء غايته، فالشاهد أن الحدث تم تمريره وأصبح معرضا للتهوين والطمس.
 ولولا شهادات جهات مثل هيومان رايتس ووتش وصحيفة الجارديان لطويت صفحة المجزرة ولغرقت في بحر النسيات، وإذا صح ذلك التحليل فإنه يعني ان حملة البغض والكراهية لم تعمق من الاستقطاب فحسب، وإنما أثرت سلبا على المشاعر الإنسانية ونالت من نقاء الضمير لدى أغلب عناصر النخبة.
يخوفنا ما جرى أيضا من زاوية أخرى، لأن السلطة التي أصدرت الأمر بارتكاب المذبحة، والتي حاولت تغطيها ببيانات وروايات غير صحيحة، وحين سعت إلى طمس معالمها وراهنت على ضعف ذاكرة الناس، هذه السلطة هي المؤتمنة على ترتيب أوضاع مستقبل الوضع المستجد في مصر.
أعني أنه في ظلها سيعدل الدستور أو يكتب من جديد، وفي ظلها ستجرى الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
 وإذا كان ذلك سلوكها في تعاملها الذي لم يكن أمينا ولا نزيها في مذبحة الحرس الجمهوري، فهل نطمئن إلى استقامة سلوكها في التعامل مع بقية الملفات المصيرية الأخرى.
 وإذا كانت قد واتتها الجرأة على قتل أكثر من خمسين مواطنا مصريا في ساعة الفجر فهل تستبعد منها عبثا في الدستور أو تلاعبا وتزويرا في الانتخابات؟
إن الخوف مما جرى في مذبحة الحرس الجمهوري لا يقلقنا على الحاضر فحسب، ولكنه يقلقنا أيضا على المستقبل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق