حتى ينجح المشروع السني
السبت 7 سبتمبر 2013
تعاني أمتنا اليوم من صراع المشاريع المختلفة على مقدراتها وقدراتها، وهذه المشاريع تتنوع بين المشروع الصهيوني والمشروع الغربي والمشروع الشيوعي والمشروع الطائفي أو الشيعي والمشروع العلماني والمشروع الاستبدادي.
وفي خضم هذه المشاريع يغيب المشروع الحقيقي والأصلي وهو المشروع السني، الذي يعبر عن الغالبية الأصيلة في الأمة، وهو المشروع الذي يمتلك المشروعية الشرعية والتاريخية والقانونية.
المشروع السني ينبثق من هوية الأمة وتاريخها ولغتها وتراثها، وهو ليس مشروعاً وافداً من الخارج ولا مشروعاً يحمل أجندات فئوية لفصيل دون آخر، ولا مشروعاً يسعى للهيمنة بالباطل لصالح نخب فاسدة ضيقة (أولغاركية) كحال المشاريع الأخرى.
هذا المشروع السني لا يزال ينمو ببطء مع الأسف عبر أكثر من 100 عام، منذ ظهرت دعوات الإصلاح الإسلامية في مختلف البلاد الإسلامية، هذه الدعوات الداعية للعلم وحرب الجهل والخرافة، والعاملة على نشر التوحيد والسنة وحرب الشرك والبدعة والضلالة، والمجاهدة باللسان والسنان ضد الاحتلال المادي والمعنوي، والساعية لبعث الأخلاق الحميدة بعد طوفان الفساد والانحلال الوافد عبر الدعوات المنحرفة وأدوات الاحتلال.
هذه الدعوات الإصلاحية المباركة ورغم نجاحها في المحافظة على هوية الأمة من أن تستلب بالكامل، ونجاحها في نشر الوعي بالعلم الشرعي وأهميته، ونجاحها في حرب كثير من مظاهر الشرك والبدعة والخرافة، ونجاحها في دحر الاحتلال المباشر في غالب البلاد الإسلامية، ونجاحها في المحافظة على أصول الأخلاق الإسلامية، إلا أنها لم تصل بعد للنجاح الكامل الذي تبتغيه وهو قيام نموذج للحكم الإسلامي الرشيد يعيد أمجاد الماضي بعدله وتقدمه وقوته ورحمته، ويكون قدوة للبشرية المعاصرة لتخرج من تيهها وأزماتها الروحية والمادية.
وهذا الإخفاق له أسباب عدة، منها:
عدم تراكم العلم والمعرفة في هذه الدعوات الإصلاحية في أبواب هامة من العلم والمعرفة، مما يؤدي دوما للبداية من الصفر في كل تجربة جديدة، فتضيع الأوقات وتتبدد الطاقات، ومن أمثلة هذه العلوم والمعارف:
1- علوم التنمية البشرية، التي تشمل تطوير ملكات التفكير والبحث والتأمل، وتشمل مهارات الاتصال والتواصل، وتشمل مهارات القيادة والإدارة، وللأسف فإن هذه العلوم لم تدخل بعد في صلب المعارف والعلوم التي تقدمها الدعوات الإصلاحية لروادها وجمهورها، ولا تزال متروكة للمبادرة الفردية والشخصية، ويتولد عن ذلك تكدس الأفراد العاديين في مفاصل الدعوات الإصلاحية وإعادة إنتاج البيروقراطية الحكومية الفاشلة المتفشية في المؤسسات العامة في المؤسسات الدعوية الإصلاحية، وبذلك تعجز الدعوات الإصلاحية عن القيام بدور القاطرة التي تجر خلفها العربات/ الأمة على السكة/ الصراط الموصل للرفعة والتقدم والنجاح.
2- معرفة الفرق والمذاهب المعاصرة قديمة كانت أم حديثة، فلا يزال حسن الظن في غير محله هو المتبع في التعامل مع الفرق والمذاهب المعاصرة، مما نتج عنه الكثير من المصائب والكوارث للدعوات الإصلاحية، فمن المهم جدا أن يكون هناك مراجع معتمدة للفرق والمذاهب المعاصرة تتميز بالموضوعية والجدة والعمق، فمن المعيب أن تستنجد اليوم حركة حماس بإيران وحزب الله لمواجهة تبعات الانقلاب في مصر، في الوقت الذي يمارسان فيه القتل يوميا في سوريا بحق الشعب السوري، لأنهما
أولاً: من الأعداء وليسا محايدين أو مناصرين
وثانياً: يفتح هذا الباب للسياسة الانتهازية المخالفة للشرع،
وثالثاً: كيف ينصرنا الله ونحن نخذل مسلما؟
وبسبب هذا الجهل بالمذاهب الفكرية المعاصرة تحالف الإخوان المسلمون عبر تاريخهم مع العديد من الفصائل العلمانية اليسارية والليبرالية التي سرعان ما انقلبت عليهم! فهم كانوا مع حزب البعث السوري وهو يحارب إخوان سوريا، وتحالفوا في الأردن مع البعثيين واليساريين فانقلبوا عليهم وانحازوا لإجرام بشار الأسد، وتحالفوا معهم في انتخابات مصر وأدخلوهم للبرلمان واليوم انقلبوا عليهم، ويطالبون بحل جماعتهم وسحل أفرادهم!!
وأيضاً من الجهل بالمذاهب الهدامة انشغال فئات من السلفيين بتتبع أخطاء جماعة الإخوان دون أخطاء بقية التيارات السياسية والفكرية، فهذا نوع من الحول الفكري، أن تنشغل بالكامل ضد جماعة نيتها سليمة ولو أخطأت قليلاً وكثيراً عن أحزاب وجماعات سياسية وفكرية ملحدة وعلمانية ومحاربة للإسلام بعضه أو كله!! ويكون الجرم أعظم حين يكون هذا الانشغال بإيعاز من هذه التيارات المنحرفة عن الإسلام ولصالحها.
3- الجهل بتاريخ الدعوات الإصلاحية وتجاربها وخبراتها وعدم توارث ذلك، يكاد يكون جهلا مطبقاً، ونتائجه الكارثية على فشل المشروع السني تبلغ من الضخامة حدا لا يتخيل!
فكم من الجهود الكبيرة والتي بذلت من أجلها أرواح ومهج كثيرة جدا، وأنفقت في سبيلها أموال هائلة، واستغرق الوصول لها سنين طويلة، ثم تضيع بسبب تكرار خطأ لم نتعلم من وقوعه أول مرة!!
ومن يطالع تجارب الإصلاح يجد أنها نجحت بشكل كبير في البدايات ووصلت لثمار رائعة، لكن بسبب عدم الوعي لمرحلة ما بعد التأسيس، وعدم الانتقال من الفردية للمؤسسية، وعدم تطوير الرؤية وتعميقها، واحتكام القيادة للولاء على الكفاءة، مني العمل الإصلاحى بنكبات متكررة فشل بسببها عن تحقيق غاياته.
4- علم السياسة الشرعية، برغم أهميته ومركزيته إلا أن الاهتمام به لا يزال نخبوياً، والواجب أن يصبح علماً شعبياً متداولاً بين الناس، حتى يحكم تصرفاتهم ويلجم انفعالاتهم، ويوجه الطاقات لمسارات البناء المجدية، فتتراكم الإنجازات، ونخرج من دائرة العبث (البناء والهدم) التي حذرنا منها النبي صلى الله عليه وسلم فيما روي عنه بقوله: "إن المنبتّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى".
ونحتاج أن يصنع لعلم السياسة الشرعية متن صغير أو نظم يعمم في حلقات العلم ويصبح من أولويات طالب العلم الأساسية، ومن ثم يفتح المجال للتوسع في المستجدات العصرية وتنزل عليها الأحكام الشرعية، ويستخلص منها التجارب الماضية القواعد والضوابط التي تجنبنا تكرار الأخطاء وتضييع الأعمار.
5 – علم إدارة الخلاف والنزاع، وبرغم أنه من علوم الإدارة الداخلة في علوم التنمية البشرية إلا أن الحاجة الماسة له جعلتني أفرده بالحديث، فكم من الصراعات بين فصائل الإصلاح والدعوات تستهلك فيها الجهود والطاقات دون طائل؟
وكان بالإمكان الحفاظ على هذه الجهود المهدورة لو أحسنا علم إدارة الخلاف والصراع، كما يحسن إدارته أعداؤنا، فالخلافات في حكومة إسرائيل مشهورة معلومة، والخلافات في نظام الملالي بطهران معلنة مكشوفة، لكنهم مع كل ذلك يوظفونها لما ينتج مصلحتهم ولا يبدد قوتهم.
فمتى نبتعد عن عبارات التخوين والعمالة بين فصائل العمل الإسلامي كلما حدث بينهم خلاف أو صدام، ومتى نحسن أن نسرب الخلاف بيننا في مسارات متوازية بدلاً من أن نطرحه في خطوط متقاطعة!
في الختام: إن ضعف أو غياب هذه العلوم هو من معيقات المشروع السني عن بلوغ غايته ونهايته، عزيزي القارئ: إذا كنت أنت ممن غابت عنهم هذه العلوم وكنت من معيقات مشروعنا عن بلوغ غايته، فهل أنت على استعداد لتدارك ما فات؟
اللهم اجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق