الأربعاء، 13 نوفمبر 2013

هل يهدم الصهاينة الأقصى في 2014 ؟

هل يهدم الصهاينة الأقصى في 2014 ؟

في أتون الأوضاع الملتهبة في محيطنا الإقليمي بسبب تداعيات الانقلاب العسكري الذي وقع في مصر منذ أكثر من أربعة شهور ، مر حدث ذو دلالة بالغة الأهمية مرور الكرام دون أن يلتفت له أحد إلا من ظل مستمسكا على بصيرة بطبيعة الصراع الأصلي ،وعاملا بالميثاق القرآني بأن " يهود " هم ألد أعداء الأمة . ففي أواخر شهر سبتمبر الماضي أعلنت السلطات الإسرائيلية عن عثور باحثين برعاية عالمة آثار من الجامعة العبرية ، على كنزٍ عند أطراف المسجد الأقصى في القدس يحتوي على قلادة نقشت عليها صور الشمعدان والبوق (الشوفار) ونسخة من التوراة ، وقد علق نتنياهو على ذلك قائلا إن "هذا مكتشف أثري عظيم ، وعلى الصعيد القومي هذا برهان عظيم على التواجد اليهودي الطويل الأمد، وعلى قدسية هذا المكان".
عقود جاوزت العشرة مرت على الصراع بين الصهاينة والمسلمين في فلسطين ، كان الأقصى خلالها هو لب الصراع ومسرح معظم مشاهده ، فالصهاينة قد بنوا حقوقهم التاريخية المزعومة في أرض فلسطين على أسطورة هيكل سليمان الافتراضي في موضع المسجد الأقصى ، عقود مرت والمحاولات الصهيونية اللاهثة والحثيثة لا تنقطع من أجل إثبات أحقية كاذبة في المسجد ، وخيال هيكل سليمان لا يفارق اليهود جميعا ، متدينين وعلمانيين ، يمينيين ويساريين ، لا فرق بينهم ، فهم أمام اعتقاد الهيكل جميعا سواء ، حتى أنهم من شدة إيمانهم بهذه الأسطورة ، قد أعدوا كل شيء يتعلق ببناء الهيكل ، من تصاميم هندسية ، ومواد بناء ، وسدنة الشعائر، وزينات ، وحتى الشمعدان المقدس ،وخيمة العهد ، والبقرة الحمراء والمذبح المقدس ، كل ذلك تماما تجهيزه انتظارا واستعدادا للحظة الفارقة والوضع المناسب للقيام بأخطر الأعمال ؛ هدم المسجد الأقصى .
الهجمة على المسجد الأقصى تتصاعد بوتيرة متفاوتة ، ولكن بإصرار واضح على سرقة هذا المكان بدعوى وجود الهيكل المزعوم مكانه ، ومع تطور الصراع بدأ الصهاينة في التنقيب أسفل المسجد بدعوى البحث عن آثار ودلائل تؤكد مزاعمهم وأساطيرهم بخصوص هيكل سليمان ، وبدأت الحفريات في أساسات المسجد منذ التسعينيات ، غير أن الفشل في الحصول على أي دليل ولو كان ضعيفا على وجود الهيكل لم يمنع الصهاينة من استمرار قضم المسجد والتعدي عليه، الأمر الذي بدأ ينذر في المرحلة الأخيرة بتكرار سيناريو الحرم الإبراهيمي فيه، أي تقسيمه عمليا بين العرب واليهود ، فيما يُسمى عيد "العرش" الذي حلَّ نهاية الشهر الماضي، دخلت جحافل المستوطنين إلى المسجد في ساعات الصباح بعد أن قامت القوات الخاصة بإخلائه من الفلسطينيين، وكان ذلك بمثابة الإنذار لتطبيق فكرة التقسيم الزماني الذي يتزامن أيضا مع تخريب أساسات المسجد ، وهذه المرة هي الأولى التي يُعلن فيها عن العثور على ما يشير لوجود آثار يهودية فيما يُعرف بالمربع المقدس ـ محيط المسجد الأقصى ـ مما ينذر بدخول الصراع على الأقصى مراحله الأخيرة .
ومن خلال استقراء تاريخ هذا الصراع وحلقاته ومشاهده الدرامية تبرز عدة حقائق أهمها على الإطلاق : أن الصهاينة يرفعون دائما وتيرة العمل من أجل هدم الأقصى وكذلك التهويد والاستيطان في الفترات التي يخفت فيها صوت المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الصهيوني ، فالمقاومة الفلسطينية عامة والإسلامية بقيادة حماس والجهاد خاصة كانت وما زالت وستظل أسوأ كوابيس الصهاينة والهاجس الوحيد للصهاينة هو بقاء روح الجهاد والمقاومة متقدة ضدهم ، وبقاء كيانات المقاومة قائمة صامدة عاملة ، وهم قد استطاعوا ومنذ زمن طويل تفكيك منظمة التحرير وتدجين ذراعها العسكري " فتح " ، فخرجت فتح من معادلة الصراع ضد الاحتلال الصهيوني منذ وقت طويل ، ولم يبق سوى المنظمات والكيانات الإسلامية وحدها في ميدان الصراع ضد الصهاينة وأطماعهم ، وهذه الحقيقة تقودنا إلى الحقيقة الثانية في قضية الصراع على الأقصى وهي : أن القائمين على السلطة الفلسطينية أو على الأقل ما تبقى منها والذين لا يكفون عن رفع شعارات الصمود والمقاومة والعروبة والدفاع عن المقدسات ، هم أنفسهم أكبر عون على هدم المسجد الأقصى !! . فهم يخوضون المعركة الخطأ بالتفاوض مع الصهاينة على دويلة فلسطينية حبيسة مبتورة منزوعة السلاح والصلاحية ، ويصرون على هذا المسار العقيم وهم يعلمون أن الصهاينة يصرون على جعل القدس عاصمة كيانهم الغاصب ، والأقصى هم هيكلهم المزعوم ، وفي نفس الوقت يخوضون معارك حامية ضد إخوانهم في الدين والعروبة والوطن ـ حماس وباقي الفصائل المسلحة ـ مدعومين دوليا وإقليميا بالكثير من القوى الحالمة باختفاء حركة المقاومة الإسلامية حماس من المشهد للأبد ، ففتح شريك أساسي اليوم في حصار حماس والتضييق على أهل غزة ، ومن يريد حماية الأقصى لا يمكن أن يطارد المقاومة، ويدجن الشعب على رفضها، ويتحدث لأبنائه عن خطط تنموية برعاية أميركية، وأنهار اللبن والعسل التي ستتفجر بأرض فلسطين بعد القضاء على حماس .
الانقلاب العسكري المصري كان نقطة فاصلة ومؤثرة في مؤامرة هدم المسجد الأقصى ، فلم يكد يمر بضع ساعات على بيان الانقلاب حتى حطت طائرة إسرائيلية خاصة تحمل مسئولا استخباراتيا إسرائيليا رفيع المستوى لمناقشة مستقبل الأوضاع والعلاقات بعد الانقلاب ، والتنسيق بين الجانبين في العديد من الملفات الشائكة مثل الأوضاع في سيناء والعلاقة مع حركة حماس. ولم تكن هذه الزيارة من فراغ فقد أنبئت الأيام التالية للانقلاب أن الكيان الصهيوني كان أكبر المستفيدين من هذا الانقلاب ، فقد وصل التنسيق والتعاون بين سلطة الانقلاب وسلطة الاحتلال إلى مستويات قياسية لم تصل إليها منذ توقيع كامب دايفيد ، ففي تقرير نشرته صحيفة وورلد تربيون الأمريكية عن مصادر عسكرية إن مصر وإسرائيل قامتا بتنسيق العمليات بينهما ضد مئات المسلحين بمدينة رفح ، المقسمة بين شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة الخاضع لحكم حركة حماس الفلسطينية،وأكدت المصادر أن هذا التنسيق بين مصر وإسرائيل يمثل أعلى مستوى من التعاون العسكري بين البلدين منذ معاهدة السلام بينهما في عام 1979 ، وقال غيورا آيلان مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق "هناك تعاون استخباراتي بين مصر وإسرائيل أتصور أنه في أعلى مستوياته الآن نظرا لزيادة الثقة وأرضية مشتركة بين الطرفين " .
وبالتوازي مع هذا التنسيق الأمني غير المسبوق مع الكيان الصهيوني قامت سلطة الانقلاب بغلق معبر رفح بصورة شبه كاملة ، كما شنت حملة عنيفة ضد الأنفاق المستخدمة لنقل البضائع وتهريبها إلى قطاع غزة والموجودة منذ سنوات طويلة ومنذ أيام المخلوع مبارك ، وقامت بهدم أكثر من 90% من هذه الأنفاق بدعوى الحفاظ على الأمن القومي ومنع تهريب السولار ومواد الطاقة للقطاع ، وفرضت حصارا قاسيا على القطاع لم يفرضه مبارك نفسه ، وفي نفس الوقت فرضت سلطة الاحتلال نفس الحصار على معبر كرم أبو سالم ، ليجد أهل غزة أنفسهم لأول مرة تحت حصار شديد القسوة ومن كل جانب . ومع تسارع وتيرة الأحداث تسربت أخبار أثبتتها الوقائع بعد ذلك أن ثمة مخطط إماراتي صهيوني بالتعاون مع سلطة الانقلاب بهدف تكرار سيناريو " تمرد " الذي وقع ضد مرسي ، مع حركة حماس ، واستغلال الأوضاع الإقليمية والدولية في إنهاء حكم حماس بغزة وإعادتها لسلطة فتح مرة أخرى ، وبالفعل تم تأسيس حركة " تمرد " الفلسطينية بهدف الثورة على حكم حماس بقطاع غزة ، وحددت يوم 13 نوفمبر للثورة ضد حماس ، ومن ثم يتخلص الصهاينة من كابوسهم المفزع الذي أرقهم لسنوات طويلة ، وبالتالي يتفرغون للمهمة الأكبر ؛ هدم المسجد الأقصى وإقامة هيكل سليمان .
عندما نعيد ترتيب أحجار اللعبة المبعثرة على رقعة الأحداث نجدها كلها تقود إلى هذه النقطة  ـ هدم المسجد الأقصى ـ ، تسريع لوتيرة الحفريات أسفل المسجد ، أوضاع إقليمية عاصفة ، محاولات متكررة لاقتحام المسجد وفرض وجود زماني ومكاني به للصهاينة ، انقلاب عسكري يطيح بأول رئيس مدني منتخب ذي خلفية إسلامية ويدعم قضية فلسطين ، حصار لقطاع غزة وخنق للمقاومة الإسلامية ، مفاوضات سرية بين الصهاينة و حركة فتح برعاية أمريكية وروسية ، يتم فيها التنازل عن أهم نقطة في تاريخ الصراع ؛ " القدس " و" الأقصى " .
فهل يا ترى سيأتي علينا هذا اليوم المهول الذي نرى فيه بأم أعيينا هدم الأقصى وإقامة الهيكل ؟
أم أن الله عز وجل سيتلطف بهذا الجيل ويخفف من رصيد ذاكراته المتخم بالأحداث والمشاهد المأساوية ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق