الثلاثاء، 5 نوفمبر 2013

الانقلابيون في قفص المحاكمة!!


الانقلابيون في قفص المحاكمة!!



ما جرى أمس الأول الاثنين في مصر تحت مسمى «محاكمة مرسي» وعدد من قادة الإخوان، كان في شق منه مهزلة، وفي الشق الآخر ملحمة.
من الناحية القانونية كان ما جرى مهزلة بامتياز. مهزلة لا تنتمي إلى عالم القانون الذي يعرفه البشر في الدول المحترمة. فحين يُستبعد محامو المتهمين، باستثناء أربعة، ويتم حشو قاعة المحكمة بحشد من رجال الأمن والبلطجية والمخبرين تحت مسمى «المدعون بالحق المدني» ممن لا يمثلون عمليا سوى أهالي قتيلين في القضية المنظورة (قضية قصر الاتحادية)، لأن الثمانية الباقين هم من الإخوان، فتلك بداية المهزلة، أما الإجراءات الأمنية التي صاحبت المحاكمة، والتي أخرجتها من نطاق العلنية إلى السرية، فتلك حكاية أخرى تشي إلى جانب البعد القانوني بالهاجس الأمني الذي يستوطن نفوس الانقلابيين.
هكذا كانت المحاكمة بكل تفاصيلها مسرحية هزلية إلى حد كبير، إذ لم يسأل أحد مثلا عمن قتل المتظاهرين الثمانية من الإخوان، وهل قتلوا أنفسهم بأنفسهم، أم أن ثمة من قتلهم، وهناك من أصدر الأوامر، وهناك مسؤولو أمن ووزير داخلية مسؤولون عن قتلهم؟! ثم، لماذا يتم استبعاد التهمة الأخرى (التخابر مع حماس)، لولا أنها تدينهم بشكل أوضح. والخلاصة أننا إزاء محاكمة سياسية لا صلة لها بالقانون ولا بالعدالة من قريب أو بعيد.
لقد أراد الانقلابيون أن تكون المحاكمة بمثابة تأكيد لزمنهم، وشطب لزمن مرسي والثورة، وأن تكون محطة باتجاه تثبيت الانقلاب. 
وحين يأتي كيري إلى القاهرة قبل يوم واحد من المحاكمة، فليس ذلك مصادفة بأية حال، لاسيَّما حين يعلن بصريح العبارة تأييده للانقلاب، ولا يذكر مرسي إلا في سياق من تأمين محاكمة عادلة له، كأنه مجرم وليس رئيسا منتخبا.
والحال أن الموقف الأميركي لم يكن ملتبسا تماما، لكن القوم كانوا في حاجة إلى لغة أكثر صراحة (أكثر صراحة من دعم أوباما الحاسم للانقلاب في كلمته أمام الأمم المتحدة!)، وجاء كيري ليمنحهم ذلك، في حين يعرف الجميع حقيقة موقف نتنياهو الداعم للانقلاب، وهو بُعد يتجاهله عن عمد يساريون وقوميون لا يريدون الاعتراف بخدمة الانقلاب للمصالح الصهيوأميركية، والتي لا يغير فيها قرار تجميد جزء من المساعدة العسكرية ستتم إعادته بعد قليل من الوقت (يستخدم في سياق الابتزاز أيضا).
ولكي تكون المحاكمة كما أرادوا، فقد تم عزل الرجل تماما عن العالم الخارجي، وقد ثبت أن كلام كاترين آشتون لم يكن صحيحا، فالرجل لم يكن على علم بمعظم ما يجري، إذ بكى حين سمع عن شهداء رابعة، وعلم بشعارها من قبل إخوانه في القفص.
والنتيجة أنهم توقعوا أن يظهر الرجل بمظهر المهزوم، الأمر الذي ينهي حقبته تماما، ويتحول من رئيس تم عزله بانقلاب عسكري إلى مجرم يُحاكم بتهمة قتل متظاهرين، وبالتخابر مع حماس!!
لكن المحاكمة المهزلة التي أريد لها أن تختتم بإهالة التراب على زمن مرسي، وإعلان زمن السيسي الرئيس لم تكن كذلك، بل تحولت إلى ملحمة رائعة تابع العالم أخبارها رغم أن الكاميرات لم تدخل (خلا كاميرا تلفزيون السيسي)، ولا الموبايلات، ولا حتى الأقلام لكي تكتب.
لم تجد كاميرا الانقلابيين التي تابعت المحاكمة من ألفها إلى يائها، لم تجد سوى دقيقة ونصف الدقيقة تصلح للبث، وقد يجري تسريب بعض التسجيل لاحقا، وإن توقعنا أن يكونوا أكثر حرصا بعد الذي جرى لحديث السيسي مع ياسر رزق، رئيس تحرير صحيفة المصري اليوم.
حتى الدقيقة ونصف الدقيقة التي جرى بثها كانت كافية لإظهار رجل شامخ لا تبدو عليه أية علامات ضعف أو خوف.
فقد رفض ارتداء زي السجن، وأصر على «بدلته» كما لو كان في لقاء رسمي، ودخل شامخا مرفوع الرأس، وسيطر تماما على قاعة المحكمة، كما ذهب عدد من مراسلي الصحف الأجنبية (الديلي تلغراف، الجارديان مثالا).
بعد المحاكمة خرج القلة من الحضور المؤيدين للرئيس ليرووا لنا كيف تصرف الرئيس، وكيف تصرف إخوانه الآخرون، فقد رفضوا جميعا الاعتراف بالمحكمة، وهتفوا له كرئيس شرعي، وكذلك فعل بإصراره على أنه كان ولا يزال الرئيس الشرعي.
نعم، كان شامخا، وأفسد على الانقلابيين خطتهم، فما كان منهم سوى تأجيل المحاكمة إلى الثامن من يناير المقبل، وهو موعد سيتم تأجيله أيضا حتى يجري منح الرئاسة للسيسي، وبالطبع خشية أن يفسد مرسي العرس، ويقول في السيسي ما يفضحه أمام الملأ.
يبقى السؤال المهم هو: كيف سيتصرف الانقلابيون بعد هذه الصفعة التي تلقوها والهزيمة التي أوقعها بهم مرسي وإخوانه، وهل سيدبرون طريقة للتخلص منه، أم ستتم إدانته بطريقة ما لاحقا، وصولا إلى إعدامه، لاسيَّما أن حرصهم على إسكاته لن يتراجع، أقله حتى فوز السيسي، مع أن الأمر قد لا يتغير كثيرا بعد فوزه بطريقة مرتبة.
أيا يكن الأمر، فقد تمت المحاكمة، ووقعت الهزيمة بالانقلابيين، من دون أن يعني ذلك تأكيدا لسقوطهم، والسبب أن ميزان القوى ما زال لصالحهم (جيش، أمن، قضاء، إعلام وجزء من الشارع)، إضافة إلى الوضع العربي والدولي المنحاز، لكن المؤكد أن ما جرى سيكون محطة تمنح رافضي الانقلاب دفعة إلى الأمام، فيما تفضح، وستفضح تباعا رموز الانقلاب ومن وقفوا خلفه، وصولا إلى استعادة الشعب المصري لثورته المجيدة، ثورة 25 يناير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق