الثلاثاء، 11 نوفمبر 2014

هيكلوا الجيش ( ٣ )

هيكلوا الجيش ( ٣ )

آيات عرابي

الجيش منتج بريطاني !
اليوم نشرت صحيفة اليوم السابع خبراً يقول عنوانه ( علم مصر مع أعلام الدول الاوربية في ذكرى الحرب العالمية الأولى ), ومشاركة عناصر من الجيش في تلك الحرب وتفاخر عسكر مصر الحاليين فضيحة تكشف عن العقيدة المعادية للدين التي قام عليها الجيش, فبعد أن سقطت مصر تحت الاحتلال البريطاني سنة 1882, قام اللورد دافرين بحل الجيش المصري الذي كان يقوده وزير الجهادية أحمد باشا عرابي وانشأ جيشاً صغيراً لا يزيد عدد قواته عن 6 آلاف جندي بقيادة بريطانية.

كان ذلك الجيش الذي انشأه البريطانيون سنة 1882 على أسس علمانية محضة بعد أن وضع دافرين دستوراً جديداً للبلاد, هو نواة الجيش الذي يحارب أهالي سيناء الآن, كانت بريطانيا تتعامل مع مصر باعتبارها عزبة, تغير قوانينها, تضع لها دستوراً, تحل جيشاً وتنشيء جيشاً آخر, وفي العزبة لا بأس من انشاء قوة للغفر لحماية الاحتلال وترسيخه ولقطع الصلة مع دين الدولة وبالتالي يصبح هؤلاء الغفر هم حرس التجربة البريطانية الذين يتركهم الاحتلال خلفه.

من يراقب تجربة العراق بعد الاحتلال الامريكي وحل الجيش العراقي وانشاء جيش جديد بمعدات امريكية وتدريب امريكي وقيادات موالية للاحتلال الامريكي ومعادية للسنة سيرى نفس السيناريو.
كان من المهم حل الجيش الذي حارب الانجليز مع عرابي وإقامة جيش جديد يعمل وفقاً للمزاج البريطاني ويتلقى ضباطه أوامرهم من البريطانيين بينما يتم تجنيد الأهالي غير المتعلمين إجبارياً كما كان يفعل محمد علي ليسهل تطويعهم وتوجيههم, وبحيث يصبح ذلك الجيش أداة طيعة في يد الاحتلال يحارب فقط كالمرتزقة بناءاً على أوامر البريطانيين , وهو تكرار لتجربتهم في الهند, وظهرت باكورة ثمار خطة دافرين عندما قامت الثورة في السودان بقيادة الإمام المهدي ونجحت في هزيمة الجيش البريطاني واستعادة العاصمة الخرطوم, فتحركت حملة بريطانية سنة 1889 بقيادة اللورد كتشنر إلى السودان لإعادة احتلاله, وتحت قيادتها لواء من الجنود المصريين يقودهم ارشيبالد هنتر وهزمت القوات السودانية في عدة معارك انتهت بمعركة عطبرة التي تم بعدها إعادة احتلال السودان.

نجحت التجربة البريطانية نجاحا مبهراً, فأنتج الاحتلال جيشاً من المرتزقة, يتلقى ضباطه تعليماً عسكرياً فقط, ثم يخدمون في جيش قياداته بريطانية غير متصل بواقع مصر ولا مكونها الثقافي النابع أصلاً من الدين, فيتم تخريج آلات صماء تطيع الأوامر فقط, وتعتمد علاقة الضباط والجنود, على منظومة قانونية وضعها المحتل, فلا تحريم لقتال المسلم ولا انتماء لعقيدة أو ولاء لشعب, ونظير ذلك يتقاضى الضابط والجندي رواتبهم, وكانت التجربة الثانية لذلك الجيش هي المشاركة تحت القيادة البريطانية في مواجهة الجيش العثماني الذي حاول عبور قناة السويس لاستعادة مصر من يد الاحتلال البريطاني سنة 1916 وفيها قصف ملازم مدفعية اسمه أحمد حلمي, المفترض أنه مسلم مصري, قوارب القوات العثمانية المسلمة أثناء عبورهم قناة السويس, وتذكر مصادر العسكر هذا الأمر بفخر, وتتحدث بحزن عن مقتل ذلك الضابط فيما بعد أثناء المعركة وتسميه مقتله استشهاداً.

وسبق معارك سيناء ضد جيش الخلافة العثمانية, تجهيزات لدفاعات القناة قام بها فيلق العمال الذي يفاخر به العسكر اليوم, وتم استخدام هؤلاء العمال في اعمال تشمل تمهيد الطرق ومد السكك الحديدية وحفر الآبار والخنادق ومد انابيب المياه، واقامة الاستحكامات ونقل معدات التليفون والتلغراف والمهمات والذخائر والتموين في فرنسا حيث كانت تدور الحرب في مواجهة الالمان, كما تم استخدامهم في مواجهة القوات العثمانية وكان المصريون على المستوى الشعبي ( بخلاف المشاركين في تلك الأعمال ) يحتقرون ذلك النوع من الأعمال, ويسمونها ( السلطة ).

وبلغ عدد من تم تسخيرهم للقيام بتلك الأعمال مليون و 200 الف مصري من أجل حروب لا تخص مصر من قريب أو من بعيد, وأذكر أنني نوَّهتُ في مقال سابق أنه كان من بين هؤلاء العمال, اعضاء افراد عصابة ريا وسكينة الشهيرة ( حسب الله وعبد العال ), وأعمال السخرة هذه في أي دولة تحترم شعبها, ترفع بسببها قضايا دولية وتطالب فيها الدولة المحتلة بدفع تعويضات عادلة عن تسخير جزء من شعب الدولة التي وقعت تحت الاحتلال, ولكن العسكر معدومي الانتماء والعقل, يتفاخرون بمشاركة مرتزقة مصريين في معارك ضد دولة الخلافة وفي أعمال السخرة التي لا يقوم بها سوى العبيد.


كانت هذه هي نشأة الجيش المصري, قيادة اجنبية وضباط علمانيون وجنود جهلة, تلك هي المنظومة التي شكلت نواة الجيش المصري الذي ورثه الملك فاروق, والذي كان ضباطه يقبلون يد الملك, والذي قام فيما بعد بانقلاب يوليو 52, وهو الجيش الذي قاد مصر لهزيمة 67 والذي وصلت على يده قوات العدو الصهيوني للكيلو 101 على طريق مصر السويس في حرب اكتوبر 73 التي يروجون للشعب أنها نصر أكتوبر المجيد !
بالطبع لا يخلو الجيش دائماً من الضباط والجنود الشرفاء, فالصاغ محمود لبيب مثلا, وهو مؤسس تنظيم الضباط الأحرار عمل على اختراق الجيش من الداخل وتكوين تنظيم من ضباط متدينين وبالطبع لم ينجح في ذلك الا لوجود ذلك العنصر المتدين الشريف بالجيش, ولكن عبد الناصر الذي استلم منه اسماء الضباط اثناء مرض موته ادخل للتنظيم ضباط شيوعيين وفاسدين امثال شمس بدران مثلا وهو عنصر يلقى رضا من المحتل حيث قال كيرميت روزفلت ضابط المخابرات الامريكي لاعضاء الكونجرس عن الضباط الأحرار, قبيل انقلاب 1952 ( هؤلاء الضباط العلمانيون يشاركون امريكا توجهاتها ), كما ذكر مايلز كوبلاند في كتابه لعبة الأمم.
ولذلك, فلا عجب أن يتنقل ضباط الجيش بين احضان ضباط المخابرات الامريكية والصهيونية, بدءاً من عبد الناصر وانتهاءاً بمجموعة الفشلة الحاليين, ولا عجب أن تنشر صحيفة امريكية نبأ اجتماع وفد من ضباط المخابرات الحربية بأشقاءهم في المخابرات الصهيونية للتنسيق لإسقاط أول رئيس منتخب سنة 2013 قبل الانقلاب, فذلك الجيش هو منتج بريطاني ولا يصل لقيادته أبداً الا لص أو فاسد أو جاهل ( حتى بالمعايير العسكرية ) ولم يكن سعد الدين الشاذلي و غيره من شرفاء الجيش الا استثناء فرضته الظروف وقتها !
ذلك هو الجيش الذي يدمر مساكن أهالي سيناء ويقتلهم الآن لصالح الصهاينة وحفاظاً على أمنهم القومي, ما نراه الآن كان مختبئاً تحت السطح لمدة عقود ولم نكن لنراه لولا الانقلاب, وكشف حقيقة منظومة الجيش التي تسيطر على اقتصاد مصر وتستعبد شبابها بنظام تجنيد فرعوني هو نصف حل مشاكل مصر الآن.
نعم يجب الغاء نظام التجنيد الحالي, ونعم يجب نبش تاريخ هزائم تلك المؤسسة التي تعد من اخطر مخلفات الاحتلال البريطاني .. نعم يجب فضح فسادها وعمالة قادتها للاحتلال .. نعم يجب هيكلة ذلك الجيش وغربلة صفوفه وتنقيته من الخونة وإبعاده تماماً عن السياسة وانشاء جيش على أسس من عقيدة الاسلام, دين مصر منذ اربعة عشر قرناً.
وللحديث بقية ان شاء الله

مواضيع ذات صلة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق