هل اصطدمت طموحات السيسي بعقبة الجزائر؟
شريف عبدالعزيز
تطابق العقلية السياسية ، واتفاق السمات الفكرية ، وتبني نفس العقيدة السلطوية ، كلها أمور تدفع عادة باتجاه الشراكة الاستراتيجية ، ولكن على ما يبدو أنها في الحالة المصرية الجزائرية تدفع باتجاه المنافسة الإقليمية المفضية للعديد من التقطاعات والتباينات في المواقف والرؤى السياسية، فعلى الرغم من كون الحالة السياسية ، والبنية السلطوية والتكتيكات الخارجية ، تنبثق من نفس الأيديولوجية السياسية إلا إن الحرب الباردة على أشدها بين البلدين بصورة تدفع باتجاه التصعيد المستمر.
فالجزائر تُمارس التحالفات الحذرة التي تجعلها منغلقة لسبب يجد تفسيره في كونها لازالت تعيش عصر الحرب الباردة المتسم بنوع من المازوشية السياسية التي تجعلها تعيش في القرن الواحد والعشرين بنفسية الحَرْب الباردة فالجيل القديم لا يريد أن يموت والجيل الجديد غير قادر على الحكم.ونفس الأمر يتطابق مع الحالة المصرية.
مد وجزر ، تقارب وتباعد ، توافق وتلاسن ، هو ملخص العلاقات المصرية الجزائرية خلال النصف قرن الماضية ، ففي عهد جمال عبد الناصر، الذي كان يقود الحركات التحررية القومية من أجل الاستقلال في المنطقة العربية، كانت علاقة مصر مع الجزائر في أوج ازدهارها، حيث ساعدت الأخيرة آنذاك تحت رئاسة هواري بومدين مصر بشكل قوي بالجنود والعتاد في حرب أكتوبر 1973 مع إسرائيل . حتى كتب الفريق سعد الشاذلي رئيس أركان الجيش المصري في حرب 73 في مذكراته : " كان دور الجزائر في حرب أكتوبر أساسيا وقد عاش بومدين – ومعه كل الشعب الجزائري – تلك الحرب بكل جوارحه بل وكأنه يخوضها فعلا في الميدان إلى جانب الجندي المصري" .
لكن منذ وصول السادات إلى الحكم في مصر، خصوصا بعد زيارته للقدس في نوفمبر عام 1977، بدأت العلاقات المصرية الجزائرية تعرف تراجعا متسارعا، وزادت سوءا في عهد مبارك،حيث شهدت العلاقة الجزائرية المصرية إحدى أسوأ منعرجاتها في سنة 2010، بسبب مباراة كروية جمعت منتخبي البلدين بالسودان في تصفيات الترشح لكأس العالم، تبادل فيها أنصار الفريقين الكثير من العنف وأعمال الشغب، لكن لم يقف هذا الأمر في حدود الجماهير الرياضية، بل تحول هذا النزاع الرياضي إلى حرب إعلامية بين البلدين، ثم تطور إلى أزمة دبلوماسية اقتصادية.حتى أن الجزائر، قبل 25 يناير بسنة واحدة، أقدمت على قطع تصدير الغاز الطبيعي لمصر نتيجة تأخر الأخيرة في دفع مستحقاتها المالية وكذلك ما اعتبرتها، حسب الصحف الجزائرية، إساءة لشعب الجزائر بإعادة تصدير مصر للغاز الجزائري إلى إسرائيل خلفت هذه الأزمة الكروية بين مصر والجزائر الكثير من الكراهية والنفور بين الأوساط الشعبية والإعلامية بالبلدين وصلت حد مطالبات شعبية ومدنية بقطع العلاقات السياسية والاقتصادية نهائيا، ولا زالت بعض تداعياتها السلبية حتى الآن تسري في نظرة كل منهما للآخر، حيث يتجدد الصراع الإعلامي والشعبي في كل لقاء رياضي يجمعهما.
كانت أول زيارة خارجية قام بها السيسي بعد وصوله إلى الحكم بعد الاطاحة بأول رئيس مدني منتخب ، كانت نحو الجزائر، مما عده الكثير من المراقبين تحولا جذريا في السياسة المصرية نحو البلدان المغاربية، إذ لطالما كانت مصر لعقود طويلة منغمسة في قضايا الشرق الأوسط، دون محاولة الانفتاح على بلدان القارة الإفريقية عموما، رغم ارتباط مصالحها الأمنية والسياسية والاقتصادية بدول إفريقيا.
زيارة الجنرال كان لها أهداف معلنة وأخرى غير معلنة ترتبط في الأساس بطموحاته السياسية وتنفيذا لأجندته الاستراتيجية . فالمعلن تمثل في إعادة الدفء للعلاقات بين البلدين ، في سياق الاضطراب السياسي والاقتصادي الذي تعيشه مصر بعد 30 يونيه، ولا سيما أن القيادة السياسية المصرية تريد استبدال الغاز القطري بالغاز الجزائري، بسبب دعم قطر الإعلامي والسياسي لجماعة الإخوان المسلمين، علاوة على أن الجزائر لاعب أساسي في الساحة السياسية بمنطقة شمال إفريقيا ارتباطا بالأزمة الليبية التي تعني كلا البلدين.
الجزائر بدورها ساهمت بقوة في عودة مصر إلى عضوية الاتحاد الأفريقي بعد فترة تجميد العضوية بسبب وصف أحداث 30 يونيه بالانقلاب العسكري ، كما أعادت الجزائر العلاقات الاقتصادية مع مصر ، حيث أفرجت الجزائر عن استيراد 1200 مادة مصرية في سوقها الاستهلاكي، كما حدث تناغم مبدئي في المواقف السياسية في المحافل الدولية ، وفي المقابل قدم الجنرال للجزائر عربونا للتقارب الجديد ، بتدخله في أعقد ملفات المغرب العربي ؛ ملف الصحراء ، مما تسبب في توتر العلاقات مع دولة المغرب بصورة كبيرة . ولكن سرعان ما انتهى شهر العسل بين مصر والجزائر ، واتضح أن نقاط الخلاف أكبر وأعمق من نقاط الاتفاق .
فالجزائر تنظر بتوجس وتحفظ شديد تجاه طموحات السيسي الرامية لاستئصال التيار الإسلامي عموما والسياسي خصوصا في المنطقة ، فالأجندة السياسية له لا تحتوي إلا هذا البند فقط ، وجعل كل خطواته وقراراته وتحركاته ومقدرات بلد كبير مثل مصر من أجل خدمة هذا الهدف الاستراتيجي ، وقد بدأت مصر جس نبض الجزائر تجاه هذه الأجندة ، عندما طلبت من الجزائر بإعلان جماعة إرهابية الإخوان المسلمين جماعة إرهابية عن طريق وساطة سعودية خلال زيارة رمضان العمامرة، وزير الخارجية الجزائري، في السنة الماضية لدول الخليج فرفضت الجزائر المطلب المصري، لكونها تتوفر على ستة أحزاب للإخوان المسلمين، ناهيك عن العلاقة القوية التي تربط النظام الجزائري بالعلامة يوسف القرضاوي الذي عادة ما يستقبل في الجزائر استقبال الدبلوماسيين الكبار. ثم كانت الأزمة الليبية والذي مثل بداية التقاطع العلني بين البلدين .
فالجنرال ومن ورائه بعض دول الخليج يريد تدخلا عسكريا في ليبيا من أجل وأد الثورة الليبية على غرار ما حدث في مصر ، وهو ما بدأ في شكل انحياز سياسي واقتصادي وعسكري ومخابراتي إلى معسكر حفتر الممثل للثورة المضادة ، انحيازا تطور حتى وصل لدرجة التورط في العمليات العسكرية ضد معسكر قوات فجر ليبيا الممثل للثورة الليبية في أغسطس من العام الماضي ، وهو ما مثل بداية الخلاف المصري الجزائري حول مستقبل ملفات المنطقة الملتهبة .
الجزائر لها حساباتها المعقدة والمتعلقة بحدود مع ليبيا تبلغ التسعمائة كيلو متر، يصعب على أي جيش في العالم ضبطها في حالة أي تدخل عسكري في ليبيا وانهيارها بالكامل، خاصة وهي البلد الذي يدعي أنه حائط الصد الأول في شمال إفريقيا ضد الجماعات المتطرفة. وبالتالي فهي لا تستجيب أو تتعاطى بسهولة مع المغامرات العسكرية في المنطقة . وكان لدخول " داعش " ساحة الأحداث في ليبيا أثر بالغ في تعقد العلاقات بين مصر والجزائر ، فبعد ذبح العمال المصريين على يد داعش تعالت النداءات المصرية مدعومة من دول الخليج من أجل تشكيل قوات عسكرية من أجل التدخل في ليبيا ، وتوقع الجنرال أن تسارع الجزائر بالانضمام في حلفه العسكري ، ولكن جاءت الرياح بما يشتهي الجنرال .
فالرد الجزائري جاء سلبيًا، حيث توالت التصريحات الجزائرية المنددة بالإرهاب من جهة ، والرافضة من جهة أخرى لأي تدخل عسكري خارجي في ليبيا ، وجاء أول تعليق جزائري في بيان رسمي صادر عن وزارة الخارجية أكدت من خلاله "التزامها بمواصلة الحوار مع دول الجوار والفاعلين الدوليّين، بقصد التوصل إلى حل سياسي للأزمة في ليبيا بما يضمن عودة الأمن والاستقرار لربوع هذا البلد الشقيق وبناء دولة مؤسسات قوية وقادرة على رفع كل التحديات، بما في ذلك استئصال الإرهاب والقضاء على كل مظاهر التطرف".
كما أعاد وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة خلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية القطري لشؤون التعاون الدولي محمد ابن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني، التذكير بضرورة "احترام سيادة ليبيا وتعزيز مؤسساتها"، قائلاً: "الجزائر تدعو إلى احترام سيادة ليبيا وتعزيز المؤسسات الليبية بمصالحة وطنية، وتجدد إدانتها كافة أشكال الإرهاب"، مضيفًا أن الجزائر "ترفض من ناحية المبدأ أي تدخل أجنبي سياسي أو عسكري في ليبيا، وتدافع عن هذا الخيار، وتسعى إلى إقناع المجتمع الدولي بذلك، وتعتبر أن أي تدخل عسكري من شأنه أن يوجد مبررات للمجموعات المتطرفة".
كما رفضت الجزائر تزويد حكومة عبد الله الثني بالسلاح والذخائر حتى لا تتورط في الأعمال العسكرية هناك .
فالجزائر وعبر تجربتها الطويلة والمريرة مع المجموعات المقاتلة باتت أكثر دول المنطقة دراية بعدم جدوى الحلول العسكرية في محاربة المجموعات المسلحة صغيرة الحجم، كما تدرك أن تبني سياسة السيسي وتحويل الخلاف السياسي إلى مواجهة عسكرية يصب في صالح المجموعات الرديكالية التي تتوسع بشكل كبير بمجرد فشل الحلول السياسية .
الأزمة اليمنية جاءت لتضيف مزيدا من البرود والجليد في العلاقات بين البلدين ، فالجنرال رأي في أزمة الحوثيين فرصة لا تعوض من أجل التسويق لفكرة القوات العربية المشتركة التي ينظر إليها الجنرال على أنها ستكون أقوى أدواته في محاربة جماعة الاخوان المسلمين و التيار الإسلامي تحت مسمى مكافحة الارهاب ، ولكن الجزائر صاحبة أكبر وأقوى جيوش المنطقة تعاطت بفتور شديد مع الفكرة أبدت تحفظا علنيا عليها ، والأكثر من ذلك قادت حملة دبلوماسية إقليمية ودولية من أجل التسويق لحل سياسي في اليمن على غرار الحل السياسي في ليبيا ، وقرنت بين الأزمتين للتدليل على فشل الحلول العسكرية ، وركزت الجزائر في حملتها الدبلوماسية على تأسيس محور سياسي إقليمي يناهض خيارات الجنرال في المنطقة .
فالجزائر تقاربت في الفترة الأخيرة كثيرا مع دولتي قطر وتركيا وكلاهما من ألد خصوم الجنرال ، وأكبر داعمي جماعة ، الاخوان العدود اللدود له ، والسياسة القطرية تعمد إلى بناء مرتكز لها في الجزائر لتكون رأس جسر نحو دول الجوار (تونس وليبيا) بهدف حماية حلفائها في المنطقة ، كما أن قطر تسعى من وراء بناء علاقات متشعبة ومتطورة مع الجزائر، وخاصة من خلال الجانب الاقتصادي لامتلاك المفتاح إلى الجزائر حتى "تعبر تركيا إلى هذه الساحة من باب الاقتصاد والصفقات، ثم من خلفه الأيديولوجيا ، وهو ما يعتبر مزيدا من التباعد عن نظام الجنرال وطموحاته وأهدافه الاستراتيجية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق