الأحد، 7 يونيو 2015

عام من "الهبل"

عام من "الهبل"

وائل قنديل

لم
يطلق عبد الفتاح السيسي ونظامه مشروع حفر قناة سويس جديدة فقط، بل أطلق منذ اليوم الأول لسنة حكمه التعيسة، مشروعاً لحفر قنوات من الدجل والشعوذة السياسية، يهيمن بها على بسطاء المصريين.

عام من حكم السيسي، هو عام من الخرافة والتغييب الكامل للوعي، تحوّلت فيها مصر كلها إلى وكر لممارسة الأعمال السفلية، على طريقة الدجالين الذين يزاحمون الأطباء في مهنتهم، مروجين أنهم أطباء روحيون..قلت ذلك على سبيل التندّر لمناسبة مرور مائة يوم على وصول عبد الفتاح السيسي لرئاسة مصر، والآن مع مرور عام يقوم السيسي نفسه بتحويل النكتة إلى واقع سخيف له مرارة العلقم، حين يقف وسط حَمَلَة المباخر والصاجات المرافقين له في ألمانيا والمجر ليعلن أن الله فتح عليه أبواب علمه اللدني، فخلقه طبيباً، وعلّمه ما لم يتعلّمه غيره.

هذه الجرأة من السيسي على العلم والعقل، سمعتها قبل نحو 25 عاماً من واحد من أكبر المشعوذين في محافظة المنوفية، ذهبت لإجراء تحقيق صحافي عن نشاطه، فقال لي إنه قادر بعون الله على استدعاء أكبر أطباء الجن الذين ينتمون إلى عصر النبي سليمان لمعاونته في معالجة زبائنه من الأمراض النفسية والعضوية.
هل هي المصادفة التي جعلت فنانة ذائعة الصيت من زبائن ذلك الدجال الذي رحل قبل سنوات، وقد حكى لي قصتها بعد أن مثّلت فيلماً عن علاقة الجن بالإنسان، فلم تستطع الخروج من الفيلم، هل هي المصادفة التي جعلتها هي ذاتها على رأس الوفد المصاحب للسيسي، لدعمه رقصاً في رحلته الأخيرة؟

بعد مائة يوم من حكم السيسي قلت "يحكم السيسي مصر إذن بالحديد والنار فقط، بل يحكمها أيضاً "بالبيضة والحجر"، هذه الثنائية الخالدة في أدبيات الشعوذة، الممتدة عبر قرون من الجهل واحتراف الاستثمار في اللاوعي. ليس بعيداً عن هذا الجو المعبأ بأبخرة أعمال وطقوس السحر والشعوذة أن تزف آلة الجنرال الإعلامية نبأ طرح أسهم بقناة السويس الجديدة للأطفال بأسعار خاصة مخفّضة، لتخرج الصحف والمنابر ذاتها مهلّلة مكبّرة، على هذا الفتح الجديد في عالم الاستثمار ودنيا الأسهم".

والحاصل أن السيسي قطع شوطاً في جنون العظمة والدروشة، أبعد بكثير ممّا تحدث به ذلك الأزهري الذي أنزل عليه صفة النبوّة هو ووزير داخليته، فقد ذهب بعيداً جداً إلى مرحلة تقترب من ادعاء الألوهية، تاركاً النبوة وما في مستواها لكَهَنة الميديا، حيث يقطع رئيس حزب الوفد المعارض ومحتكر عقار "الترامادول" في مصر إن "الإعلام دوره مهم جداً وتأتي مكانته بعد الرسل والأنبياء، فهم أصحاب رسالة ولهم دور وطني وأخلاقي هام فى المجتمع".
وعلى الفور تتبدّى الوطنية والأخلاقية في رئيس تحرير "أخبار اليوم"، محاور السيسي وتقديمه حسب التسريبات المبكرة بوصفه "نبي الساعة الأوميغا"، فيكتب عمّا جرى في بودابست أن "الكيمياء" أعملت تفاعلاتها، بين السيسي وأوربان (رئيس وزراء المجر)، منذ اللحظة الأولى للقائهما الذي استغرق قرابة ست ساعات كاملة".

ثم يقول "بدا السيسي أيضاً معجباً بشخصية أوربان، ووصفها بأنها رائعة وساحرة، والرئيس كما تعلمون يقول ما يعني ويشعر".

هل ينتمي ما سبق من سطور نشرها واحد من كهنة السيسي إلى الكتابة الصحافية، أم يمكن أن تصنّفه دون مبالغة أو تجنٍ تحت بند "الكتابة" كما يعرفها تجار الأعمال السحرية، وأحجبة الدجل والشعوذة؟

لقد أدرك عبد الفتاح السيسي، منذ اليوم الأول لحكمه، أن العقل والوعي هما العدوان اللدودان لمشروعه، فقرر أن يحشد كل قواه الناعمة والخشنة معاً للحرب على هذا الخصم الشرير، فاجتمعت عصا الأمن مع عصيّ السَّحَرَة، لتنهالا على الأبدان والعقول في آن معاً، ومن لا يبتلع حزمة الأوهام السيسية بعصا الدجل، فعصا العقاب حاضرة، بحيث لا يبقى على أرض مصر من يناقش أو يحاسب على الوعود والأحلام المبعثرة.

ولمَ لا و"السيسي فوق الجميع"، كما قال كوميديان عجوز مفلس، انحنى ظهره من النفاق لمبارك، ويواصل الانحناء مع وريثه؟

لمَ لا وبنت الشيخ الحصري، مطربة زمن التطبيع والدروشة، تفتي بأن "الحج برلين" وليس عرفة، وتتحدث عن الأجر المضاعف ليسرا وإلهام شاهين جزاء وقوفهما، غناءً ورقصاً وهتافاً، للجنرال وهما صائمتان في ألمانيا؟

لمَ لا وعصام حجي، عالِم الفضاء، وعبد الله، "المخترع الصغير"، لم يتحمّل وجودهما وطن السيسي، فحملتهما الأمواج إلى الخارج، خارج حدود مملكة الخرافة.
لمَ لا وقد وصل بهم الهبل إلى التعامل مع "صنم عجوة الأكاذيب" باعتباره "الإله"، كما كانوا يفعلون مع "هبل" في زمن الجاهلية؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق