الأحد، 7 يونيو 2015

رسالة لي أهلنا في مصر. يا مصر..

رسالة الي أهلنا في مصر. 
يا مصر...



كلمة الشيخ محمد البشير الإبراهيمي الي أهلنا في مصر عام 1952ميلادية
فانتبهوا يا أهلنا من أن تُلدغوا مرتين
قال ـ رحمه الله ـ
عَهدكِ التاريخ صخرةً من معدن الحق ، تنكسر عليها أمواج الباطل ، فكوني أصلب مما كنت ، وأرسخ قواعد مما كنت ، تنحسر الأمواج وأنتِ أنتِ .
أقدمت فصمّمي … وبدأت فتمّمي … وحذار من التراجع ، فإن اسمه الصحيح (( الهزيمة )) ، وحذار من التردّد فإنه سوس العزيمة .
إنك فائزة هذه المرة بأقصى المطلوب ، لأنك أردتِ فصمّمت ، وإنما يعين الله من مخلوقاته المصمِّمين ، وإذا كان المطلوب حقًّا ، وكان الطلب عدلاً فأكبرُ الأعوان على نيله التصميم ، فصمّمي ، ثم صمّمي .
إن قلبي يحدّثني حديثًا كأنما استقاه من عين اليقين ، وهو أنك فائزة منتصرة ظافرة في هذه المعركة ، لأنك استعملت فيها سلاحًا كنت تنشدينه فلا تجدينه ، وهو الإرادة ، يحدوها التصميم ، يمدّها الإيمان بالحق ، يربط ثلاثتهما الإجماع على الحق .
إنك فائزة في هذا اليوم بالأمنية التي عملت لها قرونًا ، وإن فوزك فوز للعرب وللإسلام والشرق ؛ فيا ويح دعاة الوطنيّات الضيّقة المحدودة ، إذا أقدم الأبطال نكصوا ، وإذا زاد الناس نقصوا ؛ ويحهم إنّ المستعمر سارق ، وإن السارق الحاذق لا يسرق إلا في الظلمة أو في الغفلة ، فإذا انحسر الظلام .
 أو انقشعت الغفلة ولّى مدبرًا بالخيبة والخسار ، وإن مصر لفي فجر صادق ، وإنها لفي يقظة صاحية . فأيّ موضع يسع السارق فيها ؟
صمّمي ، وأقدمي ، ولا يخدعنك وعد ، ولا يزعجنك وعيد ، ولا تُلهينّك المفاوضات والمخابرات ، فكلّها تضييع للوقت . وإطالة للذل . ولقد جرّبت ولُدِغت من جُحر واحد مرارًا ! .
إن الخصوم – كما علمت – لئام . فاقطعي عنهم الماء والطعام ، وإن اللؤم والجبن توأمان منذ طبع الله الطباع ، فحرّكي في وجوههم تلك القوى الكامنة في بنيك يرتدعوا .
صمّمي وقولي للمتعاقلين الذين يعذلونك على الإقدام : (( إنّ أضيعَ شيء ما تقول العواذل )) .
* * *
الثُرى كنانتك – يا كنانة الله – فإن لم تجدي فيها سلاح الحديد والنار فلا تُراعي واحرصي على أن تجدي فيها السلاح الذي يفل الحديد ، وهو العزائم ، والمادة التي تطفئ النار . وهي اتحاد الصفوف ؛ والمسنّ الذي يشحذ هذين ، وهو العفة والصبر ؛ فلعمرك – يا مصر – إنهم لم يقاتلوك بالحديد والنار إلا ساعةً من نهار . ولكنهم قاتلوك في الزمن كله بالأستاذ الذي يُفْسد الفكر ، وبالكتاب الذي يزرع ا لشك . وبالعلم الذي يُمرض اليقين ، والصحيفة التي تنشر الرذيلة ، وبالفلم الذي يزيّن الفاحشة . وبالبغيّ التي تخرب البيت ؛ وبالحشيش الذي يهدم الصحة ؛ وبالممثلة التي تمثّل الفجور ؛ وبالراقصة التي تُغرى بالتخنث ؛ وبالمهازل التي تقتل الجدّ والشهامة ؛ وبالخمرة التي تذهب بالدين والبدن والعقل والمال ؛ وبالشهوات التي تفسد الرجولة ، وبالكماليات التي تُثقل الحياة ؛ وبالعادات التي تناقض فطرة الله ؛ وبالمعاني الكافرة التي تطرد المعاني المؤمنة من القلوب ؛ فإن شئت أن تُذيبي هذه الأسلحة كلها في أيدي أصحابها فما أمرك إلا واحدة .
 وهي أن تقولي : إنِّي مسلمة .. ثم تصومي عن هذه المطاعم كلها .. إن القوم تجّار سوء ، فقاطعيهم تنتصري عليهم … وقابلي أسلحتهم كلّها بسلاح واحد ، وهو التعفّف عن هذه الأسلحة كلها .. فإذا أيقنوا أنك لا حاجة لك بهم ، أيقنوا أنهم لا حاجة لهم فيك ، وانصرفوا … وماذا يصنع (( المُرابي )) في بلدة لا يجد فيها من يتعامل معه بالربا ؟
* * *
نعمة من الله عليك أن امتحنك بهذه المحنة ، وأنت في مفترق الطرق ، ولو تأخّرت المحنة قليلاً لخشينا أن تسلُكي أضل السبل . فرصة من فرص الدهر ، هيأها لك القدر للرجوع إلى هدي محمد ، ومحامد العرب ، وروحانية الشرق ، فإن انتهزتها محوت آية الغرب ، وجعلت آية الشرق مبصرة .
* * *
ويا مصر ، نحن وأنت سواء في طلب الحق ومطاردة غاصبة ، ونحن وأنت مستبقون إلى غاية واحدة في ظلام دامس ، ولكنك أصبحتِ ، فيا بشراك ويا بشرانا بك ، ولم نزل نحن في قطع من الليل ، نرقب الفجر أن ينبلج نُوره ، وما الفجر منّا ببعيد .

محمد البشير الإبراهيمي
( مجلة البصائر العدد 178 – 179 سنة 1952 ) يتحدث فيه عن مصر وقيمتها ودورها وما تتعرض له من مؤامرات مستبشرًا بنهضتها بعد أحداث 1952 وزوال الملكية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق