الخميس، 4 يونيو 2015

سيسيون لكن ظرفاء

سيسيون لكن ظرفاء
وائل قنديل

قبل أيام من زيارة عبد الفتاح السيسي برلين كانت صفحات تواصل اجتماعي، معسكرة، تحمل اسمه، تنشط في ترويج رواية، هي لحواديت تخويف الصغار كي يناموا أقرب، تقول إن ثلاثي الأبطال المشير طنطاوي والفريق شفيق واللواء السيسي، قرروا، مضطرين، إعلان فوز محمد مرسي برئاسة البلاد، رغم أنهم يعلمون أن صاحب العدد الأكبر من الأصوات هو أحمد شفيق.

وفي الرواية العبيطة التي انتشرت كالنار في هشيم فيسبوك، غرائب وطرائف عن العروس الجاهزة والمعازيم القادمين من سيناء، لحرق البلاد، فكانت التضحية الثلاثية العظيمة، بقبول نتيجة غير حقيقية، حماية للوطن من الأوغاد، حيث قال شفيق وعيناه تمتلئان بالدمع
"كله يهون عشان مصر" فبكى ثلاثتهم وقرروا تجرع السم، إلى حين.

هذه الرواية الساقطة دراميا، والتي لم يخرج لتكذيبها أحد من أهل الحكم العسكري، سقطت عمليا في برلين، على يد أحد أطرافها، حين أعلن عبد الفتاح السيسي أثناء المؤتمر الصحافي مع أنجيلا ميركل أن الرئيس الذي انقلب عليه وصل إلى الحكم عبر انتخابات سليمة وعملية ديمقراطية حقيقية.

لا يمكن بالطبع تصور أن السيسي شعر فجأة بالذنب تجاه الرجل الذي عينه وزيرا للدفاع وأشاد به غير مرة، فما كان من الجنرال إلا أن غافله وانقض عليه، في مؤامرة محبوكة مع قوى الدولة العميقة، استخدمت فيها رموز ثورية لم يعجبها وصول مرشح "فلاح وذي لحية" لرئاسة مصر.. 
كما لا يمكن تخيل أن الرجل القادم من المخابرات العسكرية، داهمته حالة حنين وأنين مفاجئة للديمقراطية، فقرر أن يتخذ موقفا يبدو أخلاقيا، ولو من باب الخداع والنصب، ويبدي حزنا على الديمقراطية المغيبة.

كل ما في الأمر أن السيسي لم يدع المناسبة تمر لكي ينسف آخر جسر محتمل، يمكن أن تتحرك فوقه مخاطر قادمة من جهة أحمد شفيق، مع تزايد التسريبات الخاصة بطرحه بديلاً عسكرياً آخر للجنرال الفاشل، الغارق في أوهام زعامة معجونة بالدم، باتت تحرج الخارج والداخل، فكان أن أعلن في حضرة زعيمة الاتحاد الأوروبي، أنه يحب الديمقراطية، لكن اليد قصيرة والعين بصيرة، والمعدة المصرية لا تقوى على هضم هذا النوع من النظم السياسية، ومن ناحية أخرى يجهز على سيناريو شفيق.

إن أكثر ما لفت النظر في "الخطاب السيسي" في برلين، بصرف النظر عن الكذب بالطبع، أنه يكرس الاعتقاد الراسخ لدى الدوائر الغربية، بأن القضاء المصري مسيس وخاضع للسلطة التنفيذية، وإلا ما معنى أن ينبري رئيس السلطة للتعليق على أحكام الإعدام، مطمئنا الغرب بأنها ليست نهاية المطاف و"سننظر في الأمر".

وفي ضوء ذلك يمكن النظر إلى الحكم الصادر أمس من محكمة النقض المصرية، بقبول الطعن في براءة مبارك وحده، بقضية قتل المتظاهرين، مع تبرئة منظومة القمع والقتل، وأعني وزير الداخلية ومعاونيه، بالقضية ذاتها، إذ يريد السيسي عبر قضائه، أن يعلن انقلابا آخر على الرأس الكبير في الدولة العميقة، لينفرد وحده بزعامة هذه الدولة، بعد أن كان مجرد تلميذ أو ابن بار لها.
لقد شهدت الأيام الماضية تمهيدا للطريق المؤدي إلى هذه النتيجة، إذ بدت الهمة واضحة في معسكر "اليسار الناصري السيساوي" تتحدث عن مخاطر تتربص به وبهم، إذا بقي مستسلما لسطوة نظام مبارك، فكان أن ذهب بعضهم للمطالبة بشكل علني بمذبحة، لا تختلف عن مذبحة القلعة التي نفذها محمد علي ضد المماليك، وبقيت هذه النغمة سائدة، قبل وأثناء زيارة ألمانيا، وملخصها "لا ينبغي للسيسي أن يحكم برجال مبارك"، والمقصود أن يتخلص من تأثير الدولة العميقة، ليذهب إلى الأعمق، مغترفا من بقايا دولة عبد الناصر، مستعينا بتلك الكراكيب التي أكل عليها الزمان وشرب.
بين محمد علي وجمال عبد الناصر، يحاول هؤلاء السيسيون الظرفاء، أن يوجدوا للرجل منزلة بين المنزلتين، غير أنهم يتناسون أن الأول والثاني كان لدى كل منهما مشروع سياسي يضع في حساباته التاريخ والجغرافيا، بينما ثالثهما السيسي مجرد مشروع تخرج فاشل في معهد الفنون المسرحية، لا يضع في حساباته إلا أرصدة من الأرز والصفقات الفاشلة مع الشركات المفلسة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق