العلاقة المكشوفة بين أميركا والحوثيين
مأرب الورد
عندما سُئل نائب الرئيس ورئيس الحكومة خالد بحاح قبل أيام في مؤتمر صحافي بمقر إقامته في الرياض حول ماذا حققت لقاءات المسؤولين الأميركيين وقيادات الحوثي في عُمان، فقال: «أسقطت شعار الموت لأميركا». في إشارة إلى سقوط شعار العداء الوهمي الذي يزايد به الحوثيون على خصومهم.
والحقيقة أن شعار «الموت لأميركا وإسرائيل». مجرد أكذوبة ترفعه جماعة الحوثي لخداع أنصارها والسذج ممن تنطلي عليهم عبارات كهذه، ذلك أن أميركا بالنسبة للحوثيين هي عبارة عن خارطة اليمن وولاياتها هي محافظات البلد المسلم الفقير وقتلاهم من أبناء ديانتهم وجلدتهم وليسوا غير ذلك.
لم يكن مفاجئا ولا غريبا عدم انزعاج واشنطن من سقوط صنعاء عاصمة الدولة اليمنية بيد الحوثيين أواخر سبتمبر الماضي والسبب ببساطة أن أميركا لا تنظر لليمن إلا من منطلق أمني يتعين على من يحكمه حماية مصالحها، وطالما جاء البديل ممثلا بالحوثيين فلا يهمها الانقلاب على شرعية رئيس منتخب حليف لها ولا سقوط مؤسسات أمنية وعسكرية بيد مليشيات طائفية تماما كما فعلت في العراق بعد احتلاله عام 2003 عندما سلمته على طبق من ذهب للجماعات الشيعية ثم إيران.
على أن الحوثيين ورغم حرصهم منذ انقلابهم على تقديم أنفسهم كحلفاء جُدد لأميركا بدلا من السلطة الشرعية في اليمن فيما يتعلق بالشراكة بمحاربة ما يسمى «الإرهاب». ساهموا بجرائمهم وتوسعهم بالقوة بزيادة شعبية القاعدة وتمددها خارج نفوذها بعد أن توفرت لها عوامل جذب بالممارسات الطائفية، وما اعتراف د.عبدالكريم الإرياني مستشار الرئيس هادي إلا دليل على صحة هذا الكلام.
لا يمكن لجماعة طائفية أن تحارب جماعة أخرى نقيضة لها مهما امتلكت من قوة لاسيَّما وأن أفعالها هي البيئة الخصبة لنمو القاعدة، وبالتالي فالأمر لا يعدو عن كونه محاولة من الحوثيين للسير على نهج بشار الأسد بسوريا وحيدر العبادي بالعراق ومن قبلهما داعمتهما إيران، وكل هذه الأطراف تحرص على شراكة مع «الشيطان الأكبر». لمحاربة التيارات السنية سواء المعتدلة منها أو من تؤمن بالعمل المسلح.
بالعودة إلى لقاءات مسقط التي مهدت لمحادثات جنيف كانت هي أول محادثات مباشرة مع ممثلي الجماعة منذ اندلاع القتال في اليمن، وهي نتاج محاولات مستمرة لإدارة أوباما لفتح قناة اتصال مع الحوثيين والتي كانت تتم قبل هذا عبر وسطاء.
هذه اللقاءات أسقطت ورقة التوت وعرت الحوثيين الذين تشدقوا كثيرا بالعداء الكلامي لبلاد العم سام بعدما جلس ممثلاهم حسين العزي وصالح وجها لوجه مع باترسون مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، والسفير الأميركي في اليمن ماثيو توللر، وقبل هذا سقط صراخ «السيادة الوطنية». والتي زايد بها الحوثيون على خصومهم السياسيين والرئيس هادي نفسه بانتقاد السماح للطائرات الأميركية «الدرونز». بانتهاك أجواء اليمن وقتل عناصر القاعدة والمدنيين.
اتضح أن كل شعارات الحوثيين بالعداء لأميركا أشبه ببرنامج انتخابي لحزب معارض يكتشف زيفه عندما يصل للسلطة مثلما فعلوا عندما انقلبوا على الدولة، ولم يعترضوا على استمرار الضربات الجوية التي زادت وتيرتها أكثر مما كانت، بل كان «الدرونز» هو الذي يمثل غطاء جويا لتقدم الحوثيين على الأرض، وتجلى هذا في البيضاء وشبوة والجوف.
والخلاصة أن أميركا ليست مؤيدة للضربات الجوية للتحالف وهي وجدت نفسها مضطرة للتأييد بعد أن اتخذ الملك سلمان قرار المبادرة واستجاب للرئيس هادي لإنقاذ الدولة من تسليمها لإيران.
أميركا تريد سلطة يمنية تحمي مصالحها ولا يهمها إن كانت منتخبة شرعية أو مليشيات انقلابية كالحوثيين، ولذلك ستبقي عليهم كورقة ضغط لمقايضة السعودية بملفات تسوية أخرى مع إيران.
يحاول أوباما إحراز نجاح بالتوصل لاتفاق مع طهران حول برنامجها النووي، وهذا ما يفسر ليونة مواقفه حول ملفات أخرى ومنها اليمن، التي شددت تصريحات مسؤولي إدارته منذ البداية على الدعوة لوقف عمليات التحالف والانخراط بالمحادثات والتأكيد على أن الحل سياسي وليس عسكريا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق