عائشة عبد الرحمن البر تكتب لمباشر: أين والدي؟
الدكتور عبد الرحمن البر
اليوم الثامن على اختفاء بابا.. لا نعرف أين أو كيف هو الآن؟ .. لا نعرف عنه شيئا، سوى أن وسائل الإعلام أعلنت أنه تم إلقاء القبض عليه ليلة الثلاثاء الثاني من شهر يونيو/ حزيران الجاري، حيث كان برفقة د. محمود غزلان واثنين آخرين.
حدث هذا بعد عام وعشرة أشهر من الملاحقة الأمنية، فصل خلالها من عمله، حيث كان يعمل عميدا لكلية أصول الدين والدعوة بالمنصورة، وأستاذا في قسم الحديث وعلومه بنفس الجامعة.
في الحقيقة، لن تسعفني الكلمات وكل المعاني إن أردت التعبير عن شعور أسرة يغيب عنها ركنها وعمادها وسندها في الحياة، ثم لا تعرف عنه حتى مكانه أو أين ينام وماذا يأكل؟ وهل يأكل أصلا؟. يا إلهي؟ في أي غابة يمكن أن يحدث هذا؟.
لو أننا في بلد قانون وسيادة، حتى مع أعتى المجرمين، من حق ذويهم أن يعرفوا مكان احتجازهم، وأن تتوفر لهم ظروف آدمية لحين محاكمتهم أمام القضاء وفي وجود محاميهم؟
أما في مصر، حيث أصبح الظلم يعم البلاد حتى أظلمت، يتم إلقاء القبض على العلماء و المفكرين والأطباء والمهندسين والأساتذة و الطلاب، وكل من له رأي أو فكر مخالف للعقيدة العسكرية المتسلطة على الخلق بقوة السلاح، ثم يتم إخفاؤهم في عملية خطف قصري منهجية من قبل أجهزة الدولة، و لا يعلم عنهم أحد شيئا.
ربما يتم الآن تعذيبهم في سراديب مبنى من مباني أمن الدولة المترامية في كل مكان في بلادنا، لينتزع منهم اعتراف بما لم يفعلوا، دون احترام لسنهم، أو مكانتهم أو علمهم، عن ماذا أتحدث؟ ليس هناك احترام لإنسانيتهم بالأساس.
يا إلهي، أين نعيش؟
وكيف للأيام أن تمضي؟
في الحقيقة، ليس الساعات هي التي تمضي بقدر ما هو نزيف الروح التي أوشكت على النفاد من هول ما رأت و سمعت خلال عامين.
الأصدقاء والأقارب والأحباب الطيبون، الطيبون جدا لا يجدون مكان هنا، و غير مرحب بهم – يا للعجب- في بلادهم.
في عهد مبارك تم اعتقال بابا أكثر من مرة، وإنه لشرف عظيم أن تكون غير مرحب بك في بلاد يحكمها الفساد والاستبداد والظلم، فهو بوضوح دليل نزاهتك واستقامة فكرك ومنهجك.
بعد الثورة، كنت وإخوتي نريد مغادرة مصر لنعيش في بلد تحترم الإنسان، أكثر راحة وأمنا وأفضل تعليما، لكن بابا رفض هذا. أذكر أننا عقدنا اجتماعا عائليا لنتشاور في هذا الأمر ونقرر مصير أسرتنا الصغيرة، انتهى الاجتماع برفض بابا القاطع لأمر مغادرتنا للبلاد، وظل يتكلم و يقنعنا أن بلادنا في فترة حرجة، وفي أمس الحاجة إلينا، ولن نتخلى عن مسؤوليتنا تجاه الوطن لأجل أغراضنا ومصالحنا الشخصية، و كان ما أرد واقتنعنا به فعلا أن الوطن أغلى وأعز.
منذ عامين، وبعد الانقلاب العسكري الذي تم في يوليو/ تموز 2013 أصبح بابا بحكم قضاة الوطن إرهابيا محرضا على العنف، وهو أبعد ما يكون عنه، و يعلم القاصي والداني كلامه عن عصمة الدماء وحرمتها، فهو عالم دين بالأساس، ثم لفقت له التهم والقضايا، حتى حكم عليه في إحدى القضايا التي عرفت إعلاميا ب "قطع طريق قليوب" بالإعدام.
و الآن، يتم القبض عليه ولا نعرف عنه أي شيء.
و لا نقول إلا ما يرضي ربنا.
اجعل لنا ولبلادنا مخرجا وفرجا قريبا وفكاكا من أيدي الظالمين المتجبرين يا رب، لا حول ولا قوة إلا بك.
لك الأمر، أنت حسبنا ونعم الوكيل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق