الأربعاء، 17 يونيو 2015

الكورة جول.. وهدف

الكورة جول.. وهدف

إحسان الفقيه

قال الفيلسوف وعالم اللسانيات الأمريكي”نعوم تشومسكي”: “المسابقات الرياضية تلعب دورًا اجتماعيًا في توليد مواقف وطنية وشوفينية متعصبة. إنها مُصمّمة لتنظيم شعب يدين بالولاء لجلاديه”.

نعم تشومسكي، لكنّها إرادة الله وعلوّ قهره، فما كل ما حاكته العقول البشرية يمضي وفق تدبيرها، وقد يستنطق بها شعوبًا تتعصب للحق والعدل بعيدًا عن تلك الشوفينية.

اعترتني رغبة في البكاء وأنا أشاهد جمهور “البوسنة” والذي كان يشجع فريق بلاده ضد منتخب الكيان الإسرائيلي ضمن تصفيات بطولة أمم أوروبا 2016 بفرنسا، وهو يهتف لفلسطين، وضد الاحتلال الإسرائيلي، في مشهد يزلزل القلوب.


وخارج المباراة انطلقوا في مسيرة ضخمة بلافتات كبيرة تحمل اسم فلسطين، وهم يهتفون لها، وشاهدتُّ أحد المصورين الصحافيين يشاركهم الهتاف أثناء قيامه بعمله.

أهذا هو شعب البوسنة الذي لا يعرف عنه كثير من المسلمين شيئًا سوى حرب التسعينيات؟!

أهو شعب البوسنة الذي قلما تناول إعلامنا أخباره وشؤونه؟!

أهو شعب البوسنة الذي تعرض لأبشع مجازر العصر على يد الصرب؟!

أهو الشعب الذي تركته الحكومات العربية يتيمًا على مائدة اللئام في اتفاقية “دايتون” المُجحفة التي أعطت صرب البوسنة ما يشبه أن يكون دولة مستقلة داخل البوسنة على حساب المسلمين فيها؟

لكنَّ هذا الجزء النائي من الجسد الإسلامي ينبض رغم كل ذلك بالهوية الإسلامية، ويتفاعل مع القضية الأم “فلسطين المحتلة”، وفي أجواء هي مظنة اللهو وإلهاء الشعوب، وبصورة توحي بأنها ثورة وليست حدثًا رياضيًا.

هذا الحدث أعاد إلى ذهني أحداثًا مشابهة، منها ما حدث في العام الماضي أثناء مباراة فريقي (الهلال السعودي)، و(سباهان الإيراني)، عندما رفع مشجّعو الهلال لافتات ضخمة عليها عبارات مُناصرة لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، ردًّا على ما يقوم به الشيعة من سبّها والنيل منها.

وعلى مستوى العناصر الرياضية، فلعل العالم بأسره، تابع اللاعب المصري (محمد أبو تريكة)، وهو يُهرول بعد إحرازه الهدف نازعًا قميصه، ليكشف عن ارتدائه آخر عليه عبارة مناصرة لغزة بعد العدوان الإسرائيلي على القطاع عام 2008م.


وقد نشرت الصحف ووسائل الإعلام عددًا من القضايا التي انتصر فيها لاعبون مسلمون عالميون لشعائر الإسلام ومبادئه.

فمن ذلك ما حدث بنادي نيوكاسل الإنجليزي، حيث بنت إدارة النادي مصلى خاصًا باللاعبين المسلمين في النادي، تقديرًا لجهودهم وبذلهم، وهم السنغالي (ديمبا با)، و(بابي سيسيه)، والفرنسي (كريم بن عرفة).

ومن ذلك ما حدث أثناء مقابلة مع اللاعب المسلم يايا توريه، وزميله (جوليان ليسكوت) غير المسلم، عقب فوز (فريق مانشستر سيتي) باللقب عام 2012، وكان ليسكوت يحمل زجاجة خمر وطلب من (توريه) الاحتفال معه؛ إلا أن الأخير رفض وقال: “لا أستطيع، أنا مسلم”، وكان ذلك أمام كاميرات التصوير.

وعندما رفض اللاعب المالي المسلم (فريدريك كانوتيه) ارتداء القميص الرياضي الخاص (بنادي إشبيليه) لأن شعاره كان يحمل “الصليب”، واستجاب النادي لمطلبه وأعطاه قميصًا خاصًا لا يحمل صليبًا.

وساند اللاعب نفسه القضية الفلسطينية عندما كشف عن قميص يرتديه، دُوّنت عليها كلمة “فلسطين” بعدّة لغات بعد إحرازه الهدف، ولم يعبأ بالغرامة المالية التي عاقبه بها الاتحاد الإسباني.

وأما اللاعب الغاني المسلم “سليمان علي مونتاري”، فقد رفض الإذعان لأوامر مدربه “جوزيه مورينو”، عندما طالبه بالإفطار في رمضان ليتمكن من أداء المباراة، وعوقب على رفضه الأوامر بحرمانه من عدد من المباريات بأوامر من المدرب ذاته.

وعندما فاز (نادي برشلونه الإسباني) بلقب كأس السوبر، واحتفل لاعبو الفريق بفتح زجاجات الخمر على منصة الاحتفال، قام اللاعبان المسلمان “إيريك ابيدال” و”يايا توريه” بالابتعاد عن المنصة، تمسّكًا بتعاليم الدين الإسلامي.

وأما اللاعب السنغالي المسلم “ديمبا با”، فقد رفض استلام جائزة أفضل لاعب وكانت زجاجة نبيذ، وهو ما أجبر الاتحاد الإنجليزي على الاتفاق مع الشركة الراعية على أن تكون الجائزة زجاجة مشروب طبيعي عندما يتم اختيار لاعب مسلم لجائزة أفضل لاعب.

“أنا مسلم، ولا أحتفل بعيد الحب، وآسف لاحتفال البعض بهذا العيد سنويًّا”.

تلك هي عبارة اللاعب المسلم (مسعود أوزيل) لاعب (فريق ريال مدريد) سابقًا، عندما انتقد في تغريدة له على موقع تويتر الاحتفال بعيد الحب.

إنني إذ ألتقط طرف هذا الموضوع، فهو من قبيل البحث عن بوارق الأمل من بين رُكام الأحزان والآلام التي ترزخ تحته الأمة.

إن مثل هذه الوقائع المتكررة في ملاعب الكرة وميادين الرياضة، لتلفت الانتباه والاهتمام إلى أن جماهير العالم الإسلامي قد بدأ وعيها يتشكل، وأن محاولات التغييب والتغريب وطمس الهوية قد أضعفت الشخصية الإسلامية لكنها لم تقتلها.

كما تلفت إلى ضرورة اهتمام النُخب الدينية والسياسية والثقافية بمجال الرياضة الذي لا يخرج عن مرمى التسييس.

مطلوب من تلك النخب أن تتفاعل مع أوساط اللاعبين والجماهير، والتي هي من وجهة نظري، وسيلة فعالة للإعلان والتعبير عن أزمات الأمة وقضاياها، لكي تكون أداة من أدوات تشكيل الرأي العام المحلي والعالمي تجاه قضايانا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق