الأربعاء، 17 يونيو 2015

أحمد شفيق: عودوا إلى مخازنكم


أحمد شفيق: عودوا إلى مخازنكم

وائل قنديل

انتهى أسبوع أفلام أحمد شفيق سريعاً، من دون أن يفهم أحد لماذا استدعوه، ولماذا أعادوه إلى العلب، أو المخازن.

لا يعرف أحد من بالتحديد يقف وراء هذا الاستحضار المفاجئ لجنرال الثورة المضادة، في هذا التوقيت العجيب، حيث تمور الساحة الداخلية والإقليمية بالسيناريوهات والترتيبات والمبادرات التي تؤشر، بوضوح، إلى أن هناك، من الأطراف الفاعلة إقليميا ودوليا، من يشعر بخطورة الوضع في مصر.

ثمة رسائل عديدة تأتي من الخارج، تقول، بوضوح، إن النظام الحاكم في مصر بات يمثل تهديدا واضحا على الحالة المصرية، يخشى معها من انزلاق البلاد إلى جحيم، لن يتوقف إن اندلع، وبالتالي، يضع المنطقة كلها على حافة الخطر.

الرسائل الموجهة، عبر الميديا في أميركا وأوروبا، تتحدث صراحة عن مخاوف حقيقية من ذهاب مصر إلى دائرة من العنف، في ضوء هذه الحالة من الجنون التي تتسم بها سياسات منظومة الحكم، والتي تختطف الوضع برمته إلى احتمالات كارثية.

وتأتي قرارات الإعدام الجماعية بحق الرئيس محمد مرسي، وعشرات من المعارضين البارزين، لتضع العالم فوق صفيح ساخن من القلق، دفعت الأمم المتحدة، وعواصم الدول الكبرى، إلى أن تشعل الضوء الأحمر أمام هذا الاندفاع الأحمق نحو الهاوية.


وليس إخراج أحمد شفيق من مستودعات الصمت، وإطلاقه بهذه الكثافة الإعلامية، مؤديا دور المهدد للعرش، متحدثا بوضوح عن أنه لولاه لما كانت الثورة المضادة والانقلاب ووصول عبد الفتاح السيسي إلى الحكم، ليس ذلك كله سوى تعبير عن أن مصر، الآن، دخلت مرحلة "رجل المنطقة المريض"، والذي باتت عملية انتشاله من الخطر منوطة باللاعبين الإقليميين والدوليين، والأهم أنها تعبر عن أن الانزعاج من حمق الجنرال الحاكم تجاوز مرحلة الإفصاح عن القلق إلى التلويح ببدائل، في حال الإصرار على الاندفاع إلى الجحيم.

يعرف الذين دفعوا بأحمد شفيق إلى خشبة المسرح، في هذا الوقت الدقيق، أنه ليس البديل، بل مجرد عصا يشهرونها في وجه الجنرال، الغارق في أوهام نبوته وحكمته و"نصف ألوهيته"، غير أنه يبدو أن شفيق اندمج في الدور أكثر مما يجب، وظن أن كل ما سيقوله في حواراته سيمر، ويلقى آذاناً صاغية، فكان لابد من حرق هذه الظنون سريعاً، باستدعاء رئيس الأركان السابق، الفريق سامي عنان، ثم رئيس المخابرات العامة الأسبق، اللواء مراد موافي، ليكذبا رواية أحمد شفيق عن فوزه بنتيجة انتخابات الرئاسة 2012 ، حيث ادعى أنهما اتصلا به وأبلغاه بنجاحه، وتقدم كلاهما بالتهنئة له، راجيا أن يتذكّره الجنرال
(الغارق هو الآخر في أوهام زعامته) حين يشكل فريقه الحاكم!

لقد وضعت اعترافات شفيق المؤسسة العسكرية، الحزب الحاكم، في مأزق شديد، فإما أنه يدّعي عليها كذباً، أو أنهم هم الكاذبون، بدءا من المشير حسين طنطاوي، مرورا بالفريق عنان، وانتهاء باللواء موافي. وبالتالي، من حيث أراد شفيق أن يصنع لنفسه أحقية وجدارة بالحكم، فإنه فجر نفسه، في عملية انتحارية تلفزيونية خاطفة، أظن أنها التهمت محصول أحلامه في احتلال مكان في كابينة القيادة.

إذن، يمكنك القول إن اللاعبين الأساسيين، إقليميا ودوليا، يحاصرون جنرال الحكم في مصر الآن، بعصا البديل من ناحية، وجزرة المصالحة الشاملة، من ناحية أخرى. والثابت الوحيد، في هذه الوضعية، أن قوى ثورة يناير خارج الحسابات، لاعتبارات تتعلق بتلمظ قوى إقليمية وانزعاجها من فكرة انتصار قوى التغيير في المنطقة، لكن السبب الأهم، من وجهة نظري المتواضعة، أن القوى الثورية مارست انتحاراً ذاتياً، حين قبلت، منذ البداية، أن تكون وقودا لعملية انقلاب على أحلامها ومطالبها، مستسلمة لشهوات المكايدة والانتقام من رفاق الصف.
انظر حولك الآن، بعد مجزرة الإعدامات، أول من أمس، تجد أن ما تسمى "القوى المدنية" لم تجرؤ على إصدار بيان إدانة واحد لهذا الجنون المتطاير من فوق منصات قضاء العسكر، وأقصى ما يمكنها فعله هو التفتيش في كشوف العفو الرئاسي عن أسماء الأقارب والأصدقاء.
مرة أخرى: تحية للصامدين في الشوارع والمعتقلات والسجون. هؤلاء آخر ما تبقى من نبض ثوري في عروق مصر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق