الاثنين، 15 يونيو 2015

فرسان الخارجية العرب الثلاثة


فرسان الخارجية العرب الثلاثة
أحمد عمر

الفرسان الثلاثة الذين أبقاهم الله ذخراً لهذه الأمة، وقد أمحلت وأجدبت، هم: طارق عزيز وفاروق الشرع وعمرو موسى، الذي خلده شعبولا – مالئ الدنيا وشاغل الناس - في أغنية كما خلد المتنبي سيف الدولة، وكافور الإخشيدي في قصائده!

صعقت من خطف جثة طارق عزيز، وقرصت نفسي، وسألتها تحت التهديد: هل بات طارق عزيز "كاريزما" وأسطورة، ورمزاً، مثل علي بن أبي طالب، وتيمورلنك، وأسامة بن لادن، ومعمر القذافي – على اختلاف مشاربهم ومآكلهم- حتى تخطف جثته خطفاً في وضح النهار، وفي عاصمة مكلوءة بالحرس والجند؟ أم إنّ وراء الأكمة ماوراءها؟
المذكورون دفنوا في قبور مجهولة خوفاً من تحول قبورهم إلى مقامات، وأماكن مقدسة. 
الخبر لا يزال عجيباً، والسؤال المهم: كيف تمّ حفظ جثة طارق عزيز من التحلل في هذه المسافة الطويلة، أم إنّها حنّطت تحنيطاً أولياً، أم كانت محفوظة في تابوت مكيف؟
واكتشفت اكتشافاً مهماً، وهو أنّ جثته غالية جداً لدى طائفته التي تحظى بكتائب يمكن أن تخطفها في المطار العراقي تحت عيون إيران وحشدها الشعبي، ولا دلائل تدل على أنّ الخاطفين هم من الرفاق البعثيين الأماجد الذين تحول كثير منهم إلى الطرق الصوفية، مثل عزت إبراهيم الدوري، الذي انتسب إلى طريقة الشيخ صدام التكريتي النقشبندي.

كُتبت مراثٍ ومدائح في طارق عزيز، في كثير من الصحف العربية، حتى ظننت كل الظن أنّه كان يعمل وزيراً لدولة أبي سفيان في صلح الحديبية، أو سفيراً في جيوش موسى بن نصير، أو أنّه السفير الذي أعطاه طارق بن زياد علبة الكبريت التي يسميها العراقيون "شخاط" وقال له: رُح يا رفيق طارق حنا ميخائيل عزيز واحرق السفن، لنمنع الهرب من المعركة، حتى نفوز بها -وبطريقك- خذ معك هذه العبوة من الكيماوي وألقها على حلبجة، وأنت راجع من الميناء.
وقد أدركت المرحلة التي كان اسمه الطائفي يرد في الأخبار، وهذا من حقه، وحق أهله ودينه، ثم بقدرة قادر تمّ تعقيم الاسم من الكلدانية، فبات ميخائيل حنا كما تم تعقيم اسم عزت الدوري، من المفعول فيه، ظرف المكان، فبات عزت إبراهيم. تعقيم الأسماء المسيحية كان يجري لدى الفنانين تطوعاً ونفلاً، خذ مثال صباح (جانيت فغالي) وسميرة توفيق ( سميرة كريمونا) والممثلة إيمان ( ليز سركسيان)، وهي أسماء إسلامية سنّية.. أليس كذلك يا بتوع الطوائف؟

أظن أنّ صدام حسين كان يحب بدرجة أو أخرى العروبة، ليس بدليل غزو الكويت، أو ضرب الرياض، وإنما ببغضه للفرس المجوس. وأعرف أقواماً كرداً عاشوا ردحاً من الزمن يستأنسون باسم مذيعة سورية في برنامج غنائي اسمها منى كردي، كان النظام قد أكرمها بالإشراف على ذائقة السوريين، تختار لهم ما تشاء من أغان مقاومة وممانعة أفرنجية راقصة. فسبحان من جمع ديمسس روسس مع جوليا بطرس في مفعول فيه واحد هو التلفزيون السوري!

كتبت أيضا مدائح كثيرة في فاروق الشرع بعد كتابه "الرواية المفقودة"، وشممت في أحدها أو بعضها رائحة تزكية سياسية أو استرحاماً بالإبقاء على حياة الشرع من الانتحار، وأظنُّ أنّ أحد أسباب الإعجاب بالفرسان الثلاثة هي اللغة الإنكليزية التي يتقنونها، وقد أسبغت على بثينة شعبان مدائح مشابهة، ولقبت بلقب شهير، لأنّها تجيد الإنكليزية إجادة جعلت الرئيس يختارها مترجمة لكلامه إلى العلوج المحترمين، الذين يحكموننا من وراء حجاب.

أحد الصحفيين المعروفين، نسي كل مذابح البعث العراقي بحق شعبه، وكتب وفاء لطارق عزيز الذي عامله بود، لأنّ المسجل تعطل، وجفَّ قلم حبره الجاف من الرعب، في حضرة وزير خارجية صدامستان، الذي بات اسمه هذه الأيام " "أسد السنّة"، وأظنّ أنّ الكويتيين سنّة، وكذلك أهل الرياض التي قصفت بصواريخ العباس!
 وأذكر صديقاً لي جمعته المقادير، بطارق عزيز، في الوقت الذي اشتد الحصار فيه على العراق، إلى الحد الذي جعله يجتمع بوزير خارجيتها، وما كان ممكناً لولا "فضل" الحصار، فطالبه قائلاً: إنّ أهم شيء تفعلونه يا سيادة الوزير، هو الإفراج عن المثقفين والمناضلين العراقيين.

فقال له وزير خارجية السيكار الكوبي: لا يوجد في العراق العظيم سجناء رأي أبداً؟ ثم طرح أحجية: هات اسماً لمعتقل واحد؟

فقال له الصديق نجاتي طيارة: عندي اسم، وهو: الشعب العراقي.

ولو كان الشرع محله لأضاف بطريقة أكثر لطفا ومواربة وحذاقة: هؤلاء سجناء جنائيون، أو أنهم هددوا السلم الأهلي، أو لهم اتصالات مع الخارج، والقضاء العادل سينصفهم.

كان طارق عزيز يحب تدخين السيكار الكوبي، الذي كان يهدى إلى الرفيق الاشتراكي صدام حسين من رفيقه كاسترو، فيدخنها في الاجتماعات علامة على الفحولة، وللبرهان لرفاق الحزب الخونة على أنّه تنين مثقف، والدخان علامة نصر، وللحق فإنّي أسجل شهادة لصدام حسين الذي كان يرسل لرفاقه السفراء في الأقطار العربية حصتهم من السيكار الكوبي، وبالتساوي كما قال صلاح عمر العلي في شهادته، صندوقان لكل رفيق مناضل، فما هذا يمكن أن يحصل في سوريا الأسد إطلاقاً، وقطعاً.

كانت أرضنا قد أجدبت، وبات البغاث يستنسر بها، وقد تباهى عبد الحليم خدام غير مرة بإنجازات وزارة الخارجية التي ينسبها لنفسه، ونحن نعلم أنّه كان ساعي بريد، من عين التينة، يحمل عصا الرئيس.

ملاحظة لابد منها: إنّ الطغاة الذين حكمونا عقوداً، كانوا أذكياء لاختيارهم هؤلاء "العباقرة الفطاحل" في الخارجية، تصور معي عزيزي القارئ: علي مملوك أو علي دوبا أو علي حيدر أو محمد إبراهيم ( النبي المساعد للنبي سيسي) أو الفريق عبد حمود التكريتي وزراء للخارجية.
 تذكر معي عزيزي القارئ عندما كان سفراؤنا في الأمس القريب: عمر أبو ريشة ونزار قباني، ووزير خارجيتنا عبد السلام العجيلي الذي يجيد الإنكليزية أيضاً.

كتب أحد الأصدقاء مقالاً راثيا لطارق بعنوان: "مات واقفاً كنخل العراق"، لكني أعتقد أنّه ذاق بعضاً مما أذاق حزبُه العراقيين الذين ماتوا واقفين تحت التعذيب.

يقال لا شماتة في الموت.. أما نحن فقد جعلنا الظلم نشمت في الموتى الظلمة، أو أعوانهم ..."كسيرا" جدا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق