السبت، 20 يونيو 2015

خللنا سر قوتهم!


خللنا سر قوتهم!

لا تزال الأحداث الجارية في منطقتنا تثبت أن سر قوة أعداء الأمة الإسلامية في الداخل والخارج هو ضعف الأمة، وخاصة عند قلبها النابض العلماء والأمراء.

ولعل في عاصفة الحزم أكبر دليل على ذلك، فحين أخذ الملك سلمان زمام المبادرة وتصدى للأطماع الإيرانية والمؤامرة الدنيئة من قبل الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح، هبَّ معه شرفاء الأمة وغالبيتها إلا العملاء والدخلاء والأُجراء لأعدائها، واستعادت الأمة ثقتها بنفسها وظهرت قوتها وقدرتها، وخرست لهول المفاجأة ألسنة الحاقدين، وشخصت أبصار الطامعين.

ولكن سرعان ما استفاق الأعداء من الصدمة، وعادوا للكيد والدس، فتجمع شملهم من جديد وهم: الحوثيون وصالح ومن خلفهم إيران والنظام الدولي وبعض الأنظمة العربية، ولجأوا إلى عادتهم الخبيثة بطلب هدنة إنسانية يلتقطون فيها أنفاسهم، ويحصّنون فيها مواقعهم، ويعيدوا ترتيب أوراقهم، ولا يكفّون على أرض الواقع فيها عن البطش والاعتداء، فبدأ مسلسل الدعوات المتكررة مع الضغوطات لبدء مسار سياسي ومفاوضات، ولما قبِلنا مبدأ المفاوضات، عاد الأعداء للعبة المراوغة في التفاصيل؛ ولهذا ينصح المشاركون من الحكومة اليمنية في مفاوضات جنيف من دراسة تجربة المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية قبل ثلاثة عقود، وتجربة المفاوضات الإيرانية النووية، فالمسلسل يتكرر من جديد، وما هو في الحقيقة إلا إضاعة للوقت وتجميد لحملة الأمل مع فسح المجال للحوثيين وصالح للسيطرة الكاملة على الأرض من جديد!!

وهم إنما يراهنون على نقطة ضعف عندنا إلا وهي قلة صبرنا وقصر نفسنا، وقلة الخيارات والبدائل الاستراتيجية الإبداعية أمام تكتيكاتهم الخبيثة، التي كسرت عاصفة الحزم هذه القاعدة بمزاوجتها بين إيقاف عاصفة الحزم وإطلاق عملية الأمل، ولكن يبدو أن الأشرار في واشنطن وطهران لا يزالون يراهنون على مد أمد الحرب ونفاد صبرنا!

ومن نقاط ضعفنا التي يستغلها الأعداء في الداخل والخارج والغربيون والإيرانيون، تشتت صفنا وخلافاتنا البينية، فالرافضون لانقلاب الحوثي/ صالح، للأسف يسعون لتوظيف حملة الأمل لأجنداتهم الخاصة؛ إما انفصال للجنوب، أو هيمنة لفصيل، أو إزاحة صالح دون الحوثيين ليكونوا حلفاءهم ضد حزب الإصلاح أو الإسلاميين، فضلاً عن أن بعض الزيدية والصوفية لا يريد انتصار السعودية / الوهابية / السلفية؛ لأن هذا يضعف من شأنهم.

فإلى متى يبقى صفنا مشتتاً تغيب فيه الوحدة حتى على مستوى القرارات الكبرى والمصيرية، ونبقى نقدم المصالح الصغرى والفئوية والحزبية، وكم نحن بحاجة لتذكر تلك المقولة العظيمة لأمير قرطبة ابن عباد: "رعي الجمال خير من رعي الخنازير"، فمتى نصل لهذا المستوى؟

هذه مسؤولية العلماء والدعاة أولاً، الذين فرطوا في الجهر بأخطار كثيرة على الأمة، وقع فيها الأمراء والحكومات والعلماء والدعاة والجماعات الإسلامية وعامة الناس، من الركون والمسالمة للحاقدين على الإسلام والمسلمين من دول غربية طامعة، ودول وتيارات طائفية شيعية حاقدة، وتيارات علمانية متوحشة، وجماعات عنف وتطرف باطشة.

نعم، فرّط العلماء والدعاة في التحذير الصريح من أخطاء وقعت فيها تيارات إسلامية أيضاً من موالاة إيران والشيعة وحزب الله والحوثي وغيرهم، فكانت النتيجة تمددا للتشيع بين الناس ونشوء مليشيات شيعية طائفية حاقدة وعدوانية تقتل الناس بوحشية، وإجراما لا نظير له في العراق وسوريا ولبنان والبحرين واليمن.

وفرّط العلماء والدعاة من التحذير الصريح من منهج الغلاة بدءاً بتنظيم القاعدة ووريثه داعش، واستغرق الأمر من بعضهم وقتاً طويلاً، فقدنا فيه الكثير من الأبرياء، وضاعت فيه كثير من المناطق.

وقد تولد من هذا التفريط اختلال بوصلة الأولويات والمصالح الكبرى للأمة، فتمكنت إيران من ابتلاع العراق تحت سمع وبصر بل ومشاركة حركات وشخصيات إسلامية، وتمكن الدواعش من تعطيل وإعاقة الثورة السورية، وتمكن الغرب وإسرائيل من التلاعب بالمنطقة، ولا يزال مكرهم دائرا على تحقيق مصالحهم بتوظيف أو معاونة إيران وداعش لهم.

وفرّط العلماء والدعاة أيضاً في وضع برنامج عملي للتصدي لهذين الخطرين الإيراني الشيعي والداعشي الخارجي، واكتفوا بالتحذير منهم، فلا تزال منابر مقاومة التشيع والتطرف تعاني قلة الدعم والاهتمام، وقلة الرعاية والاستفادة من خبراتها وتوصياتها، ولا تزال برامج التخطيط والتفكير لمقاومة هذه الأخطار لا تحظى بالأولوية، أما المنهجية السائدة في مقاومة التشيع والتطرف وغيرها من الأفكار الهدامة فهي منهجية رد الفعل وإطفاء الحرائق المشتعلة، والتي يمكن تجنبها ببرامج الوقاية المسبقة!

وهذا الأمر يشمل طوائف العلمانيين واليساريين الحاقدين على الإسلام في الداخل والخارج، والنِّحل المبتدعة والضالة كالأحباش والبهائية والقاديانية، أو مجموعات الملاحدة والشذوذ وغيرهم، فهؤلاء خطر موجود ويمكن مقاومته بجهد معقول للقضاء عليه، لكن إهماله سيقويه ويرسّخه، خاصة أنه يعتمد أدوات العصر في التعامل مع الدولة العصرية، فيعمل على تغيير القوانين والحصول على الشرعية، ويسعى للحضور الإعلامي بما يحقق له القبول المجتمعي، ويعتمد على تغيير الثقافة السائدة من خلال منافذ الثقافة المختلفة وخاصة التلفزيون.

إن الصف الإسلامي صف قوي ومتين وكبير، لكنه يحتاج إلى ترتيب وأولويات واضحة، وترك المجاملة واعتماد المكاشفة، والتخلي عن سلبياته وعاداته الضارة، وعندها سيكون لنا شأن نفخر فيه، ويكون بلسما وعلاجا لأوجاع البشرية.

إن بقاء الصف الإسلامي يكرر أخطاء وسلبيات السلطات الحاكمة لهو من أشد الثغرات التي تمكن أعداؤنا منا من خلالها، حيث نرفض معالجة الأخطاء بحجة الضغوطات التي يعانيها الصف الإسلامي، ونرفض معاتبة المقصرين من إخواننا بذريعة أننا لا نريد شق الصف المشقوق أصلاً!

ونُحجم عن تقديم الصحيح من أحكام الإسلام خوفاً من ضغط الجمهور أو استفادة بعض الخصوم، مما يجعل الساحة فارغة أمام الأفكار والتصورات المغلوطة عن الإسلام، فيتورط فيها الشباب الأغرار، ويستغلها الإعلام الفاجر هنا وهناك في تشويه الإسلام.

وقضية أخيرة، ضرورة المحافظة على أي قوة للأمة المسلمة وعدم التفريط فيها، وزيادة اللحمة بين العلماء والأمراء والناس بالالتفاف على مصالح الأمة الحقيقية، وهي نشر العدل ورفع الظلم، ورعاية الناس وتحسين أحوالهم، والدفاع عن دينهم وأرضهم وكرامتهم.

نحن الآن في مرحلة حرجة تقتضى منا المحافظة على رأس المال، وعدم التفريط فيه، فنحن مع الوحدة الإسلامية، لكن ما الفائدة والمصلحة:

- إذا رفعنا شعار الوحدة الإسلامية، وكانت النتيجة أن تتوحد العراق وسوريا ولبنان واليمن مع إيران بحكم طائفي بغيض!

- أو كانت ثمرة شعار الوحدة قيادة دولة داعشية متطرفة تشوّه الإسلام وتقاتل وتقتل المسلمين المرتدين في - نظرها- قبل مقاتلة الكفار الأصليين، مما يدخل العالم الإسلامي في فوضى طاحنة تحت راية كتب عليها: لا إله إلا الله محمد رسول الله!

- أو إذا كانت الثمرة استغلال أعداء الأمة ما يجري لتثبيت كيانات مصطنعة، كما يحدث الآن من تمدد كردي في شمال سوريا على حساب العرب والأتراك، لتكون شوكة جديدة في خاصرتنا لمصلحة الغرب وإسرائيل!

- أو كانت الثمرة زيادة تسلط الأنظمة القمعية وترسخ الفاشية والعنصرية والظلم والبطش من خلال الثورات المضادة!

لنعمل جميعاً على الحفاظ على قوة الأمة وعدم تفتتها أكثر مما هي عليه، فهذه هي البوصلة الصحيحة اليوم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق