الخميس، 17 سبتمبر 2015

الثوار وثقافة التخوين


الثوار وثقافة التخوين
عصام تليمة

تنتشر ظاهرة خطيرة بين صفوف الثوار، منذ ثورة يناير حتى الآن، وهي ظاهرة ثقافة التخوين، وقد كان يسعى بها بين صفوف الثوار من كان يطلق عليه الطرف الثالث، فقد كانت الإسلاميون يظنون أن الطرف الثالث هم القوى المدنية، والقوى المدنية تظنها الإسلاميين، وكلاهما يظنه فلول الحزب الوطني، واتضح في النهاية أننا كنا يُلعب بنا بغرس بذرة خبيثة نمت وكبرت، هي بذرة التخوين، بينما كان مصدر كل ذلك هو العسكر، لبقائه مهيمنا على الحياة السياسية والاقتصادية في مصر.

ولا تزال هذه الثقافة تعمل عملها للأسف، فتفشل كل محاولة لتجميع القوى، والمؤسف أنها تجد مناخا تنمو فيه وتزداد، وأصبح كل فصيل عنده القابلية لتصديق أي شائعة على الطرف الآخر، وهذه نماذج من الشائعات التي تبنى على ثقافة التخوين: فبعض قادة الإخوان زاروا إيران، وبعض قيادات الإخوان تتفاوض لقتل الثورة والاستسلام، والسياسي فلان رجل أمريكا وعميلها، والرمز الإخواني فلان تفاوض باسم الإخوان مع بعض دول خليجية، وفلان رجل الدولة الفولانية، وفلان عميل للمخابرات الحربية المصرية، وفلانة أبوها كان عضوا في المجلس العسكري، ومحمد العمدة خرج لأجل مبادرة تقتل الثورة، وحلمي الجزار خرج باتفاق مع العسكر لإنشاء جمعية ضد الإخوان، وأبو العلا ماضي خرج ليدخل حزبه الانتخابات البرلمانية، ويؤدي دورا يخدم الانقلاب.

ومرت الأيام وكل ما تكهن به المتشككون أصبح وهما، وكأن المظلوم عندما يخرج من السجن بعد سجنه شهورا طويلة يعاني فيها الظلم والقهر، كأن ذلك منَّة، وليس من حقه أن يرد إليه بعض حقه بعد كل هذا الظلم، وكأن رد بعض الحق للمظلوم يدعونا للشك، وصل بنا الحال لهذه الدرجة أننا نستكثر الحرية ورد الحقوق للمظلومين، وأنه لا بد من صفقة، ولا بد من خيانة!!

يساعد على نشر ثقافة التخوين: أنه تحول كل من له صفحة على الفيس بوك، أو تويتر، فجمع عددا من المعجبين، أو الأصدقاء على الصفحة، فيشعر وكأنه أصبح أكبر محلل سياسي، وأكبر خبير مخابراتي، فهو يشم من على بعد مائة كيلو متر أن فلانا هذا جاسوس علينا، وأنه مدفوع من التوجه الفلاني لاختراق الثوار، وأنه مشكوك في تاريخه، والعجيب أني كنت أحيانا أسمع من بعض الأطراف مثل هذا الكلام، فأجد طرفا يقول لي: احذروا كإسلاميين من فلان وفلان وفلانة، وأجد الأطراف التي يشكك في هذا الطرف، هي نفسها تحذرني من نفس الأشخاص الذين يحذروننا منهم، أي أن القلوب والظنون عند بعضها!!
وكلما كتب أحدهم على صفحات التواصل الاجتماعي، هلل له المهللون على الصفحة، وعلقوا، وكبروا الأمر لديه، ثم صارت المواقع الإخبارية، والصحف، تعتبر تغريدات وكتابة أصحاب هذه الصفحات مصدرا إخباريا، فتعتبر ذلك خبرا، فتنشره، وأصبح تقليدا جديدا ينافي كل معايير الصحافة والإعلام، بلا أدنى درجات التثبت الصحفي.

ثم تنقل صفحات التواصل الاجتماعي الكلام المنقول بالأساس من صفحات التواصل، ليشير ويحتفى به، كل يتلقفه بحسب ما يعزز ويؤكد لديه الشكوك والظنون والتخوين في الطرف المكتوب فيه.

أعلم أن من أقوال العرب قديما: سوء الظن من حسن الفِطَن، لكن سوء الظن هنا مقصود به: الوعي والتفطن لا التشكيك في الناس بالحق والباطل، ورمي كل إنسان بالظن، وتقديم التشكيك الذي لا يبنى على حقائق، بل على أوهام، والمشكلة أننا نتوهم ونتشكك، ثم نبني على الشك الذي لا أصل له تحليلات، دون أن نفرق بين المعلومة والتحليل، وبين الشك واليقين.
إن ثقافة التخوين كفيلة بإنهاء كل جهد حقيقي لإنهاء الاستبداد العسكري في مصر، وكفيلة بشيطنة الجميع، وإذا أردنا النجاح في سعينا، فعلينا أولا التخلص من ثقافة التخوين، وبناء جسور الثقة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق