السبت، 26 سبتمبر 2015

شبح هتلر

   شبح هتلر    


شريف عبدالعزيز

من القناعات الراسخة في علم السياسية ، والتي طالما آمن بها باحثو العلوم السياسية وعلماء الاجتماع؛ بأن الديمقراطيات ما إن استقرت بشكل كافي وأصبحت في نظر مواطنيها المنظومة الوحيدة المقبولة، فإنها تتمتع برسوخ تام يستحيل معه تخيل انهيارها بسهولة، لا سيما وأنها تمنح العامة دورًا في إدارة الشؤون اليومية
ــ ولو نظريا فقط ــ في نفس الوقت الذي تتم فيه إدارة الشأن العام السياسي والاقتصادي بطريقة رشيدة وكفء، بعيدًا عن فاشيات الحزب الواحد.
بيد أن هذه القناعة آخذة في التآكل ، ونحن نشاهد العالم بأسره ، وخاصة في أوروبا مهد الديمقراطية حيث الآباء المؤسسين لكل منظومات الحكم المعاصرة ، يسير بقوة نحو الفاشية والاستبداد والعنصرية المقيتة التي تأتي على بينان الديمقراطية من أساسه ، وذلك بعد أن أصبحت الديمقراطية على ما يبدو غير مقبولة في نظر قطاعات عريضة في أوروبا والعالم هذه الأيام .
ومن يراقب نتائج الانتخابات البرلمانية والرئاسية خلال العامين المنصرمين يجد أن العالم يسير بقوة نحو التطرف والنازية واستعادة أفكار هتلر من جديد

موجة يمينية فاشية نازية تجتاح العالم، شرقا وغربا ،وشبح هتلر يخيم على الانتخابات أوروبيا وأسيويا وأمريكيا ، هذا ما يبدو من أحداث وانتخابات العام الماضي .
ففي فرنسا برزت السياسية الفرنسية مارين لوبِن زعيمة حزب الجبهة القومية وفازت بـ25% في انتخابات البرلمان الأوروبي، وهي الآن الوجه الأبرز في انتخابات الرئاسة المقبلة التي ستجري عام 2017 رُغم عدم انتمائها للأحزاب الكبرى التقليدية . وفي السويد نجح السويديون الديمقراطيون، وهو حزب اليمين المتطرف أيضًا، في دفع البرلمان السويدي لإعلان اول انتخابات مبكرة في الخمسين سنة الماضية، كما أثار اللغط حول عضو منه ظهر في حفلة مرتديًا علامة النازية الألمانية، وهي ادعاءات رد عليها رئيس الحزب قائلًا بأن التوجهات النازية موجودة بين الكثير من أعضائه. وفي روسيا يقوم بوتين بتدشين خطاب قومي معادي ومتطرف ، ولا يخجل من الاستشهاد بكتابات المفكر القومي الروسي والمتعاطف مع النازيين إيفان إليين، كما يدعم بالأموال حركات اليمين المتطرف في أوروبا نظرًا لوقوفها بوجه مشروع الاتحاد الأوروبي كما هو معروف، وحزب الجبهة القومية الفرنسي هو أشهر من تلقى الأموال الروسية صراحة ودون مواربة، علاوة على ميليشياته الموجودة بشرق أوكرانيا، والتي يتم حشدها أيضًا بالأيديولوجيا القومية الروسية، وأحلام رسم "نوفوروسيا" أو روسيا الجديدة لتمتد حدود روسيا بشرق أوروبا وتضم كافة الروس.
وحتى أوكرانيا التي يتصدر المشهد العسكري فيها بوجه روسيا كتائب أزوف، وهي مجموعات لا تخجل من الإفصاح عن ميولها النازية وتتمتع بدعم الرئيس بترو بوروشينكو .
وعلى الناحية الأخرى من الكوكب، وحيث يظن البعض أن أهل آسيا بعيدون عن تلك الموجة،شبح هتلر يضرب بقوة ، ففي الانتخابات الهندية الأخيرة سنة 2014 ينتخب أكثر من 300 مليون هندي الزعيم القومي الهندوسي المتطرف " مودي " المنتمي لحزب الشعب الهندوسي المتطرف ، في أكبر انتصار لليمين الهندوسي في تاريخه.
كما تظهر اليابان بقوة على خريطة حركات اليمين المتنامية بل والحاكمة أيضًا، فرئيس الوزراء اليميني شينزو يحكم بعد انتخابات مبكرة فاز فيها العام الماضي، وهو ممن يرغبون بمراجعة تخلي اليابان عن دورها العسكري بعد الحرب العالمية الثانية، كما أن حكومته تضم 15 عضوًا من حركة نيبون كايجي القومية، وهم من أنصار عدم الاعتذار عن جرائم طوكيو ضد الإنسانية أثناء احتلالها لكوريا وسواحل الصين في الحرب العالمية الثانية .
ولعل العلامة الأبرز على انبعاث العنصرية والنازية الهتلرية من جديد هو صعود حركة الشاي في الولايات المتحدة، كانت الحركة قد ظهرت لأول مرة على الساحة السياسية الأمريكية عام 2009، وكانت مدفوعة بخطر انتصار أوباما في الانتخابات الرئاسية عام 2008، وبالعداء الشديد لبرنامج الرعاية الصحية الذي دعا له، ولكن الحركة وسَّعت نطاق عملها واكتسبت زخما شعبيا وسياسيا كبيرا ، وتستهدف الحركة الآن، ليس فقط الديمقراطيين، ولكن الجمهوريين الذين يعتقد أعضاء الحركة الأصوليون أنهم معتدلون بعض الشيء،كما حدث مع زعيم الأغلبية السيناتور " إريك كانتور "صاحب النفوذ الكبير الذي خسر الانتخابات الأولية في يونيو أمام منافس محافظ متطرف،ونظرًا لنجاحها في دفع الجمهوريين أكثر للتطرف والراديكالية، أصبح لدى الحركة الآن نفوذًا في مجلس النواب يعطيها فعليًا القدرة على عرقلة المنظومة التشريعية الأمريكية بالكامل .

الأحزاب النازية توجد الآن بقوة على خريطة المشهد السياسي في العالم ، وأزمة اللاجئين السوريين الأخيرة كشفت جانبا من المستقبل المظلم الذي ينتظره العالم حال وصول هذه الأحزاب لسدة الحكم في بلادها ، حيث من المتوقع أن تكون السبب في اندلاع الحروب الإقليمية والدولية بسبب خطابها النازي المتطرف .
 
ففي ألمانيا يوجد حزب ألمانيا القومي ، وفي فرنسا حزب الجبهة القومية ، وفي بريطانيا حزب استقلال بريطانيا ، وفي اليونان حزب الفجر الذهبي ، وفي هولندا حزب من أجل الحرية ، وفي إيطاليا حزب الخمس نجوم ، وفي بلجيكا حزب المصلحة الفلاندرية ، وفي النمسا حزب الحرية ، وفي المجر حركة يوبيك "الحركة من أجل مجر أفضل " هي الحركة الفاشية، بل والنازية أيضًا، الأشهر الآن في أوروبا والأكثر شعبية في بلدها، وهي أحد أكثر الحركات اليمينية تطرفًا، فهي ترفض العولمة والرأسمالية، وترفض عضوية الاتحاد الأوروبي، وتعتبر المجر والعرق المجري منحدرًا من العرق الأورالي-الألطي المعروف بالطوراني في آسيا الوسطى وبالتالي ترى أنه غريب عن بقية الثقافات الأوروبية ، ولعل ذلك يفسر التعنت المجري الشديد مع اللاجئين السوريين مؤخرا ،وفي بلغاريا حركة أتاكا النازية ، وفي الدنمارك حزب الشعب القومي ، ولا يكاد توجد دولة أوروبية إلا ويوجد بها أحزاب عنصرية وقومية وكل هذه الأحزاب تتمتع بوجود سياسي لافت في بلادها .

البعض يعزو انتشار الأفكار النازية والعنصرية في الغرب ،والتخلي التدريجي للنخب السياسية عن مبادئ الديمقراطية ، بسبب الأزمات الاقتصادية المتتالية ،والتراجع المتسارع لدولة الرفاهية مما سبب حالة من الاحساس بعدم الأمان لدى المواطن الغربي،ولطالما كانت الديمقراطيات الليبرالية الغربية رهينة صعود وهبوط الأسواق .
 ولكن التعمق في بحث جذور هذا التحول الخطير في التاريخ والحضارة الأوروبية ، يقود إلى النظرة العدائية المتنامية تجاه العالم الإسلامي منذ أوائل الألفية الثالثة ، وهي النظرة التي انبثقت عبر رافدين كبيرين ، أولهما : الكنيسة الكاثوليكية والتي مازالت تغذي الذاكرة الغربية والعقل الجمعي للمواطن الغربي بذكريات ومآثر الحروب الصليبية الغابرة ، وثانيهما : الجاليات الإسلامية الموجودة في الغرب والتي تكونت وظهرت في المجتمعات الغربية في أعقاب الحرب العالمية الثانية .

فإثر عمليات التطهير العرقي والتهجير الجماعي التي جرت في النصف الأول من القرن العشرين، أصبحت معظم بلدان أوربا متجانسة بدرجة عالية، وحتى حين بدأ استقطاب أعداد كبيرة من المهاجرين بعد إنهاء الاستعمار والطفرة الاقتصادية في الخمسينيات والستينيات، لم يشكل هذا النزوح تهديدًا حقيقيًا للهويات القومية ، ولكن بعد حصول الملايين من هؤلاء المهاجرين على جنسية البلاد التي دخلوها ، أصبحت الهوية الغربية في خطر من دخول ثقافات وأنماط سلوكية واجتماعية مغايرة ، وأذكت هذه المخاوف الصيحات التي تطلقها الكنيسة الكاثوليكة وغيرها من الحين للآخر أن الهوية المسيحية لأوروبا في خطر بسبب الزحف الإسلامي المتنامي .
وكان هذا هو المدخل الأساسي والفكرة الأم لكثير من الأحزاب المتطرفة في أوروبا وأمريكا وأسيا ، وهي معاداة الأجانب ويقصدون بهم في الأعم الأغلب المسلمين المهاجرين والحاصلين على الجنسية في بلادهم .
العالم الغربي بأسره يسير اليوم نحو صدام حضاري واجتماعي وثقافي وعسكري أيضا مع العالم الإسلامي ، والأحداث الملتهبة والتي تغلي بها المنطقة منذ اندلاع ثورات الربيع العربي سنة 2011 تؤكد على هذه الحقيقة ، فالعالم بأسره ودون استثناء عمل على إجهاض هذه الثورات بعدما رأوا أن البديل الشعبي لأنظمة الاستبداد الموالية للغرب كان التيار الإسلامي الذي يري الغرب فيه العدو الرئيسي الذي يجب التصدي له ، فإن صحوة سنية تمتد من المحيط إلى الخليج لهي أسوأ كوابيس الغرب ، لذلك لم يكن مستغربا أن يسارع الغرب بإنجاز الاتفاق النووي الإيراني الأخير ، وأن يضع يده في يد ملالي طهران لاتفاق عداوة الصحوة السنية لدى الطرفين ، ولذلك نجد أمريكا وبغرابة شديدة لا تمانع في احتلال روسيا وإيران لسوريا والعراق من أجل تطويق هذه الصحوة السنية المباركة في أرض الشام ، ولذلك وجدنا أمريكا وأوروبا تدعمان وبكل قوة الثورة المضادة في مصر وتونس وليبيا من أجل وقف البديل الشعبي وقمع الصحوة السنية المتوقعة ، حتى أن الغرب المتغني بالحرية والديمقراطية يدنس قدس أقداسهما ، ويدعم الانقلاب العسكري المصري ضد أول رئيس منتخب إنتخابا ديمقراطيا حرا ، ولذلك لم يكن مستغربا أن تكون صحوة معظم هذه الأحزاب العنصرية المتطرفة المعادية للإسلام والمسلمين كانت بعد ثورات الربيع العربي .
فالغرب كان ومازال وسيظل صليبا عنصريا أنجلوسكسونيا متطرفا يحمل على صدره شارة الصليب ، يتحين اللحظة المناسبة كل يوم ألف مرة من أجل القضاء على خصمه التاريخي وعدوه الأبدي ؛ العالم الإسلامي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق