الأقصى: عيوننا إليك ترحل كل يوم!
أحمد بن راشد بن سعيد
ينظر قادة المؤسسة الصهيونية إلى الوضع في المنطقة بوصفه مثالياً، وفرصة لا تتكرر لتحقيق ما يصبون إليه منذ عقود في القدس والخليل ومناطق أخرى في الضفة الغربية؛ فالنظام الأردني لا يبدي اعتراضاً يُذكر على الاعتداءات في الأقصى، ودول الخليج مشغول معظمها بالحرب في اليمن، والعراق وسوريا ولبنان دول مشلولة بسبب وقوعها تحت براثن الدب الصفوي الإيراني الذي تتقاطع مصالحه مع الصهيونية، ومصر غريبة الوجه واليد واللسان بعد أن اغتصبها الانقلابي وأعادها مُكرهة إلى بيت الطاعة الأميركي-الإسرائيلي.
لم لا يحدّث نتنياهو نفسه بقضم مزيد من الأرض، وطرد مزيد من الفلسطينيين، وبناء مزيد من المغتصَبات (المستوطنات)، وارتكاب مزيد من الانتهاكات في المسجد الأقصى، وانتزاع «مكاسب» من هذه الانتهاكات ليس أقلها ما يصفه العدو اليوم بالتقسيم الزماني والمكاني للمسجد.
الشيخ كمال الخطيب، نائب رئيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني، أبلغ قناة الجزيرة مباشر (15 أيلول/سبتمبر 2015) أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي صنّفت في اليوم الذي عاد فيه سفيرها إلى مصر المرابطين والمرابطات داخل المسجد الأقصى تنظيماً إرهابياً- تصريح يوحي بأن الاحتلال استمد من علاقاته الخاصة بالطغمة الانقلابية في مصر، وعودة سفيره إليها، وقوداً للانقضاض على الأقصى، وتغيير الواقع فيه.
الخطيب أضاف أن الاحتلال لا يكترث ألبتة بالقادة العرب ولا بالسلطة في رام الله مخاطباً مفاوضها «الكبير»، صائب عريقات بقوله: «آن لكم أن تضربوا بالأقدام اتفاقية أوسلو كما ضربت إسرائيل بالأقدام كل الاتفاقيات، وأن تعودوا لتلتحموا مع الشعب الفلسطيني في مشروع واحد».
إسرائيل تعيش أزهى عصورها، أو هكذا يبدو الأمر، وهي لا تملك أن تكون أكثر «عروبة» أو «إسلاماً» من فرعون مصر، الذي استجاب للاعتداءات على الأقصى، فأمر جيشه بضخّ كميات كبيرة من ماء البحر الأبيض المتوسط في أنابيب عملاقة على طول الحدود مع قطاع غزة، ما تسبّب في إغراق عدد كبير من الأنفاق، وأحدث انهيارات في بعضها، وانهيارات أرضية داخل غزة، وألحق أضراراً بالمياه الجوفية للقطاع (سلطة جودة البيئة في غزة أكدت أن ما فعله جيش السيسي تسبّب في ارتفاع شديد في ملوحة المياه الجوفية في غزة 40 ضعفاً).
لم لا تنتهك إسرائيل الأقصى، وتعتدي بوحشية على حرّاسه والمرابطين فيه، وزعيم أكبر دولة عربية مجاورة لها يحرم جزءاً من شعب فلسطين المنافذ الوحيدة التي يتنفس من خلالها، ويحقق حلم إسحاق
رابين الذي قال يوماً: «أتمنى أن أستيقظ يوماً وأرى غزة قد ابتلعها البحر»؟
الصهيونية تدرك أنها تعيش لحظة تاريخية استثنائية وزاهية، وإن لم تنتهزها لخلق حقائق جديدة وصادمة على الأرض، فقد تتلاشى إلى غير رجعة.
الذي يمنع قادة المشروع الصهيوني من بسط أيديهم تماماً على القدس القديمة بما فيها الأقصى هو الخوف من المجهول؛ من هبّة عارمة تتجاوز في
زخمها وعنفها هبّة البُراق عام 1929، وهبّة النفق عام 1996، وهبّة الأقصى عام 2000، لاسيما أن السيل الآن بلغ الزّبى، وأن خطاب «إعادة بناء الهيكل» لم يعد مقتصراً على من يُسمّون «جماعات يهودية متطرفة»، إذ أصبح «العلماني» الصهيوني يردّد هذا الخطاب مطالباً بتقسيم زماني ومكاني للأقصى، ومستشهداً على ذلك بنصوص توراتية. علي أبو نعمة أحد مؤسسي «الانتفاضة الإلكترونية»، ومؤلف كتاب «المعركة من أجل العدالة في فلسطين»، أبلغ قناة الجزيرة الإنكليزية أن إسرائيل تستخدم ادعاءاتها الدينية غطاءً لحركتها الكولونيالية الاستيطانية في القدس والضفة الغربية المحتلة، مضيفاً أن التيار الغالب في إسرائيل اليوم يستخدم نصوص التوراة مسوّغاً للاستيطان في كامل «أرض إسرائيل»، ومحذّراً من أن سلطات الاحتلال تتعمّد هذه «الاستفزازات» في منطقة الأقصى «لتهيئة المناخ لجماعات «الهيكل» المتطرفة» لتحقيق هدفها المتمثل في هدم الأقصى وبناء ما يسمونه «الهيكل الثالث» في مكانه».
سلمان أبو ستة، مؤسس جمعية «أرض فلسطين» ورئيسها، أبلغ «الجزيرة» الإنكليزية أيضاً أن «إسرائيل باتت تدرك أن الفلسطينيين والعرب يفتقرون إلى قيادة تستطيع الدفاع عن الحقوق الفلسطينية والإسلامية، ولذلك ظهر التطرف الإسرائيلي في أقصى صوره، وانحسر الرد العربي» (الجزيرة نت، 21 أيلول/سبتمبر 2015).
ثورات «الربيع العربي» أفزعت إسرائيل، وتريد الآن بعد إجهاض هذه الثورات أو تخبّطها في بحر من الدماء، أن تستبق انبعاثها مرة أخرى بخطوات ترمي إلى تهويد مدينة القدس، أو ما تسمّيه خطة «القدس الكبرى 2020» التي ترمي إلى تغيير التركيبة السكانية للمدينة لتصبح نسبة العرب فيها 10 إلى 12في المئة. تشمل الخطة توسيع القدس لتصبح 10 في المئة من مساحة الضفة الغربية (600 كيلومتر مربع)، وتضم جميع المستوطنات اليهودية التي تقع حالياً خارج حدود المدينة.
وبالرغم من أن الفرصة تبدو مواتية لانقضاض إسرائيلي على المسجد الأقصى، وفرض أمر واقع جديد في القدس القديمة، إلا أن صانع القرار الصهيوني يخشى حدوث ما لا يمكن التنبؤ به.
في هذه المرحلة، وفي ظل انشغال الحكومات أو لامبالاتها، يبدو دور الشعوب مهماً جداً. انتفاضة الرأي العام العربي والإسلامي غضباً للمسجد الأقصى قد يكبح جماح الذئب الصهيوني، أو يدفع رعاته إلى لجمه.
ثمة مبادرات يستطيع المواطنون العرب القيام بها تعبيراً عن غضبهم للأقصى، ورفضهم النيل منه باعتداء أو تقسيم.
مبادرة #ادفع_ريالاً_تنقذ ِالأقصى التي شهدها موقع التدوين المصغر «تويتر» يوم الإثنين الماضي وتستمر إلى اليوم شاهد على قدرة المواطن العادي على الاستجابة للعربدة الصهيونية وللسكوت عليها، ورسالة رمزية قوية مؤدّاها أن الأقصى في قلوبنا، وأن عيوننا إليه ترحل كل يوم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق