السيسي والمؤامرة المكسيكية
بشير البكر
هل من محض الصدمة أن تغتال قوات الجيش والشرطة المصريتان سيّاحاً مكسيكيين، كان من المفروض أن يكونوا آمنين، في أرض مصر؟
لكن، لا شيء آمن، اليوم، في هذا البلد، ولا شيء على ما يُرام.وإذا كان مفهوماً من نظام السيسي، في منطقه وفلسفته للحكم، أن يقوم بالإساءة إلى معارضيه وتشويههم، واعتقالهم وتصفيتهم، وإذا كان مفهوماً، في لغة الصراع حول السلطة، أن يستخدم النظامُ الشرطة لإرهاب الخصوم السياسيين وترويعهم، ويستنجد بالجيش الذي كان من المفروض أن يحفظ الحدود، فإذا به يطارد سياحاً مكسيكيين ومصريين، ويقنصهم كما تقنص الأرانب (كان نصيب أحد المرشدين السياحيين المصريين 47 رصاصة)، فما يثير الذهول، حقاً، هو سقوط سلطتين قويتين في هذا المطبّ. سلطتان موازيتان للسلطة التنفيذية، هما سلطتا القضاء والصحافة التي اعتبر بعضها "سياحة المكسيكيين في مصر مؤامرة".
فإذا كانت مصر، في السابق، تفتخر باستقلالية قضائها ونزاهته، فإن قضاءها اليوم يعيش أحلك أيام تاريخه كله، ويندر أن يصدر حكم قضائي ضد معارضين سياسيين من دون أن يثير انتقاد المنظمات الحقوقية والإنسانية العالمية وشجبها. وأصبح من السهل جداً على أيّ قاض مصري، اليوم، أن يلجأ لإصدار حكم الإعدام في وجه السجناء، من دون أن يرف له جفن، ومن دون أن يقدّر جسامة الحكم وعدم قانونيته.
لقد حوّل النظام المصري الحالي القضاء إلى تابع ذليل للقرار السياسي ولوزارة الداخلية، وحطَّم القضاة المصريون الفاسدون (يوجد بالطبع قضاة مصريون نزيهون، لكن أغلبهم مُبعدُون أو مسجونون) أرقاماً قياسية عالمية في عدد المحكوم عليهم بالإعدام.والسلطة الإعلامية ليست بأحسن حال من حالة القضاء.
فإذا كانت مصر، في السابق، تفتخر باستقلالية قضائها ونزاهته، فإن قضاءها اليوم يعيش أحلك أيام تاريخه كله، ويندر أن يصدر حكم قضائي ضد معارضين سياسيين من دون أن يثير انتقاد المنظمات الحقوقية والإنسانية العالمية وشجبها. وأصبح من السهل جداً على أيّ قاض مصري، اليوم، أن يلجأ لإصدار حكم الإعدام في وجه السجناء، من دون أن يرف له جفن، ومن دون أن يقدّر جسامة الحكم وعدم قانونيته.
لقد حوّل النظام المصري الحالي القضاء إلى تابع ذليل للقرار السياسي ولوزارة الداخلية، وحطَّم القضاة المصريون الفاسدون (يوجد بالطبع قضاة مصريون نزيهون، لكن أغلبهم مُبعدُون أو مسجونون) أرقاماً قياسية عالمية في عدد المحكوم عليهم بالإعدام.والسلطة الإعلامية ليست بأحسن حال من حالة القضاء.
وإذا كانت الديمقراطية والمجتمع المدني الحقيقيان لا يمكن لهما أن يتنفسا إلا في ظل صحافة حرة ونزيهة ومستقلة، فإن مصر، اليوم، تبدو بعيدة عن هذه الصورة.
فمنذ الانقلاب العسكري في يوليو/تموز 2013، أصبحت الصحافة، أو ما تبقّى منها، جوقة تعزف لحن السيسي النشاز نفسه، وكأن كل التراث الصحافي المصري العريق انهار دفعة واحدة. أصبح الخبر الواحد يخرج من وزارة الداخلية ويظهر في كل وسائل الإعلام التي قَبِلَ النظام أن تزاول عملها، بعد أن أغلق كل القنوات، وكمم كل الأصوات المعارضة، أو الأقل حماسة في نصرته.
ولم يعد الصحفيون المتحمسون للمعزّ، والراغبون في ذهب المعزّ، يكتفون بتلقف التوجيهات السياسية التي تأتي من الداخلية أو من الرئاسة، بل و"يجتهدون" في نشر الأخبار، لإظهار تملق أكبر، وللحصول على حظوة مرافقة الجنرال في سفرياته وتنقلاته.
ولم يعد الصحفيون المتحمسون للمعزّ، والراغبون في ذهب المعزّ، يكتفون بتلقف التوجيهات السياسية التي تأتي من الداخلية أو من الرئاسة، بل و"يجتهدون" في نشر الأخبار، لإظهار تملق أكبر، وللحصول على حظوة مرافقة الجنرال في سفرياته وتنقلاته.
وإذا كان للاجتهاد الصحفي قوانينه، فإن هؤلاء الصحفيين اختصروه في ممارسة الكذب والقذف والأسلوب البذيء واستخدام كل شيء شرط أن يرضى الحاكم.
لم يعد مراقب حالة السلطة الرابعة في مصر، الآن، يرى سوى بيانات وزارة الداخلية.
لم يعد وجود للرأي المعارض، ولا لصحافة التحقيقات المستقلة، كما أن القنوات، كل القنوات التي يسمح لها بالبث في مصر، تتعامل مع الأحداث التي تعرفها مصر بالأسلوب نفسه، وفزاعة الإخوان المسلمين هي محرك كل النشاط الإعلامي المصري الرسمي، والمتعاطف معه. هذه الفزّاعة دفعت الصحفي، أحمد موسى، المقرَّب من دوائر القرار المصري، إلى أن يفبرك مداخلةً في برنامج تلفزيوني، وينسبها للشيخ أحمد المحلاوي، يزعم فيها أن الشيخ المحلاوي، وفي انتقاد للإخوان المسلمين، يرفض الخلط بين الدين والسياسية. لكن الشيخ المحلاوي، إمام مسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية، والذي عرف عنه تأييده الثورة المصرية واصطدامه العنيف بالرئيس السادات، وصف الصحفيَّ المصري بالقزم، وقال إنه لم يختلف مع السادات حول نواقض الوضوء، وإنما حول قضايا سياسية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق