الاثنين، 21 سبتمبر 2015

صلاح الدين ..يعيدها سنّية..!!

صلاح الدين ..يعيدها سنّية..!!


سقوط الخلافة الفاطمية
والدعاء للخليفة العباسي المستضيء بأمر الله:
 ذي الحجة 567 هـ - 1171 م

 

في هذا التوقيت ظهر "صلاح الدين الأيوبي"، في عصر كانت فيه الأمة العربية في وضع لا تُحسد عليه، من تمزق وضعف، يتهددها الخطر الصليبي، الذي كاد أن يأتي عليها، واستطاع بفضل الله ثم بما تمتع به من عبقرية فذّة، وميزات قيادية هائلة، أن يجمع شتات هذه الأمة، ويكوّن قوة كبيرة، استطاع بفضلها أن يحقق انتصاراته على الصليبيين.


وقد كان من أهم العقبات التي واجهت "صلاح الدين الأيوبي" هو المد الشيعي المتمثل في الخلافة الفاطمية، خاصة بعد ما ثبت بالدليل تعاونهم مع الصليبيين أعداء الأمة، فهيأ الله له أن أزال الخلافة الفاطيمة الشيعية من الوجود نهائياً، ووهن المذهب الشيعي في عهده وهناً شديداً، بسرعة لافتة للنظر، وانحسر جغرافياً، وأعاد البلاد إلى مذهب أهل السنة والجماعة أو كما تسميه المراجع:"المذهب السُنّي"، واللافت للنظر أنه فعل ذلك بطريقة سلمية، فكيف تمكن من ذلك؟


في هذا المقال نتعرف على أهم الوسائل السلمية التي اتبعها صلاح الدين في سبيل محاربة المذهب الشيعي، وإعادة مصر إلى المذهب السنّي:

إنشاء المدارس:

لم يعرف العالم الإسلامي (المدرسة) قبل القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي، وكانت أول مدرسة بنيت في ديار الإسلام هي المدرسة البيهقية في نيسابور، ثم المدرسة النظامية في بغداد.
ثم أخذت المدارس تنتشر في العراق وخراسان وغيرها من البلدان الإسلامية.

وعندما ملك صلاح الدين مصر، لم يكن بها شيء من المدارس، فقام ببناء عدة مدارس للشافعية والمالكية. مقتدياً بالملك العادل نور الدين محمود زنكي. الذي بنى عدة مدارس في بلاد الشام للحنفية والشافعية، وبعد ذلك تأسّى بصلاح الدين في إقامة المدارس في مصر والشام أقرباؤه وأمراؤه والأغنياء من الفقهاء وغيرهم.

وقد مهدت هذه المدارس الطريق أمام طلاب العلم لينهلوا من معين العلوم الشرعية والعربية وغيرها بأيسر جهد، وأقصر وقت. وأقل التكاليف. وأصبح طالب العلم غير محتاج إلى أن ينتقل من بلد إلى آخر يبحث عن المدرسين بل صار المدرسون هم الذين يأتون إليه في المدرسة.

كما جعلت هذه المدارس من عهد صلاح الدين عهداً مشرقاً سواء في مصر أو بلاد الشام، إذ أصبحتا محور استقطاب العلماء من جميع البلدان الإسلامية، لما كان يلاقيه الفقهاء من كريم العناية والرعاية، ولما كان يغدقه صلاح الدين عليهم من أُعطيات ومنح كثيرة، فقد بلغت المرتبات للفقهاء والمدرسين بدمشق في عهده حوالي ثلاثمائة ألف دينار، وكان عددهم حوالي ستمائة مدرس وفقيه.


وكان صلاح الدين يهدف من إنشاء المدارس التي شيّدها إلى مقاومة المذهب الشيعي، عن طريق تعليم فقه أهل السنة. ولاسيما مذهبه الذي كان يعتقده وهو المذهب الشافعي، بالإضافة إلى أنها كانت مراكز لتثقيف الناس وتعليمهم لغتهم وأمور دينهم، وتبصيرهم بما يُحيق بهم من مخاطر تهدد وجودهم، فعملت على إثارة روح الجهاد في الناس، مما جعلهم يلتفّون حول زعيمهم، مما مكنه من تحقيق انتصارات باهرة على الصليبيين، حيث تمكّن من فتح أغلب معاقل الصليبيين التي كانت منغرسة في بلاد الشام.


إنّ "صلاح الدين" في إنشائه المدارس، لم يفرق بين مذهب وآخر، ولا بين الفقهاء. بل أنشأ مدارس لجميع المذاهب السنّية. وبذلك عمل على استبعاد العصبيات المذهبية وأنشأ سياسة تقوم على استقطاب جميع أهل السنة من أجل صُنع جبهة موحّدة، ليقوى بها من محاربة أعدائه.

القضاء:

منذ اللحظة الأولى لتسلم صلاح الدين الوزارة في مصر، كان في نيته القضاء على الخلافة الفاطمية، وإحلال مذهب أهل السنة مكان المذهب الشيعي فكان أول عمل قام به عزل جميع القضاة الشيعيين من مناصبهم واستبدلهم بقضاة سنّيين. من أتباع المذهب الشافعي؛ فقام سنة 566هـ/ 1171م، بإسناد قضاء مصر إلى الفقيه الشافعي صدر الدين عبد الملك ابن درباس الكردي (ت: 605هـ/ 1209م)، وعهد إليه باستنابة قضاة عنه في البلدان المصرية. يدل ذلك على أنه كان بمنزلة قاضي قضاة.

وقد قام "ابن درباس" بتنفيذ ما أسند إليه من مهام وأثبت جدارة في عمله. فقام بنقل خطبة الجمعة من الأزهر إلى المسجد الحاكمي كما قام بإسناد مناصب القضاة في المدن المصرية إلى فقهاء من الشافعية أسهموا بدورهم في نشر المذهب الشافعي، وبذلك استعاد المذهب السنّي قوته. وأدى ذلك إلى ضعف المذهب الشيعي، واخذ نجمه بالأفول عن سماء مصر حتى وقتنا الحاضر.

الاهتمام بالفقهاء:

القائد الناجح لا يقتصر نجاحه فقط على الوصول إلى كرسي الحكم، وإنما يتمثل نجاحه الحقيقي في قدرته على اختيار رجاله ومعاونيه. ومن هؤلاء الرجال الذي اعتمد عليهم صلاح الدين، الفقهاء الذين شغلوا أعلى المناصب في الدولة. فكان منهم الأمير في الجيش. وكاتب الديوان. والقاضي، والمحتسب، والمدرس، والخطيب.

ويرجع اهتمام "صلاح الدين" بالفقهاء إلى أنه أدرك الدور الخطير الذي يمكن أن يقوموا به من حيث قدرتهم على كسب الرأي العام وتحريكه نحو الجهة الصحيحة التي يريدها.

وإدراكاً منه لدور الفقهاء الهام في المجتمع، اهتمّ بهم اهتماماً كبيراً، وأفاض عليهم من نعمه وإحسانه، وأغدق عليهم الهبات والأُعطيات، ومما يدل على ذلك أن العلماء في دولته، كان لهم إقطاعات، ورواتب تقارب الثلاثمائة ألف دينار.

ومن مظاهر اهتمام صلاح الدين بالفقهاء أيضاً، أنه كان كثير الاستشارة لكبارهم، فكان لا يقطع أمراً إلا بعد أخذ رأيهم فيه ويأتي في طليعة كبار العلماء الذين كان يستشيرهم: كاتب ديوانه القاضي الفاضل عبد الرحيم بن علي البيساني (ت:596هـ/1200م). يقول فيه صلاح الدين: "لم أفتح البلاد بسيفي وإنما برأي القاضي الفاضل، ويقول أبو شامة في استشارة صلاح الدين الدائمة للقاضي الفاضل"... وكان لا يأتي أمرا إلا من بابه.


قمع المبتدعين والفلاسفة:

ومع كل هذا الاهتمام والتقدير للفقهاء، إلا أنه كان لا يُمكّن أحداً من إظهار ما يخالف مذهب أهل السنّة ولاسيما في أمور العقيدة ويصفه أبو شامة بأنه (كان مبغضاً للفلاسفة والمعطلة والدهرية ومن يعاند الشريعة).

وخير دليل على تحجيمه للفلسفة والمنتسبين إليها، وأنه كان يؤدّب أصحاب البدع وأهل الزندقة، أنه في عام 587هـ/1191م أرسل إلى ابنه الملك الظاهر غازي (ت:613هـ/1207م) حاكم حلب، يأمره بقتل العالم والفيلسوف أبي الفتح يحيى بن حبش السُهرَوَدي (ت:587هـ/1191م) ، وذلك بعد أن أفتى الفقهاء بضرورة التخلص منه، وبإباحة دمه، خوفاً على المسلمين من أن يُفسد عليهم عقيدتهم بآرائه الفلسفية التي تمس الذات الإلهية، ومنعاً لحصول الفتن.



رحم الله صلاح الدين الأيوبي" رحمة واسعة..لقد رسم الطريق لمن يأتي بعده.. 
كيف حافظ على مذهب أهل السنة والجماعة بطرقة سلمية معتمداً على تغيير الأفكار فجفف منابع الفكر الشيعي وأحل محله مذهب أهل السنة والجماعة ، وكيف وحد بذلك الناس وجمعهم على هدف طرد الصليبيين من بلاد المسلمين، فهل وعينا الدرس؟

أهم المراجع:
- جهود صلاح الدين الأيوبي في إحياء المذهب السنّي في مصر والشام (564هـ ـ 589هـ/1169م ـ 1172م)
للباحث/ محمد الرحيّل غرايبة
- مجلة مؤتة للبحوث والدراسات   (السلسلة أ: العلوم الإنسانية والاجتماعية) مجلد 10 ، عدد 3 ، 1995م .
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق