الأربعاء، 30 سبتمبر 2015

لماذا تقتل يا زيد؟..

لماذا تقتل يا زيد؟..
 قصة حقيقية للمقاومة العراقية


- الكتاب: لماذا تقتل يا زيد؟
- المؤلف: يورغن تودنهوفر
- الصفحات: 336
- الناشر: دار نشر بيرتلسمان، ميونيخ
- الطبعة: الأولى/2008
- الطبعة العربية صدرت في 25/5/2009 عن مؤسسة النشر المصرية (الدار المصرية اللبنانية)
هذا الكتاب هو الأكثر جرأة وموضعية وحيادا مما نشر فى السنين الأخيرة حول علاقة الغرب بالعالم الإسلامى , وهذا يفسر انتشاره الواسع وبقاءه على قائمة الكتب الأكثر مبيعا فى ألمانيا , عند صدوره فى مارس 2008 مما دفع أغلب المحطات التيلفزيونية إلى دعوة المؤلف للحديث معه عما أورده فى كتابه من وقائع وأحداث وفرضيات تتعلق بهذه العلاقة وكيف توصل إليها من قلب الأحداث ..
لماذا تقتل يا زيد ؟ كتاب يتسم بسياق اجتماعى إنسانى ثرى, تتمركز أحداثه حول " زيد" باعتباره الشخصية الرئيسية للأحداث..
ذلك الفتى العربى الوسيم الخجول المقاوم, نموذج للصمود العراقى والإيمان بحتمية حقه فى أرضه ووطنه وسيادته .. فدائى من بين آلاف غيره, آلوا على أنفسهم رفض ممارسات الغرب ضد بلادهم .. يحكى تلك القصة الحقيقة لهذه المقاومة الباسلة بلا رتوش أو أقنعة.

نبذة عن المؤلف:يورجين تودينهوفر 1940 
ولد في الثاني عشر من نوفمبر العام 1940 في أوفمبرج- ألمانيا. درس الحقوق في جامعات ميونيخ وباريس وبون وفرايبرج. وهو سياسي ألماني سابق؛ كان عضوا في البرلمان الألماني من 13 ديسمبر 1972 وحتى 20 ديسمبر 1990 (خمس فترات متتالية).يعتقد تودينهوفر أن إدارة بوش، أثناء الحرب العراقية، قامت بتضليل الشعب. وأن الحرب الأمريكية على العراق أزهقت مئات الآلاف من المواطنين العراقيين. ولقد قام تودينهوفر بزيارة العراق لأكثر من مرة، وأجرى مجموعة من البحوث لأجل كتابه "لماذا تقتل يا زيد؟"
لقاء مع يورجين تودينهوفر

قراءة منقولة
- تبدأ الصفحة الأولى من الكتاب بتمهيد من الناشر لتعريف القاريء العربي بمضمون الكتاب، يقول التمهيد : 
هذا الكتاب هو الأكثر جرأة وموضوعية وإنصافا مما نشر في السنين الأخيرة حول علاقة الغرب بالعالم الإسلامي.
وهذا يفسر إنتشاره الواسع وبقائه على قائمة الكتب الأكثر مبيعا في المانيا. 
إن رسالة الكاتب تودنهوفر الأساسية التي أراد إيصالها من خلال هذا الكتاب هي أن حروب الغرب الإستعمارية والإستباقية ضد الدول الإسلامية جلبت الدمار للإنسانية وعرقلت الإندماج الثقافي والحضاري بين الغرب والشرق وأعطت المبرر لظهور العنف والإرهاب في البلدان التي تتعرض لعدوان الغرب، وأن على الغرب أن يحترم ثقافة الشعوب الإسلامية وأن يتخلص من نزعة التفوق العنصري وينبذ الحرب ووسائل قسر الشعوب الأخرى كالعقوبات الإقتصادية والهيمنة الثقافية، وأن يحترم حق الشعوب في تقرير المصير ويبدأ بحوار وتفاعل جدي مع العالم الإسلامي لخلق عالم مبني على قيم العدل والمساواة. 
ولكي يعطي تودنهوفر المصداقية لطروحاته إبتدأ بمعالجة القضية الأكثر سخونة في علاقة الغرب بالعالمين العربي والإسلامي وهي الإحتلال الأمريكي للعراق.
ولم يستند في معالجة هذه القضية الى ما ينشره الإعلام الغربي عن الوضع في العراق المحتل، بل ذهب الى معاقل المقاومة في العراق ورأى الحقيقة بأم عينيه.
فقد سافرالى مدينة الرمادي في غربي العراق بدون علم القوات الأمريكية أو مخبريها، وهناك قضى خمسة ايام مع المقاومين وتحاور معهم، ووثّق حقيقة أن هناك مقاومة عراقية للإحتلال، وأن هذه المقاومة لا علاقة لها بالإرهاب، بل هي تحارب الإرهاب وتحرّم إستهداف المدنيين، وأن المقاومين العراقيين هم من كل مكونات شعب العراق: مسلمين ومسيحيين، عربا وكردا، سنة وشيعة، وأن المرأة العراقية تلعب دورا فاعلا في المقاومة، وأن هذه المقاومة تعمل وفق برنامج عسكري وسياسي محدد لتحقيق أهداف وطنية يأتي في مقدمتها إيقاع الهزيمة المطلقة بالمحتل وتحرير العراق وإقامة حكومة وطنية عراقية ديمقراطية تحفظ وحدة العراق أرضا وشعبا وتحفظ هويته العربية والإسلامية.
وقدّم الكاتب تودنهوفر عرضا مفصلا لحالة شاب عراقي إسمه زيد دفعته جرائم أمريكا بحق وطنه وأسرته الى الإنضمام للمقاومة، وجعل قضية زيد عنوانا لكتابه (لماذا تقتل يا زيد؟) 
ليصل بالقاريء في آخر المطاف الى السؤال الحقيقي وهو (لماذا تقتل يا بوش؟). 

ثم إنتقل الكاتب تودنهوفر الى دراسة وتحليل العلاقة التاريخية بين الغرب والعالم الإسلامي، وبالذات خلال القرنين الماضيين، وخَلصَ إلى أن عنف الغرب وليس عنف المسلمين هو مشكلة عصرنا الحالي، فخلال المائتي سنة الأخيرة، لم يقمْ بلد إسلامي بالهجوم على الغرب ولو لمرة واحدة؛ بل إن القوى من أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية كانت دائمًا هى المعتدية، وأكّد أن الغرب لم يكترث يومًا بحقوق الإنسان ولا بالديمقراطية في الشرق الأوسط..
وإنه كان وما زال يحارب من أجل النفط، وتساءل : كيف يمكن للعالم الإسلامي أن يؤمن بقيمنا حول كرامة الإنسان ودولة القانون والديمقراطية، بينما لا يرى منا إلا الاضطهاد والإذلال والاستغلال؟ 

وبشأن ظاهرة الإرهاب يؤكد الكاتب بالوقائع والأرقام بإن سببه الرئيسي هو الطريقة غير الإنسانيةالتي يتعامل بها الغرب مع العالم الإسلامي، بدءا من العنصرية الخفية التي تجعل الساسة الغربيين يعتقدون أن المسلم هو من طبقة أدنى من البشر، مرورا بحروب الغرب الإستعمارية ونهبه ثروات البلدان الإسلامية، ويخلص في النهاية الى القول : لن نتغلب على الإرهاب إلا إذا تعاملنا مع الدول الإسلامية بعدل وإنصاف، مثلما نريد ونحب أن يُعاملنا الآخر تمامًا. 
إن كتاب تودنهوفر هو صرخة ضمير يطلقها مواطن غربي يؤمن بالإنسانية ويدعو فيها ساسة الغرب ومنظّريه الى نبذ أوهام التفوق والعنصرية والإنفتاح والتفاعل الإيجابي مع شعوب العالم. 
لقد جازف الدكتور تودنهوفر بحياته في السفر الى العراق دون علم قوات الإحتلال، وإلتقى بقادة المقاومة العراقية ونقل مواقفهم وعملياتهم القتالية، وهو أمر عجز عنه كثير من الكتاب (القوميون) العرب.
وإستطاع تودنهوفر بهذا الكتاب أن يكسر الحصار الإعلامي في الغرب على المقاومة العراقية، ومطلوب من محبي الحرية وأنصار المقاومة العمل على توزيع هذا الكتاب على أوسع نطاق ممكن، مع التذكير أن ريع الكتاب، أسوة بريع الطبعتين الألمانية والإنجليزية سيذهب الى أهداف إنسانية في مقدمتها معالجة أطفال العراق ضحايا الغزو والإحتلال الأمريكي. 


قراءة وعرض/نبيل شبيب
لا يستهان بقيمة الشهادة التي يطرحها هذا الكتاب مع مرور العام الخامس على احتلال العراق، إذ تصدر عن سياسي وإعلامي وخبير، يحمل شهادة الدكتوراة في القانون الدولي، وكان قد درس في جامعات ميونيخ وبون وباريس، وشغل لزمن طويل موقع الناطق لشؤون التنمية والرقابة على التسلح باسم كتلة الحزب المسيحي الديمقراطي في المجلس النيابي الاتحادي بألمانيا، حيث كان نائبا بين عامي 1972 و1990م.


وقد اشتغل الكاتب في الإعلام عبر دار نشر بوردا الكبرى منذ عام 1987م، وهو يشغل منصب نائب المدير العام فيها حاليا.
يضاف إلى ذلك أن الكاتب د. يورغن تودنهوفر، الذي يُعد من المنصفين الغربيين، لم يكن ككثير من السياسيين الذين يتحدّثون عن بُعد عن قضايا دولية عديدة، فتقتصر رؤاهم على منظور مواقعهم هم وسياسات بلادهم.
فقد كان حريصا على زيارة المناطق التي يكتب عنها، والاحتكاك المباشر بمن يتحدث عنهم، لا سيما ممن يمثلون "الطرف الآخر" بمن فيهم من أساء الإعلام الغربي في عرض صورتهم إساءات كبيرة، وكانت أولى رحلاته إلى أفغانستان عام 1980م أثناء الاحتلال الشيوعي السوفيتي، وزارها كما زار العراق بعد الاحتلال الأميركي.
وكتابه هذا حصيلة زيارة مدينة الرمادي غربي بغداد، ومعايشته للمقاومين فيها بصورة مباشرة، ولقاءاته مع عدد كبير منهم، فهو ينقل بدقة ما دار من أحاديث، وما تولد لديه من قناعات وانطباعات، ويضيف إلى ذلك ما لديه من معلومات وفيرة عن حقيقة الحرب الجارية، ليطرح موقفه القاطع فيها، لا للحروب الأميركية.
كتاب على نحو آخر
فور صدور كتابه الجديد في النصف الأول من مارس/آذار 2008 اتخذ مكانه مباشرة في المرتبة 13 و14 بين أكثر الكتب المبيعة وفق القائمتين الأشهر في ألمانيا، لمجلتي دير شبيغل وشتيرن، ولا يستبعد صعوده إلى مرتبة متقدمة في الأسابيع القادمة، لا سيما بعد أن استضافت الكاتب محطات تلفزيونية عديدة، بما في ذلك المجلة الصباحية المشتركة بين القناتين الأولى والثانية.
عنوان الكتاب "لماذا تقتل يا زيد"؟ وهو عنوان أخذ حيزا بحدود ثلث حجمه (124 من أصل 336 صفحة) وفيه يتناول المقاومة في العراق بصورة مباشرة.
ويبدو الكتاب بمجموعه مختلفا عن سواه حتى من النواحي الشكلية، فهو لا يتناول موضوعا واحدا، بل مواضيع عدة، ولكنها تدور جميعا حول محور واحد، يتلخص في رفض الحروب الأميركية ورفض ما يُطرح لها من تعليلات، مع التأكيد على الواقع المأساوي وعلى الضحايا من وراء تلك الحروب، إضافة إلى رفض كثيرٍ ممّا يقال عن الإسلام والمسلمين في الحملة المرافقة لتلك الحروب.
من البداية يكتسب الكتاب علامته المميّزة عبر مقدمته المطوّلة (زهاء ثلاثين صفحة) وقد وسمها الكاتب بـ"مقدّمة على نحو آخر: بحثا عن الحقيقة".
وهنا يتحدّث عن خلفية المقاومة الحالية عن طريق طرح صورة موجزة للعامل التاريخي العربي والإسلامي، لا سيما ما شهدته الحقبة الاستعمارية الغربية، كما يتحدّث عن رحلاته هو إلى عدد من البلدان، ولا سيما الأخيرة إلى الرمادي في العراق التي يعتبر الكتاب حصيلة لها.
وقد أورد في المقدمة -بأسلوب أقرب إلى الروائي منه إلى التحليلي- عددا من الردود على ما يقال عن الإسلام والمسلمين في الغرب، مستخلصا تعليلها بأنّ الجهل بالإسلام والمسلمين منتشر على نطاق واسع للغاية بين غالبية الغربيين، مقابل انتشار المعرفة بالغرب حتى على المستويات "الشعبية" بين العرب والمسلمين.
"الفتنة بين الشيعة والسنة ليست فتنة محلية، بل الذي أشعل أوارها عمليات استهدفت ذلك مباشرة"
وفي المقدمة أيضا اعتبر الكاتب أنّ رحلته الأهم كانت عبر ترجمة القرآن الكريم، ويلخّص ما وصل إليه بقوله: 
"لم أقرأ كتابا أكثر إثارة وقدرة على استخدام الكلمات مثل العهد القديم (التوراة) ولا كتابا ينشر إحساس المحبة بين أوراقه مثل العهد الجديد (الإنجيل) ولا قرأت كتابا حافلا بروح العدالة في طيّاته مثل القرآن، الذي يخترق بإبداعه البلاغي حتى الحاجز الذي تصنعه الترجمات الضعيفة لنصه العربي".
ويضع الكاتب بذلك عنصر العدالة عنصرا مميزا للنص القرآني، مقابل عنصري الإثارة والمحبة في التوراة والإنجيل كما يراهما.
وتجد هذه العبارة تفسيرا لها في أكثر من ستين صفحة من الفصل الأخير من الكتاب، غير ما ضمّه من ملاحق توثيقية تضيف الكثير إلى القيمة الذاتية للكتاب.
وقد أعطى الفصل الأخير عنوان "الإنجيل والقرآن" فضم استشهادات عديدة، يعبر عن غايته منها بقوله "اخترت مواضع من الإنجيل والقرآن كثيرا ما أسيء استخدامها في الاستشهاد بها، وتتناول قضايا محددة هي العنف والنساء والرقيق، ويظهر لنا فيها كم نحن بحاجة إلى الموضوعية في مناقشاتنا".
وقبل الدخول في صلب موضوع الكتاب وفق عنوانه، نلاحظ أيضا عودة الكاتب في جزء لا بأس به (حوالي خمسين صفحة) إلى ما سبق أن طرحه في كتب سابقة، دارت محاورها حول الحروب الأميركية في المنطقة العربية والإسلامية أيضا، فعنوان أحد الفصول: ما مصير عبدول وتانايا.. وما مصير أسرتي آندي ومروة؟
كلمة عبدول تعني عبد الله أو عبد الرحمن وسواهما مما يبدأ بكلمة عبد بالعربية، وقد اعتاد كثير من الألمان على طرح الاسم على هذا النحو.. وفي هذا الفصل متابعة لِما سبق أن طرحه المؤلف في كتاب له عام 2003 بعنوان (من يبكي على عبدول وتانايا.. ضلالات الحرب الصليبية ضد الإرهاب) مؤكدا أن ما صنعته الحرب الأميركية على أفغانستان، كان قتل ضحايا أبرياء، وزرع بذور مزيد من الإرهاب في وقت واحد.
وفي الفصل نفسه متابعة لما سبق أن طرحه المؤلف في كتاب آخر عام 2005، مركزا فيه على موقع "الضحايا" في حرب لا جدوى منها، وكان الكتاب بعنوان (آندي ومروة.. طفلان وحرب) وكلمة طفلان تعني هنا أنهما دون مستوى الوعي بالحرب وحقيقة أهدافها، وكانا في سنّ النشأة الأولى من الشباب، وهما جندي أميركي شاب قتل في العراق وفتاة عراقية قُطعت قدمها وقُتلت أختها في الحرب نفسها، ولم يجتمعا معا قط، ولكن جمع بينهما كونهما من ضحايا الحرب.
تبرئة المقاومة وإدانة الاحتلال
الفصل المحوري من الكتاب "لماذا تقتل يا زيد"؟ يثبت مشروعية المقاومة العراقية للاحتلال الأميركي، مع تبرئتها من الخلط بينها وبين عمليات إرهابية، إضافة إلى نقد التغييب الإعلامي لحقائق ما يشهده العراق.
وربما أراد الكاتب أن يحدّد المغزى من هذا الفصل إذ وضع في صدارته ترجمة الآية القرآنية {..مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا..} المائدة 32.
واتبع الكاتب في تبرئة المقاومة أسلوبا روائيا يجعل كتابه مؤثرا على العامة من القراء، الذين تقتصر معرفتهم على ما تطرحه وسائل الإعلام، فهو يطرح عليهم روايات عديدة من مشاهداته المباشرة ومن أحاديثه المباشرة مع شباب المقاومة ومع من يدعمها من السكان، وهي من التفصيل والموضوعية مع إضافة شيء من الشرح والتعليل عند الحاجة، بحيث تجعل من العسير على من يقرأ الكتاب ألاّ يقتنع بما أراد الكاتب تثبيته.
وهذا هو ما يسري على ما كان يطرحه في اللقاءات التلفزيونية ويجد تصفيقا حادّا وتأييدا واضحا من جمهور الحضور.
الخوف الذي صنعته الاعتداءات والممارسات الأميركية مطروح من خلال مواقف عديدة، أحدها على لسان الشاب المقاوم زيد، عندما رفض في البداية أن يتحدث بالتفصيل عن قصته وسبب انخراطه في المقاومة "لماذا تقتل يا زيد"؟
فأجاب قبل أن تتوطّد أسباب الثقة بينه وبين "الزائر الصحفي الألماني" بقوله: "لن أخبرك بشيء، أم تريدني أن أذهب بنفسي إلى غوانتانامو وأبعث بأسرتي إلى أبو غريب"؟
"العمليات الإرهابية التي تستهدف المدنيين لا تزيد على 5% من أصل مائة عملية يوميا، ولكن وسائل الإعلام تنشر الكثير عن تلك الـ5% وتتجاهل سواها، كما أن 95% من ضحايا أكثر من مائة غارة أميركية يوميا مدنيون، ولا يتكلم الإعلام إلا عن الـ5% التي تصيب المقاتلين"
تجنب إصابة المدنيين أمر يطرحه الكاتب في مواقف عديدة أخرى، من بينها ما يرويه أبو زيد عن ابنه، عندما زرع عبوة ناسفة، وانتظر ساعتين حتى وصلت مصفحة أميركية إلى مقربة منها، ولكن في اللحظة نفسها اقترب مدني عراقي مسنّ، فامتنع عن تفجير العبوة الناسفة، وأتى رفاقه وهو شديد الحزن والألم، فاحتضنوه وأيدوا قراره كأمر مفروغ منه.
سبب الانخراط في المقاومة العراقية بعد رفض استخدام العنف دام سنتين بعد دخول الاحتلال، يتحدّث عنه زيد، بأسلوب بسيط مؤثر، وهو يروي مشاعره أمام رؤية المروحيات الأميركية تهدم المساجد على من فيها في بغداد والرمادي، ثم عندما سقط أخواه وعمه ضحية لغارة أميركية عشوائية، فلم يعد زيد يمارس عملا من أعمال المقاومة، إلا وأجساد الضحايا وحطام المساجد أمام عينيه المليئتين بالدموع.
كما يطرح الكاتب عبر أحاديث مماثلة، قضايا أخرى، يكملها بسرد وقائع من مجرى الحرب، مثل رفضه الاقتناع بأن الحدود السورية "تسهّل" تسلل عناصر مسلحة أو أسلحة، وكان قد دخل بنفسه عبر الحدود قادما من دمشق إلى الرمادي.
وكذلك رفض القول إن الفتنة بين الشيعة والسنة فتنة محلية، بل الذي أشعل أوارها عمليات استهدفت ذلك مباشرة، ولم تكن من صنع المقاومة العراقية التي يميز بينها وبين عمليات إرهابية تستهدف المدنيين في الأسواق والشوارع والمساجد وفي المناسبات الدينية وغيرها، فجميع ذلك لا يعدو أن يكون 5% من أصل معدل وسطي لعمليات المقاومة في حدود مائة عملية يوميا.
ولكن وسائل الإعلام تنشر الكثير عن تلك الخمسة في المائة، وتتجاهل سواها، وهو ما يمثل المقاومة المشروعة الحقيقية للشعب ضد الاحتلال.
ويقابل ذلك كما يؤكد الكاتب أن القوات الأميركية ترتكب يوميا أكثر من مائة غارة وعملية مداهمة وغيرها، ويسقط المدنيون ضحايا لأكثر من 95%، ولا تصيب أحدا من المسلحين "المقاومين أو الإرهابيين" إلا في حدود أقل من 5%، فيركز عليها الإعلام ولا ينقل ما يكفي عن حقيقة الضحايا من المدنيين.
وعندما يسأل الكاتب المقاوم العراقي أبا باسم عن مستقبل وجود "القاعدة" في العراق إذا ما انسحب الأميركيون، يأتي الجواب واضحا وقاطعا: "لقد جاءت الفوضى مع الأميركيين وسترحل برحيلهم، إن الانسحاب السريع قد يسيء لأميركا ولكن ليس للعراق".
ومن المقولات التي ينقضها الكاتب ما ينتشر في الإعلام عن استهداف المسيحيين في العراق، فيأتي ذلك على لسان الشاب المقاوم يوسف الذي تحدث عنه وعن المقاومة التي يمارسها طويلا، ثم كانت عبارات يوسف واضحة الدلالة وهو يقول: "قل لأناسك في ألمانيا، ليس المسلمون وحدهم الذي يمارسون في العراق المقاومة ضد الولايات المتحدة الأميركية، بل المسيحيون أيضا.
فنحن نريد الحرية، نريد التحرر من قوات الاحتلال الغربي، ومن مجموعات الإرهاب الغربي، نحن نريد ذلك أيضا، نحن المسيحيين" ويوسف أحد المقاومين المسيحيين العاملين مع المسلمين في المقاومة الشعبية العراقية.
"جميع التعليلات التي أوردها الأميركيون لحرب الاحتلال كانت تعليلات كاذبة منذ البداية، وكل حديث عن إرهاب تواجهه القوات الأميركية حديث معكوس، والقليل من الأنشطة الإرهابية ظهر في العراق بعد أن فتح البطش العسكري الأميركي الباب أمامها"
كتاب شاهد على الجريمة
قد يشوه الاختصار الشديد الانطباع العميق الذي يتركه هذا الفصل على القارئ الألماني، فأسلوب السرد القصصي مع الاستشهادات المفصلة، لا يقبل الاختصار، إنما لا يفسح المجال للحديث عن جميع من تحدّث الكاتب عنهم في الرمادي، وجسدهم تجسيدا حيا ومؤثرا في الكتاب، وكان منهم كثيرون غير من ذُكرت أسماؤهم.
ويختلط الحديث عن مواقف المقاومين بحديث الكاتب وحديثهم عن حياتهم اليومية الحافلة بالمشاهد الإنسانية التي تقربهم من القارئ وتعطيهم "القيمة البشرية الطبيعية" لدى من لم يعرف "أهل العراق" و"المقاومين فيها" سوى في صيغة خبر يتحدّث عن جرائم من يرتكب عمليات القتل، وأرقام تذكر عدد الضحايا أحيانا.
الكتاب شاهد من شواهد عديدة لم تعد تنقطع في الكتابات الغربية عموما، وليس في ألمانيا تخصيصا، عن حقيقة أنّ جميع التعليلات التي أوردها الأميركيون لشن حرب الاحتلال كانت تعليلات كاذبة من البداية، وأنّ كل حديث عن إرهاب تواجهه القوات الأميركية حديث معكوس، والقليل من الأنشطة الإرهابية ظهر في العراق بعد أن فتح البطش العسكري الأميركي الباب أمامها، ولم يكن لها وجود من قبل.
ولا يبقى بعد الاطلاع على الكتاب شكّ في أن الاحتلال لن يستقر في العراق، ومدينة الرمادي بالذات شاهد على ذلك، وقد أصبحت بعد تدمير الفلوجة عام 2004 هي المعقل الأول للمقاومة -وليس الوحيد- وشهدت معارك لم تنقطع لأكثر من عامين بين قوات الاحتلال وبين المقاومين فيها، وكانت الحصيلة ما نقلته صحف أميركية نشرت وثائق لوزارة الدفاع من عام 2006 تؤكد أنه قد "استحالت السيطرة على الرمادي".
من يقرأ هذا الكتاب مع بداية العام السادس للاحتلال، ويسمع قول الرئيس الأميركي بوش الابن يقول إن الأهداف الأميركية تتحقق في العراق، لا يملك سوى القول: الأهداف إذن هي اغتيال العراق والإنسان العراقي.
الجدير بالذكر أن للكتاب موقعا على الشبكة العنكبوتية مخصصا له باللغات الألمانية والإنجليزية والعربية، ويقول المشرفون عليه ساعة كتابة هذه السطور، إن القسم العربي لم يكتمل بعد.

- الطبعة العربية صدرت في 25/5/2009 عن مؤسسة النشر المصرية (الدار المصرية اللبنانية)

قراءة / محمد نبيل

يعد كتاب "لماذا تقتل يا زيد؟" لمؤلفه الخبير والإعلامي الألماني، "يورجن تودينهوفر"، مقدمة ضرورية لفهم أحداث و حقائق الاحتلال الأمريكي للعراق، و الذي يدخل عامه السادس. فالمؤلف يثير العديد من القضايا الهامة التي تلامس حقيقة وجهة النظر الأمريكية عن الاحتلال، و دور القوات الأمريكية في حجب واقع العراق اليومي، الذي يكتوي بناره المواطن العراقي .

كتاب "يورجن تودينهوفر"، هو حصيلة زيارته لمدينة الرمادي، غربي بغداد، ومعايشته للمقاومين فيها ولقاءاته الحية معهم. كما يعد فرصة للتعرف عما نقله الكاتب من أحاديث، و معلومات مهمة عن حقيقة الحرب الجارية في المنطقة، لكن من وجهة نظر مغايرة لتلك التي تعبر عنها سلطات واشنطن. وتقول المصادر الألمانية، إن الترجمة العربية للكتاب هي في طور الإنجاز. ترى من هو "يورجن تودينهوفر"؟ وما هي مضامين كتابه عن معاناة العراقيين الحقيقية في ظل الاحتلال الأمريكي؟

"يورجن تودينهوفر" (67 عاما) ، يعمل مديرا تنفيذيا لمجموعة إعلامية أوروبية لأكثر من عشرين عاما. وكان قبل ذلك عضوا في البرلمان الألماني، لثمانية عشر عاما، ومتحدثا رسميا لشئون التنمية والحد من التسليح للإتحاد الديمقراطي المسيحي والإتحاد الاجتماعي المسيحي. كما قام بتأليف كتابين عن الحروب في أفغانستان والعراق، وصلا إلى قائمة أفضل المبيعات. وقد أقام من عائدات الكتابين مأوى للأطفال في أفغانستان، كما يقوم ببناء عيادة للأطفال في الكونغو. وسوف يقوم "يورجن تودينهوفر" من عائدات كتاب "لماذا تقتل يا زيد؟" بتمويل العديد من المشاريع كتقديم مساعدات طبية لأطفال اللاجئين العراقيين من خلال المنظمة الدولية للهجرة.

الخفي في الحرب على العراق

مؤلف "لماذا تقتل يا زيد؟" يبدأ بـ"مقدّمة يعنونها ب"بحثا عن الحقيقة"، و كأنه يريد منذ البداية، أن يطرح أمامنا حقائق لا تراها العين، بسبب هيمنة القراءة الأمريكية للحرب في العراق. ويتحدث المؤلف في فصول كتابه، عن خلفية المقاومة الحالية من خلال صورة موجزة للعامل التاريخي العربي والإسلامي، لا سيما تداعيات وتأثير الاستعمار الغربي للعديد من البلدان العربية . كما يتحدّث عن رحلات الكاتب إلى عدد من البلدان، وخصوصا العراق التي يعتبر الكتاب حصيلة لها. وفي هذا السياق، علق المؤلف للصحافة الألمانية، عن حقيقة الوضع في العراق قائلا : "نحن لا نشاهد الحرب الحقيقية، حيث تقوم القوات الأمريكية في كلِّ يوم بنحو مائة عملية عسكرية ضدّ الشعب العراقي - من هجمات بالقنابل وحملات مداهمة وتبادل لإطلاق النار. نحن لا نشاهد هذه العمليات، لأنَّ وزارة الدفاع الأمريكية ستكون مضطرة لو خرجت هذه العمليات إلى شاشات التلفزة إلى الاعتراف، بأنَّها ما تزال تخوض حربًا ضدّ الشعب العراقي."

و بأسلوب فيه تسلسل حكائي ممتع، يستخلص "تودينهوفر" ، بأنّ الجهل بالإسلام والمسلمين منتشر على نطاق واسع للغاية بين غالبية الغربيين، مقابل انتشار المعرفة بالغرب حتى على المستويات "الشعبية" بين العرب والمسلمين. وفي مقابل ذلك، يرى في تحليله للوضع الدولي الراهن، أنَّ سياسة الحرب على الإرهاب التي يتَّبعها الغرب سياسة فاشلة، لأن جل السياسيين الغربيين لم يتعاملوا بجدية مع ظاهرة الإرهاب، والسب في ذلك يعود حسب "تودنهوفر"، إلى أن "معظم السياسيين الغربيين يجهلون العالم الإسلامي، كما أنَّهم لم يقضوا على الإطلاق بضعة أيام لدى أسرة مسلمة، وهم لا يدركون أنَّ هذا العنف الذي يرتد إلينا حاليًا في شكل إرهاب هو في الواقع نتاج ممارساتنا العنيفة".

العراق تحت نار الواقع المر

الكتاب يضم كذلك استشهادات عديدة، من الإنجيل والقرآن، ويتناول بين طياته قضايا عدة كالعنف والنساء والرقيق. أما الفصل المحوري من الكتاب، فيؤكد على مشروعية المقاومة العراقية للاحتلال الأميركي، مع تبرئتها من الخلط بينها وبين عمليات إرهابية، إضافة إلى نقد التغييب الإعلامي لحقائق ما يشهده العراق. فالخوف الذي صنعته الاعتداءات والممارسات الأميركية مطروح من خلال مواقف عديدة، أحدها على لسان الشاب المقاوم زيد، عندما رفض في البداية أن يتحدث بالتفصيل عن قصته وسبب انخراطه في المقاومة .

وحسب المهتمين الألمان بالصراع في الشرق الأوسط، الكتاب هو شهادة حية على حقيقة جميع التعليلات والذرائع التي صرح بها الأميركيون، لشن حرب الاحتلال والتي كانت في حقيقة الأمر، كاذبة من البداية، وأنّ كل كلام عن إرهاب تواجهه القوات الأميركية، هو كلام معكوس، والقليل من الأنشطة الإرهابية ظهرت فجأة في العراق ولم يكن لها أي وجود قبل دخول البطش العسكري الأميركي إلى العراق.

أما عن أجواء الانتخابات و دور الحكومة العراقية في زرع بذور الأمل في الواقع العراقي، " تودنهوفر" له رأي مخالف و تحليل مغاير. فهو يقول في حوار أجرته معه جريدة "تاتس" الصادرة في برلين، "إن حقيقة الأمر هو أن العراقيين خلال السنوات الأخيرة وتحت حماية ضخمة من الشرطة، يقومون بإلقاء ورقة الانتخاب في مكان يُسمى صندوق الاقتراع، ويسمح لهم بالانتخاب من قائمة لأسماء لا يعرفون عنها شيئاً، إضافة لذلك فإنهم لا يفيدونهم في شيء ".

ويواكب واقع التجاهل و الجهل في عراق اليوم، ماساة أخرى تتعلق بفقر كبير تشهده العديد من المجالات الحيوية. فمؤلف " تودنهوفر" يعري عن حقيقة "توفر أدوية أقل اليوم مما كان عليه قبل الحرب التي شنتها الولايات المتحدة و المنافية للقانون الدولي، وكذلك القليل من المياه النظيفة الصالحة للشرب، و المواد الغذائية ذو المواصفات الصحية، و لم يستتب الأمن في معظم مناطق العراق" . ويضيف " تودنهوفر"، مقدما مثالا حيا عن واقع البؤس العراقي : "إن الأب الذي يفقد أطفاله جراء القصف بالقنابل الأمريكية لن يقول: "شكراً، لأجل هذا ينبغي علي الانتخاب".

ويأتي مؤلف " تودنهوفر"، في سياق فضح و تعرية ما يقع على ارض الميدان. ففصول الكتاب تشير إلى أن المقاومة العراقية تنفذ في كلِّ يوم نحو مائة عملية عسكرية ضدّ قوات الاحتلال. ويقول الكاتب ، "نحن لا نشاهد هذه العمليات أيضًا، وإلا فلا مناص أمام الإدارة الأمريكية سوى الاعتراف بوجود مقاومة عسكرية قوية ضدّ وجودها في العراق، هذه المقاومة التي تلقى دعما قويا من قبل غالبية الشعب العراقي.

وعين " تودنهوفر" اللاقطة لكل ما هو جزئي و كبير في واقع العراق، تتحدث عن معطيات لا تنقلها وسائل الإعلام الغربية . "فكل يوم تنفذ ما بين عمليتين إلى ثلاث عمليات انتحارية إجرامية، يقوم بها إرهابيو تنظيم القاعدة الأجانب المتبقين في العراق، والذين يبلغ عددهم أقل من ألف إرهابي. لكن على الرغم من أنَّ تنظيم القاعدة لم يعد تقريبًا يلعب أي دور عسكري في العراق، إلاَّ أنَّنا نشاهده في كلِّ يوم تقريبًا، لأنَّ الإدارة الأمريكية بحاجة له لكي تدّعي أنَّها تخوض في العراق حربًا ضدّ هذا التنظيم". لكن مصالح واشنطن تظل متعلقة بشكل أساسي بالذهب الأسود. وفي هذا الصدد قال "تودنهوفر " للصحافيين، " في الحقيقة لا تزال الولايات المتحدة الأمريكية تحارب مثل ذي قبل من أجل النفط، في حين تعتبر القاعدة مجرّد ذريعة "مفيدة".

الكاتب يدعو وبصراحة إلى ضرورة مغادرة القوات العسكرية الغربية العراق وأفغانستان وكذلك الصومال، لأنَّ "الحرب على الإرهاب لن تحسم عسكريًا، بل في قلوب المليار وربع المليار مسلم". "تودنهوفر " لا يتردد في التصريح للصحافة و ووسائل الإعلام في ألمانيا، "بأنه يجب علينا أن نتعامل مع العالم الإسلامي مثلما نريد أن يتعامل معنا الآخرون - باحترام وعدالة ونزاهة. وعندما نتعامل مع العالم الإسلامي كتعاملنا مع إسرائيل بكل سخاء ورحابة صدر، فعندئذ لن يكون في المستقبل إرهاب يتقنّع بقناع إسلامي".

كتاب "تودنهوفر" هو كذلك توطئة مهمة لتوضيح أبعاد رؤية الغرب للآخر العربي و المسلم، لكن أية رؤية في نظر المؤلف؟.
 " إنها نوع من العنصرية الخفية، تتمثل في عقدة التفوق التي لا يقر بها الغرب، فيعتقد كثير من الغربيين في دواخلهم، إن حياة الإنسان الأوروبي أكثر قيمة من حياة أي مسلم. وهذا التفكير ليس غير أخلاقي فقط، ولكنه تفكير أحمق أيضا".










ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق