الاثنين، 11 يناير 2016

برلمان توسيع الفتحات


برلمان توسيع الفتحات
وائل قنديل

في التاسع من يناير/كانون الثاني 1961، كانت مصر تحتفل ببناء سدها العالي على النيل، وفي اليوم نفسه من العام الحالي 2016 كانت مصر السيسية تتسول من إثيوبيا قليلاً من التوسعة في فتحات سد النهضة.

مصر المنبطحة، المنكفئة، الراقدة في الحضيض، لا يمكن أن تنظر إلى الأعلى، لأنها مشغولة بالتقاط ما يتساقط تحت الأقدام. لذا، لم تتذكّر عيد بناء السد العالي، وانصرفت إلى الاحتفال بافتتاح مسخرة المساخر، أو برلمانها المنتمي بالكلية لمعسكر العداء لتاريخها ومستقبلها.

مصر السيسي هي مصر مبارك، دولة لاهية، عابثة، أجندتها الوحيدة إرضاء إسرائيل، سبيلاً وحيداً لاستمرار النظام الحاكم، فطبيعي أن تضع أسوأ ما فيها في الواجهة، وتقتل كل ما هو حقيقي وجاد فيها.

لو كنا في ظروف طبيعية، ولو كان في مصر برلمان للشعب، وليس للثورة المضادة لأحلام الشعب، لكان ملف سد النهضة مطروحاً، قضية أولى على جدول الأعمال، غير أن الزمن لم يضن علينا بمجموعة من الفاشلين، حولوا مصر إلى سيرك مفتوح، يتنافس فيه المهرّجون على انتزاع أكبر قدر من الضحك المر.

في مثل هذا الوقت من عام 2011، كانت مصر مبارك أيضاً تعيش ملهاة برلمانية كالتي نعيشها الآن. لذا، لم تتذكّر سدها العالي، يوم عيده الذي صادف الإعلان رسميا عن تقسيم السودان، بانفصال جنوبه، كتبت وقتها أن مصر المصابة بالزهايمر لم تسعفها ذاكرتها المفقودة بشكل مؤقت، لكي تتذكر 9 يناير.. أقامت دورة كروية لدول حوض النيل في يناير، لكنها لا تذكر أنه شهر السد العالي.
التاسع من يناير هو عيد بناء سد مصر العالي، وهو أيضاً اليوم الذي بدأ فيه الاستفتاء على تمزيق أواصر السودان، أو عمق مصر         الاستراتيجي في الجنوب.. وإعلان إقامة دولة جديدة اقترحوا لها اسم "جمهورية النيل".

هل هي المصادفة وراء اختيار 9 يناير يوماً للاستفتاء على انفصال جنوب السودان عن شماله؟


وأزعم أن اختيار 9 يناير ليس من قبيل المصادفات، فهؤلاء الرعاة غير الصالحين لاستفتاء الانفصال بارعون للغاية في التقاط المسميات والتواريخ.

قبل ستة وخمسين عاماً، كانت مصر تطلق الرصاصة الأولى في معركتها ضد الغرق، وضد العطش، إذ بدأت ملحمة بناء السد في مشهد وطني مهيب، رغم أنف الولايات المتحدة، ورغم أنف البنك الدولي الذي رفض التمويل.

كان بناء السد الحلم الذي تأجل أكثر من ألف عام، قد حلم به عالم الرياضيات العربي الأشهر، الحسن بن الهيثم، منذ كان في بغداد في القرن العاشر الميلادي، فقد روى عنه، في ذلك الوقت، أنه قال: "لو كنت بمصر لعملت بنيلها عملاً يحصل النفع في كل حالة من حالاته من زيادة ونقصان". 
وجاء ابن الهيثم إلى مصر أيام الفاطميين، وبدأ تحقيق حلمه، غير أنه توقف، حتى جاء جمال عبد الناصر وفعلها.

الآن، لا أحد يتذكّر في مصر، سقط عيد بناء السد سهواً من الذاكرة المعبأة بملفات أكثر إثارة، ونسي الكل أن هذا البلد توحد يوماً خلف مشروع واحد، وهذا الشعب تشابكت أياديه، وامتزجت حبات عرق المواطن المسلم، وشقيقه المسيحي، في أثناء تفجير جبل الجرانيت لحفر مجرى السد.

لكن هذا البلد الآن مشغول بما هو أتفه، ومخطوفٌ إلى ما هو أكثر ظلاماً وعبثية، وطبيعي والوضع كذلك ألا يتوقف أحد أمام عبقرية بناء السد العالي، ليس فقط كمشروع جبار اختير على رأس قائمة المائة مشروع الأكثر عظمة في القرن العشرين، بل أيضا كمشروع للمواطنة الحقيقية، مثل حرب أكتوبر، حين حضرت الوطنية المصرية ساطعة، وغابت الطائفية، ولم يسأل أحد:
السد العالي مسلم أم مسيحي؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق