السبت، 30 نوفمبر 2024

غزة ستحارب وحدها كما بدأت

 



غزة ستحارب وحدها كما بدأت

نور الدين العلوي

تم إبرام الاتفاق وخرج حزب الله من المعركة وبقيت غزة على جبهتها بعقل النصر أو الشهادة. هذه هي الحقيقة الماثلة صباح الأربعاء، السابع والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر 2024. ربما كان هذا منطلقها ووعيها بمعركتها منذ البداية، وما الجبهة الشمالية إلا نجدة لم تصل.

هل هي مناورة مؤقتة أم سلام دائم بين لبنان والكيان؟ لا يمكن لعاقل ألا يتمنى السلم للبنان، فقد دفع أثمانه منذ زمن، لكن لدينا علامة لا يمكن إغفالها مهما أغرقنا في التحليلات. سينقض العدو الاتفاق في وقت قريب وستخونه طبيعته العدوانية، لكن هل سيبقى من حزب الله رجال وسلاح لاستئناف معركة؟ لن نخوض في ما لا نعلم من الغيب، ولن نذهب في اتجاه التخوين واللغو الطائفي، كمثل السؤال الذي تبادر إلى الأذهان أول سماع قول نعيم قاسم بفصل الجبهات. يجدر بالعاقل أن يتأنى.

هناك حقيقة بارزة عندما رغب الغرب في فرض تهدئة على جبهة حرب أفلح في فرضها على العدو نفسه، والجانب الخفي في هذا، هو أنه لا يرغب في فرض حل في غزة، بل يستطيب تدميرها بما يكشف الوجه الحقيقي لمعركة الطوفان. الذي نغفله أحيانا، أنها معركة ضد صانعي الكيان قبل أن تكون ضد الأداة الصهيونية.

طرد أفكار المزايدة

أكتب من مكان بعيد جدّا عن جنوب لبنان ومن بيت لم تهدمه الطائرات، لذلك فإني أرى للمواطن اللبناني حقّا في العودة إلى خرابته وترميمها لإخفاء رأسه من برد الخيام في شتاء جبل الشيخ. كما أني لا أشعر ببندقية في ظهري ولا أقدر معنى الخيانة وحجمها إذا جاءت من شريك الوطن، ولو كنت مخوِّنا، لنظرتُ إلى عباس في المقاطعة وهو صاحب المعركة الذي خان فعلا.

لكن رغم ذلك، فإن الاحتمالات الكامنة في هذا الاتفاق ستفتح على أسئلة كبيرة لن يجاب عليها بسرعة؛ مستقبل حزب الله في لبنان والمنطقة.

لقد كان الحزب منذ ظهوره وتكفله بالمقاومة عنصرا ثابتا وفاعلا مركزيا يدير الأحداث وتدور حوله، لكن ماذا سيفعل وقد حيل بينه وبين جبهته، ووضع البلد برمته تحت رقابة السفارة الأمريكية، التي صابحت بالحديث عن مراقبة احتمال تسلل عناصر الحزب إلى داخل الجيش؟

ونقول بيقين من خبر الأمريكي؛ إن قائمة ضباط الجيش ومنتسبيه فوق طاولة المخابرات في السفارة، بحيث لا يمكن تمويه وجود عنصر في فرقة في منطقة. ستبدأ عملية مطاردة الساحرات ولا جدوى من حديث سيادة لبنان، الاتفاق ضحى بسيادة الدولة قبل أن يحصي عناصر الحزب ويحدد مواقعهم. الجيش (علامة السيادة) ستديره السفارة، ويبدو أن دولة المفاوض اللبناني غير مشغول بأكثر من دولته الخاصة.

هل سينجح الحزب في ترميم ترسانته الخاصة والحفاظ عليها بعيدا عن رقابة الجيش الذي تراقبه السفارة؟ إن الطريقة التي تسلحت بها حماس في غزة تُبقي هذا الباب مفتوحا، لكنه سيكون مفتوحا أيضا أمام كل أعداء الحزب في الداخل، وأصغر وشاية قد تجلب رزقا كثيرا، وقد يجد الحزب نفسه أو بما تبقى له يطارد الوشاة، فيمهد لحرب أهلية.

الاتفاق أخرج الحزب من موقع حامي الدولة من عدو خارجي إلى موقع عدوها الداخل،ي الذي يرفضه الجميع ويحقرون تاريخه.

هل سيتجه إلى عمل سياسي مدني ويخضع للصندوق الانتخابي؟ لكن هل سيبقى له هامش الحديث باسم المقاومة فيترشح في جبهة مقاومة ضد جبهة قد تزايد عليه بشعار لبنان أولا؟ ستقفز إلى المشهد من جديد كل وحوش الطائفية، وسيجد نفسه حزبا لطائفة ليست هي الأوفر عددا في الصندوق، وسيدفّعونه ثمن مغامراته في سوريا التي جلبت على لبنان مليوني نازح سوري. الاتفاق جعل الحزب مشكلا لبنانيا مزمنا.

أما غزة فقد توكلت

نقرأ وثائقهم، فنجد تدبيرهم أنهم كانوا ينوون الشر بغزة، لكن غزة تغدت بهم قبل أن يتعشوا بها. وهذا عنوان توكل عظيم لم ينو فيه الغزاوي الاعتماد على غير قلبه وسلاحه.

صباح الاتفاق وقبل الظهر، دفعت غزة خمسين شهيدا وستواصل الدفع. نرى العدو يعيد التفرغ لغزة وبيده نصر على جبهة أغلقت، يزايد به في الداخل (على جمهوره) وعلى الجوار العربي المرعوب منه أو الذي يتصنع الخوف على غزة، والحقيقة أنه يخاف من غزة ويوكل أمرها للعدو ليتخلص من رعب انتصارها.

تعيد غزة صباح الاتفاق ترتيب أمرها على معركة تخوضها وحدها بعقل النصر أو الشهادة. السؤال عن الثمن نطرحه دوما من قبيل الشفقة لا التثبيط المتفشي في الإعلام المعادي لغزة. الثمن غال وموجع، لكن جواب السؤال سؤال آخر: هل كانت غزة ستنجو من التدمير لو لم تخرج على العدو؟ إن معركة الطوفان مصير حتمي؛ لأنها حرب تحرير لا بد من خوضها. ولأنها كذلك؛ فإنها حلقة من سلسلة الجهاد/ النضال الفلسطيني منذ تأسيس الكيان. وهذه السلسلة متواصلة مهما كانت نتيجة حرب الطوفان، لقد حققت مكاسب لا يمكن الاستهانة بها أبدا.

نرى غزة تفكر وتتصرف بقدر مسؤوليتها في المرحلة، ألا تسقط البندقية، وأن يظل باب المقاومة مفتوحا أبدا. وجب أن نعود إلى السقف الذي حددته غزة ونخفف عنها ثقل أحلامنا الكسولة، التي نرتبها من مكان آمن بعيدا عن القنابل الماحقة للنوع البشري.

لم تطرح غزة تحرير الوطن في هذه المعركة ودخول القدس محررة، لقد طرحت أمرا قدرت عليه بعد، وهي لا تزال في معركتها وتحقق مكاسب، والعدو يخسر أمامها وسيخسر أكثر. وهنا أيضا سنعتمد على حمق العدو وغطرسته، إذ نراه يتجه إلى الضفة ليحولها إلى غزة ثانية، متجاوزا كل وهْم السلطة الفلسطينية، بما يفتح عليه جبهة أكبر وأخطر، إذ يحرر إنسانها من سلطة منعته من حقه في المقاومة. نرى الضفة تتحول قريبا إلى غزة أكبر.

إن تدمير العدو في تدبيره، وقد دبر دوما سببا لبقاء البندقية الفلسطينية مرفوعة في وجهه، وقد قامت غزة بدورها كاملا، ولا نراها إلا تجر العدو إلى المزيد من النزف. نتواضع لغزة كما فعلنا دوما، إن معركة التحرير مستمرة والبندقية الفلسطينية مرفوعة حتى الآن. ستتخلص غزة في الأثناء من المنّ عليها بسند تاجر بها ولم تختلف نتيجة دوره عمن أدان جهادها، لقد تطهرت غزة مرة أخرى من لعبة الشطرنج المنافقة.

معضلات أمام ثوار الشام

 

معضلات أمام ثوار الشام

الجولاني وقسد نقيضان إشكاليان بحاجة إلى حل عاجل ومعالجة دائمة!








في ظل الحضور الأمريكي والاستعلاء الصهيوني القائم في المنطقة لا يمكن للخصوم ترك أمواج الثورة تتصاعد دون عوائق مفتعلة مؤجلة، وهي مفاجآت لن تظهر الا بعد أن يصل الثوار إلى مرحلة اللاعودة، ليواجهوا واقعا جديدا ستفرضه المشاريع الدولية والكيان الصهيوني بامتياز كبير.

أولا الجولاني وهيئة تحرير الشام:

الجولاني والهيئة معضلة من نفس بطن الجسم الثوري السوري، وهي إشكالية تستحق نقاشا داخليا ومبادرة عاجلة، بحيث تخرج هيئة تحرير الشام من لباس حركة دولية إرهابية، وتصبح جزءا من النسيج الثوري الوطني، وذلك بشرط خضوعها لإطار أعلى ومرجعية ضامنة، ضمن تصور يفضي إلى معالجة دائمة في أكثر من جانب بحسب أولوية مسؤولة حكيمة وناضجة.

إن حقيقة الهيمنة الأكبر على الجسم العسكري الثوري في سورية من قبل هيئة تحرير الشام هي حقيقة لا يمكن تجاوزها، لاسيما في ظل استرداد حلب والمد الثوري المتعاظم والمتسارع -وهو الأمر الذي لم يحاول الروس ولا الأمريكان إعاقته حتى الآن وساعد في تحقيقه الأتراك! وذلك لوجود تصور وتفاهم خاص- ولكن الهيئة بلباسها واطارها الحالي تشكل ثغرة يمكن أن تقلب على الثوار الطاولة، كما ستعيق مسار التغيير وتربك مشروع البناء -إذا لم يتم حل الإشكالية-.

من حق السوريين ومن واجب ثوارها الأحرار أن يستغلوا المشهد الدولي المعقد والمرتبك في تفاهماته، ولكن بشرط أن يمتلكوا إرادة سياسية مستقلة، ويبنوا تصورهم الكلي ويحققوا إنجازات مفصلية نوعية مختلفة عن التي تقصد تمريرها المشاريع الدولية، بحيث تضعف إمكانية الردة الدولية القادمة والمتوقعة.

لابد من تصور ثوري جريء يفضي لتفكيك إشكالية الهيئة وشخص الجولاني خلال مرحلة المد الثوري، بشرط أن تكون منسجمة مع عملية البناء الثوري المزمعة، وليأخذ الجولاني حظه الذي يتمناه شرط أن يذعن لإطار ثوري سوري وطني، بحيث نفوت على الخصم التخريب المؤلم والقادم من خلال تلك الثغرة القائمة.

ثانيا قوات سوريا الديموقراطية:

وهي إشكالية ومعضلة من خارج الجسم الثوري، وستبقى سكينا صهيونية أمريكية تطعن في الخاصرة.

إن قسد معضلة حقيقية وستكبر برعاية إسرائيلية واعية ومغرضة، ولكن في ظل وجود النسيج الكردي السوري والذي يشكل جزءا حقيقيا من تاريخ الشام في ماضيه الكريم وحاضره المقهور، فإن أقل ما يمكن عمله هو صناعة فجوة حقيقية بين الشعوب الكردية الكريمة والمسلمة والأصيلة – والتي لا تقل في انتمائها وأصالتها وتضحياتها عن العرب- وبين المكونات الكردية السياسيةوالعسكرية الموالية لإسرائيل والمرتبطة عضويا بأمريكا.

إن التحدي الثوري كبير، وجزؤه الأصعب والأهم ليس في الانتصارات العسكرية التي تأتي في ظروف دولية معقدة ومربكة، بل في حل إشكاليات حقيقية ستشكل لاحقا معضلات تفتت الجسم الثوري وتمزق مجتمعه وحواضنه -لا قدر الله- إذا لم تتم معالجته بشكل ناضج وسليم.

ويمكن القول بكلمة: إن توسع المد الثوري لا يعني نجاحه بشكل مؤكد، بل قد يكون سببا في غرقه وإغراق مكوناته القائمة، إن نجاح الثورة الحقيقي يتجسد في تفكيك إشكالياتها وحل المعضلات أمامها لكي يتحقق تمكينها وتأخذ فرصتها الحقيقية في مشروع البناء كهدف أول وأخير، سيعكس الخير في كل منحى وكل حين.

إن الخيار الثوري الناضج والصحيح لا يتوسع أفقيا دون أن يلتفت ويعالج الثقوب السوداء التي ستفاجئه عندما تبدأ المشاريع الدولية بالتحرك.

اللهم انصر ثوار الشام ولا تجعل لأحد يدا عليهم، واجعلهم بداية نهضة لمصر، التي تغير الدنيا وتسقط إلى غير رجعة مشاريع الظلمة والكفرة والفجار.

حكاية شعب آخر.. يوميات معتقل (1) ماهر البنا

حكاية شعب آخر.. يوميات معتقل (1)




ماهر البنا

اسمي ليس "ماهر البنا"، وليس بإمكاني نشر صورتي مع مقال لا يحمل اسمي، فالوحش الذي مسح اسمي هو نفسه الوحش الذي مسح وجهي، وطمس هويتي، وصادر حريتي، وأفسد وجودي وحياتي..

لذلك أرجو أن تعتبروا غياب الشخص، فرصة جيدة لحضور الموضوع والاهتمام به، بعيدا عن كل الحساسيات التي نتعامل بها مع هوية وأفكار من نقرأ لهم ونحن نعرفهم مسبقا..

أنا مواطن عادي جدا، تربيت على وطنية الراديو والأناشيد المدرسية والصحف اليومية وخطب الرؤساء، أعجبتني قضية الدفاع عن الوطن وقضاياه ضد الأعداء الأوغاد الذين يتربصون ببلادنا ولا يريدون لها الخير، وهؤلاء الأعداء لا أعرفهم ولم أتعامل معهم ولم أرهم في أي وقت، لكنني عرفت أنهم أعداء خبثاء من الإذاعة التي استمتعت فيها لحكايات كثيرة عن التضحية من أجل الوطن، وأعجبتني الأغاني التي تمجد الفدائيين، وكنت أردد بصدق: أموت أعيش.. ما يهمنيش.. كفاية أشوف علم العروبة باقي.. فدائي.. فدائي.. فدائي.

بين يوم وليلة صرت منبوذا ومصنفا كمعارض للسياسة الرسمية للدولة، التي لا زلت أغني في حبها الأغاني الوطنية التي اختفت رويدا من الإذاعة، وحلت محلها أغاني جديدة لا تتحدث عن الأعداء!


استيقظت في اليوم التالي وجدت الإذاعة نفسها تتحدث عن صلح مع الأعداء، فهم لم يعودوا خبثاء، ولا أوغاد، بل أصدقاء وأولاد عمومة، وبيننا مصالح كثيرة مشتركة ستجلب الرخاء والسلام للناس وللبلاد!

مثل آخرين غيري لم أصدق الحديث الجديد المختلف للإذاعة، ربما لأن تربية الإنسان البسيط على مبادئ معينة، تجعله يتعامل معه بوجدان مخلص، ويصدق بطريقة تجعل الأفكار الأولى جزء أصيل من تكوينه الأخلاقي..

بين يوم وليلة صرت منبوذا ومصنفا كمعارض للسياسة الرسمية للدولة، التي لا زلت أغني في حبها الأغاني الوطنية التي اختفت رويدا من الإذاعة، وحلت محلها أغاني جديدة لا تتحدث عن الأعداء!

يوما بعد يوم تحولت (أنا وأمثالي من أصحاب الذاكرة الوطنية القديمة)، إلى "أعداء خبثاء أوغاد" نعمل ضد الوطن الذي يؤينا! وأصابتني صدمة نفسية مربكة عندما اقتادني الأمن ذات ليلة معصوب العينين، وألقوا بي في المعتقل بتهمة العداء والتآمر ضد الوطن!..

أنا وطني وأحب بلادي، لكن..

- انت بتقول لكن؟.. مصيبتك هي لكن.. مصيبتك انك عديم المرونة، ولا تتفاعل بسهولة مع المتغيرات الوطنية والمستجدات الضرورية التي نعلنها للجميع في الإذاعة.

لكن الإذاعة نفسها أخبرتنا قبل ذلك بـ..

- تاني بتقول لكن؟ الكلام القديم حصل فيه متغيرات، والمواطن الصالح لازم يتجاوب ويتفاعل مع المتغيرات كما نخبركم بها في الإذاعة.

والأعداء؟ ودم الشهداء؟ ورمل سينا؟ وفلسطين؟ والفدائيين؟ والعروبة؟ ومفيش مكان للأمريكان بين الديار؟ ومثلث "لا صلح.. لا اعتراف.. لا تفاوض".. مش كل دي حاجات حفظتها لنا الإذاعة الوطنية في نفس الدولة الوطنية.. يبقى مين اللي خان البلد وأهدافها ومبادئها وانقلب على وطنيتها؟

- طالما مصمم تتكلم بهذا الأسلوب فالكلام معاك انتهى.. سكت الكلام.. خدوووه.

سكت الكلام؟!

سكت الكلام عندكم يعني، لا حوار ولا تفاوض ولا اعتراف من جانبكم بي وبأمثالي..!

سكت الكلام عندكم يعني قطع ألسنة، واعتقال بلا تهمة، وتعذيب، ولا مانع من قطع الرقاب إذا استدعى الأمر..!

أعيش في المعتقل، ليس لدينا إذاعة، وليس لدينا مدارس، وليس لدينا رؤساء يلقون الخطابات والتصريحات الكاذبة، لدينا حياة أخرى، لأننا شعب آخر، شعب يعيش ويتعذب ويفكر ويتعامل بطريقة مختلفة عما يحدث خارج الأسوار، نحن شعب منبوذ ومعزول وراء جدران السجون، لأننا لم نقبل بالتعاون والتهاون مع الأعداء

سكت الكلام.. صارت عقابا منكم لنا، بعد أن كانت تهديدا للأعداء: "سكت الكلام، والبندقية اتكلمت"..

اتضحت القضية.. لقد استبدلتم أعداء الأمة، فصار الأعداء القدامى من صهاينة وأمريكان أصدقاءكم، وصرنا نحن الأعداء الجدد..!

من ذلك اليوم وأنا أعيش في المعتقل، ليس لدينا إذاعة، وليس لدينا مدارس، وليس لدينا رؤساء يلقون الخطابات والتصريحات الكاذبة، لدينا حياة أخرى، لأننا شعب آخر، شعب يعيش ويتعذب ويفكر ويتعامل بطريقة مختلفة عما يحدث خارج الأسوار، نحن شعب منبوذ ومعزول وراء جدران السجون، لأننا لم نقبل بالتعاون والتهاون مع الأعداء، وهذه قصة محزنة ومليئة بالتفاصيل الواقعية التي يجب أن تحكى، حتى لا يظل صوت الإذاعة الرسمية وحده هو المسيطر، ووحده هو مصدر الأحكام والمعايير وفرض التحولات باعتبارها مستجدات ضرورية ومتغيرات إيجابية يفرضها التطور والمصلحة العليا للبلاد..

هذه المقالات ستركز على حكايات شعب السجون، على كل أولئك الوطنيين الذين اتهمتهم بالخيانة سلطات خائنة، واتهمهم بالتآمر ضد البلاد من فرط وباع تراب وأمن البلاد..

هذه المقالات ستحكي القصة التي لا ترويها الإذاعة عن شعب تم محو اسمه وصورته لكي يظل طي الظلام والنسيان.

وفي المقال المقبل نبدأ حكاية شعب آخر، كل واحد فيه اسمه "ماهر البنا".

maher21arabi@gmail.com

لغز زجاجة الماء.. يوميات معتقل (2)

جرس إنذار.. الخطر يقترب من الدول الإسلامية كلها

 

جرس إنذار.. الخطر يقترب من الدول الإسلامية كلها

كاتب وصحفي تركي

دعونا نركز على مشاكلنا الخاصة، فلقد ناقشنا بما فيه الكفاية كيف سيكون الوضع في الولايات المتحدة بعد ترامب، وكيف سيؤثر ذلك على العالم. لكن ماذا عن الشرق الأوسط الذي أصبح ملعبًا للقوى الكبرى وساحة اختبار للأسلحة؟

ماذا ستفعل الدول في هذه المنطقة، والدول الإسلامية التي هي جزء منها؟ كيف يمكننا أن نصف الوضع الذي يعيشه العالم الإسلامي؟ شخصيًا، أرى أن الوضع يمكن أن يُوصف بدقة بـ "فترة الانقطاع".

إنه ليس فقط من ناحية السياسة، بل أيضًا من الناحية الفكرية والثقافية ومن حيث الطموحات المستقبلية؛ إنها فترة من الجمود والاضطراب.

تفاقم أزمة الهوية والانتماء

أصبح سؤال "كيف نعرّف أنفسنا" أزمة تتفاقم بازدياد، فالتناقض المستمر بين الحضارة الغربية والتقاليد الشرقية والإسلامية أصبح أكثر وضوحًا في هذه المرحلة. ويُعاد طرح مفاهيم مثل "العالم الإسلامي"، و"الدول الإسلامية"، و"وحدة الإسلام"، و"الأمة" بين المثقفين.

والفكرة التي تدعو إلى جمع الدول التي لا يمكنها أن تتحد أو تتحرك معًا أو تتخذ قرارات مشتركة تحت شعار "وحدة الإسلام" أصبحت تتعرض لانتقادات متزايدة.

إعلان

لكن السؤال حول ما الذي سيحل مكان هذه النظرية لا يزال غامضًا، فاختيارنا لتعريف أنفسنا كـ"مسلمين" لا يحل مشاكلنا بشكل كامل، فهل سنكون دولة قومية؟ وهل سنؤسس أنظمة متعددة الأديان والثقافات؟ وكيف ستكون علاقة الدين بالدولة؟ وكيف يمكننا حل التناقض بين الحياة العلمانية والانتماء الديني؟

هذه هي الأسئلة الكبيرة التي نواجهها اليوم، وبينما نبحث عن إجابات لها، تضاف مشاكل جديدة.

إن مثقفي هذه الأمة، ومفكريها، وأدباءها يعيشون في "فترة الانقطاع"، حيث لا يمكنهم إنتاج أفكار جديدة. ولا تزال الآمال، والأيديولوجيات الجديدة، واليوتوبيا مفقودة، ولا يمكن رؤية أي منها في الأفق.

المأزق الجيوسياسي وعدم اليقين

الاعتقاد بأن الدمار والتغيير الجيوسياسي الذي تشهده فلسطين ولبنان سيقتصر على هذين البلدين فقط هو اعتقاد خاطئ للغاية. فبعض الدول، على الرغم من الأزمات التي تهدد حدودها، تفشل في اتخاذ موقف جيوسياسي أو وضع خطة إستراتيجية.

عندما يتغير مصير فلسطين؛ سيتغير مصير الأردن، ومصر، ولبنان، وسوريا أيضًا. وعندما تتغير مصائر هذه البلدان، ستتأثر منطقة واسعة تمتد من تركيا إلى ليبيا، ومن السعودية إلى إيران، وستدخل في دوامة هائلة من المشاكل والاضطرابات.

إعلان

لا أحد يعرف حتى الآن ما يجب فعله أمام هذه العاصفة، فلا يمكننا وقف الانجراف نحو الدوامة الكبرى من خلال دعوات ضعيفة للأمم المتحدة أو تصريحات غير مجدية مثل: "يجب وقف الحرب"، أو الاكتفاء بإدانة إسرائيل.

إن الدول الإسلامية التي تقول: "لا أريد أن أتورط في الأزمة" وتدفن رؤوسها في الرمال؛ تجد نفسها منجرفة بشدة نحو هذا المأزق الجيوسياسي، لكنها لا تفعل شيئًا سوى مراقبة الأحداث بعجز. قد يكون الوضع الجيوسياسي الحالي هو الأكثر وضوحًا كونه وضعًا يعكس بروز "فترة الانقطاع".

تيار التنمية في ركود

في الوقت الذي نسعى فيه من أجل التكيف مع الثورة الصناعية، تعرضنا لعاصفة الثورة الرقمية. فالتأثير والسرعة اللذان أحدثهما التحول الرقمي بقيادة الولايات المتحدة والصين والهند تفوقا بمقدار عشرة أضعاف الثورة الصناعية.

وجميع المجالات الإستراتيجية، مثل: تدفق الأموال في العالم، وإنتاج المعلومات، ومنصات التواصل، وتخزين البيانات واستخدامها أصبحت في يد عدد قليل من الدول، وأبرزها الولايات المتحدة.

اليوم، لا تستطيع أي دولة إسلامية إنتاج أنظمتها المالية الرقمية، ومنصاتها التواصلية، ورموزها الإستراتيجية الرقمية، أو أنظمة التخزين الخاصة بها. وقد شاهد العالم جميعه النتائج المدمرة لذلك في الحروب في غزة ولبنان. يبدو أن العالم قد فهم أخيرًا أن النظام الاقتصادي الذي يعتمد فقط على الوقود الأحفوري والزراعة وقطاع الخدمات لا يمكن أن يحقق تنمية مستدامة.

إعلان

وفي الصناعات الدفاعية، تمكنت تركيا من تحقيق تقدم كبير، حيث وصلت إلى 80 بالمئة من الاكتفاء الذاتي، بينما لا تزال الدول الأخرى تعتمد على الدول الأجنبية بنسبة 80 بالمئة في الصناعات الدفاعية. وهذا يشكل تهديدًا كبيرًا على أمن هذه الدول ودفاعاتها.

إن الثورة الرقمية تغير بشكل جذري الصناعات الدفاعية، فتخيلوا أن إيلون ماسك يقول إن إنتاج الطائرة الحربية الأكثر تطورًا في العالم، وهي "إف- 35″، هو "حماقة". بينما يتجه العالم نحو عصر تهيمن عليه الطائرات المسيرة، والطائرات الموجهة عن بُعد، وأدوات الحرب السيبرانية، لا يوجد تقريبًا أي دولة إسلامية قادرة على اللحاق بهذا التطور الجنوني.

الأمر المحزن هو أنه في الوقت الذي نناقش فيه هذه القضايا، لا تزال الصراعات الشيعية-السنية في باكستان، والمجاعة في أفريقيا، والفقر المدقع في جنوب آسيا، مستمرة. وهذه هي معظم البلدان التي يعيش فيها السكان المسلمون.

لا حاجة للإسهاب في الحديث أكثر عن كيفية دخولنا في "فترة الانقطاع" في مجال التنمية والتطوير، يبدو أن الوضع واضح بما فيه الكفاية. نتطلع إلى مفكرين نبهاء، وأفكار عملية، وقادة أكْفاء، هناك طرق للخروج من "فترة الانقطاع".

في مثل هذه الأوقات، نحتاج أولًا إلى أفكار قوية، ومن الضروري وجود مفكرين، ومثقفين، وعلماء أقوياء وجريئين قادرين على إنتاج هذه النظريات. هؤلاء المفكرون يجب أن ينتجوا أفكارًا جديدة وصحية وطرقًا للخروج من هذه المرحلة الصعبة التي نمرُّ بها.

إعلان

لكن لتنفيذ هذه الأفكار وتحويلها إلى واقع، نحتاج إلى قيادة قوية. فالأفكار لا معنى لها إذا لم تُترجم إلى أفعال على أرض الواقع؛ حيث إن السياسيين الأقوياء هم وحدهم من يمكنهم فعل ذلك في هذه الجغرافيا التي يتم قتل الفكرة فيها قبل أن تولد حتى.

في هذا السياق، يجب أن أقول إن الخروج من هذه المرحلة وهذا الفتور ليس مستحيلًا ولكنه ليس بالأمر السهل. يجب أن نبدأ من مكان ما، وإلا فإن أطفالنا سينشؤُون في بيئة أكثر صعوبة وتحديًا.

هل انتهت حماس كحركة مقاومة؟

 هل انتهت حماس كحركة مقاومة؟

حلمي الأسمر


هذا سؤال مؤلم جدا، وقليل من يجرؤ على طرحه في هذا الوقت بالذات، حيث لم تزل المقاومة الفلسطينية المسلحة التي تقودها حماس في غزة خصوصا وفلسطين عموما، تجري بوتيرة تكاد تكون مستمرة المستوى منذ نحو أربعة عشر شهرا، وهي فترة زمنية ليست طويلة فقط، بل تكاد تكون حقبة مقتطعة من التاريخ العربي المعاصر، ولا تنتمي لسياقاته المليئة بالانكسارات والهزائم.

بالمفهوم العسكري البحت، وحسب رؤية أكثر من خبير عسكري وازن، حققت حماس انتصارا باهرا على المؤسسة العسكرية الصهيونية، منذ اليوم الأول لطوفان الأقصى، وتعمق هذا الانتصار غير القابل للتأويل بعد صمودها الأسطوري في وجه أكثر الحروب توحشا وقذارة التي شنتها "إسرائيل" فكانت حربا تجردت من كل تقاليد الحروب المعروفة، داست فيها آلة الحرب الصهيونية على كل القيم والقواعد التي تواضع عليها البشر في حروبهم التقليدية، وانتمت إلى ذلك النوع من الحروب الهمجية التي تماثلت في توحشها مع حروب المغول والتتار، وحروب الرجل الأبيض الذي غزا الأمريكيتين وقارة أقيانوسيا بنفس تدميري إبادي، ارتكز على محو كل أثر لأهل البلاد الأصليين، وعبر القتل الممنهج، القائم على دفن كل متعلقات هذه الشعوب وعقائدهم واقتصادهم وحياتهم الاجتماعية، والسيطرة بشكل كامل وشامل على أرضهم، وإخراجهم من دائرة الوجود ودفنهم فيزيائيا في العدم!

المقاومة اليوم لم تنته، ولم تزل تسجل وبشكل يومي عمليات فدائية مؤلمة في صفوف العدو، ويعبر هذا العدو المتوحش عن مشاعره المؤلمة تلك، بارتكاب جرائم غير مسبوقة تجاه كل ما هو على أرض غزة، وبدأ فعليا مد هذا الأسلوب المتوحش إلى باقي الأرض الفلسطينية المحتلة.

حتى الآن، نقول بألم ممض، رغم أن "إسرائيل" خسرت سياسيا وعسكريا، إلا أنها نجحت في إيقاع ضرر يصعب إصلاحه بالشعب الفلسطيني ومقاومته، وفي حين سجلت حماس كمقاومة نصرا عسكريا تاريخيا هو في المعيار المطلق بمثابة "عاهة مستديمة" في وجه "إسرائيل" لا يمكن محوه، ومع ذلك هناك مخطط إسرائيلي وعربي ودولي لحرمان حماس تحديدا والشعب الفلسطيني عموما من قطف ثمار هذا النصر، وتحويله إلى منجز على الأرض، لأسباب كثيرة جدا، لعل أهمها أن هناك اتفاقا دوليا شاملا على جعل المقاومة كفعل تحرري سببا للعقاب والتجريم، بمعنى آخر، يجب أن يستقر في العقل الجمعي العربي قناعة تقول أن طريق مقاومة الاحتلال والهيمنة الأجنبية، ومن يسير في فلكها من أنظمة، مصيره سيكون الإبادة والسحق والمحق، لا قطف الثمار والتمتع بنتائج الانتصار مهما كن عظيما.

كان واضحا منذ البداية أن طوفان الأقصى كما خططت له حماس، يقوم على تسجيل نصر سريع وحاسم وساحق على المنظومة العسكرية الصهيونية، سيتبعه عدوان صهيوني شرس سيستفز الجماهير العربية، ويحركها للضغط على بناها العامة ومؤسسات الحكم، للتحرك باتجاه نصره المقاومة، كما توقع صناع الطوفان أن يتحرك الضمير الجمعي العالمي بالاتجاه نفسه، ويوقف كيان العدو عند حده، ويجبره على الامتثال لما يسمى "الشرعية الدولية" لكن هذا لم يحدث رغم إصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ووزير حربه السابق جالانت، ليس هذا فقط، بل حدث العكس تماما، حين تحركت معظم دول العالم، عجما وعربا، لإسناد العدو وتقديم كل ما يلزمه لسحق حماس والمقاومة، ترى.. هل أخطأ صناع الطوفان في حساباتهم، وجروا الشعب الفلسطيني لمقتلة غير مسبوقة؟ للوهلة الأولى أجاب البعض عن هذا السؤال بنعم، ولكن بعد تكشف نوايا وخطط "إسرائيل" بشأن طريقة التعامل مع غزة، يظهر أن صناع الطوفان كانوا عباقرة، وكان لديهم استشراف ذكي للمستقبل، لأنهم استبقوا ما كانت تخطط "إسرائيل" للقيام به وباغتوها قبل أن تنفذ هجومها المقرر على غزة، وسجلوا نصرا لم يكن ليتحقق لو انتظروا بعد قيام العدو بضربته المخطط لها.

المقاومة اليوم لم تنته، ولم تزل تسجل وبشكل يومي عمليات فدائية مؤلمة في صفوف العدو، ويعبر هذا العدو المتوحش عن مشاعره المؤلمة تلك، بارتكاب جرائم غير مسبوقة تجاه كل ما هو على أرض غزة، وبدأ فعليا مد هذا الأسلوب المتوحش إلى باقي الأرض الفلسطينية المحتلة.

حماس والمقاومة قاموا بما عليهم أن يقوموا بهم، سواء صحت حساباتهم أو لم تصح، وهذا التقويم تحديدا ليس مبررا للخذلان، والاصطفاف وراء العدو ودعمه، سواء بالمواقف العملية أو حتى بالصمت و"الحياد" فحتى الحياد هنا هو موقف مخز ومذل، فما يراد لغزة ولفلسطين اليوم، هو مقدمة لما يراد لبقية بلاد العرب، وسقوط جبهة فلسطين – لا سمح الله- تمهد الطريق لسقوط كل الجبهات العربية، لهذا فحتى لو كان هناك لدى البعض اختلاف مع حماس في توقيت الطوفان ومساره، فلا يوجد أي مبرر لخذلانها وخذلان شعبها.

عمليا المعركة لم تنته بعد، حتى لو خرجت منها كل جبهات "الإسناد" والراية "البيضاء" التي يأمل العدو أن يراها محمولة بيد مقاتل قسامي يخرج من فتحة نفق، ليست موجودة، ولن توجد، صحيح أن الخسائر ليست فادحة فقط، بل هي كارثية بكل المعاني، لكن فلسطين وأقصاها، وأمتها، والمنتظرين بزوغ فجر عربي جديد، يستحقون أكثر!

ونعود للسؤال الكبير: هل انتهت حماس كحركة مقاومة؟

السؤال ليس لنا، ولا لكم، بل هو للتاريخ..

وراثة النبوة بين ضعف الحضور واضطراب الأداء؟

وراثة النبوة بين ضعف الحضور واضطراب الأداء؟

هموم في طريق الدعوة والتغيير والتحرير





إن أول مقولة جرت على لسان الأنبياء والمرسلين -وهي أساس دعوتهم- قولهم يا قوم اعبدوا الله، وإن أرفع وأرقى وأنبل ما قام به الأنبياء هو دورهم الواجب في بيان الحق للناس دون غبش ولا اضطراب.

وبالنظر لواقع حال العرب والمسلمين اليوم يتضح سبب التيه لاسيما إذا نظرنا بشكل فاحص للحركات الدعوية والسياسية والجهادية إسلامية المرجعية،

حيث يتضح أن الخلل في مستوى المناهج والخيارات والقيادات مريع للدرجة التي تتضاءل أمامها أخطاء العوام!

لم يكن ليحصل هذا التيه والضلال لدى بعض القيادات الإسلامية لو كان دور العلماء في وراثة الأنبياء قائما في شكله الصحيح ووقته الواجب.

يكفيك أن تنظر لإقليم الشام، لكي ترى كيف تفترق القيادات الإسلامية السياسية والجهادية إلى فريقين،

الأول يقاتل ملالي إيران في سورية الشام معتبرا لهم محتلين مجرمين أعداء للدين،

والثاني يحالفهم في فلسطين الشام معتبرا لهم محررين للأقصى ومناصرين للثوار المسلمين! فأي الفريقين على الحق وأيهما على الضلال؟

فلماذا غاب في هذا المقام دور وإجماع العلماء؟

وإذا كان أهم أسباب غياب العلماء هو بطش الطواغيت المستبدين وسجون الظالمين، فإن أهم أسباب ضعف دور العلماء العاملين،

هو اختطاف التنظيم للجماعة، وحلول الجماعة محل الأمة وشعوبها.

فلماذا وكيف اختطفت التنظيمات مفهوم الجماعة، ولماذا وكيف حلت الجماعات محل الأمة،

وكيف أثر هذا سلبا على ضعف دور العلماء، والذي يترجمه حال الضعف في وراثة النبوة حد الغياب؟

سيكون هذا بحثا قادما بحول الله، أستعين بالله عليه، وأطالب بشراكة عقول المهمومين والغيورين من الذين اصطفاهم الله لبيان الحق ونشر الدعوة وتمكين الخير في الأرض.

اللهم إيام نعبد وبك نستعين، فاهدنا يا رب الى صراطك المستقيم.

بعد وقف إطلاق النار في لبنان، نفدت أوراق نتنياهو للعب


بعد وقف إطلاق النار في لبنان، نفدت أوراق نتنياهو للعب

وقد بدأ نتنياهو، المتحصن في غزة، والمصد في لبنان، في تحويل انتباه ترامب إلى الحاجة إلى مهاجمة إيران


عندما قال الأمين العام الراحل لحزب الله, حسن نصرالله, كان قتل من خلال إسقاط 10 قنابل خارقة للمخبأ على مخبأ على عمق 60 قدمًا تحت الأرض، كان هناك ابتهاج في الشوارع إسرائيل.

"يا نصر الله سنهزمك إن شاء الله ونعيدك إلى الله مع حزب الله كله," كانت كلمات أغنية انفجرت من مبنى سكني في تل أبيب.

منقذ أعلن للسباحين: "بسعادة وفرح وهتاف نعلن رسمياً عن اغتيال الفأر حسن نصر الله أمس. شعب إسرائيل يعيش." وكما هو الحال مع الحكمة السائدة في ذلك الوقت، المشاهد أعلن: "نصر الله مات وحزب الله مكسور."

وبعد شهرين فقط، أصبح المزاج العام في إسرائيل مختلفاً تماماً. قبل 11 يوما فقط، وزير الدفاع إسرائيل كاتس, قال وكان الهدف هو نزع سلاح حزب الله وإنشاء منطقة عازلة في الجنوب لبنان.

ولم يؤمن الجيش أياً منهما، وكان الإسرائيليون يعرفون ذلك.


سأل في أ استطلاع وقال 20 بالمئة من الإسرائيليين الذين شملهم الاستطلاع، والذين فازوا بعد ما يقرب من 14 شهرا من القتال، إنهم يعتقدون أن إسرائيل فازت بينما قال 19 بالمئة إن حزب الله فاز. وقال خمسون بالمئة من الناس إن القتال من المقرر أن ينتهي دون منتصر واضح، بينما قال 11 بالمئة إنهم لا يعرفون.

وسميت العملية التي قتلت نصر الله بما يلي: "طلب جديد". ولإقامة سرد للنصر، تستمر الأسطورة اليوم بأن حزب الله كان "ضرب وتضاءلت" بحلول 13 شهرا من الحرب. ورأت صحيفة نيويورك تايمز بثقة أنها ضعيفة ومعزولة، وكانت في حاجة ماسة إلى وقف إطلاق النار.

تسريبات قاتلة


لقد تم بالفعل تدمير الرتبتين الأولى والثانية من قادة حزب الله. أجهزة الاستدعاء المفخخة وكانت أجهزة الاتصال اللاسلكي مدمرة، ولكن فقط للأشخاص الذين صدرت معهم، والذين كانوا موظفين إداريين وسياسيين. لم يتم استخدام أجهزة الاستدعاء من قبل المقاتلين.



وكانت أكبر ضربة لثقة التنظيم هي التسريب الاستخباراتي الذي أودى بحياة خليفة نصر الله المفترض, هاشم صفيدين, في ضربة إسرائيلية قوية على قاعدة سرية لحزب الله تحت الأرض في 3 أكتوبر.

ويعتقد أن صفي الدين قُتل في غضون دقائق من وصوله إلى اجتماع مجلس شورى حزب الله. وكان الإضراب قويا للغاية لدرجة أنه هدم أربعة مبان سكنية كبيرة.

والنظريات حول كيفية تحقيق المخابرات العسكرية الإسرائيلية لهذا الاختراق تستمر في الارتداد ذهابًا وإيابًا بين لبنان و إيران, حزب الله والحرس الثوري الإسلامي (الحرس الثوري الإيراني).

هل هناك جاسوس على مستوى جنرال في الحرس الثوري الإيراني?


من كان يعرف بالضبط في أي طابق من دار ضيافة الحرس الثوري الإيراني كان إسماعيل هنية، الزعيم السياسي لحركة حماس، وحارسه الشخصي نائمين، ومتى سيذهبون إلى الفراش? كان لدى هنية ضيوف حتى ذهب للنوم في الساعة الثالثة صباحًا.

نحن نعلم أن وكالة المخابرات المركزية لديها تدريب الآلاف من مقاتلي جماعة المعارضة الإيرانية مجاهدي خلق (MEK) في ألبانيا، ولكن مع ذلك كيف حصلت إسرائيل على هذه المعلومات الاستخبارية المحددة للغاية والحساسة للوقت?


هل تمتلك الولايات المتحدة القدرة التقنية على التنصت على ما كان يعتبر في السابق اتصالات آمنة للغاية بين بيروت وجنوب لبنان عن بعد?

لا أحد يعرف حتى الآن.


ويجري تحقيق مماثل في سوريا. ومما لا شك فيه أن مطاردة مكافحة التجسس هذه قد خلقت فجوة في القيادة والسيطرة.

ولكن هناك حقيقة واحدة لا يمكن تفسيرها بسهولة من قبل الموجزين العسكريين الإسرائيليين والأمريكيين. كيف حافظ حزب الله على سيطرته على ساحة المعركة دون أن يكون له قيادة وظيفية تعمل خارج مقره في الضاحية، بيروت؟

ولا جدال في أن حزب الله "المضعف والمنهك" المزعوم قد خاض معركة أقوى بكثير من أي منهما 1982, عندما استغرق الجنود الإسرائيليون خمسة أيام فقط للوصول إلى بيروت، أو 2006.

أقوى سلاح

وبدلاً من إنشاء منطقة عازلة، أمضت القوات الإسرائيلية الغازية شهرين متحصنة على الحدود, عدم القدرة على اختراق أو الاحتفاظ بمواقع أكثر من أربعة كيلومترات داخل لبنان والاضطرار إلى التراجع بشكل متكرر. وذلك على الرغم من شن حرب خاطفة في البلدات والمدن في جميع أنحاء لبنان.
إن أقوى سلاح لدى حزب الله هو السلاح الذي لا يستطيع عدوهم امتلاكه أبداً، على الرغم من الميزة التكنولوجية الهائلة. إنها قاعدتهم الاجتماعية

وتعرضت وحدات النخبة الإسرائيلية، مثل لواء جولاني، لضربة قوية، حيث خسرت ما لا يقل عن 110 قتلى في القتال منذ 7 أكتوبر 2023. ومنذ يوم عبورهم الحدود، وقعوا في فخاخ متعمدة.

وفي إحدى الاشتباكات، دخلت وحدة استطلاع جولاني إلى "قلعة" حزب الله مما أدى إلى مقتل جندي واحد, إصابات خطيرة لقائد سرية وإصابات طفيفة لرئيس أركان اللواء. كان لا بد من سحب جنود الاحتياط من القتال تمامًا.

كان بإمكان أي شخص يعرف كيف يتدرب حزب الله أن يخبرك لماذا لا ينبغي أن يكون هذا مفاجئًا. يتم إعداد كل وحدة وتخزينها للقتال بمفردها لمدة عامين. يتواصلون وينسقون مع بعضهم البعض عبر كابلات الألياف الضوئية.

كان الإعداد عقليًا بقدر ما هو جسدي، حيث تم اختيار قادة ساحة المعركة بعد ست سنوات من التدريب في الفلسفة، وفقًا لأحد المصادر، تم منحهم وصولاً نادرًا إليهم.

يفكرون على المدى الطويل. إنهم يخوضون حرب استنزاف من المقرر أن تستمر لعقود، وليس لأسابيع أو أشهر. لكن أقوى سلاح لديهم هو السلاح الذي لا يمكن لعدوهم امتلاكه أبدًا، على الرغم من الميزة التكنولوجية الساحقة. إنها قاعدتهم الاجتماعية. وهم من ومن القرى والبلدات التي يدافعون عنها.
ولهذا السبب لم تتمكن إسرائيل ولا الجيش اللبناني من إيقاف قافلة القرويين العودة بابتهاج وبالتحدٍ إلى منازلهم المدمرة في غضون دقائق من دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ.

وفي اللحظة التي توقفت فيها إسرائيل عن القتال، فقدوا السيطرة.

والذراع الآخر للرواية "المكروهة والمدمرة" هو الزعم بأن حزب الله أصبح الآن أكثر عزلة سياسياً من ذي قبل بسبب الضرر الذي لحق بلبنان بأكمله.

إذا كان هناك أي شيء، فإن العكس هو الحال.

هذه هي الكراهية والإذلال التي أثارتها إسرائيل في لبنان، وفي الواقع في كل دولة في المنطقة، من خلال حملة القصف التي شنتها في الشهرين الماضيين وحملة الإبادة التي شنتها في غزة, أن بعض الانقسامات المريرة التي خلقتها الحرب الأهلية في سوريا بدأت تشفى، على الرغم من أن أحداث هذا الاسبوع وقد تبين في سوريا أن تلك الندوب لم تختف.

لكن الأشهر الثلاثة عشر الأخيرة من الحرب على غزة أظهرت أن حركة المقاومة الفلسطينية "السنية" قادرة على توحيد قواها مع حركة لبنانية "شيعية" في قتال ضد عدو مشترك.

وهذا وحده ساهم كثيراً في إعادة تركيز الطاقات السنية والشيعية في مختلف أنحاء المنطقة. إن سياسة تهدئة المنطقة من خلال ممارسة فرق تسد لم تعد تناسب إسرائيل كما كانت تفعل من قبل.

لأن هناك تغيراً نفسياً كبيراً يحدث في العالم العربي السني أدى إلى محو منطقه اتفاقيات ابراهيم. ولم يعد من الممكن تحقيق السلام من خلال الاعتراف بإسرائيل، ناهيك عن ترسيخها باعتبارها القوة المهيمنة التكنولوجية والعسكرية والاقتصادية الإقليمية.

وهذا التغيير جعل حتى القيادة السعودية الحالية, الأقل تعاطفا بالنسبة للقضية الفلسطينية، والأكثر معاملات في تاريخ المملكة، الارتداد.

وبعد عدة عقود في الثلاجة، اندمجت القومية العربية والمقاومة المسلحة للاحتلال تحت راية الإسلام.

يتم إطلاق قوى قوية من خلال هذا الاندماج ولم تعد تعمل ضد محور المقاومة, تلك الشبكة من الجماعات المسلحة التابعة للدولة في جميع أنحاء العراق, سوريا, لبنان و اليمن التي بنتها إيران كشكل من أشكال الدفاع العميق بعد صدمة غزوها من قبل عراق صدام حسين.

لقد كان نفوذ إيران في جميع أنحاء العالم العربي مقيدًا بشكل دائم بسبب الحقائق الطائفية والطائفية للسلطة في العراق وسوريا ولبنان واليمن.

وحتى اليوم، واجهت صعوبة في الخروج من هذا الحاجز.

قراءة خاطئة للشرق الأوسط


وقد ساعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على وجه الخصوص، وسلوك القوات الإسرائيلية المخمور في غزة والضفة الغربية المحتلة ولبنان بشكل عام، إيران على الخروج من تلك القيود.

بالنسبة للكثيرين في العالم العربي، لا يُنظر إلى إيران على أنها دخيل غير مرغوب فيه في الفضاء العربي، بل على أنها رأس الحربة الإقليمي للمقاومة ضد السيطرة الاستعمارية. وإذا استمر هذا التغيير، فهو تغيير كبير بعد عقد من الانشقاقات التي أحدثها الربيع العربي.

وحتى بعد القصف الذي تعرضت له غزة خلال الأشهر الثلاثة عشر الماضية، فإن حماس ليست في مزاج يسمح لها بالتلويح بالعلم الأبيض


باختصار، أثبت حزب الله مرة أخرى أنه عدو قوي لإسرائيل لا يمكن القضاء عليه. إذا كانت التجربة السابقة تستحق العناء، فسوف تظهر أقوى.

ولكن لا شيء يعيق قدرة إسرائيل وأميركا على إساءة قراءة الشرق الأوسط.

ويُنظر إلى "استسلام" حزب الله بقبول وقف إطلاق النار، في حين تواصل إسرائيل قصف أكوام من الغبار في غزة، على أنه مقدمة لاستسلام مماثل من جانب حماس.

كما يتم شطب حماس باعتبارها "راكعة على ركبتيها" بعد وفاة زعيمها يحيى السنوار, على الرغم من استمرارها في العمل حتى في جحيم شمال غزة حيث تتوفر جميع الإمدادات الغذائية تم قطعها لمدة 50 يوما.

ولكن هذا، مرة أخرى، هو تحقيق الرغبات متنكرًا في شكل تحليل.

وحتى بعد القصف الذي تعرضت له غزة خلال الأشهر الأربعة عشر الماضية، فإن حماس ليست في مزاج يسمح لها بالتلويح بالعلم الأبيض.


وفي أحد التصريحات العديدة التي تم الإدلاء بها منذ إعلان وقف إطلاق النار، تشجعت حماس باضطرار نتنياهو إلى قبول اتفاق كان أقل بكثير من أهدافه العسكرية في لبنان.

قالت حماس في تصريح وأن "قبول اتفاق العدو مع لبنان دون استيفاء شروطه، يشكل محطة مهمة في تدمير أوهام نتنياهو بتغيير خريطة الشرق الأوسط بالقوة, وأوهامه بهزيمة قوى المقاومة أو نزع سلاحها."




وأعربت الحركة عن التزامها "بالتعاون مع أي جهود لوقف إطلاق النار في غزة، ضمن محددات وقف العدوان على غزة، وهو ما اتفقنا عليه وطنيا؛ وهي وقف إطلاق النار, انسحاب قوات الاحتلال وعودة النازحين وإتمام صفقة تبادل أسرى حقيقية وكاملة."

ولم يتغير هذا الموقف إلا قليلاً منذ قبلت حماس اقتراح وقف إطلاق النار الذي تراجع عنه نتنياهو في مايو/أيار، قبل غزو رفح وإعادة احتلال ممر فيلادلفي.

حرب مباشرة أقرب من أي وقت مضى

وقد بدأ نتنياهو، المتورط في غزة، والصد في لبنان، في تحويل انتباه ترامب إلى الحاجة إلى مهاجمة إيران.

ومرة أخرى، تم تمهيد الهجوم على إيران من خلال خلق أسطورة أصبح المراسلون الغربيون أبواقاً راغبة فيها.

هذه هي الفكرة الطموحة القائلة بأن إيران "منفتحة على مصراعيها" لهجوم إسرائيلي وأمريكي ثانٍ وكبير على منشآت إنتاج التخصيب النووي لأن الهجوم الأخير دمر الدفاعات الجوية للبلاد.

أصيبت محطة رادار فوق الأفق. قُتل أربعة جنود إيرانيين، لكن بطاريات S300 الإيرانية لم تنقطع ولم يتم تعطيل نظام الدفاع الجوي الإيراني.
والحقيقة هي أن إسرائيل، التي لم تحقق سوى القليل في حربها التي دامت 13 شهراً وخسرت الكثير، لديها عادة عنيدة تتمثل في اختراق الطبقات العديدة من الأسطورة ووهم الذات


ما حدث كان شيئًا مختلفًا تمامًا، وفقًا لمصادر إيرانية مطلعة.

أما الموجة الثانية من قاذفات القنابل الإسرائيلية من طراز إف-35، والتي كان من المفترض أن تدخل بعد تدمير نظام الدفاع الجوي، فقد احتجزت على بعد 70 كيلومترا من الحدود الإيرانية بعد أن كانت "مضاءة" بالرادارات الإيرانية، على الرغم من امتلاكها قدرات التخفي.

بارشين، موقع ادعى ثلاثة مسؤولين أمريكيين ولكي تكون منشأة نشطة لأبحاث الأسلحة النووية سرية للغاية، لم تتعرض للقصف بالصواريخ الباليستية، بحسب مصادر كانت تعيش بالقرب منها.

على أية حال، تم نقل جميع المعدات الموجودة في منشأة تاليغان 2 في مجمع بارشين العسكري إلى الجبال منذ فترة طويلة. وأصيب موقع آخر بطائرات بدون طيار، لكنها جاءت من بحر قزوين، وليس الغرب حيث تتمركز القوة الضاربة الإسرائيلية.

لكن مثل هذه القصص التي تقول إن إيران أصبحت الآن "منفتحة على مصراعيها" للهجوم هي بمثابة لحم وشراب لجهود نتنياهو المضنية لتحقيق دعم الحزبين في واشنطن لتوجيه ضربة حاسمة.

وسواء حدث ذلك فهو نتاج للألعاب المعقدة التي تمارسها إدارة بايدن المنتهية ولايتها، ونتنياهو، والدولة العميقة, ولكل منهم دوافع مختلفة للرغبة في صياغة خيارات ترامب وتحديدها مسبقًا قبل تنصيبه.

وعلى نحو مماثل، تستطيع إيران مهاجمة إسرائيل بضربة أثقل كثيراً من تلك التي حققتها في أكتوبر/تشرين الأول عندما أطلقت 200 صاروخ وطائرة بدون طيار رداً على اغتيال إسرائيل للحنية في طهران, نصر الله والجنرال في الحرس الثوري الإيراني عباس نيلفوروشان.

وسوف تفعل ذلك لثلاثة أسباب: لأنها قالت إنها ستفعل ذلك من أجل إعادة الردع، ورداً على استمرار إراقة الدماء في غزة.

تلميحات مستمرة إلى عكس ذلك من قبل الحكومة الإصلاحية، ولا سيما أن وقف إطلاق النار في لبنان يمكن أن يحدث تأثير إن خطط إيران للانتقام من الضربة الإسرائيلية الأخيرة يجب أن تكون متوازنة مع تفكير الحرس الثوري الإيراني.

وعلى أية حال، فإن الحرب المباشرة مع إيران أصبحت أقرب مما كانت عليه لسنوات عديدة.

فلا غزة، ولا لبنان، ولا إيران تشكل خبراً طيباً لنتنياهو، الذي يواجه عاصفة من المعارضة في الداخل. إنها معارضة من جيش متعب، ومن عائلات الرهائن اليائسة التي لا تزال على قيد الحياة، والتهديد الذي يلوح في الأفق بتوجيه تهم الفساد إلى المحكمة.

إنه أيضًا العداء المتزايد من حركة المستوطنين المسلحين التي ترى أن فرصتها التي لا تتكرر إلا مرة واحدة في العمر للاستيلاء على أرض إسرائيل التوراتية بأكملها تفلت من قبضتها.

نتنياهو مقامر مثقل بالديون، وخلاصه الوحيد يكمن في وضع المزيد من الرهانات. لكن مجموعة أوراقه بدأت في النفاد.

والحقيقة هي أن إسرائيل، التي لم تحقق سوى القليل في حربها التي دامت 13 شهراً وخسرت الكثير، لديها عادة عنيدة تتمثل في اختراق الطبقات العديدة من الأسطورة ووهم الذات.



ترجمة موقع عربي21
نص المقال مترجما:
عندما قتل الراحل أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، باستخدام عشر قنابل خارقة للاستحكامات ألقيت على طابق محصن على عمق ستين قدماً تحت الأرض، خرج الناس إلى الشوارع في إسرائيل يحتفلون.

انبعثت من إحدى المباني السكنية في تل أبيب أغنية تقول كلماتها: "يا نصر الله، سوف نقضي عليك، إن شاء الرب، وسوف نعيدك إلى الرب مع حزب الله بأسره".

وجاء إعلان المنقذ للسابحين على النحو الآتي: "بكل سرور وابتهاج وإشادة، نعلن رسمياً أن الفأر حسن نصر الله تم اغتياله بالأمس. يعيش شعب إسرائيل". وانسجاماً مع ما ساد من انطباع في ذلك الوقت، فقد خرجت مجلة "ذي سبيكتاتور" لتعلن أن "نصر الله مات وحزب الله انكسر".

فقط بعد شهرين، غدا المزاج في إسرائيل مختلفاً جداً. قبل أحد عشر يوماً فحسب، قال وزير الدفاع يسرائيل كاتس إن الهدف كان نزع سلاح حزب الله وإيجاد منطقة عازلة في جنوب لبنان.

لم يتمكن الجيش من تحقيق أي من الهدفين، والإسرائيليون يعلمون ذلك.

لدى سؤالهم في استفتاء أجري بعد أربعة عشر شهراً من القتال "من الذي انتصر"، قال 20 بالمائة من الإسرائيليين المستطلعة آراؤهم إنهم يعتقدون أن إسرائيل هي التي انتصرت، بينما قال 19 بالمائة إن حزب الله هو الذي انتصر. وقال 50 بالمائة من الناس إن القتال سوف ينتهي بدون أن يحقق أي من الفريقين فيه نصراً واضحاً، بينما قال 11 بالمائة إنهم لا يعلمون.

لقد أطلق على العملية التي قتل فيها نصر الله اسم "النظام الجديد". وتكريساً لسردية النصر، تهيمن اليوم أسطورة مفادها أن حزب الله تحطم وتضاءل بعد 13 شهراً من الحرب. وخرجت "نيويورك تايمز" بكل ثقة لتعلن أنه بعد أن تم إضعافه وعزله، فقد غدا حزب الله في أمس الحاجة إلى وقف لإطلاق النار.

تسريبات قاتلة
لا ريب أن قيادات الصف الأول والثاني في حزب الله قد هلك جزء كبير منها. وما من شك في أن أجهزة المناداة والاتصال اللاسلكي المزروعة بالمتفجرات كانت مدمرة، ولكن فقط للناس الذين كانت هذه الأجهزة بحوزتهم، وكانوا من الإداريين وأصحاب المهام السياسية. إلا أن هذه الأجهزة لم تكن تستخدم من قبل المقاتلين.

كانت أكبر صدمة تقوض الإحساس بالثقة داخل المنظمة هي التسريب الاستخباراتي الذي تسبب في مقتل خليفة نصر الله المفترض هاشم صفي الدين، وذلك في ضربة إسرائيلية قوية لقاعدة سرية تحت الأرض تابعة لحزب الله يوم الثالث من أكتوبر (تشرين الأول).

ويعتقد أن صفي الدين قتل خلال دقائق من وصوله إلى اجتماع لمجلس شورى حزب الله. وكانت الضربة في غاية القوة لدرجة أنها دمرت أربعة مبان سكنية ضخمة.

وما زالت النظريات حول كيفية تمكن الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية من تحقيق هذا الاختراق تتأرجح ذهاباً وعودة بين لبنان وإيران، بين حزب الله والحرس الثوري الإيراني.

هل هناك جاسوس مزروع بمستوى جنرال داخل الحرس الثوري الإيراني؟

من بالضبط كان يعلم في أي طابق من منزل ضيافة تابع للحرس الثوري الإيراني كان ينام إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وحارسه الشخصي، ومن كان يعلم متى أويا إلى فراشيهما؟ فقد كان لدى هنية ضيوف حتى إنه أوى إلى فراشه في الثالثة 
فجراً.
نعلم أن المخابرات الأمريكية (سي آي إيه) دربت في ألبانيا الآلاف من أعضاء الجماعة الإيرانية المعارضة "مجاهدين خلق"، ولكن حتى مع ذلك فكيف حصلت إسرائيل على هذه المعلومة الدقيقة وشديدة الحساسية؟

هل توفرت لدى الولايات المتحدة القدرة التقنية على التجسس عن بعد على ما كان يعتبر ذات مرة نظام اتصال آمن جداً بين بيروت وجنوب لبنان؟

لا أحد يعلم بعد.

يتم إجراء تحقيق مشابه في سوريا. ولا شك أن هذا البحث عن الجاني ضمن جهود الاستخبارات المضادة قد أسفر عن إيجاد ثغرة في منظومة السيطرة والتحكم.

ولكن ثمة حقيقة لا يمكن تفسيرها وتنحيتها بسهولة من قبل أصحاب الإيجاز العسكري الإسرائيليين والأمريكيين على حد سواء. كيف تمكن حزب الله من الاحتفاظ بالسيطرة على ميدان المعركة بدون أن تكون لديه قيادة فعالة تعمل من داخل مقراته الرئيسية في الضاحية الجنوبية ببيروت؟

لا يمكن لأحد أن يجادل في أن حزب الله هذا، الذي يُزعم أنه "أضعف وأنهك"، خاض قتالاً شرساً، أشد وأقوى من ذلك الذي خاضه في حرب 1982 عندما تمكن الجنود الإسرائيليون خلال خمسة أيام من الوصول إلى بيروت، أو في حرب 2006.

السلاح الأقوى على الإطلاق
بدلاً من إيجاد منطقة عازلة، أمضت القوات الإسرائيلية الغازية شهرين وهي موحلة على الحدود، غير قادرة على الاختراق أو على احتلال مواقع تزيد على الأربعة كيلومترات داخل لبنان، بل وكانت تضطر مراراً وتكراراً إلى الانسحاب من مواقعها. وهذا، على الرغم من شنها حرباً خاطفة على البلدات والمدن اللبنانية في طول البلاد وعرضها.

تكبدت وحدات النخبة الإسرائيلية، مثل لواء غولاني، ضربات موجعة، فقد خسرت ما لا يقل عن 110 من عناصرها في المعارك منذ السابع من أكتوبر 2023، ومنذ اليوم الذي عبروا فيه الحدود وهم يقعون في شراك نصبت لهم بشكل مسبق.

في واحد من الاشتباكات، مشت وحدة استكشافية تابعة للواء غولاني إلى داخل "قلعة" تابعة لحزب الله ما أسفر عن مقتل جندي واحد، وإصابة آمر الفرقة بجروح خطيرة، وإصابة رئيس أركان اللواء بجروح طفيفة. اضطر الإسرائيليون بعد ذلك إلى سحب الاحتياط من القتال بشكل تام.

كل من يعلم كيف يتدرب حزب الله كان سيقول لك إنه ما كان ينبغي أن يكون ما حصل مستغرباً. فكل وحدة من وحداتهم تجدها على أهبة الاستعداد ومجهزة ومعبأة بما يلزمها لكي تقاتل وحدها لمدة عامين كاملين. وهؤلاء يتواصلون فيما بينهم وينسقون مع بعضهم البعض عبر كابل من الألياف البصرية.

والاستعداد ذهني بقدر ما هو بدني، حيث يتم اختيار القادة الميدانيين بعد ستة أعوام من التدريب في الفلسفة، بحسب مصدر أتيحت له فرصة نادرة من التعرف عليهم عن قرب.

يفكرون على المدى البعيد، يخوضون حرب استنزاف خطط لها كي تستمر لعقود، وليس مجرد أسابيع أو شهور. ولكن أشد أسلحتهم فتكاً هي تلك التي لا يمكن لعدوهم أن يحظى بها، بالرغم من كل ما لديه من تفوق تكنولوجي كاسح، ألا وهي قاعدتهم الاجتماعية. فهم ينتمون إلى القرى والبلدات التي يدافعون عنها.

ولهذا السبب لم تتمكن لا إسرائيل ولا الجيش اللبناني من وقف قوافل القرويين وهم يعودون مبتهجين ومتحدين إلى ديارهم المدمرة خلال دقائق من بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار.

في اللحظة التي توقفت فيها إسرائيل عن القتال، فإنها فقدت السيطرة.

الذراع الأخرى لسردية "المصدوم والمضروب" هي الزعم بأن حزب الله غدا الآن أكثر عزلة من الناحية السياسية عن ما كان عليه وضعه من قبل بسبب الأضرار التي تكبدها لبنان ككل.

ولكن الحال على العكس تماماً من ذلك.

لقد بلغ الشعور بالكراهية والإحساس بالمهانة الذي ولدته إسرائيل داخل لبنان، بل وداخل كل بلد من بلدان المنطقة، بسبب حملات القصف التي شنتها خلال الشهرين الماضيين وبسبب حملة الإبادة التي لم تزل تشنها على غزة، أن بعض الانقسامات المريرة التي أحدثتها الحرب الأهلية في سوريا قد بدأت تتعافى، وذلك على الرغم من أن هذه الندوب، كما أثبتت أحداث هذا الأسبوع في سوريا، لم تتلاش بعد.

ولكن الشهور الثلاثة عشر الماضية من حرب غزة أثبتت أن حركة مقاومة فلسطينية "سنية" يمكن أن تضم صفوفها إلى حركة لبنانية "شيعية" في القتال ضد عدو مشترك.

وهذا وحده فعل الكثير من أجل إعادة تركيز الطاقات السنية والشيعية في كل أرجاء المنطقة. لم تعد تجدي نفعاً بالنسبة لإسرائيل، كما كان عليه الحال مسبقاً، تلك الإجراءات التي تمارس من أجل تهدئة وترويض المنطقة من خلال سياسة "فرق تسد".

ثمة تغير نفسي كبير يحدث في العالم العربي السني، ما أفضى إلى محو منطق اتفاقيات أبراهام. لم يعد بالإمكان تحقيق السلام من خلال الاعتراف بإسرائيل، ولا من خلال محاولات تكريسها كمهيمن تكنولوجي وعسكري واقتصادي داخل المنطقة.

وهذا التغير هو الذي دفع حتى القيادة السعودية، وهي الأقل تعاطفاً مع القضية الفلسطينية، والأكثر انسياقاً مع منطق التعاملات التجارية في تاريخ المملكة، نحو التراجع.

بعد عدة عقود من التجميد، ها هي القومية العربية والمقاومة المسلحة ضد الاحتلال تلتحمان تحت راية الإسلام.

وهذا الالتحام هو الذي يحرر قوى بالغة الشدة لم تعد تعمل ضد محور المقاومة، تلك الشبكة من المجموعات المسلحة دون الدولة في كل أرجاء العراق وسوريا ولبنان واليمن. إنها شبكة القوى التي كانت إيران قد أنشأتها كوسيلة للدفاع عن نفسها بعد التجربة المريرة التي خاضتها حينما غزاها العراق في عهد صدام حسين.

إلا أن نفوذ إيران في أرجاء العالم العربي قيده على الدوام واقع الانقسامات العقائدية والطائفية في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن.

وحتى اليوم، لم تزل تجد صعوبة بالغة في اختراق هذا الحاجز.

القراءة الخاطئة للشرق الأوسط
إلا أن إيران تمكنت من كسر هذا القيد، والذي ساعدها على ذلك بشكل خاص هو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وسلوك القوات الإسرائيلية الثملة بالقوة في غزة والصفة الغربية ولبنان بشكل عام.

بالنسبة للكثيرين في العالم العربي، ينظر إلى إيران ليس كقوة غير مرغوب فيها تسعى لاقتحام الحيز العربي بقدر ما هي رأس حربة إقليمية للمقاومة ضد الهيمنة الاستعمارية. لو استمر الحال على ذلك، فإن هذا يمثل تغيراً كبيراً بعد عقد من الانقسامات التي صنعها الربيع العربي.
باختصار، لقد أثبت حزب الله تارة أخرى أنه عدو لدود لإسرائيل لا يمكنها القضاء عليه. ولو كان لنا في تجارب الماضي عبرة، فلن يطول به المقام حتى يعود وبشكل أقوى.

إلا أن شيئاً لا يعيق إسرائيل وأمريكا عن القراءة الخاطئة للشرق الأوسط.

إن "استسلام" حزب الله، بالقبول بوقف لإطلاق النار، بينما تستمر إسرائيل في قصف غزة وتحويل ما تبقى منها إلى رماد، يُنظر إليه كمرحلة ممهدة لاستسلام مشابه تقبل عليه حماس.

فحماس هي الأخرى باتت تُنفض منها الأيدي باعتبارها "جاثمة على ركبها" بعد موت زعيمها يحيى السنوار، على الرغم من أنها مستمرة في العمل حتى في جحر الجحيم في شمال غزة، حيث لم تزل كل إمدادات الطعام مقطوعة منذ خمسين يوماً.

ولكن هذا أيضاً، مجرد أمانٍ تتخفى في زي تحليل سياسي.

فحتى بعد الضرب الكثيف الذي تلقته غزة خلال الأشهر الأربعة عشر الماضية، فلا تزال حماس عصية على رفع الراية البيضاء.

في واحدة من عدة تصريحات صدرت منذ الإعلان عن وقف إطلاق النار، تشجعت حماس باضطرار نتنياهو إلى القبول بصفقة لم تحقق له أهدافه العسكرية من الحرب في لبنان.

وقالت حماس في أحد بياناتها إن "قبول العدو اتفاقاً مع لبنان دون تحقيق شروطه هو محطة مهمة في تبديد أوهام نتنياهو بأنه قادر على تغيير خارطة الشرق الأوسط بالقوة، وأوهامه بأن بإمكانه أن يهزم قوات المقاومة أو ينزع منها سلاحها".

وعبرت الحركة عن التزامها "بالتعاون مع أي جهود لوقف إطلاق النار في غزة، ضمن محددات وقف العدوان على غزة، التي اتفقنا عليها وطنياً، ألا وهي وقف إطلاق النار، وانسحاب قوات الاحتلال، وعودة النازحين، وإتمام صفقة حقيقية وكاملة لتبادل الأسرى".

لم يطرأ تغير يذكر على هذا الموقف منذ أن قبلت حماس بمقترح وقت إطلاق النار الذي تراجع عنه نتنياهو في شهر مايو (أيار) قبل غزو رفح واحتلال محور فيلادلفيا.

حرب مباشرة أقرب من أي وقت مضى
أما وقد وحّل في غزة وطُرد من لبنان، فقد بدأ نتنياهو بالعمل على تحويل انتباه ترامب نحو الحاجة إلى مهاجمة إيران.

وتارة أخرى، يتم التمهيد للعدوان على إيران من خلال خلق أسطورة غدا المراسلون الغربيون أبواق دعاية لها.

وهي الفكرة الطموحة التي ترى أن إيران باتت مفتوحة على مصراعيها لهجوم إسرائيلي وأمريكي كبير آخر يستهدف هذه المرة مرافقها النووية بعد أن تمكن الهجوم السابق من تدمير دفاعاتها الجوية.

فعلاً، لقد ضربت محطة رادار وقتل في الهجوم أربعة جنود، إلا أن بطارات إيران من طراز إس-300 لم تصب ولم يُشل نظام الدفاعات الجوية الإيراني.

ما حدث كان شيئاً مختلفاً تماماً، بحسب ما صرحت به مصادر إيرانية مطلعة.

الموجة الثانية من طائرات إف-35 الإسرائيلية، التي كان من المفروض أن تهاجم بعد أن يكون قد تم تدمير منظومة الدفاعات الجوية، أبقيت على مسافة سبعين كيلومتراً خارج الحدود الإيرانية بعد أن "أدركتها" الرادارات الإيرانية، رغم ما لديها من قدرات تسللية.

وبحسب مصادر تعيش بالقرب من بارتشين، وهو موقع يزعم المسؤولون الأمريكيون أنه مقر أبحاث أسلحة نووية سري ونشط، فإنه لم يصب الموقع بالصواريخ الباليستية.

على أية حال، كان قد تم إخلاء جميع المعدات التي كانت موجودة في مقر تيليغان 2 في بارتشين ونقلت إلى الجبال قبل وقت طويل. وتعرض موقع آخر للضرب بالمسيرات، ولكنها جاءت من بحر قزوين، وليس من الغرب حيث تتواجد القوة الإسرائيلية الضاربة.

ومع ذلك فإنها تكاد مثل تلك الحكايات عن أن إيران "مفتوحة على مصراعيها" تكون الطعام والشراب الذي يغذي جهود نتنياهو المحمومة للحصول على دعم من الحزبين في واشنطن لتوجيه ضربة حاسمة.

وما إذا كان ذلك سيحدث أم لا فهو نتاج لعبة معقدة تشارك فيها إدارة بايدن التي توشك ولايتها على الانتهاء مع نتنياهو ومع الدولة العميقة، رغم أن لكل من هذه الأطراف دوافعه المختلفة للرغبة في توريط إدارة ترامب القادمة وتحديد خياراتها قبل أن تستلم مقاليد الأمور.

كما أن بإمكان إيران أن تهاجم إسرائيل بشكل أكبر وأشد كثافة مما حصل في أكتوبر (تشرين الأول) عندما أطلقت مائتي صاروخ ومسيرة انتقاماً لاغتيال هنية في طهران واغتيال نصر الله وقائد الحرس الثوري عباس نيلفروشان.

وقد تفعل ذلك لأسباب ثلاثة: لأنها قالت إنها سوف تقوم بذلك، ومن أجل استعادة الردع، ورداً على سفك الدماء المستمر في غزة.

لا شك أن الإشارات الصادرة عن الحكومة الإصلاحية والتي تشي بعكس ذلك، وبشكل خاص أن وقف إطلاق النار في لبنان يمكن أن يؤثر على تخطيط إيران للانتقام ضد الضربات الإسرائيلية الأخيرة، ينبغي أن توزن مقابل الطريقة التي يفكر بها الحرس الثوري الإيراني.

لا غزة، ولا لبنان، ولا إيران، تمثل أخباراً سارة بالنسبة لنتنياهو، الذي يواجه عاصفة من المعارضة في بلده. إنها معارضة من جيش منهك، ومن عائلات الرهائن الذين ما زالوا على قيد الحياة، ومن مخاطر جلب تهم الفساد إلى القضاء.

كما أنها العداوة المتنامية من قبل حركة استيطانية مسلحة ترى أن فرصة عمرها في الاستيلاء على جميع "أرض إسرائيل" التوراتية تكاد تفلت من يدها.

نتنياهو مقامر غارق في الديون، ولا نجاة له إلا بمزيد من المراهنات. ولكن رزمة أوراقه توشك على الانتهاء.

والحقيقة هي أن إسرائيل، التي أنجزت القليل خلال ثلاثة عشر شهراً من الحرب وخسرت الكثير، لديها عادة عنيدة في النحس عبر طبقات عديدة من الأساطير والأوهام.