الثلاثاء، 18 مارس 2025

رمضان ولجام الشهوات

 رمضان ولجام الشهوات

أ.د. صلاح الدين سلطان

في هذا المقال نورد بعض البرامج المهمة التي أوردها د. صلاح سلطان فك الله أسره والتي تعين على الاستفادة القصوى من شهر رمضان المبارك:
يقول فرج الله عنه:
"البرنامج الأول: الإخلاص:
الإخلاص أن تحول العادة إلى عبادة خالصة لله تعالى؛ فعادة الطعام والشراب، تكون عبادة لله عز وجل، نأكل لله عند الغروب ونمتنع عن الطعام لله عند الفجر ، بعض المسلمين يصومون لأن رمضان أتى، وهيئة الإفتاء أعلنت أن رمضان غدًا، ونحن نصوم مع الناس، لكن الأصل أن نصوم لرب الناس، لما ذكره النبي فيما يرويه عن ربه: "الصوم لي وأنا أجزي به".
لا تجعلها عادة أن تصوم لأن كل الأحاديث في البخاري ومسلم "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه"، "من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه"، "من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه". كل مرة توجد عبارة "إيمانًا واحتسابُا"، إذن الإخلاص يجعلك لا تصوم عادة وإنما زلفى وقربى وتوسل لله تبارك وتعالى الذي يحبنا، ويعلم أننا نخطئ فيقول لنا أعطيت لكم فرصة الصيام لتعودوا إلى أتقياء أنقياء أصفياء، وليس فقط صفاء من الذنوب وإنما ارتقاء في الحسنات، جبال من الحسنات تنتظرنا إن كان الإخلاص سرًا مدفونًا في قلوبنا يدفعنا إلى العمل لله عز وجل.
الإخلاص هذا سر يقذفه الله في قلب من يشاء ممن أحب من عبادة فيجعل العمل القليل جدًا كبيرًا جدًا، أما العمل الكبير بلا إخلاص فلا فائدة منه؛ تخيل أن أول من تسعر بهم النار ليسوا الظلمة، ليسوا الفسقة، ليسوا الزناة، ليسوا أصحاب المخدرات، ليسوا الذين يقتلون الناس بغير الحق، وإنما ثلاثة: رجل أنفق ليقال: جواد، و رجل قاتل ليقال: شجاع ، وعالم عّلم العلم ليقال: عالِم ، هؤلاء المراؤون أول من تسعر بهم النار، كما جاء في الأحاديث الصحيحة.
ومن هنا لابد من الإخلاص عنوانا لكل عمل.
البرنامج الثاني: الاقتصاد في الطعام والشراب:
هذا مِفتاح مهم جدًا لأن من الممكن أن يكون عندك إخلاص ولا تأخذ قراراً بالاقتصاد في السحور والفطور، ومن رحمات الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "السحور أكُله بركة، فلا تدَعوه و لو أن يجرع أحدكم جرعة ماء، فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين".
كي نطعم قلوبنا وجبة من الرحمة، من السعادة، من الانشراح، عندما نقوم في السحر نطعم أجسادنا، لكن الله يطعمنا في قلوبنا وفي عقولنا نورًا ورحمة فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين، والأصل أن يستحضر كلٌّ منا هذا المعنى ولا يملأ بطنه عند السحور اعتقادًا بأن اليوم طويل، والعمل كثير، والإجهاد شديد.
استعن بالله ولا تعجز، هي مسألة تحتاج إلى عزم وإرادة، وفيك هذه الإرادة أن تقوم عن الطعام قبل أن تشبع، جِرب مرة واستطعم هذه الخفة في جسدك، وستجد أنك صرت نشيطًا إلى صلاة الفجر في المسجد، صرت نشيطًا إذا أفطرت، عجلت الفطر، صليت المغرب ثم أكلت بعد ذلك دون أن تمتلئ، تذهب لصلاة التراويح بخشوع وخضوع لله سبحانه وتعالى، تستلذ معاني القرآن، تستشعر كل آية تقرأ من كتاب الله عز وجل. لكن البطنة تذهب الفطنة، الدم الذي يجب أن يصعد إلى العقل ينزل إلى البطن ليهضم فلا يقوى على قيام ولا على قرآن ولا على شيء، فهذا مفتاح ضروري جدًا تعاهد الله عليه.
هناك مسلمون كثر يقولون نحن نصوم ولا نجوع، وهذا من الشره الذي أصابوه قبل الفجر وبعد المغرب؛ المحلات ممتلئة بأنواع جديدة وعديدة ومكسرات وأنواع لا تظهر إلا في رمضان! أقول يا إخواني إن الصيام يجعل الإنسان يحس بآلام الفقراء، آلام الجوعى، آلام المحتاجين، نجوع يومًا فنذكر ربنا، ونشبع يومًا فنشكر ربنا، الذكر والشكر مطلوبان لكن الإنسان يمتلئ ويفخر أنه لا يجوع طوال اليوم.
"فمن أكثر من الإفطار بعد صيام طويل كمن بنى قصرًا وهدم مصرًا"، بنى قصراً وهدم بلداً بالكامل، بنيت قصرًا طوال اليوم وتأتي المغرب وترى المائدة مليئة فتهجم، ابدأ بتمرة ، أو شربة ماء أو لبن ، لأن النبي يقول: "من وجد تمراً، فليفطر عليه، ومن لا يجد فليفطر على الماء، فإنه طهور". وهذه مادة سكرية تصل بسرعة إلى العين، وتعطى المخ إشارة بأن السكريات الموجودة في التمر كافية وخالية من الدهون وتذهب إلى العقل، وتعطي إشارة أن الإنسان أخذ قسطاً كبيراً لم يعد جوعاناً كما كان، ثم تصلي المغرب و تعود ، تكون المعدة قد هضمت التمرة مع جرعة الماء ، ويرجى أن يتحقق ما جاء في الحديث "ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله".
وليس كهذا الذي يرى أن الحياة شراب وطعام ولهو ومنام فإذا لم تنلها فعلى الدنيا السلام! لا! الله سبحانه وتعالى يقول: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ} [محمد:12] ولسنا كذلك، نحن آدميون ونحن مسلمون لنا صبغة خاصة كما قال ربنا سبحانه وتعالى: {صِبْغَةَ اللَّهِ ۖ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ۖ وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ} (البقرة: ١٣٨).
البرنامج الثالث: قراءة القرآن:
ما كُرم شهر رمضان إلا من أجل القرآن، قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} (البقرة: من الآية ١٨٥)، وروى البيهقي وأحمد والحاكم بسندهم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله قال: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد، يقول الصيام: أَيْ رَبِّ منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، فيُشفعان".
لو اقتصدنا في الطعام، نسمع القرآن غضًا طريًا كما أنزل، نذهب إلى البيت ونمسك بالمصحف، أريد من كل أخ وكل أخت أن يمسك القرآن ويعزم أن يختم القرآن مرة في رمضان إذا كنت تقود السيارة إلى عمل في مكان بعيد ضع شريطًا في السيارة واستمع بإنصات: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (الأعراف: ٢٠٤)
مهم جدًا أن تختم القرآن في رمضان كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم، كان جبريل يراجعه القرآن في كل عام، لا بد أن نسعى لهذا لأقصى ما نستطيع لأن القرآن حقيقة هذا النور الذي بغيره لا نستطيع إلا أن نكون أشقياء لقوله تعالى: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ ۖ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} (الأنعام: ٢٦ ).
وقد كان أحد الصحابة يقول: لي ختمة كل أسبوع، وختمة كل شهر، وختمة كل سنة، وختمة بدأتها منذ عشرين عامًا لم أنتهِ منها إلى الآن. اليوم أريد من كل أخ وهو يقرأ ورده القرآني بالليل أو بعد الفجر أن يلتقط آية انفعلت بها مشاعره، ونبض لها قلبه، والتفت إليها عقله، يرددها طوال اليوم، يعيش معها، ستصنعه من جديد، ستغير كثيرًا جدًا من العادات المركوزة في النفس. ستنقل الإنسان من الانشغال بأشياء تافهة حقيرة، إلى معالي الأمور، "إن الله جميل يحب الجمال، ويحب معالي الأمور، ويكره سفاسفها".
أريد أن نرتاد مقارئ القرآن بالمساجد، ونتعلم الترتيل {ورتِّلِ الُْقرآن َترتِيًلا} [المزمل:4]، {...وأُمِرت أَن أَكون مِن الْمسلِمِين* وأَن أَتُْلوَ القُرآن...}[النمل:91-92]، والتلاوة قراءة بنغم حتى تمتع العينين والقلب والعقل والوجدان فيتحول القرآن إلى جزء من كيانك، من حياتك، لا تستطيع أن تأكل يوماً ثم تهجر القرآن، لا تستطيع أن تمتد بك الأيام دون أن تختم القرآن من أوله إلى آخره، حالاً على أوله مرتحلًا إلى آخره، قراءة أواستماعاً أو هما معًا، ثم تدبر بالعقل، وتأثر بالقلب وتغير بالنفس في رمضان شهر القرآن.
البرنامج الرابع: القيام:
لا تعط موعدًا وقت صلاة التراويح، حرره لله تعالى، واجعل موعدك مع الله في القيام في رمضان موعدًا ثابتًا، هل هناك أحد عنده امتحان يعطي موعدًا في وقت الامتحان؟ لم يحدث أن أحدًا عنده مقابلة مع شخص مسئول وأعطى موعداً آخر في نفس الوقت.
نحن في موعد مع الله كل صلاة، وبخاصة صلاة القيام؛ لأن هناك أحاديث خاصة في الصحيحين: "من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر".
تخيل لو صلينا ٣٠ ركعة كل يوم، ١٧ فريضة، و١٣ ركعة نافلة في شهر من الشهور العادية تأخذ ثواب ٣٠٠ ركعة، إلا في شهر رمضان تضاعف سبعين ضعفًا، هذا كم هائل من الحسنات يفوتنا لو تركنا التراويح!
قل لي يا أخي: هل جلوسك أمام التلفاز أو جلوسك مع الأصحاب أو في المقاهي أو في السيارات أو في غيرها يمكنك أن تنال مثل هذا الأجر الوفير الكثير؟ يا أخي الكريم أوقف حياتك في هذه الأوقات لله تعالى، وإذا كنت مشغولاً وقت صلاة التراويح صلِها في البيت مع الأهل، أو صلها وحدك لكن لا تتركها تفوتك أبدًا، فهي غنيمة باردة غنيمة كبيرة تصنع في الفؤاد قوة هائلة جدًا" .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق