الدرة
(( إني رأيتُ وقوفَ الماء يفسدهُ، إِنْ سَاحَ طَابَ وَإنْ لَمْ يَجْرِ لَمْ يَطِبِ ))
الامام الشافعي
الأحد، 16 مارس 2025
غزوة بدر الأسباب والنتائج
غزوة بدر الأسباب والنتائج
غزوة بدر هي إحدى المعارك الفاصلة في التاريخ الإسلامي، والتي شكلت نقطة تحول في مسيرة الدعوة الإسلامية.
وقعت في السنة الثانية للهجرة بين المسلمين بقيادة النبي محمد ﷺ وقريش، وجاءت كنتيجة لصراع طويل بين الحق والباطل.
كان لهذه الغزوة أسباب متعددة، أبرزها اعتراض قافلة تجارية لقريش، لكنها سرعان ما تحولت إلى مواجهة حاسمة أثرت في مسار التاريخ الإسلامي.
فما هي أسباب غزوة بدر؟ وكيف جرت أحداثها؟ وما النتائج التي ترتبت عليها؟ في هذا المقال، نلقي الضوء على تفاصيل هذه المعركة وأهم دروسها.
مراحل تشريع الجهاد
من أهم ميزات التشريع الإسلامي سُنّة “التدرّج في التشريع”، وتناولت هذه السُنّة مسألة الجهاد فقد مرّ تشريعه بأربع مراحل:
المرحلة الأولى – الكف والصفح والعفو
وهي مرحلة الدعوة إلى الإيمان بالله تعالى وإنذار الناس، فبدأ رسول الله ﷺ بأهله، ثم بقومه (قريش)، ثم العرب والعالمين، وكان التوجيه الإلهي في هذه المرحلة في مواجهة الأعداء: الكفّ {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ}، الصفح {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}، العفو {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}.
أو اعتدى عليهم، أو وقف في طريق دعوتهم، أو ظَهَر منه قصْدُ العدوان ببيِّنة ثابتة؛ ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾.
المرحلة الرابعة – فرض القتال
أَمَر اللهُ – عزَّ وجلَّ – المسلمين بقتال المشركين لِصَدِّ عُدوانهم، وإزالة الفِتنة عن الناس، حتى يستمعوا النِّداءَ الحقَّ مِن غير عائق، وحتى يَرَوا نظام الإسلام مطبَّقاُ؛ لِيَعرفوا ما فيه مِن عدل وإصلاح لحياة البَشَر، قال – سبحانه وتعالى -:
وقعت غزوة بدر في: (17 رمضان – 2هـ) الموافق لـ (13 آذار – 624م)، في منطقة بدر وهي بئر مشهورة تقع على الطريق بين مكة المكرمة والمدينة المنورة.
أسماء غزوة بدر
غزوة بدر: سُميت بهذا الاسم نسبةً إلى منطقة بدر التي وقعت المعركة فيها، وبدر بئرٌ مشهورةٌ تقع بين مكة والمدينة المنورة.
غزوة بدر الكبرى: تميزاُ لها عن:
عزوة بدر الأولى: التي خرج فيها رسول الله ﷺ لطلب كرز بن جابر الفهري الذي أغار على أطراف المدينة.
غزوة بدر الآخرة: التي تواعد عليها رسول الله ﷺ مع أبا سفيان سيد قريش بعد انتهاء غزوة أحد.
يوم الفرقان: لأنه من أيام الله الفاصلة بين الحق والباطل، ولذلك سماه الله تعالى يوم الفرقان كما قال سبحانه: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ}، لأن الله تعالى فرَّق فيه بين الحق والباطل، بنصر رسوله والمؤمنين.
سبب قيام غزوة بدر
جاءت الأخبار للرسول أنَّ عيرًا لقريش يقودها أبو سفيان بن حرب قد خرجت إلى الشام، فخرج يطلبها ولكنها ففاتته إلى الشام فرجع المدينة ينتظر عودتها من الشام.
وصل الخبر إلى أبي سفيان:
فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري وكلفه بالذهاب ليستنفر قريشًا لنجدتهم، في هذه الأثناء كانت عاتكة بنت عبد المطلب عمة النبي ﷺ قد رأت رؤيا انتشر خبرها في قريش تشير إلى ما سيحدث فسخر منها الناس وعلى رأسهم أبو جهل، فلمّا وصل ضمضم ينذرهم ثاروا جميعًا وخرجوا لحرب المسلمين.
حوّل أبو سفيان خط سير القافلة نحو الساحل غرباً تاركاً الطريق الرئيسي الذي يمر ببدر على اليسار، وبهذا نجا بالقافلة وأرسل لقريش يخبرهم بنجاته ويشير عليهم بالرجوع وعدم الحرب، ولكنّ فرعون هذه الأمة أبو جهل أصرّ على القتال.
كان المسلمون قدر خرجوا من أجل الإغارة على القافلة، ولكن الأمر قد تطوّر إلى مواجهة وحرب مع قريش، فعقد الرسول ﷺ مجلساً استشارياً مع أصحابه، فقام أبو بكر وعمر والمقداد فتكلموا وأحسنوا، فأعاد الرسول ﷺ الأمر، وقال: «أشيروا عليّ أيها الناس»، يريد بذلك الأنصار الذين بايعوه في العقبة على نصرته في ديارهم.
فقال سعد بن معاذ: (قد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أنّ ما جئت به هو الحقّ، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة؛ فامض يا رسول الله لما أردت؛
فوالاذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدواً غداً، وإنا لصُبر في الحرب صدق في اللقاء، ولعلّ الله يريك منا ما تقرّ به عينك، فسر بنا على بركة الله).
سُرّ رسول الله ﷺ بما قاله المهاجرين والأنصار، وقال: «سيروا وأبشروا؛ فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم».
عدد المسلمين في غزوة بدر
كان المسلمون بقيادة رسول الله ﷺ: 313 رجلًا معهم فارسان: الزبير بن العوّام، والمقداد بن الأسود.
عدد جيش المشركين في غزوة بدر
كان مشركو قريش بقيادة أبي جهل عمرو بن هشام: 950 رجلاً و100 فارس.
أحداث غزوة بدر
تحرك الرسول ﷺ يقود المسلمين إلى بدر واختار مكاناً للقتال، ثم أشار الحباب بن المنذر بتعديله ليسهل على المسلمين التحكم في مصدر المياه، كما تمكن المسلمون منْ أسر غلامين من قريش، واستجوابهما فعرفوا أعداد جيش قريش ومَنْ فيه مِنْ سادتها.
أرسل الله مطراً فكان برداً وسلاماً وتثبيتاً للمسلمين، ووابلاً ورجزاً على الكافرين، وقد كان الشيطان قد أصاب المسلمين أثناء نومهم، فاحتلم منهم الكثير، فنزل المطر فطهرهم بذلك.
كما بنى سعد بن معاذ عريشاً للنبي ﷺ يقود منه الجيش، وقضى الرسول ﷺ ليلته في الصلاة والدعاء والتبتل والتضرع لله تعالى قائلًا: «اللهم إنْ تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد، اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم»، حتى سقط رداؤه عن منكبيه.
طلب المشركون منْ عمير بن وهب الجمحي أنْ يستطلع أمر المسلمين، فقال لهم: (عددهم ثلاثمائة رجل، ولكني رأيت يا معشر قريش المطايا تحمل المنايا، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع، قوم ليس معهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم؛ ف والله ما أرى أن يُقتل رجل منهم حتى يقتل رجلاً منكم).
وهنا حدث خلاف في صفوفهم: حيث أراد حكيم بن حزام العودة عن القتال، ولكن أبا جهل وقف في وجه هذا الرأي وثبّت المشركين، فحميَ الناس وصعب أمرهم واستوثقوا على ما هم عليه من الشر.
بدأت المعركة بمحاولة الأسود بن عبد الأسد المخزومي أنْ يشرب من حوض الماء الذي بناه المسلمون، فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب وقتله قبل أن يشرب.
ثم خرج ثلاثة من فرسان قريش للمبارزة هم: عتبة بن ربيعة، وولده الوليد، وأخوه شيبة، فخرج ثلاثة من الأنصار فرفضوهم، وطلبوا مبارزة ثلاثة من المهاجرين، فأمر النبي ﷺ: عبيدة بن الحارث، وحمزة بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب، فخرجوا لهم وتمكنوا منهم فقتلوهم.
هنا التحم الجيشان دارت رحى حرب طاحنة، كان المسلمون يقتلون بنظام الصفوف، أما المشركون فكانوا يقتلون بنظام الكرّ والفر، ثم جاء المدد الإلهي بألف من الملائكة يقودهم جبريل عليه السلام.
فخرج رسول الله ﷺ وهو يقول: {سيهزم الجمع ويولون الدبر}، ثم أخذ حفنة من الحصى فاستقبل بها قريشً، وقال: «شاهت الوجوه!»، ورمى بها في وجوههم فما من المشركين من أحد إلا أصاب عينيه ومنخريه وفمه، فما لبثوا إلا أنْ هزموا وولّوا مدبرين.
خريطة غزوة بدر
بدأت المعركة بمحاولة الأسود بن عبد الأسد المخزومي أنْ يشرب من حوض الماء الذي بناه المسلمون، فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب وقتله قبل أن يشرب.
شهداء غزوة بدر
استشهدا في غزوة بدر أربعة عشر رجلاً من المسلمين, 6 من المهاجرين و 8 من الأنصار هم :
عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف
عمير بن أبي وقاص بن أبي أهيب الزهري
ذو الشمالين عمير بن عبد عمرو بن نضلة الخزاعي
عاقل بن البكير من بني سعد بن ليث بن عبد مناة بن كنانة
مهجع العكي مولى عمر بن الخطاب
صفوان بن وهب بن ربيعة بن هلال الفهري
سعد بن خيثمة بن الحارث بن مالك الخزرجي
مبشر بن عبد المنذر بن علي زنبر الخزرجي الأنصاري.
يزيد بن الحارث – أو الحرث – بن قيس بن مالك الأنصاري الخزرجي
عمير بن الحمام بن الجموح بن زيد بن حرام الخزرجي الأنصاري
حارثة بن سراقة بن الحارث الأنصاري الأوسي النجاري،
رافع بن المعلى بن لوذان بن حارثة الخزرجي الأنصاري
عوف بن الحارث بن رفاعة بن سواد
معوذ بن الحارث بن رفاعة بن سواد
الأسرى في معركة بدر
قتل في غزوة بدر 70 رجُلاً من كفار قريش وأُسر 70 آخرين, استشار النبي ﷺ أصحابه: ما تقولون في هؤلاء الأسرى؟
فقال أبو بكر الصديق: «يا رسول الله قومك وأهلك، استبقهم واستأْنِ بهم لعل الله أن يتوب عليهم».
وقال عمر بن الخطاب: «يا رسول الله، أخرجوك وكذبوك، قرِّبهم فاضرب أعناقهم».
وقال عبد الله بن رواحة: «يا رسول الله، انظر واديًا كثير الحطب، فأدخلهم فيه ثم اضرم عليهم نارًا».
فقال رسول الله ﷺ: «إن الله ليلين قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من اللبن، وإن الله ليشد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة، ثم قال: «أنتم عالة، فلا ينفلتن منهم أحد إلا بفداء أو ضرب عنق».
وقع خلاف بين المسلمين حول الغنائم، إذ لم يكن حكمها قد شُرِّع بعد، وعليه كان أمرها عُرضة لاختلاف وجهات النظر بينهم، فنزل القرآن الكريم بمشروعيتها وكيفية تقسيمها وتوزيعها، وفي ذلك قال الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ}.
فالمسلمون لم يخرجوا عن كونهم بشر يختلفون؛ ولكنهم لمّا جاءهم الأمر الإلهي امتثلوا، حيث قسّمها رسول الله ﷺ: فأعطى أربعة أخماس الغنائم للجيش وتمَّ تقسيمها بالتساوي، واحتفظ بالخمس قسّمه فيما يراه هو منْ حاجات المسلمين.
نتائج غزوة بدر الكبرى
انتصار المسلمين على قريش، فقويت شوكتهم وأصبحوا مرهوبي الجانب في المدينة وما حولها، وذاع صيتهم في جزيرة العرب.
خسارة فادحة لقريش اهتزّت على إثرها مكانتها بين قبائل العرب.
استشهد من المسلمين 14 رجلًا: 8 من الأنصار و7 من المهاجرين.
قتل من قريش 70 رجلًا وأسر 70 آخرون بينهم العديد من سادتها وأشرافها.
كان لغنائم المسلمين وافتداء أسرى المشركين دور في انتعاش أحوال المسلمين الاقتصادية.
نال المسلمون المشاركون في معركة بدر مغفرة الله تعالى، قال ﷺ: «لَعَلَ الله اطَلَعَ على أَهْلِ بَدْرٍ فقال: اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ»، ولازمهم وصف «البدريون»، وكونوا الطبقة الأولى من الصحابة، واحتلوا أوائل التراجم في كتب الطبقات، وأعطاهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه أعلى العطاء.
معالم التخطيط في غزوة بدر
تقصي أخبار العدو، فقد أرسل ﷺ عدي بن أبي الزغباء وبَسْبَس بن عمرو الجهني، طليعةً يوم بدر، فرجعا إليه بخبر القافلة.
مشورة الحباب بن المنذر في مكان نزول المسلمين، وبناءه حوض الماء، فكان المسلمون يشربون ومُنع المشركون منه.
بناء سعد بن معاذ العريش مقرًّا لقيادة الجيش.
قتال المسلمين بنظام الصفوف المرصوصة، وهو نظام لم تعهده العرب فقد كانوا يقاتلون بأسلوب الكرّ والفرّ.
أمر النبي ﷺ المسلمين أنْ ينضحوا المشركين بالنبل أولًا ثم بالرماح، ولا يستلّوا السيوف حتى يغشونهم.
التوكل على الله والأخذ بالأسباب
لم يغفل رسول الله ﷺ مبدأ التوكل على الله تعالى بعد الأخذ بالأسباب، ويظهر ذلك منْ دعائه ليلة المعركة حتى سقط رداؤه وهو يقول: «اللهم أَنْجِزْ لي ما وَعَدْتَنِي، اللهم آتِ ما وَعَدْتَنِي، اللهم إن تهْلِكْ هذه الْعِصَابَةَ من أَهْلِ الإِسْلامِ لا تُعْبَدْ في الأرض».
الأخوة في الله
رابطة قوية جمعت قلوب المؤمنين، تجلّت لما كان رسول الله ﷺ يعدل صفوف أصحابه وفي يده قَدح، فمر بسواد بن غزية وهو مستنتل من الصف، فطعن في بطنه بالقدح، وقال: «استو يا سواد»، فقال: يا رسول الله! أوجعتني وقد بعثك الله بالحق والعدل، فأقدني.
فكشف رسول الله ﷺ عن بطنه، وقال: «استقد»، قال: فاعتنقه فَقَبَّل بَطْنه، فقال: «ما حملك على هذا يا سواد؟» قال: يا رسول الله! حَضَر ما ترى، فأردت أن يكون آخر العهد بك: أن يمس جلدي جلدك! فدعا له رسول الله ﷺ بخير.
الصدق والبذل
دنا المشركون فقال رسول الله ﷺ: «قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض»، فقال عمير بن الحمام الأنصاري: يا رسول الله، جنة عرضها السماوات والأرض؟ قال: نعم، قال: بخ بخ!
فأخرج تمرات فجعل يأكل منهن، ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة، فرمى بما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قتل.
العلم والعمل في معرفة أخبار العدو
حرص النبي ﷺ على معرفة أحوال المشركين فأرسل مجموعة من أصحابه فيهم علي والزبير وسعد فأسروا غلامين يستقيان لقريش، عرفوا منهما أعداد المشركين وأسماء قادتهم، فقال لأصحابه: «هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها».
كما قسمّ المسلمين إلى كتيبتين: المهاجرين بقيادة علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه، والأنصار بقيادة المقداد بن الأسود رضي الله عنه.
عاتب المولى سبحانه المسلمين الذين كانوا يرغبون بالقافلة، وفضّلوا الحصول على الأموال وعدم القتال، فبيّن لهم ثواب الجهاد والشهادة في سبيل الله تعالى، ودورها العظيم في رفعة الأمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق