الأحد، 14 يوليو 2013

ليست من جمهوريات الموز

ليست من جمهوريات الموز 


صورة ليست من جمهوريات الموز
محمد علي يوسف
اصطُلح على إطلاق وصف جمهوريات الموز على تلك الجمهوريات الصغيرة بأمريكا الوسطى ومنطقة البحر الكاريبي، والتي تعاني كل فترة -أو كانت تعاني- من عدم الاستقرار السياسي وانقلاب الجنرالات على الحكومات والسلطات المدنية المنتخبة.
ثم اتسع المفهوم ليشير إلى دول أمريكا الجنوبية وآسيا وأفريقيا التي تعاني من نفس الحالة غير المستقرة والتي تسيطر فيها القوة على المشهد حتى لو لم تكن من الجمهوريات التي تزرع (الموز).
وها هنا في مصر ظننا بعد ثورة يناير أن الأمر قد صار مستبعدا ومضى زمان الانقلابات أو التدخلات العسكرية وفرض الرأي بالقوة، ورحلت عهود التزوير ونسب الـ 99.9 % إلى غير رجعة خصوصا بعد انتخابات رئاسية كان الفارق فيها بين الرئيس والوصيف لا يجاوز الـ 3%.
صارت مصر بعيدة كل البعد – أو هكذا تصورنا – عن مشهد جمهوريات الموز لكن ها هو الأمر يعود من جديد.
أعلم أن هناك محاولة اتفاق على مقاومة لفظ (الانقلاب) بشتى السبل والإصرار على ترسخ وتوصيف ما حدث في مصر آخر يونيو بالثورة أو تشبيهه بما حدث في يناير 2011 على أساس أن العسكر أيضا في تلك الأيام كانوا قد أجبروا مبارك على التنحي.
لكن الحقيقة أن الأمر هنا مختلف شاء من شاء وأبى من أبى.
لنحاول في السطور القادمة معاودة توصيفه بشكل أرجو أن يكون منطقيا وهادئا، فلو عقدنا مقارنة بين 25 يناير و30 يونيو فسنجد فوارق جوهرية من أهمها تلك الكلمة التي أنهيت بها العبارة قبل الماضية.
كلمة "التنحي":
فلو أننا سلمنا جدلا برواية أن العسكر قد انقلبوا على مبارك أو أجبروه على التنحي وأنه لم يكن ليفعل ذلك طوعا أو أنه كان ليصمد أمام تلك الموجة الشعبية العارمة التي كان لديها ثأر ثلاثين عاما من الطغيان والدم والتعذيب معه ومع نظامه فلا نستطيع أن ننكر أن المجلس العسكري بقيادة طنطاوي قد أتقن إخراج المشهد ليبدو بشكل لائق على الأقل ظاهريا.

بدا ذلك في الصياغة الشهيرة التي تلاها اللواء عمر سليمان والتي فيها أن الرئيس - وهو هنا السلطة الأعلى- قد كلّف (وركِّز في كلمة كلّف هذه) المجلس الأعلى للقوات المسلحة - وهو هنا السلطة الأدنى - بإدارة شئون البلاد والله الموفق والمستعان.
(وبالمناسبة حتى لا ننسى هو رئيس مزور أجمع الخلق على أنه ونظامه قد احترفوا التزوير في سائر انتخاباتهم واستفتاءاتهم لعقود طويلة وهذا أيضا بلا شك فارق جوهري لا يغفل).
إذن فقد كلف الرئيس مرءوسيه والقائد جنوده، هكذا بدا الأمر وهكذا انتهى.
ولو سلمنا أن لمبارك مؤيدين كثرا فقد تحطمت أحلامهم على صخرة التنحي -بإرادته- على الأقل فيما يظهر للناس.
أما في حالة يونيو فرغم كثرة الحشود التي لا ينكرها منصف والتي طالبت برحيل د. مرسي إلا أنه لم يرحل، لم يحدث تنحي أو استقالة أو حتى استفتاء، بل على العكس حتى آخر لحظة أصر على أنه الرئيس الشرعي للبلاد.
دع عنك رأيك فيه وفي شرعيته وانزع عنك لدقائق معارضتك له أو تأييدك إياه وتعال نتحدث بهدوء عن توصيف لمشهد يريد البعض أن يغضوا الطرف عنه.
خلال ثلاثة أيام فقط لم يستطع العسكر الصبر كأسلافهم لإعطاء بعض ما يسوغ فعلهم على الأقل ظاهريا أو حتى يتركوا الأمر للجماهير وإنما تقدموا بفعل واضح.
إذن تستطيع كما يقال باللفظ الأدق من بعض بقايا الإعلاميين المهنيين أن تقول أنه عُزل جبرا، ولم يسر الأمر كما ينبغي من خلال الدستور حتى بتولي رئيس الوزراء أو رئيس مجلس النواب أو حتى رئيس المحكمة الدستورية الذي هو فعليا لم يقسم اليمين أمام رئيس الجمهورية كما ينص القانون ليتولى شرعيا منصبه الأول المؤهل لمنصبه الثاني.
لذا فقد لجأت القوات المسلحة ووزيرها (المعين) لتعطيل الدستور المستفتى عليه وذلك لتتمكن من تخطي كل العوائق والشخصيات التي ينبغي قانونا أن تشغل المنصب المحال بين شاغله الرسمي وبين أداء مهام منصبه.
ورغم محاولة صناعة مشهد ديكوري جذاب تقف فيه الشخصيات والرموز الدينية الرسمية جنبا إلى جنب مع البدل العسكرية والشخصيات الليبرالية والمدنية واللحية السلفية إلا أن هذا لم ينف أمام العالم كله حقيقة الأمر، وهو أن عسكريا (مُعينا) قد عطل دستورا (مُستفتىً عليه) وعزل رئيسا (منتخبا) وعين رئيسا (غير منتخب) متجاوزا في طريقه شخصيات منها واحد على الأقل منتخب وهو رئيس مجلس الشورى.
يعني ببساطة القوة العسكرية -التي لا أنكر أنها مدعومة بجموع بشرية كبيرة من الشعب- قد فرضت إرادتها بالقوة على سلطة منتخبة وجعلت الوزير المعين يعزل الرئيس المنتخب وليس العكس كما يجري في سائر بقاع الأرض حتى في جمهوريات الموز التي استقامت فيها طرق تسليم السلطة مؤخرا.
هذا يسمى في كل الأعراف انقلابا عسكريا.
تستطيع أن تزيد أنه مدعوم بضغط شعبي أو تسميه ضغطا شعبيا أو ثورة كللها انقلاب خشن وليس حتى انقلابا ناعما كالذي يتردد أنه حدث في 2011.
لذا وجدنا السلطة الجديدة تتعامل مع آراء ومنابر السلطة المنقلب عليها بقسوة لم نرها قط مع مثيلتها في يناير، وذلك ببساطة لأن الوضع في يناير كما قلت كان مغايرا والمؤيدون للنظام إن وجدوا فقد يئسوا فورا واستسلموا لتكليف قائدهم المتنحي لمجلسه العسكري.
أما هنا فكأي انقلابي يعترف بحقيقة فعلته ويعلم أن هناك رئيسا لم يتنح وله في كل أنحاء الدولة عدد كبير لا يستهان به من المحبين والمؤيدين المؤدلجين وغير المؤدلجين ممن يرفضون انتهاك أصواتهم وإرادتهم ومن ثم فهم يرونه لم يزل رئيسا شرعيا وتجعلهم أيديولوجيتهم وقضيتهم كتلة صلبة مرشحة للتزايد وليس للنقصان.
لذا فقد كان على السلطة كعادة الانقلابات الخشنة أن تخرس كل صوت يخالفها ويبين للناس حقيقة الأمر ويسميه باسمه الذي يطلقه العالم كله تقريبا، (Military Coup) انقلابا عسكريا.
هكذا بكل وضوح يطلق العالم كله على ما حدث في مصر اللهم إلا بعض المصريين ممن يصرون على تسمية الأشياء بغير مسمياتها، سمه إن شئت انقلابا ناعما أو سمه انقلابا أيدته جموع كبيرة أو جموعا كبيرة أيدت انقلابا، سمه كما شئت لكنه في النهاية يظل انقلابا.
وبالتالي كان لابد لهم لإتمام المخطط من التحفظ على الرئيس المنتخب وإبعاده عن أي تواصل خشية الوقوع في ازدواج الشرعية خصوصا إذا تمكن مؤيدوه من الوصول إليه كما حدث في النموذج الفنزويلي مع شافيز.
ثم تأتي المرحلة الثانية من أي انقلاب يحترم نفسه وهي مرحلة القمع والبطش التي بدأت إرهاصاتها في مصر بالفعل منذ أيام وكانت مع قسوتها محدودة حتى الأحد وظننا أن من في السلطة يراهنون على (زهق) أو ملل المؤيدين ورحيلهم أو رحيل أكثرهم، لكن يبدو أن من في السلطة لم يتحملوا وقصر نفسهم عما توقعناه وكانت المذبحة المؤلمة عند نادي قوات الحرس الجمهوري والتي لم تنجح رتوشهم الإعلامية وأبواقهم الكاذبة في تحسين صورتها بعد مقتل العشرات وإصابة المئات في مشهد بشع لم نكن نتصور ولا نتمنى رؤيته في مصر.
لكن يبقى إلى الآن ورغم آلام ما حدث الأمر لم يصل إلى مرحلة القمع الشامل التي يسقط فيها في جمهوريات البطش آلاف الضحايا، والتي يلجأ إليها الطغاة ضد من يظلون صداعا لا يعترف بشرعيتهم الجديدة فينتقلون كما في النماذج الانقلابية في العالم كله إلى قمعهم سواء بالسجن أو القتل.
وهذا سيكون أمرا في غاية الصعوبة في الحالة المصرية المختلطة والتي لا تعاني من تمايز طائفي أو عرقي حاد يسهل القمع دون ثمن يؤثر على تماسك الكتلة المؤيدة للانقلاب والتي منها بلا شك كثير من أقارب وأصدقاء وأبناء وآباء لأولئك المناوئين لها لن يرضوا بقتل إخوانهم وأصدقائهم وأقاربهم أو قمعهم بشكل مستفز من أجهزة ومؤسسات يفترض دوما أنها ضد الثورات لكنها ويا للعجب دعمت وشاركت فيما يحلو لهم تسميته بـ ثورة 30يونيو.
هذا طبعا بخلاف المشهد الدولي الذي يراقب عن كثب ما يحدث ليرى هل تصل الحالة المصرية إلى هذه الدرجة الحرجة التي ستؤثر بلا شك على تماسك واستقرار المنطقة كلها أم لا.
لذا وبعد تلك المحاولة التوصيفية (وليست التحليلية) أقول إن الوضع لم يزل مشتبكا والأمر لم ولن ينتهي في تقديري ببساطة خصوصا مع الحالة المصرية المعقدة التي يعجز أبرع المحللين عن الجزم بما يمكن أن تئول إليه تفاصيل أحداثها بعد ساعة وليس فقط بعد يوم.
فمصر اليوم كما قلت ليست مصر الأمس ولم تعد كما كان يقال عنها من قبل إبان النظام الديكتاتوري البائد جمهورية من جمهوريات الموز.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق