الأحد، 8 سبتمبر 2013

حرب الجنرالات على بيوت الله


حرب الجنرالات على بيوت الله



سمير الحجاوي

المعركة ضد الإسلام في مصر بدأت تأخذ أبعادا خطيرة بعد الإطاحة بالرئيس الشرعي المنتخب الدكتور محمد مرسي، وهي معركة ثقافية اجتماعية يشنها الجنرالات الانقلابيون وشركاؤهم العلمانيون من ليبراليين وقوميين ويساريين ويشارك فيها "مؤسسة الأزهر الرسمي" ووزارة الأوقاف وبعض التيارات السلفية والطرق الصوفية وأجهزة الأمن والمخابرات والبلطجية في سابقة لم تشهد لها مصر مثيلا بهذه الحدة والاتساع والشراسة واللاخجل.

هذه الهجمة الشرسة على مساجد مصر تشكل أحد أهم وأخطر تعبيرات الهجوم الشامل على الإسلام هناك لأن المساجد تشكل الحاضنة الأساسية للدعوة الإسلامية والعمل لنشر الإسلام وقيمه ومبادئه في المجتمع، فاستهداف المساجد هو استهداف للنواة الصلبة للإسلام وهجوم على الحاضنة الأساسية لتربية النشء والأجيال، فلطالما اعتبر المسجد مركزا للعبادة والإيمان وصهر المجتمع وبناء المزاج المشترك وتوحيد القيم النفسية، العدوان أو التصدي للطغيان، وهذا ما يجعل طغاة مصر يحسبون ألف حساب للمساجد والأئمة والدعاة ويرتجفون خوفا من حلقات الذكر ومن ترديد شعار "الله أكبر" صباح مساء.

هذه الحقائق التي يخشاها نظام السيسي الانقلابي في مصر والتي تؤرق الجنرالات الانقلابيين خاصة وزير داخليتهم محمد إبراهيم وأدواتهم في المؤسسات الدينية الرسمية دفعتهم إلى إعلان الحرب على المساجد ومهاجمتها وقتل من فيها وحرق جثث الشهداء بعد اختطافها من بيوت الله وقصف هذه المساجد بالأسلحة الثقيلة ومحاصرتها وتجويع من فيها وتسليط البلطجية على من احتموا بها بعد أن ظنوا أن بيوت الله آمنة وأن زبانية السيسي ومحمد إبراهيم لن يلاحقوهم داخلها.

الإجراءات المعادية للمساجد تصاعدت في ظل حكم العسكر من إغلاق المساجد بعد الصلاة إلى إلغاء صلاة العشاء في 80 مسجدا من مساجد أسيوط ثم منع صلاة الجمعة في 80 مسجدا في أسيوط ومئات المساجد الأخرى في مصر وصولا إلى إغلاق 2200 مسجد في الفيوم وطرد 1000 إمام في الفيوم وإلغاء تراخيص 100 خطيب في أسيوط واعتقال عدد من كبار الدعاة، وأغلقت قوات الجيش والشرطة مسجد عمر بن عبدالعزير، وتم منع المصلين من أداء الصلاة به لأول مرة منذ إنشائه بميدان المديرية بمدينة بني سويف عام 1978.. كل ذلك عن طريق وزارة الأوقاف ومؤسسة الأزهر

ربما لم يشهد تاريخ مصر الحديث استهدافا "وقحا" للمساجد وبيوت الله كما يحدث في عهد فرعون مصر الصغير عبد الفتاح السيسي وهامانه الأصغر محمد إبراهيم، وهو استهداف لا يقف عند أي حد وليس فيه أي احترام للأمة وعقيدتها ودينها وحضارتها ومساجدها ورسولها ومؤمنيها، وهو استهداف يطال رموز الأمة الإسلامية المصرية وكيانها باستخدام وزارة الأوقاف التي يفترض أن تحمي بيوت الله لا أن تخربها.

هذه الحرب "الوقحة" ضد الإسلام أصبحت علنية "جهارا نهارا"، فكفار مصر أو ما يطلق عليهم "علمانيون لا دينيون" يطالبون بتحويل مصر إلى دولة لا دينية "علمانية" لا علاقة للإسلام بالحياة فيها وهذا ما كشفته التسجيلات التي تسربت عن اجتماعاتهم السرية، وفي أحد هذه الاجتماعات الذي كان يبث على الهواء بطريق الخطأ قال العلماني حلمي النمنم إن "مصر بلد علماني بالفطرة مش إسلامي أنه لا بد من إخراج التيار الإسلامي من اللعبة سواء كان الإخوان المسلمين أو حزب النور وادعى أنه لا توجد ديمقراطية من دون سفك دم وأن الدم في مصر "نزل وحينزل"، أما عدو الإسلام الأكبر تهاني الجبالي فقالت إن "هناك اشتباك حقيقي بين النخبة والإسلاميين"، وخرج الناشط السياسي العلماني أحمد دومة في أحد البرامج ليقول إنه لن يؤمن بالإسلام وقال ما نصه:"هو فعلا دين الإسلام بيدعو لقتل الخارجين على الحاكم الظالم القاتل المستبد طب ما بناقص بالإسلام أصلاً وأنا أؤمن بهذا الدين ليه". وهذا يظهر المدى الذي وصل إليه "العلمانيون اللادينيون" في مجاهرتهم ضد الإسلام.

هذه السلسلة المتواصلة من استهداف الإسلام والعروبة وصلت إلى الهجوم على دستور 2012 الذي وافق عليه ثلثا الشعب المصري، وقام الانقلابيون وحلفاؤهم من العلمانيين اللادينيين بحذف الإشارة في الديباجة إلى ثورة 25 يناير التي كانت مذكورة في ديباجة دستور 2012 باعتبار أنه دستور الثورة " ثورة 25 يناير"، مما يثير الشكوك حول موقف لجنة تعديل الدستور من الثورة، وكذلك يبعث القلق على وضع ثورة 25 يناير في مرحلة ما بعد انقلاب 3 يوليو، وتم تعقب أي تعبير عن الهوية العربية والإسلامية في دستور 2012 وحذفها باستثناء المادة الثانية بالمخالفة لما كشفت عنه ثورة 25 يناير من انحياز الشعب لهذه الهوية ورغبته في إظهارها والتعبير عنها.
 وقامت اللجنة التي عينها الانقلابيون وحلفاؤهم من العلمانيين اللادينيين بإلغاء المادة 219 المفسرة لمبادئ الشريعة والتي تم ذكرها متصلة بالمادة الثانية بالإعلان الدستوري، وتقليص دور الأزهر حتى تم حذف فقرة من المادة 4 " أخذ رأي هيئة كبار العلماء في شؤون الشريعة الإسلامية، كما تم حذف كلمة " الشورى" من مادة 6، وحذف مادة رقم "11 " ونصها " ترعى الدولة الأخلاق والآداب العامة والنظام العام والمستوى الرفيع للتربية"، وحذف المادة رقم 12 ونصها " تحمي الدولة المقومات الثقافية والحضارية واللغوية للمجتمع، وتعمل على تعريب التعليم العلوم والمعارف".
وإلغاء مادة الوقف "25"، وحذف المادة رقم (44) ونصها "تحظر الإساءة أو التعريض بالأنبياء والرسل"، حذف المادة (81) ونصها "وتمارس الحقوق والحريات بما لا يتعارض مع المقومات الواردة في باب الدولة والمجتمع بهذا الدستور. وعمدت هذه اللجنة الانقلابية إلى تكريس هيمنة المحكمة الدستورية العليا على تفسير الدستور والقانون بعدما حدده دستور 2012، وتقليص عدد من حقوق المواطن تجاه الدولة مثل ضمان حد الكفاية ومنع الاحتكار.
وكرست مبدأ هيمنة رأس المال والنفوذ باختيار النظام الفردي الذي يضعف الأحزاب السياسية والبرامج، وحظر إقامة الأحزاب على أساس ديني مع غموض تفسير هذا الأمر واختلاف المحاكم في شأن الأحزاب التي تنص برامجها على تفعيل المادة الثانية من الدستور، هل هي قائمة على أساس ديني أم لا.

كل هذه التعديلات التي تنسف الدستور الذي وافقت عليه غالبية الشعب المصري تعني نسف الإرادة الشعبية من أساسها ونسف قيم المجتمع وأخلاقياته ومنطلقاته الدينية والعقائدية والأخلاقية والحضارية والعروبية، وهي تعني بشكل واضح أنها حرب ضد الأمة وعمودها الفقري ومكوناتها الأساسية، وليست حربا ضد الإخوان المسلمين فقط، فالحرب المعلنة ضد الإخوان المسلمين ليست أكثر من رأس الجبل، أما الجبل المراد هدمه فهو الإسلام نفسه، وهؤلاء الجنرالات الانقلابيون من عبد الفتاح السيسي إلى محمد إبراهيم ومعهم رجال الدين "المخبرون من فقهاء السلطان" والعلمانيون اللادينيون والبلطجية ينفذون "مخططا شيطانيا واعيا" لأنهم يدركون ما يقومون به للوصول إلى أهدافهم اللعينة..

مصر تئن تحت وطأة حرب ضد الإسلام والعروبة والهوية وليست ضد فصيل بعينه، ومن الغباء الاعتقاد أن هذه الحرب ستضع أوزارها بسهولة، فشوكة الشر أقوى مما نتصور، وعلى الإسلاميين أن لا يلعبوا في الهوامش وأن يخوضوا الحرب في مركز الدائرة بكل قوة وثبات لأن التراجع مهلكة ما بعدها مهلكة.

hijjawis@yahoo.com


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق