حسام الغمري يكتب : وفي الحروب نعامة (4)
انهيار حلم الوحدة الزائف
الشاعر العربي القديم بما عُرف عنه من حكمة و فلسفة استطاع توثيق حالة الحاكم المتُجبر على العُزل من شعبه ، وجبنه وفزعه من ملاقاة الاعداء ان اظهروا بعض قوة ، وهذا شأن الجبناء ضعفاء النفوس في كل زمان ومكان ، لا يظهرون شجاعة و بأسا الا على الضعفاء !!
يقول الشاعر العربي :
أسد على وفي الحروب نعامة
فتخاء تنفر من صفير الصافر
هلا برزت الى ” غزالة ” في الوغى
أم كان قلبك في جناحي طائر !!
تولى المقبور عبد الناصر حكم مصر بعد 30 عاما فقط من انهيار الخلافة الاسلامية وكان كثير من المسلمين مازلوا يأملون في استعادتها ، فسّوق لهم المقبور حلما جديدا للوحدة تحت شعار القومية العربية ، التي سخر لها آلته الاعلامية الجباره بمقاييس عصره .
ولكن أبت الاقدار الا ان تكشف زيف حلمه وخبث نواياه وابعاد حقده الذي خدع الملايين ، فنحن أمة أسسها بلال الجبشي مع صهيب الرومي وسلمان الفارسي برفقة النبي العربي واصحابة ، حيث لا فرق لعربي على أعجمي الا بالتقوى ، مع ذلك وبرغم ان سوريا بجاهها ووجاهتها أتت الى المقبور عبد الناصر وعصابته العسكرية فاتحة ذراعيها في ليلة جميلة من شتاء العام 1958 ، لتعلن بعد مباحثات عاطفية عن وحدة اندماجية مع مصر تحت مسمى الجمهورية العربية المتحدة ، لتوضع اسرائيل نظريا بين شقي الرُحى ، الا انها واقعيا تنعم بدفء عملاء مزروعين في جسد أمتنا بدقة متناهية كنتاج لعمل دئوب عرف به اولاد العم ، الا ان ممارسات المقبور عبد الناصر والظلم الذي تعرض له اشقائنا في سوريا فتك بهذا الحلم الزائف ، خدمة لاسرائيل التي هي في واقع الامر لا تطيق الاستمرار في قتال بقعه صغير من الارض مسلمة صابرة كقطاع غزة !! .
واسباب الانفصال متنوعه ، ولست ادري يقينا هل هي نتاج لغباء المقبور عبد الناصر وعصابته العسكرية ، أم بارادة حقيقة منهم لتحطيم الحلم المهلك لاسرائيل ، حلم عودة الوحدة للاراضي الاسلامية !!
ونستطيع ان نلخص هذه الاسباب في النقاط التالية :-
أولا : المجال الاقتصادي
يعتبر الاداء الاقتصداي للمقبور عبد الناصر وعصابته العسكرية أحد ابرز اسباب انهيار الوحدة . فقد كانت سورية في وضح اقتصادي جيد في الموازنة العامّة في حين كان المقبور وعصابته العسكرية يعتبرون الوحدة مجرد انقاذ لهم من إفلاس محتمل في مصر، فلا يخفى على أحد أن عصابة المقبور سخرت الاقتصاد السوريّ فيما بعد لمصالحهم الشخصية ، فعبئت البضائع المستوردة (من أدويّة وسيّارات وأجهزة كهر بائية ومنزلية وترفيهية) وتم شحنها لحسابهم ، وافتقدت تلك الأصناف في سورية بالإضافة إلى أصناف أخرى.
كما أن محاولة دمج الخطوط السورية بشركة مصر للطيران عام 1960م واستيلائها على رصيدها البالغ ستة ملايين دولار أمريكي في ذلك الوقت كانت الشركة قد ادخرتها لشراء عدد من الطائرات الأقوى من الدوغلاس التي كانت تمتلكها آنذاك، ومحاولة فرض شراء طائرات من نوع فايكونت للتوحيد مع الطراز المصري أكبر دليل على أطماع العسكر في الاقتصاد السوري.
كما أن التاجر السوري لم يسمح له بإدخال الصناعات السورية المنافسة إلى الإقليم الجنوبي ( مصر ) ولم يضمن له حرية التجارة على عكس التاجر المصري الذي قدمت له جميع التسهيلات ولا ننسى أن أهم الوظائف والمراكز الحكومية بالإقليم الشمالي كانت آنذاك بيد المصريين كما أن القائمين على الوحدة قاموا بتحويل عدد من المشاريع المقامة أو التي تقام لصالح الإقليم الجنوبي( مصر) ومنها معمل للعتاد العسكري كان يبنى في حلب وعدد من المشاريع التنموية والاقتصادية الضرورية للإقليم الشمالي ( سوريا ) .
ثانيا : المجال العسكري
بدأت عصابة المقبور عبد الناصر بعملية تصفية منظمة للضباط السوريين من خلال تصفية العناصر ذات الكفاءة القديمة – بحجة خشية قيامها بانقلاب وهو ما يزرع الشك في نوايا المقبورعبد الناصر وعصابته العسكرية لأن الجيش السوري هو أول من ألزم الحكومة المدنية ونظام الرئيس القوتلي بالوحدة مع مصر – وذلك من خلال نقلهم إلى جهات إداريّة مدنيّة وزارية أو دبلوماسيّة لا يعرفون عنها شيئاً أو إحالتهم إلى التقاعد القسري أو الطوعي مقابل رواتب تقاعدية كبيرة ، كما منعت البعثات العسكرية للتخصص في الفنون القتاليّة – ولست أدري كيف يدعى الناصريون ان زعيمهم المقبور كان ينوي صدقا قتال اسرائيل وهو يصفى ابرز عناصر جيش الشمال – ، أو بندب الضباط السوريين للخدمة في مصر وتكليفهم بأتفه الأمور وأبسطها مما لا يليق بهم وبرتبهم وبماضيهم ، ولا ننسى تفضيل الضباط المصريين عليهم في الترقيه ومنح السلطات لهم ومحاولة إذلال بعض كبار الضباط السوريين من الذين طالبوا بتحسين الوضع العسكري للجيش السوريّ ، ولا ننسى أن القائمين على الوحدة قد حاولوا تحويل صفقات الأسلحة السورية مع السوفييت لصالحهم في الإقليم الجنوبي على حساب جيش الإقليم الشمالي بدعوى طول خط الحدود مع إسرائيل.
ثالثا : توطين المصريين في سوريا
بدأت فكرة توطين المصريين في سورية تتضح في الموقف الرسمي المصري من خلال تأمين عملية توظيف المصريين في الجيش والقوّات المسلحة من جهة ومن جهة أخرى من خلال توزيعهم على الدوائر الحكومية وتعيينهم في المراكز الهامّة في قطاعات الدولة ووزاراتها المختلفة وخاصة تلك المستحدثة خصيصاً لهذه الغاية ولم يكن لها عمل يذكر في حين كان إدارة دفتها إلى حشود الفنيين والإداريين المصريين الذين كانت تتحمل رواتبهم وتعويضاتهم الخزينة السورية دوناً عن الخزينة المصرية دون أن يؤدوا أو أن يكون لهم عملاً يذكر وقد بلغ متوسط ما دفع للموظفين المصريين المنتدبين في آخر سنة من الوحدة خمسين مليون ليرة سورية ” باسعار الستينات ” !!! كانت تتحملها الخزينة السورية على شحّ مواردها وضعف إمكاناتها علماً أن انتداب السوريين في مصر لم يكن يحدث إلا في أندر الحالات مع فرق كبير في الرواتب والتعويضات من جهة والمعاملة الرسميّة من جهة ثانية .
رابعا : الحقد الذي عرف عن المقبور عبد الناصر
أصدر المقبور عبد الناصر وعصابته العسكرية جملة من التشريعات التي أدت إلى اضطراب الثقة بين الحاكم والمحكوم على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي من نتيجتها تدني قسمة النقد السوري من جهة ومن جهة أخرى وقف دولاب العمل وارتفاع معدلات البطالة لأول مرة في تاريخ سورية رغم أنها كانت أفضل قبل الوحدة ونشير هنا إلى قانون التأميم الذي أصدر في تموز من عام 1961م لما رافقتها من ارتجال وغموض وبلبلة واضطراب في السوق السورية، وقد دلت التقارير الرسمية أن معدل التسريحات في دمشق ومحافظاتها كان يقارب 2560 عاملاً شهريا وذلك بسبب خشية القطاعات الاقتصادية والصناعية من التأميم بسبب ضخامتها وحتى صغار الصنّاع قد بدؤوا تخفيض عدد عمالهم .
وكان من أسخف المشاريع التي حاول المقبور عبد الناصر وعصابته العسكرية من خلالها تجزئة سورية لمناطق يسهل حكمها ، قانون الحكم المحلي الذي طرحته القاهرة فكان أمضى تعليق عليه ما قاله المحافظ السوري ” يحيى علي أديب ” الذي أشار في مطالعته على المشروع إلى أن الانتداب الفرنسي أيام بسط نفوذه على سورية لم يجرؤ على تطيق نظام إداري مماثل في الحكم.
خامسا : كبت الحريات وشراء الضمائر
أسس المقبور كيان بوليسي لم تعهده سوريا من قبل ، وهو البلاء التي ابتليت به سورية فيما بعد من خلال أنظمة عملت على استلهام وتقليد نظام المقبور عبد الناصر وعصابته العسكرية وأسلوب إدارته في الحكم.
فقد عاش الشعب السوري في سجن كبير حيث طبق سلاح الترغيب والترهيب في دولة كان القائم عليها عسكري هو عبد الحكيم عامر ورجل بوليس هو رجل المكتب الثاني عبد الحميد السراج ، فمن لا يشترى سكوته عن الحق بالمال والسلطة والإغراءات الأخرى كان يشترى سكوته بإخراسه أو سجنه وتعذيبه ، وسارت الدولة على سياسة التسلط واستعملت سياط الجور والظلم وأقبية السجون وجحيمها للجم السوريين الذين لم يعرفوا النظام البوليسي في الحكم قبل الآن.
وانقلب المواطنون السوريون إلى حالة من اليأس والقنوط والسلبيه لم تعرفه سورية في تاريخها حتى عندما كان الفرنسيون في أبلغ نوبات غضبهم وجنونهم ، فقد عمد المسئولون إلى تعطيل صوت الحق، ووأد الأنفة التي تحلى بها السوريون وقد ظن الحاكم المتفرد في السلطة أنه لن يجرؤ أحد على رفع صوته أمامه أو رفع رأسه ولو مطالباً بحقه وقد ظن المقبور انه يستطيع ان يحكم السوريين بالسياط كما يحكم المصريين الذين رضخوا له .
نهاية الحلم الزائف
مرت أيام شهر سبتمبر حافلة بالاضطرابات فالمقبور أرسل المشير عبد الحكيم إلى سورية ونقل عبد الحميد السراج إلى القاهرة ، ليستقيل عبد الحميد السراج فجأة ويبدأ المشير سلسة من الإجراءات التي تهدف إلى استئصال كتلة عبد الحميد وأنصاره من أجهزة الحكم بأنصار جدد هم موضع ثقة.
وكان جهد المخلصين الغيارى على الوحدة يتركز في إصلاح الوضع وتقويم أساليب الحكم في سورية فقد شعر هؤلاء أن أسلوب الحكم بدا متعثراً فقد صارت الوزارات والمصالح الحساسة إلى أيد غير أمينة ولا اختصاصية لا ترتكز إلى أي تأييد شعبي تنفيذاً لخطة تصفية الجيش من خيرة عناصره التي اتبعها المقبور وعصابته العسكرية .
وقد تشكلت عدد من الحلقات التي تضم الشباب لمناقشة أسباب الانحرافات التي تعاني منها الوحدة، وأسباب تلك المشاكل وتم رفعها إلى الجهات المسئولة واجتمعت الآراء بين كل السياسيين القدامى والشباب على وجوب معالجة الأمور بالحكمة والصراحة حتى يصان وجه الوحدة .
وكان هدف جميع دعوات الإصلاح هي إلغاء الجدار بين الدولة والشعب الذي أقيم على الرعب والتهديد والجبروت المبني بجدار بوليسي متين وكانت حركات الإصلاح التي تحرك بها السياسيون السوريون هدفها الإطاحة بهذا الجدار ، ولكن لا حياة لمن تنادي . وحين أطل سبتمبر عام 61 كانت نذر الثورة على حكم المقبور وعصابته العسكرية تلوح للعيان.
ففي الساعات الأولى من صباح الثامن والعشرين من سبتمبر صحا الناس على تبادل عيارات نارية في أنحاء متفرقة من البلد، وانبلج الصبح فإذا بدبابات ومصفحات ومجنزرات قوات البادية تحاصر الدوائر الرسمية وتتجول في الشوارع الرئيسية بدمشق.
الإذاعة استهلت برامجها ببث للقرآن الكريم، وفي حوالي الساعة السابعة والنصف صباحاً صدر البيان رقم 1 عن القيادة الثورية العربية العليا للقوات المسلحة ونصّه:-
لقد قام جيشكم الذي كان دائماً وسيبقى أبداً دعامة وطنيّة راسخة، قام للحفاظ على أرض الوطن وسلامته وحريته وكرامته، قام لإزالة الفساد والطغيان، ورد الحقوق الشرعية للشعب، واننا نعلن أن هذه الانتفاضة لا صلة لها بشخص أو بفئة معينة، وانما هي حركة هدفها تصحيح الأوضاع غير الشرعية. فيا أيها الشعب العربي، ثق بجيشك فإننا أقوياء بعون الله وبقوته .
إننا قد طرقنا على كل باب للإصلاح قبل أن ننفجر، فلم نجد إلا القوة سبيلاً لكي تعاد إلى الشعب حريته وللجيش كرامته. ولن نرضى بعد اليوم لراية العروبة مقراً إلا هامات النصر وهذه دماؤنا نكتب بها أننا وفينا العهد وأبينا العيش إلا كراماً، والعزّة للعرب .
وقد شده الناس للحدث وقابلوه بالتهليل والتكبير وانفجروا بعد اليأس المرير وخرجت الجموع في الشوارع تهتف للجيش والانتفاضة محطمة كل الشعارات التي زيفها حكم المقبور وعصابته العسكرية المتداعي.
وتوالت البلاغات فكان البيان رقم 2 يوضح أسباب الثورة والانتفاضة والبيان رقم 3 صدر للحض على المحافظة على الأخوة المصريين وحسن معاملتهم. والبيان رقم 4 القاضي بإغلاق المطارات السورية والموانئ السورية .
في تلك الأثناء كان المقبور عبد الناصر يهدد ويتوعد في الإذاعة ويحرض الجيش العربي في سوريا على الاقتتال زاعماً أن الانتفاضة هي حركة تمرد لبعض الضباط فجاء البيان رقم 5 معلنا نجاح الحركة في كل أنحاء سوريا وأن الحالة هادئة ولم تقع أية حوادث بفضل تعاون الجيش والشعب في سوريا .
ثم جاء البيان رقم 6 لمنع استغلال الحركة بعد أن قامت بعض العناصر المؤيدة للسراج بحمل صوره والسير بها في تجمعات صغيرة في الصالحية.
أما البيان رقم 7 فقد تضمن منع المظاهرات والتجمعات.
وجاء البيان رقم 8 ليندد بالمنبوذين المرتزقة. ويهدد بأي محاولة لاستغلال الحركة.
وكان مصير عبد الحكيم عامر غامضاً حتى صدور البيان رقم 12 القاضي بمغادرته البلاد إلى القاهرة في الساعة الخامسة والثلث مساءً.
وكان أن صدر البيان رقم 14 الذي يعلن انضمام حلب إلى الحركة تقديم الولاء لها بالبرقية المرسلة من قائد مركز التدريب في حلب إلى القيادة الثورية
ثم صدر البيان رقم 15 القاضي بإغلاق الحدود حتى إشعار آخر.
ثم صدر البيان رقم 16 الذي يتضمن شكر قوات حلب والشعب العربي السوري في حلب.
ثم صدر البيان رقم 17 القاضي بتكليف الأستاذ مأمون الكزبري بتشكيل وزارة تسند إليها إدارة شؤون البلاد وتضمن البلاغ قبول الدكتور الكزبري التكليف وأنه قد باشر اتصالاته لتشكيل الوزارة.
ثم صدر البيان رقم 18 القاضي بتخويل رئيس مجلس الوزراء الأستاذ الدكتور مأمون الكزبري سلطة إصدار المراسيم الخاصة بتسمية الوزراء وتشكيل الحكومة.
ثم صدر البيان رقم 19 القاضي بتخويل مجلس الوزراء إصدار المراسيم التشريعية خلال الفترة الانتقالية شريطة أن تعرض على السلطة التشريعية التي تنبثق عن الشعب بعد إجراء انتخابات حرة في أولى اجتماعاتها.
وهكذا بدد المقبور وعصابته العسكرية الحلم الذي سوقه بنفسه ، وها نحن بعد مرور عقود من حكمه نعيش في اوطان تمزقها الحروب الاهلية والصراعات الدموية ، وتخلفنا بين سائر الأمم ، وبعدنا عن ركب الحضارة حتى صرنا أقرب الى الكائنات الاستهلاكية التي تعيش على فضلات الحضارة الغربية ، ولا مغيث لنا الا بصحوة اسلامية كبرى تلم الشمل وتعيد الى هذه الامة المكلومة مجدها الامبراطوري
حسام الغمري
أولا : المجال الاقتصادي
يعتبر الاداء الاقتصداي للمقبور عبد الناصر وعصابته العسكرية أحد ابرز اسباب انهيار الوحدة . فقد كانت سورية في وضح اقتصادي جيد في الموازنة العامّة في حين كان المقبور وعصابته العسكرية يعتبرون الوحدة مجرد انقاذ لهم من إفلاس محتمل في مصر، فلا يخفى على أحد أن عصابة المقبور سخرت الاقتصاد السوريّ فيما بعد لمصالحهم الشخصية ، فعبئت البضائع المستوردة (من أدويّة وسيّارات وأجهزة كهر بائية ومنزلية وترفيهية) وتم شحنها لحسابهم ، وافتقدت تلك الأصناف في سورية بالإضافة إلى أصناف أخرى.
كما أن محاولة دمج الخطوط السورية بشركة مصر للطيران عام 1960م واستيلائها على رصيدها البالغ ستة ملايين دولار أمريكي في ذلك الوقت كانت الشركة قد ادخرتها لشراء عدد من الطائرات الأقوى من الدوغلاس التي كانت تمتلكها آنذاك، ومحاولة فرض شراء طائرات من نوع فايكونت للتوحيد مع الطراز المصري أكبر دليل على أطماع العسكر في الاقتصاد السوري.
كما أن التاجر السوري لم يسمح له بإدخال الصناعات السورية المنافسة إلى الإقليم الجنوبي ( مصر ) ولم يضمن له حرية التجارة على عكس التاجر المصري الذي قدمت له جميع التسهيلات ولا ننسى أن أهم الوظائف والمراكز الحكومية بالإقليم الشمالي كانت آنذاك بيد المصريين كما أن القائمين على الوحدة قاموا بتحويل عدد من المشاريع المقامة أو التي تقام لصالح الإقليم الجنوبي( مصر) ومنها معمل للعتاد العسكري كان يبنى في حلب وعدد من المشاريع التنموية والاقتصادية الضرورية للإقليم الشمالي ( سوريا ) .
ثانيا : المجال العسكري
بدأت عصابة المقبور عبد الناصر بعملية تصفية منظمة للضباط السوريين من خلال تصفية العناصر ذات الكفاءة القديمة – بحجة خشية قيامها بانقلاب وهو ما يزرع الشك في نوايا المقبورعبد الناصر وعصابته العسكرية لأن الجيش السوري هو أول من ألزم الحكومة المدنية ونظام الرئيس القوتلي بالوحدة مع مصر – وذلك من خلال نقلهم إلى جهات إداريّة مدنيّة وزارية أو دبلوماسيّة لا يعرفون عنها شيئاً أو إحالتهم إلى التقاعد القسري أو الطوعي مقابل رواتب تقاعدية كبيرة ، كما منعت البعثات العسكرية للتخصص في الفنون القتاليّة – ولست أدري كيف يدعى الناصريون ان زعيمهم المقبور كان ينوي صدقا قتال اسرائيل وهو يصفى ابرز عناصر جيش الشمال – ، أو بندب الضباط السوريين للخدمة في مصر وتكليفهم بأتفه الأمور وأبسطها مما لا يليق بهم وبرتبهم وبماضيهم ، ولا ننسى تفضيل الضباط المصريين عليهم في الترقيه ومنح السلطات لهم ومحاولة إذلال بعض كبار الضباط السوريين من الذين طالبوا بتحسين الوضع العسكري للجيش السوريّ ، ولا ننسى أن القائمين على الوحدة قد حاولوا تحويل صفقات الأسلحة السورية مع السوفييت لصالحهم في الإقليم الجنوبي على حساب جيش الإقليم الشمالي بدعوى طول خط الحدود مع إسرائيل.
ثالثا : توطين المصريين في سوريا
بدأت فكرة توطين المصريين في سورية تتضح في الموقف الرسمي المصري من خلال تأمين عملية توظيف المصريين في الجيش والقوّات المسلحة من جهة ومن جهة أخرى من خلال توزيعهم على الدوائر الحكومية وتعيينهم في المراكز الهامّة في قطاعات الدولة ووزاراتها المختلفة وخاصة تلك المستحدثة خصيصاً لهذه الغاية ولم يكن لها عمل يذكر في حين كان إدارة دفتها إلى حشود الفنيين والإداريين المصريين الذين كانت تتحمل رواتبهم وتعويضاتهم الخزينة السورية دوناً عن الخزينة المصرية دون أن يؤدوا أو أن يكون لهم عملاً يذكر وقد بلغ متوسط ما دفع للموظفين المصريين المنتدبين في آخر سنة من الوحدة خمسين مليون ليرة سورية ” باسعار الستينات ” !!! كانت تتحملها الخزينة السورية على شحّ مواردها وضعف إمكاناتها علماً أن انتداب السوريين في مصر لم يكن يحدث إلا في أندر الحالات مع فرق كبير في الرواتب والتعويضات من جهة والمعاملة الرسميّة من جهة ثانية .
رابعا : الحقد الذي عرف عن المقبور عبد الناصر
أصدر المقبور عبد الناصر وعصابته العسكرية جملة من التشريعات التي أدت إلى اضطراب الثقة بين الحاكم والمحكوم على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي من نتيجتها تدني قسمة النقد السوري من جهة ومن جهة أخرى وقف دولاب العمل وارتفاع معدلات البطالة لأول مرة في تاريخ سورية رغم أنها كانت أفضل قبل الوحدة ونشير هنا إلى قانون التأميم الذي أصدر في تموز من عام 1961م لما رافقتها من ارتجال وغموض وبلبلة واضطراب في السوق السورية، وقد دلت التقارير الرسمية أن معدل التسريحات في دمشق ومحافظاتها كان يقارب 2560 عاملاً شهريا وذلك بسبب خشية القطاعات الاقتصادية والصناعية من التأميم بسبب ضخامتها وحتى صغار الصنّاع قد بدؤوا تخفيض عدد عمالهم .
وكان من أسخف المشاريع التي حاول المقبور عبد الناصر وعصابته العسكرية من خلالها تجزئة سورية لمناطق يسهل حكمها ، قانون الحكم المحلي الذي طرحته القاهرة فكان أمضى تعليق عليه ما قاله المحافظ السوري ” يحيى علي أديب ” الذي أشار في مطالعته على المشروع إلى أن الانتداب الفرنسي أيام بسط نفوذه على سورية لم يجرؤ على تطيق نظام إداري مماثل في الحكم.
خامسا : كبت الحريات وشراء الضمائر
أسس المقبور كيان بوليسي لم تعهده سوريا من قبل ، وهو البلاء التي ابتليت به سورية فيما بعد من خلال أنظمة عملت على استلهام وتقليد نظام المقبور عبد الناصر وعصابته العسكرية وأسلوب إدارته في الحكم.
فقد عاش الشعب السوري في سجن كبير حيث طبق سلاح الترغيب والترهيب في دولة كان القائم عليها عسكري هو عبد الحكيم عامر ورجل بوليس هو رجل المكتب الثاني عبد الحميد السراج ، فمن لا يشترى سكوته عن الحق بالمال والسلطة والإغراءات الأخرى كان يشترى سكوته بإخراسه أو سجنه وتعذيبه ، وسارت الدولة على سياسة التسلط واستعملت سياط الجور والظلم وأقبية السجون وجحيمها للجم السوريين الذين لم يعرفوا النظام البوليسي في الحكم قبل الآن.
وانقلب المواطنون السوريون إلى حالة من اليأس والقنوط والسلبيه لم تعرفه سورية في تاريخها حتى عندما كان الفرنسيون في أبلغ نوبات غضبهم وجنونهم ، فقد عمد المسئولون إلى تعطيل صوت الحق، ووأد الأنفة التي تحلى بها السوريون وقد ظن الحاكم المتفرد في السلطة أنه لن يجرؤ أحد على رفع صوته أمامه أو رفع رأسه ولو مطالباً بحقه وقد ظن المقبور انه يستطيع ان يحكم السوريين بالسياط كما يحكم المصريين الذين رضخوا له .
نهاية الحلم الزائف
مرت أيام شهر سبتمبر حافلة بالاضطرابات فالمقبور أرسل المشير عبد الحكيم إلى سورية ونقل عبد الحميد السراج إلى القاهرة ، ليستقيل عبد الحميد السراج فجأة ويبدأ المشير سلسة من الإجراءات التي تهدف إلى استئصال كتلة عبد الحميد وأنصاره من أجهزة الحكم بأنصار جدد هم موضع ثقة.
وكان جهد المخلصين الغيارى على الوحدة يتركز في إصلاح الوضع وتقويم أساليب الحكم في سورية فقد شعر هؤلاء أن أسلوب الحكم بدا متعثراً فقد صارت الوزارات والمصالح الحساسة إلى أيد غير أمينة ولا اختصاصية لا ترتكز إلى أي تأييد شعبي تنفيذاً لخطة تصفية الجيش من خيرة عناصره التي اتبعها المقبور وعصابته العسكرية .
وقد تشكلت عدد من الحلقات التي تضم الشباب لمناقشة أسباب الانحرافات التي تعاني منها الوحدة، وأسباب تلك المشاكل وتم رفعها إلى الجهات المسئولة واجتمعت الآراء بين كل السياسيين القدامى والشباب على وجوب معالجة الأمور بالحكمة والصراحة حتى يصان وجه الوحدة .
وكان هدف جميع دعوات الإصلاح هي إلغاء الجدار بين الدولة والشعب الذي أقيم على الرعب والتهديد والجبروت المبني بجدار بوليسي متين وكانت حركات الإصلاح التي تحرك بها السياسيون السوريون هدفها الإطاحة بهذا الجدار ، ولكن لا حياة لمن تنادي . وحين أطل سبتمبر عام 61 كانت نذر الثورة على حكم المقبور وعصابته العسكرية تلوح للعيان.
ففي الساعات الأولى من صباح الثامن والعشرين من سبتمبر صحا الناس على تبادل عيارات نارية في أنحاء متفرقة من البلد، وانبلج الصبح فإذا بدبابات ومصفحات ومجنزرات قوات البادية تحاصر الدوائر الرسمية وتتجول في الشوارع الرئيسية بدمشق.
الإذاعة استهلت برامجها ببث للقرآن الكريم، وفي حوالي الساعة السابعة والنصف صباحاً صدر البيان رقم 1 عن القيادة الثورية العربية العليا للقوات المسلحة ونصّه:-
لقد قام جيشكم الذي كان دائماً وسيبقى أبداً دعامة وطنيّة راسخة، قام للحفاظ على أرض الوطن وسلامته وحريته وكرامته، قام لإزالة الفساد والطغيان، ورد الحقوق الشرعية للشعب، واننا نعلن أن هذه الانتفاضة لا صلة لها بشخص أو بفئة معينة، وانما هي حركة هدفها تصحيح الأوضاع غير الشرعية. فيا أيها الشعب العربي، ثق بجيشك فإننا أقوياء بعون الله وبقوته .
إننا قد طرقنا على كل باب للإصلاح قبل أن ننفجر، فلم نجد إلا القوة سبيلاً لكي تعاد إلى الشعب حريته وللجيش كرامته. ولن نرضى بعد اليوم لراية العروبة مقراً إلا هامات النصر وهذه دماؤنا نكتب بها أننا وفينا العهد وأبينا العيش إلا كراماً، والعزّة للعرب .
وقد شده الناس للحدث وقابلوه بالتهليل والتكبير وانفجروا بعد اليأس المرير وخرجت الجموع في الشوارع تهتف للجيش والانتفاضة محطمة كل الشعارات التي زيفها حكم المقبور وعصابته العسكرية المتداعي.
وتوالت البلاغات فكان البيان رقم 2 يوضح أسباب الثورة والانتفاضة والبيان رقم 3 صدر للحض على المحافظة على الأخوة المصريين وحسن معاملتهم. والبيان رقم 4 القاضي بإغلاق المطارات السورية والموانئ السورية .
في تلك الأثناء كان المقبور عبد الناصر يهدد ويتوعد في الإذاعة ويحرض الجيش العربي في سوريا على الاقتتال زاعماً أن الانتفاضة هي حركة تمرد لبعض الضباط فجاء البيان رقم 5 معلنا نجاح الحركة في كل أنحاء سوريا وأن الحالة هادئة ولم تقع أية حوادث بفضل تعاون الجيش والشعب في سوريا .
ثم جاء البيان رقم 6 لمنع استغلال الحركة بعد أن قامت بعض العناصر المؤيدة للسراج بحمل صوره والسير بها في تجمعات صغيرة في الصالحية.
أما البيان رقم 7 فقد تضمن منع المظاهرات والتجمعات.
وجاء البيان رقم 8 ليندد بالمنبوذين المرتزقة. ويهدد بأي محاولة لاستغلال الحركة.
وكان مصير عبد الحكيم عامر غامضاً حتى صدور البيان رقم 12 القاضي بمغادرته البلاد إلى القاهرة في الساعة الخامسة والثلث مساءً.
وكان أن صدر البيان رقم 14 الذي يعلن انضمام حلب إلى الحركة تقديم الولاء لها بالبرقية المرسلة من قائد مركز التدريب في حلب إلى القيادة الثورية
ثم صدر البيان رقم 15 القاضي بإغلاق الحدود حتى إشعار آخر.
ثم صدر البيان رقم 16 الذي يتضمن شكر قوات حلب والشعب العربي السوري في حلب.
ثم صدر البيان رقم 17 القاضي بتكليف الأستاذ مأمون الكزبري بتشكيل وزارة تسند إليها إدارة شؤون البلاد وتضمن البلاغ قبول الدكتور الكزبري التكليف وأنه قد باشر اتصالاته لتشكيل الوزارة.
ثم صدر البيان رقم 18 القاضي بتخويل رئيس مجلس الوزراء الأستاذ الدكتور مأمون الكزبري سلطة إصدار المراسيم الخاصة بتسمية الوزراء وتشكيل الحكومة.
ثم صدر البيان رقم 19 القاضي بتخويل مجلس الوزراء إصدار المراسيم التشريعية خلال الفترة الانتقالية شريطة أن تعرض على السلطة التشريعية التي تنبثق عن الشعب بعد إجراء انتخابات حرة في أولى اجتماعاتها.
وهكذا بدد المقبور وعصابته العسكرية الحلم الذي سوقه بنفسه ، وها نحن بعد مرور عقود من حكمه نعيش في اوطان تمزقها الحروب الاهلية والصراعات الدموية ، وتخلفنا بين سائر الأمم ، وبعدنا عن ركب الحضارة حتى صرنا أقرب الى الكائنات الاستهلاكية التي تعيش على فضلات الحضارة الغربية ، ولا مغيث لنا الا بصحوة اسلامية كبرى تلم الشمل وتعيد الى هذه الامة المكلومة مجدها الامبراطوري
حسام الغمري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق