الشاعر العربي القديم بما عُرف عنه من حكمة و فلسفة استطاع توثيق حالة الحاكم المتُجبر على العُزل من شعبه ، وجبنه وفزعه من ملاقاة الاعداء ان اظهروا بعض قوة ، وهذا شأن الجبناء ضعفاء النفوس في كل زمان ومكان ، لا يظهرون شجاعة و بأسا الا على الضعفاء !!
يقول الشاعر العربي :
حين يخطيء طبيب اثناء اجرائه عملية جراحية ويعرض مريضه للموت فإنه يتعرض للمساءلة القانونية التي تكلفه حريته لسنوات وتكفل ابتعاده عن المهنة طيلة حياته ، ولكن في بلدنا مصر المنحوسة حين يخطيء حاكم ينتمي الى المؤسسة العسكرية في تقدير موقف عسكري ويُدخل البلاد في أتون معركة خاسرة يموت فيها الآلاف يغني له المنشدون : يا جمال يا حبيب الملايين !!
وحرب 56 والمُسماه بالعوان الثلاثي – وهي بالفعل كذلك ، عدوان وتجبر من قوى الاستعمار التي تحركها قديما ومازالت الصهيونية العالمية – مثالا صارخا على الاداء العسكري المهتريء والضعيف استراتيجيا وتكتيكيا من المؤسسة العسكرية الحاكمة منذ انقلاب 52يوليو ، وان كان القدر قد كتب نهاية سعيدة لهذا العدوان نتيجة ظروف دولية ارادت ان تشكل هذا العالم وفق صيغ جديدة لا مكان فيها للقوتين التقليديتين البريطانية والفرنسية .
فلقد تميز العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، بأنه الحرب التي كسبها سياسياً أحد جانبيها وهي مصر، بينما كسبها عسكرياً الجانب الآخر بريطانيا وفرنسا وإسرائيل.
ولقد كان هذا العدوان نقطة تحول في تاريخ منطقة الشرق الأوسط، إذ أنهى قبضة الاستعمار الفرنسي البريطاني على المنطقة، وفتح المجال أمام كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي للدخول فيها كقوتين عُظميين، يسعيان إلى أن يرثا المُستعمرين السابقين، ويحققا مصالحهما الذاتية في هذه المنطقة ذات الأهمية الإستراتيجية البالغة، بكنوزها المطمورة في باطن أرضها، وما يحيط بها من مياه دافئة، فضلاً عن توسطها قلب العالم وطرق مواصلاته وتجارته .
وحتى نفهم ذلك يجب علينا ان نعرف حقيقة ان اتفاقية جلاء القوات البريطانية عن مصر عام 1954 تمت بسبب ضغوط هائلة مارسها الرئيس الامريكي ايزنهاور على حلفائه البريطانيين ،فلقد كتب ايزنهاور في مذكراته :
” أن احتفاظ بريطانيا بقوات كبيرة بصورة دائمة في مصروسط تجمعات سكانية معادية لم يكن مستساغاً أو عملياً، ومن هنا شجعناالبريطانيين على أن يجلوا من مصر بالتدريج”
وعندما نوقشت الاتفاقية – اي اتفاقية الجلاء عن مصر – في الاجتماع الوزاري لحلف شمال الأطلسي في باريس، أكد المجتمعون على أنها عمل مرض، ومفيد بالنسبة للغرب، وبينوا أنهم تخلصوا من مصدر الاحتكاك الرئيسي مع العالم العربي، مما يؤهل للقيام بدور أكثر إيجابية وإفادة في الشرق الأوسط لتحقيق مصالحهم .
اي ان الرؤية الامريكية باختصار كانت تعتقد ان جلاء القوات البريطانية عن مصر سوف يُمكن الولايات المتحدة ومن خلفها حلف الناتو من لعب دور اكبر في منطقة الشرق الاوسط وصولا الى الهيمنة الكاملة على العالم ، وهو ما تحقق لهم بالفعل بعد توقيع السادات لمعاهدة كامب ديقيد عام 77 ، ثم اعلنوها صراحة بعد عملية عاصفة ضد العراق عام 91 .
فكيف كانت تقديرات عبد الناصر لهذة الحرب ؟
انا هنا لا اناقش هل كان تأميم قناة السويس قبل اعوام قليلة من انتهاء فترة امتيازها الاجنبي عملا وطنيا أم لا ، لانه بالتأكيد عمل وطني شجاع حتى وان كان عقدها سينتهي تلقائيا بعد يوم واحد ، ولكن الموضوع الذي اناقشه ، هل كانت تقديرات حاكم مصر العسكري لهذه الحرب سليما ، ام انه كان تقدير خاطيء اوشك ان ينهي الاستقلال الذي حصلت عليه مصر قبل عامين .
كان رأي عبدالناصر أن احتمال التدخل العسكري بعد اعلان تأميم القناة هو ما يجب أن يحوط له ويتفاداه بكل وسيلة إلا التراجع عن تأميم القناة إذا أُتخذ القرار نهائياً وأعلن– وهو ما فشل في تحقيقه بالطبع بوقوع الحرب – وقد استعرض موقف كل الأطراف المعادية لمصر وأيهم يمكن أن يصل به رد الفعل إلى حد الحرب المسلحة.
توصلت رؤية عبدالناصر الى أن إيدن في موقف ضعيف، و كان “إيدن” يعتبر أن عدوه الرئيسي في المنطقة هو عبدالناصر، لذا فهو في حالة تعبئة نفسية ضد مصر وضد عبد الناصر شخصياً. وخطوة مثل تأميم قناة السويس سوف تكون القشة التي تقصم ظهر البعير وسوف يكون إيدن تحت ضغوط نفسية من الداخل وضغوط سياسية من حزبه ومن الرأي العام البريطاني تدفعه كلها للعمل المسلح ضد مصر خصوصاً وأن الجو الدولي العام الذي يمكن أن تصنعه دعاياته حول تأميم قناة السويس سوف يعطيه الأرضية الصالحة للتدخل المسلح، ولكن هذا الجو الدولي العام نفسه هو الذي يتحتم على مصر أن تستغله وتستفيد منه لتفويت فرصة التدخل العسكري على الذين يفكرون فيه.
وكان رأي عبد الناصر وفق كتاب هيكل عن هذه الحرب ” إذا رآنا العالم نؤدي خدمة القناة بكفاءة فلن يصغي إلى أصوات التدخل الحمقاء خصوصاً إذا استطعنا كسب الوقت”.
وكان تقديره أن إيدن لابد أن “يتصرف بسرعة وأن يضرب الحديد وهو ساخن وإلا فإن المناخ العام للأزمة سوف يهدأ وسوف يبرد” وأن “احتمال التدخل العسكري ضد مصر سوف يكون محققاً بنسبة 80% خلال الأسبوع التالي للتأميم.
فإذا انقضت هذه الفترة الحرجة تناقصت احتمالات التدخل”.
ولقد اثبتت الحوادث سذاجة وسطحية هذا التقدير الاستراتيجي ، فلقد مر الاسبوع الثاني لتأميم قناة السويس وكذلك الاسبوع الرابع ولم يقل احتمالا حدوث الحرب التي وقعت بالفعل بعد 13 اسبوع من قرار التأميم ، اي ان احتمال الحرب كان منذ اليوم الاول للتأميم بنسبة 100 % – يالالفشل والغباء وسوء التقدير – .
ولكن كيف كان اداء الجيش المصري مع بدء القتال ؟
دارت خلال هذا العدوان خمس معارك برية في شبه جزيرة سيناء، خسرها الجيش المصري جميعا ، وعملية غزو بحري في منطقة بورسعيد انجلو فرنسي لم تستطع القوات البحرية التصدي لها ، كما تخللتها أيضاً الضربة الجوية الأنجلو ـ فرنسية الشاملة ليلة 31 أكتوبر، والتي حطمت طائرات ومطارات وعناصر الدفاع الجوي المصري قبل أن ينبلج فجر يوم 1 نوفمبر، فتحققت للقوات البرية الإسرائيلية مطلبها للقتال، وهو أن تتمتع بمزايا التفوق الجوي، بل والسيادة الجوية المطلقة( ويال العجب ، نفس السيناريو نفذته اسرائيل منفرده عام 1967 ) .
وعلى الفور اصدر عبد الناصر اوامره للقوات المصرية المتبقية في سيناء بالانسحاب تماما الى الضفه الغربية للقناة وتم ذلك خلال 84 ساعة ،وقد تعرضت مصر خلال تلك المرحلة للقصف الجوي المركز من جانب القوات الجوية البريطانية والفرنسية، شمل معظم أرجاء مصر في مرحلته الأولى، قبل التركيز على شاطئ الغزو البحري ببورسعيد قبيل عملية الإبرار وأثناءها.
ثم بدأت التمهيد الجوي لعملية الغزو البحري الأنجلو ـ فرنسي لشاطئ بورسعيد، ثم تنفيذ الاقتحام الجوي والبحري لإنشاء رأس شاطئ فيما بين منطقة “الجميل” غرباً و”بورفؤاد” شرقاً .
دون اي عمليات اعاقه تذكر من الجيش المصري ، وقد انتهت تلك المرحلة بنجاح القوات الغازية في تأمين رأس الشاطئ في بورسعيد، ولولا المقاومة الشعبية الباسلة التي ابداها الشعب المصري ( المدني ) في بسالة رائعة ، وتضحيات سرمديه كبدت المحتل خسائر موجعة وصلت الى بعض افراد الاسرة الملكية البريطانية الذين شاركوا كضباط في هذا الغزو المجرم ، ولولا هذه المقاومة الشعبية المدنية لكان قد تكرر السيناريو الذي حدث في العام 1882 باحتلال مصر كلها ، وصعب على القوى العالمية المناوئه لهذا العدوان من العمل على ايقافه .
فلقدكانت القوى العالمية الجديدة الناشئة بعد الحرب العالمية الثانية والمتمثله في الاتحاد السوفيتي وامريكا لا ترغب ان تستمر بريطانيا وفرنسا في لعب نفس الدور العالمي القديم ، لذا قام الاتحاد السوفيتي بالتهديد بضرب لندن وباريس وتل ابيب بالاسلحة النووية ، بينما قامت الولايات المتحدة الامريكية بتمرير قرار من الامم المتحدة يأمر القوى المعتدية بالانسحاب ، وهو ما تحقق بالفعل في العام 57 ، حيث انسحبتت اسرائيل من سيناء وغزة بعد الاتفاق على وضع قوات من الامم المتحدة للفصل بين الجانبين .
ولكن عبد الناصر استطاع ان يسوق هذا النصر الذي لا ناقه له فيه ولا جمل اعلاميا على انه انتصار له وللمؤسسة العسكرية ، ساعده في ذلك قبضته التي كان قد شددها بالفعل على الصحف المصرية و كانت تتمتع بحرية واسعة في عصر الملك فاروق ، وليس ادل على ذلك وقد ظهر يقينا ان عبد الناصر كان يحارب كل ما هو اسلامي ، من ذهابه اثناء العدوان الثلاثي الى الجامع الازهر ، والخطبة من على منبهره ، لتهييج روح الجهاد الاصيلة لدى الشعب المصري المسلم ، كي يهب للقتال دفاعا عن مصر ، واليوم اقولها انه داعب روح الجهاد لدى المصريين للدفاع عنه وعن مؤسسته العسكرية المنهزمة دوما في ظل حكم العسكر ، كما سنرى في المقالات التالية باذن الله .
حسام الغمري
يقول الشاعر العربي :
أسد على وفي الحروب نعامة
فتخاء تنفر من صفير الصافر
هلا برزت الى ” غزالة ” في الوغى
أم كان قلبك في جناحي طائر !!
وحرب 56 والمُسماه بالعوان الثلاثي – وهي بالفعل كذلك ، عدوان وتجبر من قوى الاستعمار التي تحركها قديما ومازالت الصهيونية العالمية – مثالا صارخا على الاداء العسكري المهتريء والضعيف استراتيجيا وتكتيكيا من المؤسسة العسكرية الحاكمة منذ انقلاب 52يوليو ، وان كان القدر قد كتب نهاية سعيدة لهذا العدوان نتيجة ظروف دولية ارادت ان تشكل هذا العالم وفق صيغ جديدة لا مكان فيها للقوتين التقليديتين البريطانية والفرنسية .
فلقد تميز العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، بأنه الحرب التي كسبها سياسياً أحد جانبيها وهي مصر، بينما كسبها عسكرياً الجانب الآخر بريطانيا وفرنسا وإسرائيل.
ولقد كان هذا العدوان نقطة تحول في تاريخ منطقة الشرق الأوسط، إذ أنهى قبضة الاستعمار الفرنسي البريطاني على المنطقة، وفتح المجال أمام كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي للدخول فيها كقوتين عُظميين، يسعيان إلى أن يرثا المُستعمرين السابقين، ويحققا مصالحهما الذاتية في هذه المنطقة ذات الأهمية الإستراتيجية البالغة، بكنوزها المطمورة في باطن أرضها، وما يحيط بها من مياه دافئة، فضلاً عن توسطها قلب العالم وطرق مواصلاته وتجارته .
وحتى نفهم ذلك يجب علينا ان نعرف حقيقة ان اتفاقية جلاء القوات البريطانية عن مصر عام 1954 تمت بسبب ضغوط هائلة مارسها الرئيس الامريكي ايزنهاور على حلفائه البريطانيين ،فلقد كتب ايزنهاور في مذكراته :
” أن احتفاظ بريطانيا بقوات كبيرة بصورة دائمة في مصروسط تجمعات سكانية معادية لم يكن مستساغاً أو عملياً، ومن هنا شجعناالبريطانيين على أن يجلوا من مصر بالتدريج”
وعندما نوقشت الاتفاقية – اي اتفاقية الجلاء عن مصر – في الاجتماع الوزاري لحلف شمال الأطلسي في باريس، أكد المجتمعون على أنها عمل مرض، ومفيد بالنسبة للغرب، وبينوا أنهم تخلصوا من مصدر الاحتكاك الرئيسي مع العالم العربي، مما يؤهل للقيام بدور أكثر إيجابية وإفادة في الشرق الأوسط لتحقيق مصالحهم .
اي ان الرؤية الامريكية باختصار كانت تعتقد ان جلاء القوات البريطانية عن مصر سوف يُمكن الولايات المتحدة ومن خلفها حلف الناتو من لعب دور اكبر في منطقة الشرق الاوسط وصولا الى الهيمنة الكاملة على العالم ، وهو ما تحقق لهم بالفعل بعد توقيع السادات لمعاهدة كامب ديقيد عام 77 ، ثم اعلنوها صراحة بعد عملية عاصفة ضد العراق عام 91 .
فكيف كانت تقديرات عبد الناصر لهذة الحرب ؟
انا هنا لا اناقش هل كان تأميم قناة السويس قبل اعوام قليلة من انتهاء فترة امتيازها الاجنبي عملا وطنيا أم لا ، لانه بالتأكيد عمل وطني شجاع حتى وان كان عقدها سينتهي تلقائيا بعد يوم واحد ، ولكن الموضوع الذي اناقشه ، هل كانت تقديرات حاكم مصر العسكري لهذه الحرب سليما ، ام انه كان تقدير خاطيء اوشك ان ينهي الاستقلال الذي حصلت عليه مصر قبل عامين .
كان رأي عبدالناصر أن احتمال التدخل العسكري بعد اعلان تأميم القناة هو ما يجب أن يحوط له ويتفاداه بكل وسيلة إلا التراجع عن تأميم القناة إذا أُتخذ القرار نهائياً وأعلن– وهو ما فشل في تحقيقه بالطبع بوقوع الحرب – وقد استعرض موقف كل الأطراف المعادية لمصر وأيهم يمكن أن يصل به رد الفعل إلى حد الحرب المسلحة.
توصلت رؤية عبدالناصر الى أن إيدن في موقف ضعيف، و كان “إيدن” يعتبر أن عدوه الرئيسي في المنطقة هو عبدالناصر، لذا فهو في حالة تعبئة نفسية ضد مصر وضد عبد الناصر شخصياً. وخطوة مثل تأميم قناة السويس سوف تكون القشة التي تقصم ظهر البعير وسوف يكون إيدن تحت ضغوط نفسية من الداخل وضغوط سياسية من حزبه ومن الرأي العام البريطاني تدفعه كلها للعمل المسلح ضد مصر خصوصاً وأن الجو الدولي العام الذي يمكن أن تصنعه دعاياته حول تأميم قناة السويس سوف يعطيه الأرضية الصالحة للتدخل المسلح، ولكن هذا الجو الدولي العام نفسه هو الذي يتحتم على مصر أن تستغله وتستفيد منه لتفويت فرصة التدخل العسكري على الذين يفكرون فيه.
وكان رأي عبد الناصر وفق كتاب هيكل عن هذه الحرب ” إذا رآنا العالم نؤدي خدمة القناة بكفاءة فلن يصغي إلى أصوات التدخل الحمقاء خصوصاً إذا استطعنا كسب الوقت”.
وكان تقديره أن إيدن لابد أن “يتصرف بسرعة وأن يضرب الحديد وهو ساخن وإلا فإن المناخ العام للأزمة سوف يهدأ وسوف يبرد” وأن “احتمال التدخل العسكري ضد مصر سوف يكون محققاً بنسبة 80% خلال الأسبوع التالي للتأميم.
فإذا انقضت هذه الفترة الحرجة تناقصت احتمالات التدخل”.
ولقد اثبتت الحوادث سذاجة وسطحية هذا التقدير الاستراتيجي ، فلقد مر الاسبوع الثاني لتأميم قناة السويس وكذلك الاسبوع الرابع ولم يقل احتمالا حدوث الحرب التي وقعت بالفعل بعد 13 اسبوع من قرار التأميم ، اي ان احتمال الحرب كان منذ اليوم الاول للتأميم بنسبة 100 % – يالالفشل والغباء وسوء التقدير – .
ولكن كيف كان اداء الجيش المصري مع بدء القتال ؟
دارت خلال هذا العدوان خمس معارك برية في شبه جزيرة سيناء، خسرها الجيش المصري جميعا ، وعملية غزو بحري في منطقة بورسعيد انجلو فرنسي لم تستطع القوات البحرية التصدي لها ، كما تخللتها أيضاً الضربة الجوية الأنجلو ـ فرنسية الشاملة ليلة 31 أكتوبر، والتي حطمت طائرات ومطارات وعناصر الدفاع الجوي المصري قبل أن ينبلج فجر يوم 1 نوفمبر، فتحققت للقوات البرية الإسرائيلية مطلبها للقتال، وهو أن تتمتع بمزايا التفوق الجوي، بل والسيادة الجوية المطلقة( ويال العجب ، نفس السيناريو نفذته اسرائيل منفرده عام 1967 ) .
وعلى الفور اصدر عبد الناصر اوامره للقوات المصرية المتبقية في سيناء بالانسحاب تماما الى الضفه الغربية للقناة وتم ذلك خلال 84 ساعة ،وقد تعرضت مصر خلال تلك المرحلة للقصف الجوي المركز من جانب القوات الجوية البريطانية والفرنسية، شمل معظم أرجاء مصر في مرحلته الأولى، قبل التركيز على شاطئ الغزو البحري ببورسعيد قبيل عملية الإبرار وأثناءها.
ثم بدأت التمهيد الجوي لعملية الغزو البحري الأنجلو ـ فرنسي لشاطئ بورسعيد، ثم تنفيذ الاقتحام الجوي والبحري لإنشاء رأس شاطئ فيما بين منطقة “الجميل” غرباً و”بورفؤاد” شرقاً .
دون اي عمليات اعاقه تذكر من الجيش المصري ، وقد انتهت تلك المرحلة بنجاح القوات الغازية في تأمين رأس الشاطئ في بورسعيد، ولولا المقاومة الشعبية الباسلة التي ابداها الشعب المصري ( المدني ) في بسالة رائعة ، وتضحيات سرمديه كبدت المحتل خسائر موجعة وصلت الى بعض افراد الاسرة الملكية البريطانية الذين شاركوا كضباط في هذا الغزو المجرم ، ولولا هذه المقاومة الشعبية المدنية لكان قد تكرر السيناريو الذي حدث في العام 1882 باحتلال مصر كلها ، وصعب على القوى العالمية المناوئه لهذا العدوان من العمل على ايقافه .
فلقدكانت القوى العالمية الجديدة الناشئة بعد الحرب العالمية الثانية والمتمثله في الاتحاد السوفيتي وامريكا لا ترغب ان تستمر بريطانيا وفرنسا في لعب نفس الدور العالمي القديم ، لذا قام الاتحاد السوفيتي بالتهديد بضرب لندن وباريس وتل ابيب بالاسلحة النووية ، بينما قامت الولايات المتحدة الامريكية بتمرير قرار من الامم المتحدة يأمر القوى المعتدية بالانسحاب ، وهو ما تحقق بالفعل في العام 57 ، حيث انسحبتت اسرائيل من سيناء وغزة بعد الاتفاق على وضع قوات من الامم المتحدة للفصل بين الجانبين .
ولكن عبد الناصر استطاع ان يسوق هذا النصر الذي لا ناقه له فيه ولا جمل اعلاميا على انه انتصار له وللمؤسسة العسكرية ، ساعده في ذلك قبضته التي كان قد شددها بالفعل على الصحف المصرية و كانت تتمتع بحرية واسعة في عصر الملك فاروق ، وليس ادل على ذلك وقد ظهر يقينا ان عبد الناصر كان يحارب كل ما هو اسلامي ، من ذهابه اثناء العدوان الثلاثي الى الجامع الازهر ، والخطبة من على منبهره ، لتهييج روح الجهاد الاصيلة لدى الشعب المصري المسلم ، كي يهب للقتال دفاعا عن مصر ، واليوم اقولها انه داعب روح الجهاد لدى المصريين للدفاع عنه وعن مؤسسته العسكرية المنهزمة دوما في ظل حكم العسكر ، كما سنرى في المقالات التالية باذن الله .
حسام الغمري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق