الاتحاد الخليجي.. أهو حلمٌ تجاوز سقف الواقع؟
إحسان الفقية
"ألستم من نشأنا فى مدارسكم؟
تعلمنا مناهجكم
ألستم من تعلمنا على يدكم بأن الثعلب
المكار مُنتظر
سيأكل نعجة الحمقى إذا
للنوم ما خلدوا؟
ألستم من تعلمنا على يدكم بأن العود محميّ
بحُزمته ضعيف حين ينفردُ؟
لماذا الفرقة الحمقاء تحكمنا؟
ألستم من تعلمنا على يدكم: أن اعتصموا
بحبل الله واتحدوا؟!".
بذا جادت القريحة الشعرية للمصري هشام الجخ في قصيدته الموسومة بـ "التأشيرة".
نعم هكذا تعلمنا في المدارس العربية أيام الصبا، أن الاتحاد قوة، ولطالما سُكب على أسماعنا قول الشاعر:
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرًا وإذا افترقن تكسرت آحادا
وتتلفّت العين لترى أي ترجمة واقعية لتلك المعاني والشعارات، فتجدها قد مورست وكُرّست في بقاع الأرض قاطبة عدا أرضنا.
*ففي زمن التكتلات والاتحادات بين القوى التي لديها قدر مشترك من المصالح، أو التي تواجه تهديدات أمنية مشتركة، تعجز أمتنا عن تقديم نموذج واحد قد نجح في ذلك المضمار.
فلا نراها إلا في هيئات ومناسبات رمزية لا تقدم ولا تؤخر (جامعة الدول العربية مثالا) وفي مؤتمرات القمة يجتمع العرب ليتفقوا على مزيد من التشرذم واللا اتّفاق.
حتمًا وَحدة العالم الإسلامي والعربي حُلمٌ تملأُنا تفاصيل تحقيقه، ونعلم جميعا أنه مطلب بعيد المنال في ظل ظروف الضعف والفُرقة، وهيمنة الغرب على بلادنا، وتنفّذ العملاء وأذناب الغرب فيها.
لكنِّ النموذج الأقرب لسقف طموحاتنا هو الاتحاد الخليجي.
*الحاصل أن دول الخليج يجمعها مجلس التعاون الذي أُسّس في بداية الثمانينيات بعد التنبّه إلى خطورة المد الإيراني، لكنه لا يتعدى صورة التعاون في وقت الأزمات للتعامل معها، دون أن تكون هناك رؤى استراتيجية مُوحّدة في التعامل مع الملفات الخارجية المختلفة.
*ما الذي يمنع دول الخليج من الدخول في اتحادٌ كونفدرالي؟
أليست دول الخليج ذات وحدة جغرافية واحدة؟
أليس دينها واحد؟ أليست لغتها واحدة؟
أليست تواجه أخطارا أمنية مشتركة؟
*هذا التعاون (الصورة القائمة الحالية للعلاقة بين الدول الخليجة) لن يكفل حماية أمن الخليج، فشئنا أم أبينا لابد من الاعتراف بأن الخليج (حتى اللحظة) يعتمد على غيره في تحقيق الاستقرار الأمني، ورغم أن الخليج تحرّك بقيادة السعودية في عاصفة الحزم في أولى الخطوات العملية لمواجهة المد الإيراني الذي يُهدد أمن الخليج، إلا أن دول المجلس لا تملك القوة اللازمة لحماية أمنها بصورة كافية.
*إن فشل تطبيق هذا المقترح حتى الآن وعدم وجود توافق خليجي عليه، يُعرض الخليج بأسره، لأن يكون مسرحا لتنفيذ أجندة إيرانية أمريكية.
وهذا هو ما يحدث الآن، فأمريكا وإيران، قد دخلتا في مرحلة التنسيق العلني وفق تقاطع المصالح، وما المفاوضات الأمريكية الإيرانية الأخيرة حول النووي الإيراني عنا ببعيد، حيث فشل الخليج في الحصول على ضمانات حقيقية تضمن أمن الخليج ضد المد الإيراني، فالمفاوضات جرت لتحقيق مصالح إيران على حساب أمن الخليج، وهو ما حدا بالملك سلمان إلى أن يتخلّف عن حضور كامب ديفيد ولقاء أوباما، كرسالة احتجاج وتذمّر (ضمنيّة) ضد الموقف الأمريكي.
*كانت هناك دعوات سعودية سابقة للانتقال من حالة التعاون إلى الاتحاد، ودخول دول المجلس في إطار كيان موحد، إلا أنها باءت بالفشل، فهناك مخاوف كبيرة من قِبل معظم حكام الخليج على مكانتهم السيادية مقابل ما يتوهّمونه من الاستبداد السعودي، باعتبار أن السعودية حتما هي من سيقود هذا الاتحاد.
*وفي دراسة أعدها يوئيل جوجنسكي تحت عنوان "هل دول الخليج في الطريق للاتحاد" نشرها مركز "موشي ديان" لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا، رأى الكاتب أن "تصريحات قادة المنظمة التي تصاحب أي اجتماع قمة وتُثني على التحديات المشتركة، وروابط الثقة والجيرة الطيبة، تتناقض مع افتقاد أعضائها القدرة على صياغة توافق في الآراء حول القضايا الأساسية للأمن القومي. وذلك على خلفية انعدام الثقة من الأساس – الخصومة التاريخية – المنافسة القبلية والنزاعات الإقليمية".
ويرى المفكر الإسلامي الدكتور عبد الله النفيسي، أن من أكبر عوائق الاتحاد الخليجي هو (الأسر الحاكمة) في دول الخليج، وخوفها على سيادتها وإطار هيمنتها، وتقيّدها.
ولكن هل يعقل أن تفكر النخب الحاكمة في الخليج بهذه الصورة في هذه المرحلة بالذات، ونُعرّض حدود تلك الدول لخطر المشاريع المختلفة وخاصة المشروع الصفوي الإيراني؟
يكفي لكي ندرك مخاوف إيران من وَحدة خليجية أو اتحاد خليجي، العلم بأن رئيس مجلس الشورى الإيراني "علي لاريجاني" أعلن أنه "إن كان مُقدّراً للبحرين أن تتحد مع دولة أخرى، فستكون إيران وليست السعودية" وذلك على خلفية الدعوة التي أطلقتها المملكة بضرورة الاتحاد الخليجي والتي لاقت ترحيبا من قبل البحرين خاصة.
وكما هو معلوم، فإن إيران تصرح بملكيتها للبحرين، ولا تُخفي أطماعها في سائر دول الخليج حتى السعودية نفسها.
*وتجدر الإشارة إلى أن الاتحاد الكونفدرالي الذي نادى به الدكتور النفيسي سابقا، "يتضمن ثلاثة مجالات: مجال السياسة الخارجية، والسياسة النفطية، والسياسة العسكرية".
فوحدة السياسة الخارجية تقتضي صياغة الموقف الرسمي من الملفات الخارجية والأزمات خارج الحدود وفق رؤية موحدة.
والسياسة النفطية، تقتضي الالتزام بسياسات موحدة تجاه النفط من حيث السعر والإنتاج ونحوهما.
والسياسة العسكرية تقتضي وحدة عسكرية واحدة تسخر فيها الإمكانات العسكرية لمجموع الدول، لحماية أمن الخليج عامّة.
*هذه المجالات الثلاثة هي أقل صورة يمكن صياغتها لوحدة خليجية، والتي من الخطأ اعتبارها ترفا أو كماليات، إنما هي ضرورة، للحفاظ على أمن واستقرار الخليج.
نعم التحديات كبيرة أمام تشكيل هذا الاتحاد، فالغرب والكيان الصهيوأمريكي وإيران، وغيرهم من قوى الشر، عملوا ولا زالوا على الحيلولة دون دخول دول الخليج في كيان مُوحّد، إلا أن دول المجلس ليس لديها خيار آخر، وهو ما يلزم معه إعلاء المصلحة العامة، والنظر إلى المكاسب الاستراتيجية المُتحقّقة من وراء إمضاء هذا المشروع، والخروج من النظرة الضيقة في تحقيق الأمن القومي عن طريق لعبة التوازنات والأحلاف، فالأرض التي لا تحميها القوة لن تدوم سلامتها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق