الخميس، 18 يونيو 2015

زفرة من أجل العراق

زفرة من أجل العراق

إحسان الفقيه

استسلم آخر ملوك الأندلس أبو عبد الله محمد الثاني عشر، وسلّم مفاتيح غرناطة المُسلمة إلى فرديناند وإيزابيلا في الثاني من يناير عام 1492م.

حينها لقبه أهل غرناطة بـ الزغابي أي المشؤوم أو التعيس، وبينما كان يخرج مع فرسانه وأقاربه بين صفوف الصليبيين، ألقى نظرة أخيرة على المدينة الرائعة التي فقدها، ولا تزال هذه البقعة تسمى "آخر زفرة للعربي".

وأما والدته الحرة "عائشة" فقد أطلقت في وجهه كلمتها التي سجّلها التاريخ وأذابت كبده كمدًا: ابكِ كالنساء، مُلكا لم تحافظ عليه كالرجال..

*أما حين ضيّع حُكام أمتي العراق وبغداد الرشيد.. فزفرة العربي لم تنبعث من حناجرهم، ولم يذرفوا الدمع على عراقنا، ولم يُلقوا عليها نظرة الوداع الأخيرة او رُبما أوْدعوها كتف جدارٍ مُعلّق في ( حُسن نوايانا) فلم تسقُط على أحد ..

فأيّ عار لحقهم، وأي ألقاب الشؤم والتعاسة سوف يُلبسهم التاريخ إياها على مرّ الأجيال؟

ألهذا الحد أصبحتِ يا عراق وحيدة؟ شريدة؟ يتيمة؟

من يزفر من أجلك؟ ومن يبكي (من قلبه) ويرثي؟ وهل كلّ ذلك سوف يُجدي؟

*يا لهذا العالم الذي رقّ قلبه لحالات الانتحار الجماعي للحيتان على سواحل نيوزيلاندا.

*وانتابته المخاوف تجاه انقراض الفيلة في إفريقيا..

*وتحرّكت فيه النزعة الإنسانية والخوف على تراثها عندما هدمت حركة طالبان تمثال بوذا..

*ويا لشهامة حُكام أمتي ومروءتهم ...

يسيرون في شوارع باريس يتأبطون ذراع زعيم بني صهيون تعاطُفا مع قتلى شارلي إيبدو.. واسم ذلك عن زبانية قصورهم (تسامح وإنسانية).

*ولو تراهم وهم يبرقون إلى رؤساء الدول الغربية بأحرّ التعازي عندما تسقط طائرة أو تغرق سفينة .. واسم ذلك عن ( كُتّاب المارينز وكُتّاب الاعمدة القاتمة في صُحُفنا) .. (أداء الواجب).

*وحبذا لو استمعت إلى تصريحاتهم النارية وحملتهم على الإرهاب وضرورة الضرب بيد من حديد، إذا ما استُهدفت حُسينية شيعية.. واسم ذلك ( وحدة وطنية وتوحيد صفوف وانفتاح على الآخر ورحمة بالأقليّات)..

وأما قتلى العراق، وثكالى العراق، ويتامى العراق، وكلّ الذين يئنّون خلف القضبان بالعراق، وكلّ اللواتي انتُهكت أعراضهنّ في العراق...

فلا بواكي لهم..

*هم يرددون خلف الشاعر قريط بن أنيف التميمي:

لَوْ كُنْتِ مِنْ مَازِنٍ لَمْ تَسْتَبحْ إِبِلِي  بَنُو اللَّقِيطَةِ مِنْ ذُهْلِ بْنِ شَيْبَانا

 

*في الوقت الذي كان قاضي النظام الانقلابي في مصر، يُطلق أحكام الإعدام بسخاء ضد الشرفاء من إخوتي المصريين، طالعتُ نبأ انتظار سبعة آلاف مُعتقل سنِّي التصديق على تنفيذ حكم الإعدام بحقهم من قبل الحكومة الشيعية الطائفية التي لا تعدو كونها ( ذَنبا إيرانيا).

نعم صُدمت بالخبر ولم أستغربه كثيرا، ولكني تلقيتُ صدمة أشدّ وأعظم، عندما رأيتُ هذا التجاهل على جميع الأصعدة والمستويات لهؤلاء المُعتقلين.

فما نطق حُكّام بلادي الذين ترنّموا بالعروبة ونصرة الأشقاء..

ولا صرخ علماء المسلمين على المنابر، ولا خرجت الخُطب النارية عن الأُخوّة الإسلامية والقضاء الفاسد و (الظلمُ ظلمات يوم القيامة).

ولم تتعطّف علينا فضائيات النزاهة وأمانة الكلمة بتقرير مزلزل عن الحدث.

ولم تجد الأقلام الرشيقة مدادا تكتب به شيئا عن تلك المعاناة والمأساة.

*هذا العدد الضخم تخيلت لو أنه سبعة آلاف تمثال لـ بوذا سوف تهدمه داعش..

تخيلتُ لو أنه سيتم قتل سبعة آلاف حمار وحشي.. او مجموعة قرود سلوكهم أصبح مُنفّرا في حديقة حيوان ما ..

تُرى كيف سيكون موقف المجتمع الدولي، ومُدّعي الإنسانية في بلادي؟

*ليس هذا هو المشهد الوحيد الذي يُدمي القلب ويستدرّ العبرات، ففي كل دقيقة صمت تمر علينا يُقابلها في العراق دمٌ ينزف أو صرخة تُدوّي.

*لماذا ضاعت العراق؟ لماذا تخلّينا عنها؟ لماذا تركناها كالكرة ترتدّ بين أقدام الأمريكان والفرس الإيرانيين؟

لماذا تركنا أهل السنة يُقاسون الأهوال على يد الحكومة الطائفية وميلشيات الحشد الشعبي؟

لماذا تركنا المؤامرات تمضي في أريحية على أرض العراق من أجل تقسيمها؟

وأخُصّ بالذكر أهل الخليج وقادتهم، لماذا تركتم العراق يلتهمها الفرس رغم أنها بوابتهم ومعبرهم إلى بلادكم؟

ضاعت العراق يوم أن تآمر عليها الأمريكان وحلفاؤهم وجوّعوا شعبها بالحصار، والغزو، وبخيانة الشيعة وأذناب الغرب من أمتي، وبالصمت العربي المهين.

نعم دعمتُ - ولا أزال – عاصفة الحزم التي قادتها السعودية ودول الخليج ضد الحوثيين الذراع الإيراني في اليمن، واستبشرتُ – ولا أزال – بالقيادة السعودية الجديدة، وقيامها بخطوة حيوية تجاه وقف الزحف الإيراني تجاه الخليج.

لكننا في الوقت ذاته نسأل حكام الخليج: لماذا نأيتم عن العراقيين وتركتموهم للأمريكان والفرس؟

أمن أجل الإرث العدائي القديم (غزو الكويت)؟

 لقد رحل صدام، ورحل حزب البعث..

أمن أجل قتال تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على أرض العراق؟

فأين كنتم قبل ظهور داعش؟

وهل هذا مُبرر كافٍ لترك أهل السنة في العراق صرعى مظالم، ورهن مخططات المجوس؟

يا أهل الخليج، العراق هي بوابة عبور عمائم قُم، فعلى الأقل حافظوا على أمن بلادكم بنصرة ودعم أهل السنة، واسحبوا قوّاتكم من التحالف الدولي (الصهيوصليبي الصفوي)، الذي يستهدف المدنيين.

لا يأتين عليكم يوم تقولون فيه: أُكِلنا يوم أُكل الثور الأبيض.

*أنتظر من قارئي أن يقول: لم تُقدّمي جديدا.

أوافقك الرأي، ولكني مثلك عندما ترغب في أن تزفر كلما ضاق صدرك والمرارة تنخر عظامك، وتعتصر قلبك.. فدعني أزفُر بصوت عالٍ..

فزفرةٌ من أجل العراق هي كُلّ ما أستطيع تقديمه للعراق ..

 وحسبنا الله ونعم الوكيل .. 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق