السبت، 6 يونيو 2015

استهداف السعودية.. المرحلة الثالثة!

استهداف السعودية.. المرحلة الثالثة!


طلعت رميح

جرى استهداف عاصمة العباسيين في العراق بالغزو والاحتلال والتفجير والتقسيم، والتغيير الديموغرافي جار لتغيير المعالم الحضارية كاملة.
وجرى استهداف عاصمة الأمويين بالحكم الطائفي والقتل والترويع، والعمل جار للدفع نحو التقسيم بعد التدمير.
 وكانت البداية أن جرى استهداف فلسطين حيث القدس والأقصى، بغزو واحتلال استيطاني وتطهير ديني وحضاري ما زال متواصلًا.
وفي كل ذلك كانت السعودية ذات الرمزية الأصل عند المسلمين، في موقع الإعداد الكبير لاستهدافها، فلم يكن من استهدف بغداد ودمشق والقدس، غافلًا عن استهداف السعودية، بل العكس هو الصحيح، والفارق فقط أن أمواج حركة الاستهداف تتقدم وتتراجع موجاتها، حسب معالم القوة والقدرة وظروف التوازنات الدولية والإقليمية.. إلخ.

والحاصل أن الاستهداف هو عملية ممرحلة تتناوب عليها الحكومات والقوى الغربية فتقوى حينًا وتضعف آخر، وتكون مباشرة حينًا، وعبر طرق التفافية حينًا آخر، اذ مضى الزمن الذي كان بإمكان الغرب استهداف الجميع في جملة واحدة توضع بعدها نقطة، كما كان حال الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية في مرحلة ما قبل الحرب العالمية الأولى.

لقد جرى استهداف فلسطين في عملية متواصلة ممتدة لأكثر من قرن، كانت بدايتها هناك في نهاية القرن التاسع عشر، عبر المؤتمر الصهيوني في بازل بسويسرا، وبدأت خطوتها الأولى في التنفيذ عبر الحرب العالمية الأولى، وتوجت بعد الحرب العالمية الثانية بإعلان الكيان الصهيوني دولة، وواصلت خط سيرها حتى الآن، تحت عنوان المفاوضات!.

وقد جرى استهداف العراق– برمزيتها بغداد- عبر زمن مطول تغير خلاله شكل الصراع والقوى المشاركة فيه، فانتقلت من استخدام حكم الشاه إلى زرع ودفع نظام الخوميني نحو المواجهة الطائفية العنصرية الخبيثة، وانتهت– ولم تنته وقائعها- إلى ما نراه الآن، من حكم طائفي، ومخطط تقسيم العراق الذي تحدد في الكونجرس الأمريكي منذ عام 1982.

كما جرى استهداف سوريا– برمزيتها دمشق- بتنصيب ومساندة النظام الطائفي النصيري وإحكام سيطرته على الحكم، ودفعه للحركة التحالفية مع إيران برمزيتها الصفوية والطائفية، ومن بعد حين جرى تحويل ثورة الربيع السوري إلى حرب واحتراب طائفي ونقلها إلى مربع التدمير، وفي ذلك تقف دمشق في انتظار التحرير، في مواجهة من يدفعون بها نحو التدمير.

وطوال كل ذلك، لم يغمضوا أعينهم عن حلم الوصول بالسعودية إلى ما يريدونه. وعلى مراحل كما هو الحال في كل حركات الاستعمار، التي تأخذ جميعها طابع التخطيط الاستراتيجي بعيد المدى. والغرب يدرك أن السعودية هي الأصل، الذي سيدفع الاقتراب الخاطئ منه، أمة كاملة إلى التوحد والمواجهة، فتكون الحركة حاسمة والمواجهة مع المشاريع والوجود الغربي شاملة.

كانت المرحلة الأولى من استهداف السعودية، مبكرة، وربما غامضة، فخلال الحرب الباردة لم يكن ممكنًا السفور في العمل ضدها من الطرف الذي هو بحاجه مرحلية لها في مواجهة الاتحاد السوفيتي، كما كان لوجود النفط بكميات ضخمة في السعودية دوره كعامل ضغط لعدم الدفع بعدم الاستقرار، إذ كان الخاسر هو الحضارة الغربية– المعتمدة على النفط كليًا- التي يتآمر ساستها على الأمة وفي القلب منها السعودية.
اعتمد المخططون الغربيون خلال تلك المرحلة، على فكرة توليد عوامل الضعف الدائم في القدرة السعودية، ودفعوا أطرافًا عربية لتصنع المشكلات في محيطها الحدودي لصناعة عداوات ثأرية وبيئة صراع يجري تجديده أو تصعيده على فترات.
كانت مرحلة تأسيس لمصادر التهديد الخارجي والداخلي ووضعها تحت السيطرة الاستراتيجية.

وجاءت المرحلة الثانية، عقب أحداث 11 سبتمبر، إذ جرى التحول بكل الضغوط نحو السعودية، وكم كان الموقف عصيبًا وقتها، حين جرى تفعيل الضغوط والتلويح بمصادر تهديد جديدة، بعد إضافة العراق لمصادر التهديد وضرب استقرار فكرة الأمن القومي العربي– بعد غزو واحتلال الكويت- وقد تطورت وتصاعدات الضغوط للحصول على قرار عربي بالصمت على غزو واحتلال العراق فيما بعد، وقد كان الكل يدرك أن احتلال العراق هو فتح لأبواب جهنم في الإقليم.

وكانت تلك هي البداية للمرحلة الثالثة التي شهدت دفعًا وتطويرًا لدور إيران ضد السعودية، إذ جرى إطلاق يد إيران وفتح كل المساحات المحظورة، حتى وصل الحال إلى تشكيل نقطة ارتكاز هجومية في جنوب المملكة– تحت ستار دور الأمم المتحدة– مع تفعيل الاضطراب الطائفي وعوامل التفكك والتشكك الداخلي، وفق ما هو حادث الآن في عملية التفجيرات الإرهابية، وهو قانون الحركة المعتمد في التحرك الغربي ضد كل الدول العربية.

هي المرحلة الثالثة في خطة الغرب، لمواجهة الرمزية الأصيلة للمملكة في العالم الإسلامي، لإضعاف الدور السعودي كقيادة للعالم الإسلامي بالاتهامات حينًا، والضغط العسكري حينًا آخر في المحيط، وعبر الأعمال الإرهابية المتحركة باتجاه تأجيج الأوضاع الطائفية.

ولذا تبدو عاصفة الحزم نقطة فصل في المواجهة باتجاه الخارج، كما تبدو عملية التجديد الداخلي ذات أبعاد تتعلق بقطع الطريق على التحركات المخططة في داخل السعودية، إذ ثمة تقدير بأن التجديد يستهدف تعزيز القدرة على القيادة والإدارة والحركة وإشاعة مناخ من الحسم الداخلي.

المواجهة ستطول وستصبح سافرة في المرحلة القادمة، بعد الاتفاق الأمريكي الإيراني، الذي يجعلهما صفًا واحدًا في ممارسة الضغط وفي المواجهة، والأغلب أن الأمور تتطلب تطويرًا سريعًا وحاسمًا لتشكيل شبكة تحالفات إقليمية وشبكة أمان استراتيجي تتناسب مع ما هو قادم.

المصدر : خاص - شؤون خليجية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق