الخميس، 10 سبتمبر 2015

القرضاوي.. على مشارف التسعين



القرضاوي.. على مشارف التسعين
عصام تليمة

أمس أكمل العلامة الشيخ القرضاوي عامه الـ89، فهو من مواليد 9 أيلول/ سبتمبر 1926، في الوقت الذي نحتفل-رغم أنه في الحقيقة لا يحتفل بذلك- بذكرى ميلاده، أو على الأقل بتذكره، تنطبع في الذهن صورة عالم ملء السمع والبصر، علما ودورا ومواقف، رغم كبر السن، لا يمنعه ذلك من قولة الحق، والعطاء والبذل، بشكل يتعب أمثالنا من صغار السن، فالرجل حتى الآن ما شاء الله قلمه سيال، وذهنه حاضر، ولا أنسى يوم أن كنا في لقاء ومعنا أحد شيوخه الكبار، وكان يمسك هذا العالم الجليل رحمه الله القلم ويده ترتعش، بعدها قال لي الشيخ: ادع الله لي أن يحفظ علي نعمة العقل والذاكرة، والإمساك بالقلم لا يرتعش في يدي.
وهو ما يجعل سفهاء وشيوخ الانقلاب يحقدون ويظنونه مثلهم يستأجرون من يكتب لهم، ولا يدرون أن الشيخ كل كتبه يكتبها كلمة كلمة، وحرفا حرفا بيده، دون إملاء منه لأحد، ما شاء الله لا قوة إلا بالله.

لقد عايشت الشيخ سنوات طوال، واقتربت منه فيها، ولذا يحار المرء عن أي جانب في مثل هذا اليوم يتحدث عنه، ويخبر عنه، يهاجمه من يهاجمه فلا يزيده ذلك إلا ثباتا على موقفه، فالرجل صلب في موقف الحق، لين في مواقفه الإنسانية، إلى أبعد حد، ففي حين تراه في مواقف الظلم والانتصار للمظلوم شديدا صلبا لا يهادن الظلمة والطغاة، كما رأيته بعيني حين زرنا ليبيا أيام القذافي، وزيارات أخرى يكون معنا فيها علماء آخرون، أراه لا يتهيب، وأرى غيره يشفق خوفا من بطش الحاكم الذي يخاطبه الشيخ، وأخيرا موقفه من الانقلاب العسكري، بل كنت أرى منه استخفافا بما يتوعده هؤلاء، فهل رأينا رجلا في سنه يحكم عليه بالإعدام فيقوم بعمل احتفالية ودعوة للناس في بيته احتفاء بحكمهم، ولما سألته أجابني بكل تواضع: إنني أرى نفسي أقل من أن ألقى الله شهيدا.

وبجانب هذه الصلابة في مواجهة الطغاة، نرى لينا في تعامله، وحبا للناس، وخدمتهم، ودمعته أقرب ما تكون إلى خده، مرة طلب أحد طلبة العلم في بلد عربي، كان يقوم بنيل درجة الماجستير عنه، طلب منه كتبه لأن ظروفه المادية لا تسمح له بشرائها، وحمل الشيخ كتبه كلها معه، ففوجئنا عندما وصلنا أن الطالب لم يأت لأخذ الكتب، فسألنا المشرف عليه، فقال: إنه طالب علم فقير، ومن محافظة بعيدة عنا، ولا يملك أجرة المواصلة ليقابلنا هنا اليوم، فوجئت بالشيخ يبكي بحرقة، ويقول لي: طالب علم ولا يجد ثمن مواصلة بسيطة ليصل إلى محافظة أخرى من بلده؟!! فقلت له: يا مولانا، كذلك كنا من قبل فمنَّ الله علينا، فقال: نعم، يا رب لك الحمد.

كنت أرى من يحقد عليه، ومن يستفيد منه كل خير، فيطعن فيه في ظهره، وينال منه، فلا يقابل ذلك إلا بالعفو والصفح، وعدم الانتقام، وسألته عن ذلك، فقال لي: إنني أعذر هؤلاء، على حسدهم وحقدهم، إن أعظم نعمة أنعم الله بها علي هي حب الناس، فتأتيني الرسائل من مشارق الأرض ومغاربها سواء كانت رسالة خاصة، أو استفتاء، وأجد في أولها دائما: نحبك في الله، وأعتقد أن هذا الحب هو سبب حسد البعض، وهي نعمة لو سجدت لله على الجمر ما وافيته حقه.

كنت أشفق على الشيخ القرضاوي من كثرة زياراته وحضوره أفراح الناس، فقلت له مشفقا: لماذا لا تخفف عنك بعضا من هذه الأعباء الاجتماعية مراعاة لصحتك وسنك؟ فقال لي: والله وددت يا عصام، لكني أرى فرحة في وجوه من أحضر أفراحهم بحضوري، وأجد في نفسي ما يمنعني من حرمان الناس هذه الفرحة التي أجدها في وجوههم.

الحديث عن شيخنا العلامة بمناسبة يوم مولده، ومناسبات أخرى يطول، لكني أردت فقط مرور الكرام على بستانه الرحب، وعملا بفتوى شيخنا القرضاوي التي يجيز فيها الاحتفال بيوم الميلاد، فأتقدم له بالتهنئة، سائلا الله أن يطيل عمره، ويحسن عمله، ويختم لنا وله بالصالحات من الأعمال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق