ماذا يجري في الأقصى: حوار مع الشيخ كمال الخطيب
أحمد بن راشد بن سعيد
اتّبع العدو سياسة النفس الطويل في تطويق الأقصى، منفّذاً حفريات واسعة تحته، ومفخّخاً الأحياء المحيطة به بالمستوطنات؛ سعياً إلى هدمه، وإلى ما يسمّيه «إعادة بناء الهيكل» فوق أنقاضه.
جماعات يهودية عدّة تنشط في التحريض على هدم المسجد وبناء الهيكل المزعوم مكانه.
في أواخر شهر تموز (يوليو) الماضي، نظّمت هذه الجماعات (للسنة الثانية على التوالي) ما أسمتها «ثورة الخيام»، تحت شعار «لا يوجد بيت لله»؛ محاولة بذلك تحريض اليهود على المشاركة في خيام نصبتها بالقرب من مقبرة «مأمن الله» وسط المدينة المقدسة.
في الأيام الثلاثة الأخيرة (السابقة لنشر هذا المقال) تعرّض الأقصى لاعتداءات غير مسبوقة هي الأعنف والأخطر منذ إحراقه عام 1969، وتهدف إلى ما يسمِّيه الخطاب الصهيوني: «التقسيم الزماني والمكاني» للمسجد، بحيث يُسمح لليهود بالصلاة فيه خلال أوقات محددة في مواضع محددة.
في مستهل الحملة العدوانية، دفعت قوات الاحتلال بأعداد كبيرة من الغاصبين (المستوطنين) والسائحين إلى المسجد (لا يقل عن 180 غاصباً و 750 سائحاً أجنبياً بحسب مديرية أوقاف القدس)، فضلاً عن تدنيس وزير الزراعة الصهيوني وأحد أكبر داعمي الاستيطان، أوري أرئيل، باحات المسجد. واستمرت الاعتداءات يومَيْ الإثنين والثلاثاء (تسمّى غالباً «اقتحامات»، وهو مصطلح محايد) مُخلّفةً إصابات واسعة في صفوف حرّاس الأقصى والمرابطين فيه، والذين حاولت قوات العدو إجلاءهم بالعنف.
كما ارتكبت هذه القوات جرائم تخريب واسعة داخل المسجد، في انتهاك سافر لثالث أقدس مكان في الإسلام، وفي خرق واضح للحريات الدينية التي تتشدق بها الدول الغربية الراعية للكيان الصهيوني.
اتصلت يوم الإثنين بالشيخ كمال الخطيب، نائب رئيس الحركة الإسلامية في فلسطين المحتلة، (كنت قد تشرفت بلقائه لأول مرة قبل سنوات في مخيم حج رعتْه رابطة العالم الإسلامي لضيوف خادم الحرمين، وأهداني زيت زيتون مستخلصاً من شجرة مجاورة للأقصى).
سألت الشيخ عما يجري في الأقصى هذه الأيام
فقال: «في كل سنة، وخلال موسم الأعياد اليهودية، تحدث اقتحامات جماعية للمسجد الأقصى، ومنذ شهر والجماعات اليهودية الدينية تتحدث عن قائمة الاقتحامات وفقاً للتواريخ التالية: 13.9 عيد رأس السنة العبرية؛ 23.9 عيد الغفران (ألكيبور)؛ و 28.9 إلى 5.10 عيد المظلة.
وافق أمس الأحد، واليوم الإثنين رأس السنة العبرية، ولذا، أقدمت الجماعات الدينية والحزبية على اقتحام الأقصى بحماية كل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وما ميّز هذا الاقتحام عن غيره من الاقتحامات السابقة العنف الشديد ضد المرابطين، والتخريب الواسع للممتلكات التاريخية، والاعتداء على حرّاس المسجد ومديره الشيخ عمر الكسواني، وإبعادهم مؤقتاً.
إلام يرمي الكيان الصهيوني بحديثه عن التقسيم الزماني والمكاني، وهل هو عازم وقادر الآن على تنفيذ هذا التقسيم؟
يجيب الخطيب: كان الهدف الاستراتيجي للمؤسسة الإسرائيلية ومايزال هو بناء الهيكل الثالث مكان قبة الصخرة المشرفة تحديداً، حيث يزعم اليهود كذباً أن الهيكل الثاني الذي هدمه تيطس الروماني عام 70 للميلاد كان في موضع القبة. ومن أجل تحقيق هذا الهدف، فإنهم يعتمدون أسلوب التدرج عبر تخصيص أزمنة ثابتة يدخل فيها اليهود الأقصى للصلاة، ولا يدخل فيها المسلمون، أو تخصيص أماكن لهم في ساحات تابعة للأقصى يدخلونها ولا يدخلها المسلمون.
وقد جاء هذا العرض بعد العرض الأول القاضي بأن ما تحت الأرض لليهود وما فوقها للمسلمين، والذي فشل خلال مفاوضات واي بلانتيشن عام 1998، حيث كان الشعب الفلسطيني ضاغطاً على المفاوض الفلسطيني برفض التفريط في الأقصى، فضلاً عن التأكيد أن جريمة المفاوض الفلسطيني أصلاً كانت سماحه بوضع الأقصى على طاولة المفاوضات.
وأما التقسيم الزماني والمكاني، فمصيره الفشل أمام صمود شعبنا رغم كل القمع. يسعى الاحتلال إلى إخلاء المسجد وساحاته بالقوة؛ ليتسنى له اقتحامها بيسر في أزمنة ثابتة (من 8 إلى 11 صباحاً، ومن 1:30 إلى 3:30 بعد الظهر). لكن صمود المرابطين يجعل المقتحمين في رعب دائم.
سألت الخطيب: هل يكفي الرباط في الأقصى لإجهاض خطة التقسيم المدفوعة بأسطورة الهيكل التي يعتنقها المجتمع الصهيوني بأطيافه كافة؟
بن غوريون قال ذات يوم: لا معنى لإسرائيل من دون القدس، ولا معنى للقدس من دون الهيكل.
يجيب: لا بد أن يستمر الرباط؛ ليدرك الاحتلال أن للأقصى أهلاً، وأن المقتحمين غرباء ولصوص.
ثم لا بدّ من هذا الحراك الإعلامي ليقرع آذان الغافلين والمتخاذلين. صحيح أن هذا الجهد وحده لا يكفي، لكنه يؤخر مشاريع الاحتلال ويعرقلها. المطلوب هو توفر إرادة التحرير من خلال مشروع عالمي تضطلع به الأمة كلها؛ حكومات وشعوباً. الأقصى بحاجة الى مشروع تحرير تماماً كمشروع التحرير زمن صلاح الدين الأيوبي.
لماذا اختار الكيان الصهيوني هذا الوقت بالذات للعدوان على الأقصى؟
يجيب الخطيب: المؤسسة الإسرائيلية تحسن قراءة الواقع السياسي العربي، وهي تنظر إلى هذه المرحلة بوصفها فرصتها الذهبية، حيث الوضع في المنطقة مأزوم ومضطرب، ففي مصر انقلاب، وفي سوريا مجازر، ومثلها في العراق، ودول الخليج منشغلة باليمن، فلم يعد ثمة مكان للاهتمام بالقدس وفلسطين. أضف إلى ذلك استمرار التنسيق الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية والذي يحدث من خلال قمع كل تحرك مناصر للقدس في المناطق التي تسيطر عليها السلطة.
سألت الخطيب: كأنك تشير إلى أن الانقلاب على الرئيس مرسي سهّل هذه الجرائم ضد الأقصى؟ فأجاب: «حتماً ويقيناً، فلقد صرّح أحد وزراء الاحتلال الإسرائيلي أن مجيء السيسي كان كرامة ربانية لبني إسرائيل كالكرامات التي كانت في غابر الأيام. إنّ موقف الرئيس مرسي خلال الحرب على غزة أواخر عام 2012 كان له أثره المباشر في وقف العداون. وقد رأينا، في المقابل، كيف كان موقف الانقلابيين من العدوان على غزة عام 2014. في يوم الأربعاء الماضي أعلن وزير الحرب الإسرائيلي، موشي يعلون، أن المرابطين في الأقصى تنظيم ارهابي، وبدلاً من أن نسمع موقفاً مصرياً مشرّفاً كموقف الرئيس مرسي، إذا بنا نسمع في اليوم نفسه خبر إعادة افتتاح السفارة الإسرائيلية في القاهرة».
وماذا عن الأردن، سألت الخطيب، أليست معاهدة «وادي عربة» الموقّعة بينه وبين الكيان الصهيوني تلزم الكيان بعدم تغيير طبيعة الأوضاع في الأقصى، وأن تشرف الحكومة الأردنية على المقدسات الإسلامية؟ ألا ينبغي أن يحتج الأردنيون؟
دور الأردن مهم جداً، يجيب الشيخ، «أولاً، لأنها تتمتع بالوصاية على الحرم الشريف، وثانياً لأنها تقيم اتفاقية سلام مع الاحتلال الإسرائيلي، لكن يبدو مع الأسف أن اعتبارات اخرى تحول دون استغلال هاتين الميزتين، وقد بلغت وقاحة الاحتلال حدّ ضرب حراس الأقصى واعتقالهم وإبعادهم، وعلى رأسهم مدير المسجد، وكلهم موظفون في وزراة الأوقاف الأردنية. ولذلك، فالأردن مطالبة اليوم بخطوات جادة لمواجهة هذه العربدة.
شاهدتك أمس في تقرير لقناة الجزيرة أمس تتحدث عن مكة والأقصى وعيناك تذرفان..لماذا بكيت؟
لم يكن في الحقيقة بكاء ضعف، يقول الشيخ، بقدر ما كان بكاء حرقة على الأقصى بعد الاعتداء على الإخوة المرابطين فيه، وطردهم منه بالقوة، تذكرت حال المسجد الأقصى وهو خالٍ من رواده بينما يعجّ المسجد الحرام بالحجاج.
هل بقي أمل في الحكومات العربية؟
لا نعوّل على الحكومات، يقول الشيخ كمال الخطيب، بل إن صمتها عما يجري في الأقصى رسالة تفهمها المؤسسة الإسرائيلية بوصفها موافقة، أو لا مبالاة على الأقل. المُعوّل بعد الله تعالى هو على الشعوب المباركة التي عرفت الطريق، وسعت إلى تغيير الأنظمة في مستهل الربيع العربي، وأنا على يقين أن أحد أهم أسباب الثورات المضادة هو ضمان وجود أنظمة تحمي حدود إسرائيل.
إن قراءة التاريخ تدلنا على حقيقة مؤدّاها أن الطريق الى القدس لا بد أن يمر عبر القاهرة ودمشق، هكذا كان الأمر زمن الصليببين، حيث سبق تحريرَ القدس تحريرُ القاهرة من الفاطميين العبيديين، وتحرير دمشق من الأمراء العملاء للصليبيين. وما كان بالامس يجب أن يكون اليوم، فلن تتحرر القدس إلا إذا تحررت القاهرة ودمشق.
• @LoveLiberty
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق