شريف عبد العزيز
الغرب ما زال محكوما بهواجس الماضي و أشباحه ، فهو لم يتخلص يوما من عقيدته الاستعمارية الساكنة في مستقر عقليته المهووسة بعداوة العالم الإسلامي، وذكراته الجمعية مازالت تحمل شحنات ضخمة من الكراهية والمواقف السلبية تجاه هذه البقعة من الأرض ، لذلك فإن كثيرا من تحركات الغرب قد تبدو غير مفهومة إلا من خلال هذا الإطار .
فالمرتكز الأساسي والرئيس للنفسية والعقلية الغربية ؛ هي عداوة العالم العربي والإسلامي.
عندما قرر العرب الاتفاق على غلق صنابير البترول أمام المصانع الأمريكية والهولندية وغيرهما من الدول المتحالفة مع الكيان الصهيوني أثناء حرب 73 ، تعرض الاقتصاد الغربي عموما والأمريكي خصوصا لأشد وأسوأ ضربة اقتصادية في القرن العشرين ، وعانى دافعوا الضرائب في أمريكا وكندا واستراليا وهولندا والبرتغال وغيرهم من شتاء قارس ومتاعب كثيرة ، ووقفت طوابير السيارات بالأميال أمام محطات البنزين الخاوية تنكاتها من نقطة بنزين جراء المقاطعة العربية ، وتوقفت آلاف المصانع على جانبي المحيط من جراء المقاطعة ، حتى استبد اليأس بالأمريكان والأوروبيون .
وفكر الأمريكان في احتلال حقول النفط في الخليج ، وقد كشفت وثائق بريطانية عن أن الولايات المتحدة فكرت فعليا في استخدام القوة للاستيلاء على حقول النفط في الشرق الأوسط أثناء حرب أكتوبر 1973 عندما حظرت الدول العربية صادرات النفط .
فقد أظهرت الوثائق أن الحكومة البريطانية كانت تعتبر هذا القرار خطيرا جدا لدرجة أنها وضعت تقييما مفصلا عن الخطوات التي قد تتخذها الولايات المتحدة .
وكانت الخطة الأمريكية تقوم على أساس أن القوات الأمريكية المحمولة جوا ستستولي على منشآت النفط في السعودية والكويت، وتطلب واشنطن من بريطانيا أن تفعل المثل في أبو ظبي بالإمارات .
وقد أظهرت الوثائق كيف يحتل تأمين إمدادات النفط قمة اهتمامات الحكومات .
وبعد فشل خطة الاحتلال العسكري لحقول النفط قررت أمريكا أن تبحث عن بديل لهذا السلاح الفتاك الذي اتضح أن العرب يملكون القدرة على تفعيله شريطة الاتفاق والاتحاد . ولم ينس الأمريكان يوما صفعة الحظر النفطي في حرب 73 ، وظل هواجس الانتقام تراودهم حتى عند المواطن الأمريكي العادي ، فالعالم لم ينس صورة الأمريكي الذي وقف يشيع كتيبة مقاتلة من الجيش الأمريكي في ولاية فلوريدا متجهة إلى غزو العراق سنة 2003، وقد حمل لافتة كبيرة كتب عليها : " خذوا نفطهم واركلوهم بالأحذية " .
فكان ذلك الحظر النفطي سببا عظيما دفعها إلى التفكير بجدية في متطلبات ضمان عدم تكرار الحظر وتفادي تأثيراته عليها. ويؤكد كثيرون أن الولايات المتحدة خاضت حروبا واشتركت في نزاعات مسلحة خلال العقود الثلاثة الماضية لضمان مصادرها من الطاقة وديمومة موقعها الاقتصادي القيادي العالمي. كما أنفقت الإدارات الأميركية المتلاحقة والشركات مئات المليارات من الدولارات لتطوير التقنيات وإنجاز البحوث والدراسات المتعلقة باستغلال مصادر الطاقة المتجددة (الرياح، الطاقة الشمسية، وطاقة الأمواج المائية)، إضافة إلى تعزيز استخدام الوقود الحيوي.
ومن جانب آخر، عكفت الشركات النفطية ومراكز البحوث والدراسات والجامعات إلى تطوير وسائل وتقنيات التنقيب عن النفط والغاز واستخراج مخزوناتها لضمان الحصول على أكبر إنتاج لأطول فترة زمنية ممكنة. واستمرت الولايات المتحدة في استيراد أكثر من نصف حاجتها من النفط والغاز، كما شجعت شركاتها للاستثمار في الرمال النفطية "رمال القار" إلى جانب الاستثمار في مشروعات لاستغلال "النفط الثقيل" وكذلك التنقيب عن النفط والغاز في القارة القطبية،وواصلت الولايات المتحدة حرصها على ضمان استمرار إستراتيجيتها في مجال الطاقة حتى تفجرت "ثورة الغاز الصخري" قبل سنوات قليلة في الولايات المتحدة الأميركية، لاسيما خلال العقد الأول من الألفية، حيث وضعت عدة سيناريوهات حول المسار المستقبلي لهذا "العصر الذهبي" المرتقب للغاز.
ففي حال استمرار ثورة الغاز الصخري في الولايات المتحدة الأميركية وامتدادها إلى دول أخرى، سيكون بوسع مستهلكي الطاقة توقع مستقبل زاهر يسيطر عليه الغاز الرخيص، ولكن في المقابل إذا ما انحسرت هذه الثورة في الولايات المتحدة الأميركية، وثبت أن هناك تضخيمًا لها، وتأكدت صعوبة استنساخها في دول أخرى من العالم .
بالجملة هل سينجح الغاز الصخري أو غاز الأردواز في الاطاحة بعرش البترول في سوق الطاقة ؟ وينجح الأمريكا في رد الصاع صاعين للعرب الذي أذاقوهم ذل المقاطعة سنة 73 ؟
الغاز الصخري المعروف باسم " الأردواز " هو غاز طبيعي يتولد داخل الصخور التي تحتوي على النفط بفعل الحرارة والضغط، ويحتاج هذا الغاز إلى المزيد من المعالجة قبل تدفقه، ولهذا السبب يصنفه المختصون بأنه غاز غير تقليدي.
وكما هي حال الغاز الطبيعي "التقليدي"؛ يكون الغاز الصخري إما جافًا أو غنيًا بالسوائل، ومنها الإيثان المفضل في صناعة البتروكيماويات .
ولتحرير الغاز الصخري لابد من القيام بعملية الحفر الأفقي والتكسير الهيدروليكي على نطاق واسع وباستخدام الماء والرمل وذلك لتحقيق الحد الأمثل من اتصال السطح بمكامن الغاز من أجل المحافظة على زيادة المسامية ،وفي الوقت الراهن، فإن هذه التقنية المتطورة إلى حد كبير تتوافر في الولايات المتحدة الأميركية بشكل رئيس، وبمستويات أقل في كثير من دول العالم الأخرى لاسيما في أوروبا ، غير أن هذه التقنية تتطلب حقن كميات كبيرة من المياه المعالجة بمواد كيماوية، وبالتالي فلابد من التصرف بالمياه الناتجة والتي تُدفع إلى السطح، وهذا الأمر يثير القلق من احتمال تلويث المواد الكيماوية المستخدمة في استخراج الغاز الصخري مصادر المياه الجوفية، ما قد يشكّل عائقًا رئيسًا أمام تطوير هذه الصناعة مستقبلاً ، أيضا تتسم معدلات إنتاج الغاز الصخري بتراجعها بنسب كبيرة خلال السنوات الأولى لبدء الإنتاج، حيث يكون أعلى معدل تراجع بعد السنة الأولى من الإنتاج ويصل إلى نحو 60% من أعلى مستوى للإنتاج، ثم يستمر في التراجع إلى أدنى مستوى له بعد سبع إلى تسع سنوات من بداية الإنتاج .
ومن شأن هذه الخصائص الطبيعية والإنتاجية للغاز الصخري أن ترفع من تكلفة إنتاجه؛ ما يؤدي إلى تخفيض ربحية الآبار المكتشفة منه .
ورغم ذلك كل هذه الاشكاليات إلا إن الرغبة في تأمين مصدر بديل للنفط ورد الصاع للعرب لقد دفعت الولايات المتحدة للتخلي "عمليا" عن كثير من ثوابتها البيئية ومطالباتها بتفادي التغييرات المناخية والحد من انبعاث الكربون، فبعد أن كانت تروج للغاز الطبيعي بأنه أفضل للبيئة، تحولت لترويج "الغاز الصخري" و"النفط الصخري" رغم أن أساليب استخراجهما يمكن أن تكون ملوثة للبيئة .
بل تحولت مسألة الغاز الصخري إلى قضية إستراتيجية حساسة وقضية أمن قومي لها الأولوية القصوى في أطروحات الحزبين الجمهوري والديمقراطي بالولايات المتحدة وكان ذلك واضحا ضمن حملات المتنافسين في الانتخابات الأميركية الأخيرة حين أكد المرشح الجمهوري ميت رومني قائلا: "إن فزت بالانتخابات فسأطبق سياسات تهدف إلى خفض اعتماد أوروبا على مصادر الغاز الروسية".
وهو بذلك يعني توفير الغاز الأميركي لسد حاجة أوروبا ، أما الرئيس باراك أوباما الديمقراطي فقال"إن الولايات المتحدة تستطيع تطوير إمدادات للغاز الطبيعي لمائة سنة قادمة، وهي احتياطيات قابعة تحت أقدامنا تستطيع خفض إمداداتنا من النفط بمقدار النصف بحلول 2020 وخلق أكثر من 600 ألف وظيفة في قطاع الغاز وحده".
وفي حديث خص به مجلة التايم الأميركية قال الرئيس أوباما بكل وضوح وصراحة : "إن جهودنا فيما يتعلق بالغاز الطبيعي والنفط ستتيح لنا حرية أكبر للتحدث مع الشرق الأوسط الذي نريد أن نراه، والعالم الذي نود أن نراه".
وذلك يدفع للاعتقاد بأن العلاقات الأميركية العربية التي كانت تحكمها مصالح النفط بالدرجة الأولى ستتغير في المستقبل من سياسة الحاجة الأميركية إلى النفط إلى سياسة المنافسة في تصديره، مما سيعيد ترتيب تلك العلاقات على أسس جديدة تكون أمريكا فيها متحررة من ضغوط الاحتياجات النفطية .
وأكد تقرير أعدته أعلى هيئة استشارية أميركية للشؤون الاستخبارية الإستراتيجية أن بلوغ الولايات المتحدة مرحلة تلبية حاجاتها من الطاقة ذاتيا سيجعل الإنتاج الأميركي يساهم في إضعاف قدرة منظمة أوبك على التحكم بأسواق النفط.
كما ستؤدي زيادة الإنتاج المحلي في الولايات المتحدة من النفط والغاز إلى خفض وارداتها من المزودين الحاليين وهم: كندا، المكسيك، دول في أميركا اللاتينية، المملكة العربية السعودية، ودول في غرب أفريقيا مما سيضطرهم للبحث عن أسواق بديلة.
ومن خلال متابعة تصريحات المراقبين والمختصين يمكن رصد آراء مختلفة فقد أكد راندي ولفل الرئيس التنفيذي لشركة نوفا كيميكالز، أن اكتشافات ما يعرف بالغاز الصخري ستحول الولايات المتحدة إلى أكبر منتج للنفط الخام والغاز الطبيعي خلال السنوات الخمس عشرة المقبلة .
لكن سيرغي كومليف -رئيس قسم عقود التصدير والتسعير في شركة غاز بروم الروسية- يعتقد أن الولايات المتحدة لن تستطيع تصدير الغاز بكميات وفيرة تفي بمتطلبات الغاز الأوروبية، وأن الأسعار المتدنية للغاز في الولايات المتحدة لن تدوم طويلا . أما جيمس ديمر نائب رئيس باس غلوبل، وهي مؤسسة استشارية، فإنه يعتقد أن استخراج الغاز يكلف حاليا أكثر من السعر الذي يباع به في الأسواق، ويتوقع توقف الاستثمارات في قطاع الغاز الصخري في نهاية الأمر وبالتالي ارتفاع سعر الغاز مجددا ، أما جاك غيرارد رئيس معهد البترول الأميركي فأكد أن الولايات المتحدة "تمر بنقطة تحول عظيمة في تاريخها وستعيد من خلالها تنظيم محاور الطاقة نحو الغرب ونحو سيطرتها " .
واستنادا لدراسة حديثة فإن النفط يمثل 40% من مصادر الطاقة في العالم، يليه الغاز ويمثل 25%، أما الفحم فيمثل 15%، وتمثل مصادر الطاقة النووية 8%، أما مصادر الطاقة المتجددة فتمثل 7.5%. وسيشهد العالم تراجعا ملموسا في استخدام مصادر الطاقة النووية بعد أن قررت اليابان وألمانيا وسويسرا الاستغناء نهائيا عن المفاعلات النووية لإنتاج الطاقة بعد كارثة مفاعل فوكوشيما في اليابان قبل عامين. وأعلنت اليابان أنها ستتوقف عن استخدام الطاقة النووية في توليد الكهرباء بعد العام 2020 ما يجعلها أكبر مستورد للغاز الطبيعي في العالم وثالث أكبر مستورد للنفط .
وعلى الرغم من التوقعات الكبيرة بأن يُحدث الغاز الصخري "ثورة" في مجال الطاقة في حال إمكانية استنساخه في دول أخرى من العالم غير أمريكا، فإن هذه التوقعات ربما تجد لها سقفًا محدودًا بالنظر إلى عوامل عديدة، أهمها :
ارتفاع تكلفة استخراج الغاز الصخري (غير التقليدي) مقارنة بنظيره الطبيعي التقليدي .
والتوجه العام نحو إنشاء إطار تنظيمي أكثر صرامة لعملية التكسير الهيدروليكي المستخدمة في إنتاج الغاز الصخري نظرًا لما يرافق هذه العملية من أضرار بيئية خطيرة .ومنها ازدياد الطلب الآسيوي على منتجات الطاقة التقليدية (النفط والغاز) بسبب النمو الاقتصادي المتسارع في العديد من دول هذه القارة .إنّ كل ذلك سيكون عائقًا لعملية تغيير المشهد الراهن المستقر لخارطة الطاقة العالمية في المدى القريب .
وبافتراض ازدياد إنتاج النفط والغاز الصخريين في بعض الدول غير الولايات المتحدة الأميركية صاحبة الخبرة والامكانات التقنية الكبيرة في هذا المجال، مثل دول أوربا الغربية مستقبلًا وهو بالمناسبة غير متوقع لأسباب كثيرة ، فإنَّ لدول الخليج ميزة لا يمكن منافستها في هذا المجال، ألا وهي ميزة انخفاض تكلفة الإنتاج؛ حيث يبقى المحدد الرئيس للجدوى الاقتصادية لأي منتج في العالم هو تكلفة الإنتاج.
فالتكلفة التقديرية لإنتاج النفط من المكامن الصخرية في الولايات المتحدة الأمريكية تترواح بين 50-75 دولارًا للبرميل الواحد، بينما لا تزيد تكلفة إنتاج البرميل الواحد من النفط في منطقة الخليج عن الــ 15 دولارًا ويعود ذلك لأسباب عديدة أهمها قرب مخزون النفط من السطح .
إجمالا سيظل الشرق الأوسط ساحة ذات أهمية جيوسياسية كبرى، وسيظل نفطه ضرورة أساسية لعمل الاقتصاد العالمي، وهذا يعني ضمناً أن المنطقة ستظل في الأرجح مصلحة إستراتيجية مركزية بالنسبة للولايات المتحدة ، ولن تستطيع أن تفك ارتباطها أو اعتمادها على نفط العالم العربي والإسلامي ، وأقصى ما سيفعله الغاز الصخري هو توفير مصدر جديد لمرونة الولايات المتحدة وتعمل على تعزيز مكانتها في العالم .
الغرب ما زال محكوما بهواجس الماضي و أشباحه ، فهو لم يتخلص يوما من عقيدته الاستعمارية الساكنة في مستقر عقليته المهووسة بعداوة العالم الإسلامي، وذكراته الجمعية مازالت تحمل شحنات ضخمة من الكراهية والمواقف السلبية تجاه هذه البقعة من الأرض ، لذلك فإن كثيرا من تحركات الغرب قد تبدو غير مفهومة إلا من خلال هذا الإطار .
فالمرتكز الأساسي والرئيس للنفسية والعقلية الغربية ؛ هي عداوة العالم العربي والإسلامي.
عندما قرر العرب الاتفاق على غلق صنابير البترول أمام المصانع الأمريكية والهولندية وغيرهما من الدول المتحالفة مع الكيان الصهيوني أثناء حرب 73 ، تعرض الاقتصاد الغربي عموما والأمريكي خصوصا لأشد وأسوأ ضربة اقتصادية في القرن العشرين ، وعانى دافعوا الضرائب في أمريكا وكندا واستراليا وهولندا والبرتغال وغيرهم من شتاء قارس ومتاعب كثيرة ، ووقفت طوابير السيارات بالأميال أمام محطات البنزين الخاوية تنكاتها من نقطة بنزين جراء المقاطعة العربية ، وتوقفت آلاف المصانع على جانبي المحيط من جراء المقاطعة ، حتى استبد اليأس بالأمريكان والأوروبيون .
وفكر الأمريكان في احتلال حقول النفط في الخليج ، وقد كشفت وثائق بريطانية عن أن الولايات المتحدة فكرت فعليا في استخدام القوة للاستيلاء على حقول النفط في الشرق الأوسط أثناء حرب أكتوبر 1973 عندما حظرت الدول العربية صادرات النفط .
فقد أظهرت الوثائق أن الحكومة البريطانية كانت تعتبر هذا القرار خطيرا جدا لدرجة أنها وضعت تقييما مفصلا عن الخطوات التي قد تتخذها الولايات المتحدة .
وكانت الخطة الأمريكية تقوم على أساس أن القوات الأمريكية المحمولة جوا ستستولي على منشآت النفط في السعودية والكويت، وتطلب واشنطن من بريطانيا أن تفعل المثل في أبو ظبي بالإمارات .
وقد أظهرت الوثائق كيف يحتل تأمين إمدادات النفط قمة اهتمامات الحكومات .
وبعد فشل خطة الاحتلال العسكري لحقول النفط قررت أمريكا أن تبحث عن بديل لهذا السلاح الفتاك الذي اتضح أن العرب يملكون القدرة على تفعيله شريطة الاتفاق والاتحاد . ولم ينس الأمريكان يوما صفعة الحظر النفطي في حرب 73 ، وظل هواجس الانتقام تراودهم حتى عند المواطن الأمريكي العادي ، فالعالم لم ينس صورة الأمريكي الذي وقف يشيع كتيبة مقاتلة من الجيش الأمريكي في ولاية فلوريدا متجهة إلى غزو العراق سنة 2003، وقد حمل لافتة كبيرة كتب عليها : " خذوا نفطهم واركلوهم بالأحذية " .
فكان ذلك الحظر النفطي سببا عظيما دفعها إلى التفكير بجدية في متطلبات ضمان عدم تكرار الحظر وتفادي تأثيراته عليها. ويؤكد كثيرون أن الولايات المتحدة خاضت حروبا واشتركت في نزاعات مسلحة خلال العقود الثلاثة الماضية لضمان مصادرها من الطاقة وديمومة موقعها الاقتصادي القيادي العالمي. كما أنفقت الإدارات الأميركية المتلاحقة والشركات مئات المليارات من الدولارات لتطوير التقنيات وإنجاز البحوث والدراسات المتعلقة باستغلال مصادر الطاقة المتجددة (الرياح، الطاقة الشمسية، وطاقة الأمواج المائية)، إضافة إلى تعزيز استخدام الوقود الحيوي.
ومن جانب آخر، عكفت الشركات النفطية ومراكز البحوث والدراسات والجامعات إلى تطوير وسائل وتقنيات التنقيب عن النفط والغاز واستخراج مخزوناتها لضمان الحصول على أكبر إنتاج لأطول فترة زمنية ممكنة. واستمرت الولايات المتحدة في استيراد أكثر من نصف حاجتها من النفط والغاز، كما شجعت شركاتها للاستثمار في الرمال النفطية "رمال القار" إلى جانب الاستثمار في مشروعات لاستغلال "النفط الثقيل" وكذلك التنقيب عن النفط والغاز في القارة القطبية،وواصلت الولايات المتحدة حرصها على ضمان استمرار إستراتيجيتها في مجال الطاقة حتى تفجرت "ثورة الغاز الصخري" قبل سنوات قليلة في الولايات المتحدة الأميركية، لاسيما خلال العقد الأول من الألفية، حيث وضعت عدة سيناريوهات حول المسار المستقبلي لهذا "العصر الذهبي" المرتقب للغاز.
ففي حال استمرار ثورة الغاز الصخري في الولايات المتحدة الأميركية وامتدادها إلى دول أخرى، سيكون بوسع مستهلكي الطاقة توقع مستقبل زاهر يسيطر عليه الغاز الرخيص، ولكن في المقابل إذا ما انحسرت هذه الثورة في الولايات المتحدة الأميركية، وثبت أن هناك تضخيمًا لها، وتأكدت صعوبة استنساخها في دول أخرى من العالم .
بالجملة هل سينجح الغاز الصخري أو غاز الأردواز في الاطاحة بعرش البترول في سوق الطاقة ؟ وينجح الأمريكا في رد الصاع صاعين للعرب الذي أذاقوهم ذل المقاطعة سنة 73 ؟
الغاز الصخري المعروف باسم " الأردواز " هو غاز طبيعي يتولد داخل الصخور التي تحتوي على النفط بفعل الحرارة والضغط، ويحتاج هذا الغاز إلى المزيد من المعالجة قبل تدفقه، ولهذا السبب يصنفه المختصون بأنه غاز غير تقليدي.
وكما هي حال الغاز الطبيعي "التقليدي"؛ يكون الغاز الصخري إما جافًا أو غنيًا بالسوائل، ومنها الإيثان المفضل في صناعة البتروكيماويات .
ولتحرير الغاز الصخري لابد من القيام بعملية الحفر الأفقي والتكسير الهيدروليكي على نطاق واسع وباستخدام الماء والرمل وذلك لتحقيق الحد الأمثل من اتصال السطح بمكامن الغاز من أجل المحافظة على زيادة المسامية ،وفي الوقت الراهن، فإن هذه التقنية المتطورة إلى حد كبير تتوافر في الولايات المتحدة الأميركية بشكل رئيس، وبمستويات أقل في كثير من دول العالم الأخرى لاسيما في أوروبا ، غير أن هذه التقنية تتطلب حقن كميات كبيرة من المياه المعالجة بمواد كيماوية، وبالتالي فلابد من التصرف بالمياه الناتجة والتي تُدفع إلى السطح، وهذا الأمر يثير القلق من احتمال تلويث المواد الكيماوية المستخدمة في استخراج الغاز الصخري مصادر المياه الجوفية، ما قد يشكّل عائقًا رئيسًا أمام تطوير هذه الصناعة مستقبلاً ، أيضا تتسم معدلات إنتاج الغاز الصخري بتراجعها بنسب كبيرة خلال السنوات الأولى لبدء الإنتاج، حيث يكون أعلى معدل تراجع بعد السنة الأولى من الإنتاج ويصل إلى نحو 60% من أعلى مستوى للإنتاج، ثم يستمر في التراجع إلى أدنى مستوى له بعد سبع إلى تسع سنوات من بداية الإنتاج .
ومن شأن هذه الخصائص الطبيعية والإنتاجية للغاز الصخري أن ترفع من تكلفة إنتاجه؛ ما يؤدي إلى تخفيض ربحية الآبار المكتشفة منه .
ورغم ذلك كل هذه الاشكاليات إلا إن الرغبة في تأمين مصدر بديل للنفط ورد الصاع للعرب لقد دفعت الولايات المتحدة للتخلي "عمليا" عن كثير من ثوابتها البيئية ومطالباتها بتفادي التغييرات المناخية والحد من انبعاث الكربون، فبعد أن كانت تروج للغاز الطبيعي بأنه أفضل للبيئة، تحولت لترويج "الغاز الصخري" و"النفط الصخري" رغم أن أساليب استخراجهما يمكن أن تكون ملوثة للبيئة .
بل تحولت مسألة الغاز الصخري إلى قضية إستراتيجية حساسة وقضية أمن قومي لها الأولوية القصوى في أطروحات الحزبين الجمهوري والديمقراطي بالولايات المتحدة وكان ذلك واضحا ضمن حملات المتنافسين في الانتخابات الأميركية الأخيرة حين أكد المرشح الجمهوري ميت رومني قائلا: "إن فزت بالانتخابات فسأطبق سياسات تهدف إلى خفض اعتماد أوروبا على مصادر الغاز الروسية".
وهو بذلك يعني توفير الغاز الأميركي لسد حاجة أوروبا ، أما الرئيس باراك أوباما الديمقراطي فقال"إن الولايات المتحدة تستطيع تطوير إمدادات للغاز الطبيعي لمائة سنة قادمة، وهي احتياطيات قابعة تحت أقدامنا تستطيع خفض إمداداتنا من النفط بمقدار النصف بحلول 2020 وخلق أكثر من 600 ألف وظيفة في قطاع الغاز وحده".
وفي حديث خص به مجلة التايم الأميركية قال الرئيس أوباما بكل وضوح وصراحة : "إن جهودنا فيما يتعلق بالغاز الطبيعي والنفط ستتيح لنا حرية أكبر للتحدث مع الشرق الأوسط الذي نريد أن نراه، والعالم الذي نود أن نراه".
وذلك يدفع للاعتقاد بأن العلاقات الأميركية العربية التي كانت تحكمها مصالح النفط بالدرجة الأولى ستتغير في المستقبل من سياسة الحاجة الأميركية إلى النفط إلى سياسة المنافسة في تصديره، مما سيعيد ترتيب تلك العلاقات على أسس جديدة تكون أمريكا فيها متحررة من ضغوط الاحتياجات النفطية .
وأكد تقرير أعدته أعلى هيئة استشارية أميركية للشؤون الاستخبارية الإستراتيجية أن بلوغ الولايات المتحدة مرحلة تلبية حاجاتها من الطاقة ذاتيا سيجعل الإنتاج الأميركي يساهم في إضعاف قدرة منظمة أوبك على التحكم بأسواق النفط.
كما ستؤدي زيادة الإنتاج المحلي في الولايات المتحدة من النفط والغاز إلى خفض وارداتها من المزودين الحاليين وهم: كندا، المكسيك، دول في أميركا اللاتينية، المملكة العربية السعودية، ودول في غرب أفريقيا مما سيضطرهم للبحث عن أسواق بديلة.
ومن خلال متابعة تصريحات المراقبين والمختصين يمكن رصد آراء مختلفة فقد أكد راندي ولفل الرئيس التنفيذي لشركة نوفا كيميكالز، أن اكتشافات ما يعرف بالغاز الصخري ستحول الولايات المتحدة إلى أكبر منتج للنفط الخام والغاز الطبيعي خلال السنوات الخمس عشرة المقبلة .
لكن سيرغي كومليف -رئيس قسم عقود التصدير والتسعير في شركة غاز بروم الروسية- يعتقد أن الولايات المتحدة لن تستطيع تصدير الغاز بكميات وفيرة تفي بمتطلبات الغاز الأوروبية، وأن الأسعار المتدنية للغاز في الولايات المتحدة لن تدوم طويلا . أما جيمس ديمر نائب رئيس باس غلوبل، وهي مؤسسة استشارية، فإنه يعتقد أن استخراج الغاز يكلف حاليا أكثر من السعر الذي يباع به في الأسواق، ويتوقع توقف الاستثمارات في قطاع الغاز الصخري في نهاية الأمر وبالتالي ارتفاع سعر الغاز مجددا ، أما جاك غيرارد رئيس معهد البترول الأميركي فأكد أن الولايات المتحدة "تمر بنقطة تحول عظيمة في تاريخها وستعيد من خلالها تنظيم محاور الطاقة نحو الغرب ونحو سيطرتها " .
واستنادا لدراسة حديثة فإن النفط يمثل 40% من مصادر الطاقة في العالم، يليه الغاز ويمثل 25%، أما الفحم فيمثل 15%، وتمثل مصادر الطاقة النووية 8%، أما مصادر الطاقة المتجددة فتمثل 7.5%. وسيشهد العالم تراجعا ملموسا في استخدام مصادر الطاقة النووية بعد أن قررت اليابان وألمانيا وسويسرا الاستغناء نهائيا عن المفاعلات النووية لإنتاج الطاقة بعد كارثة مفاعل فوكوشيما في اليابان قبل عامين. وأعلنت اليابان أنها ستتوقف عن استخدام الطاقة النووية في توليد الكهرباء بعد العام 2020 ما يجعلها أكبر مستورد للغاز الطبيعي في العالم وثالث أكبر مستورد للنفط .
وعلى الرغم من التوقعات الكبيرة بأن يُحدث الغاز الصخري "ثورة" في مجال الطاقة في حال إمكانية استنساخه في دول أخرى من العالم غير أمريكا، فإن هذه التوقعات ربما تجد لها سقفًا محدودًا بالنظر إلى عوامل عديدة، أهمها :
ارتفاع تكلفة استخراج الغاز الصخري (غير التقليدي) مقارنة بنظيره الطبيعي التقليدي .
والتوجه العام نحو إنشاء إطار تنظيمي أكثر صرامة لعملية التكسير الهيدروليكي المستخدمة في إنتاج الغاز الصخري نظرًا لما يرافق هذه العملية من أضرار بيئية خطيرة .ومنها ازدياد الطلب الآسيوي على منتجات الطاقة التقليدية (النفط والغاز) بسبب النمو الاقتصادي المتسارع في العديد من دول هذه القارة .إنّ كل ذلك سيكون عائقًا لعملية تغيير المشهد الراهن المستقر لخارطة الطاقة العالمية في المدى القريب .
وبافتراض ازدياد إنتاج النفط والغاز الصخريين في بعض الدول غير الولايات المتحدة الأميركية صاحبة الخبرة والامكانات التقنية الكبيرة في هذا المجال، مثل دول أوربا الغربية مستقبلًا وهو بالمناسبة غير متوقع لأسباب كثيرة ، فإنَّ لدول الخليج ميزة لا يمكن منافستها في هذا المجال، ألا وهي ميزة انخفاض تكلفة الإنتاج؛ حيث يبقى المحدد الرئيس للجدوى الاقتصادية لأي منتج في العالم هو تكلفة الإنتاج.
فالتكلفة التقديرية لإنتاج النفط من المكامن الصخرية في الولايات المتحدة الأمريكية تترواح بين 50-75 دولارًا للبرميل الواحد، بينما لا تزيد تكلفة إنتاج البرميل الواحد من النفط في منطقة الخليج عن الــ 15 دولارًا ويعود ذلك لأسباب عديدة أهمها قرب مخزون النفط من السطح .
إجمالا سيظل الشرق الأوسط ساحة ذات أهمية جيوسياسية كبرى، وسيظل نفطه ضرورة أساسية لعمل الاقتصاد العالمي، وهذا يعني ضمناً أن المنطقة ستظل في الأرجح مصلحة إستراتيجية مركزية بالنسبة للولايات المتحدة ، ولن تستطيع أن تفك ارتباطها أو اعتمادها على نفط العالم العربي والإسلامي ، وأقصى ما سيفعله الغاز الصخري هو توفير مصدر جديد لمرونة الولايات المتحدة وتعمل على تعزيز مكانتها في العالم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق